إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الذكرى المئوية الثانية لأبو الأدب الحديث نيقولاي جوجول

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

الذكرى المئوية الثانية لأبو الأدب الحديث نيقولاي جوجول Empty
مُساهمةموضوع: الذكرى المئوية الثانية لأبو الأدب الحديث نيقولاي جوجول   الذكرى المئوية الثانية لأبو الأدب الحديث نيقولاي جوجول Empty5/5/2009, 1:05 pm

الذكرى المئوية الثانية لأبو الأدب الحديث نيقولاي جوجول Uonsko

اليونسكو تُطلق عام جوجول
أعلنت اليونسكو أن عام 2009 هو عام الأديب الروسي الكبير نيقولاي جوجول، ويحتفل العالم هذا العام بالذكرى المائتين لرحيل جوجول، وبهذه المناسبة فقد أقامت الحكومة الروسية أول متحف للكاتب العظيم الذي يعتبر إحدي جواهر الأدب العالمي في موسكو، وأقيم المتحف في المنزل الذي شهد آخر السنوات في حياته حتي وفاته عام 1852، وهو المعروف ببيت جوجول، ويتكون المتحف من غرفة للنوم، وغرفة المعيشة، ولا يحتوي المتحف إلا على القليل من مقتنيات الأديب الراحل، حيث فقدت بحكم الزمن معظم أثاره وأشيائه، هذا وسوف يشارك في الاحتفال بجوجول كل من فرنسا وإيطاليا وألمانيا، ويعد جوجول من مؤسسي المدرسة الأدبية الجديدة في روسيا وهي المدرسة الواقعية، واهتم بالفلكلور الأوكراني واستطاع دمج أمثاله الشعبية في قصصه لأول مرة في تاريخ الأدب الروسي، ما مكنه من جذب أنظار القراء والنقاد الذين وجدوا في كتاباته أسلوباً جديداً غير مطروق من قبل، ومن أشهر أعماله "أمسيات في مزرعة قرب نهر ديكانكا".
ارتبط نيقولاي جوجول بمقولة شهيرة هي ان كل كتاب القصة " خرجوا من معطف جوجول" ..قصة المعطف لجوجول من اشهر اعماله وقد تاثر بها الكثير من الكتابوتعتبر من النصوص المؤسسة لفن القصة القصيرة...اهتم جوجول في كتاباته بالجانب الروحي والسيكولوجي..ويقال ان علاقة جوجول بزملائه لم تكن بسيطة , وكانوا يسمونه باللغز والغريب..كتب جوجول الي امه قبل بضعة اشهر من تخرجه من المدرسة : " انا اعتبر لغزا لدي الجميع , ولا احد حلني اطلاقا..".. وجوهر ما يؤلف لغزية جوجول هو انه في ظاهره يبدو بسيطا جدا , بينما هو في داخله , في باطنه الخفي , معقد جدا.. ويجب ان يقرا جوجول بعناية فائقة دون التوقف عند الموضوع او الحدث فحسب ولكن ايضا بالنفاذ الي اصغر الدقائق والتفاصيل.. يوما قال جوجول " ..لقد كنت طوال حياتي الي جانب الخير..."

انه نيقولاي فاسيليفيتش جوجول
• ولد في الأول من أبريل 1809 في قرية " يانوفشينا " في أوكرانيا ، وكان والده صاحب ارض زراعية هناك .
• 1818 توجه هو واخوه إلي مدينة بولتافا poltava لاكمال تعليمهما ، وهناك في مدرسة العلوم العليا تعرف على الأفكار التقدمية ( رو سو ومنتسكيو وغيرهما ) من خلال محاضرات بعض أساتذته .
• 1828 أنهى دراسته وعاد إلي قريته .
• 1829 غادر القرية إلى بطرس برج عصمة روسيا آنذاك .
• 1831 ظهرت مجموعته القصصية الأولي " أمسيات قرب قرية ديكانكا " Village evenings near Dikanka وقد لقيت استقبالا حسنا .
• خطط لكتابة تاريخ روسيا في العصور الوسطى ، وهو مشروع لم ينفذ أبدا ،لكن أتاح له العمل كمساعد أستاذ في جامعة بطرس برج ، لكنه استقال 1835 ليتفرغ للأدب .
• 1835 أصدر مجموعته القصصية الثانية " ميرجورود" Mirgorod وهو اسم مدينة قرب قريته ومن بين قصص هذه المجموعة رويته القصيرة الشهيرة " تاراس بولبا Taras Bulba وكانت علامة على بداية مرحلة مهمة في حياته الأدبية ، أكسبته هذه المجموعة شهرة كبيرة . كما أنهى في هذا العام (1835) مسرحيته " العرس"
• 1836 صدرت مسرحيته الشهيرة " المفتش العام " " The govem-ment inspector على المسرح في حفل حضره القيصر. كما كتب في هذا العام قصته التي نقدمها في الكتاب : الأنف The Nose.
• نتيجة لما لقيته المسرحية من نقد شديد من القيصر وحاشيته قرر جوجول مغادرة روسيا إلى الخارج 1836 ليعيش اثنتي عشرة سنه بعيدا عن بلده ألا لفترات قليلة . وكانت أقامته الأساسية في روما .
• 1841 انتهى من كتابة الجزء الأول من روايته الشهيرة " النفوس الميتة Dead souls فعاد إلي روسيا لينشرها وصدرت سنه 1842 قصته الشهيرة : المعطف The great coat
• بدأ كتابه الجزء الثاني من" النفوس الميتة " لكنه أصيب بانهيار عصبي 1845 فأخرق ما كتبه من هذا الجزء وبدأ ينجذب بقوة نحو قراءة الكتب الدينية .
• 1848 عاد إلى روسيا وبدأ ثانية في كتابه الجزء الثاني من (النفوس الميتة ) وانتهي منها بالفعل 1851 لكن لسوء الحظ وقع تحت تأثير أحد رجال الدين المتعصبين وقد كان يعتبر العمل الأدبي مقيتا إلى الله وقد طلب من جوجول أن يتلف الجزء الثاني من النفوس الميتة ويكفر عن أثم كتابته للجزء الأول بالعودة إلى الدين .
• 1852 بعد صراع نفسي هائل ، قرر جوجول تنفيذ رغبة رجل الدين ، فأخرق الثاني من روايته ليله 24 فبراير 1852 ، ولجأ إلى فراشه ورفض تناول أي طعام ، وتوفي بعد تسعة أيام في 4-5 مارس 1852 وبعد وفاته أكتشفت بعض مسودات الجزء الثاني .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

الذكرى المئوية الثانية لأبو الأدب الحديث نيقولاي جوجول Empty
مُساهمةموضوع: رد: الذكرى المئوية الثانية لأبو الأدب الحديث نيقولاي جوجول   الذكرى المئوية الثانية لأبو الأدب الحديث نيقولاي جوجول Empty5/5/2009, 1:11 pm


الذكرى المئوية الثانية لصاحب «تيراس بولبا»
الروسي غوغول الذي خرج من «معطفه» الأدب الحديث

بقلم: يوسف ضمرة
تحتفل روسيا وأوكرانيا وبلدان أخرى بالذكرى المئوية الثانية لولادة الكاتب الكبير نيقولاي غوغول الذي كان له - ولا يزال - أثر كبير في الرواية العالمية الحديثة. ولئن اختلفت روسيا وأوكرانيا أخيراً حول هوية غوغول وحاولت كل منهما «احتكاره»، فإن هذا الكاتب الكبير تخطى تخوم التاريخ والجغرافيا ليصبح عالمياً، من غير أن يتخلى عن روحه الروسية. أما عربياً فكان أثر غوغول بيناً في الكثير من الروائيين والقاصين العرب. هنا «بروفيل» لغوغول.


يستطيع أي قارئ أو متصفح للإنترنت، أن يحصل على كثير من المعلومات عن الكاتب الروسي نيقولاي غوغول، وربما قراءة بعض المقالات النقدية أيضاً. ولم يكن مستغرباً أن تتمحور المقالات الاحتفالية بالمئوية الثانية لهذا الكاتب، حول حياته القصيرة ومؤلفاته. أما بالعربية فكتب عنه أيضاً وقد ترجمت قصص له ومسرحيات وروايات. لكن الكتاب العرب يركزون جل اهتماماتهم على السخرية في إبداعات غوغول، متناسين أو متجاهلين أو غير مدركين الكثير من الأبعاد الأخرى ذات الأهمية الفائقة.
والحقيقة هي أن السخرية في عالم غوغول، تكاد تكون أمراً ثانوياً، بالمقارنة مع الغرائبية واللامعقول في هذا العالم، بحيث يمكن القول إن كاتبين مثل كافكا وإدغار ألان بو ربما تأثرا إلى حد كبير بإنتاج غوغول.
لكنّ غرائبية غوغول ليست من ذلك النمط الذي اعتدناه في مسرح اللامعقول عند يونيسكو مثلاً، على رغم التشابه الماثل بين الخرتيت والأنف. ولا من ذلك النمط المتجهم في كتابات كافكا وألان بو. وربما لعبت الحكايات الشعبية والخرافات الأوكرانية والروسية دوراً في ذلك، حيث يميل غوغول إلى الكتابة الواقعية في الأساس، ولكن هذه الواقعية الموشاة بالتقاليد الميثولوجية والشعبية والخرافة، تمنح عالمه بعداً غرائبياً لم يركز النقاد اهتمامهم عليه.

وإذا قال ديستويفسكي «لقد خرجنا جميعاً من معطف غوغول»، فإن ذلك لا يعني أن نضع غوغول وغوركي وديستويفسكي وأنطون تشيخوف في خانة واحدة. فلكل كاتب من هؤلاء واقعيته الخاصة التي تميزها بصمته الإبداعية. ولكننا ربما نرى في نماذج تشيخوف القصصية وأبطاله شبهاً ببعض نماذج غوغول، كشخصية أكاكي أكاكيفيتش في «المعطف»، وجوقة شخوص تشيخوف الذين ينتمون إلى هذا العالم السفلي البارد والمظلم، في مواجهة عالم القوة والظلم والقهر. وربما تكون شخصيات مثل الموظف الذي مات خوفاً، والحوذي الذي راح يبوح للحصان بألمه وحزنه في قصة «وحشة»، نموذجاً لهذا التشابه الكبير. فحين نقرأ معاناة الموظف الذي عطس في قاعة المسرح عند تشيخوف، ونتابع إلحاحه المذل على الاعتذار من رئيسه الذي كان أمامه في الصالة، نتذكر ضآلة أكاكي أكاكيفيتش أمام الجنرال الذي توسط لديه للعثور على معطفه المسروق. ونرى في الحوذي مرة أخرى صورة أكاكي وهو يكلم نفسه بعد ضياع المعطف، ناهيك عن موته قهراً كالموظف عند تشيخوف.

لقد تُرجمت نصوص غوغول إلى العربية في وقت مبكر، ما أدى إلى اكتشاف هذا الكاتب العظيم عربياً، وتلمس التشابه الكبير بين الواقعين، الفني الغوغولي والموضوعي العربي. ولعل هذا التشابه هو الذي قاد كاتباً مسرحياً عربياً مهماً مثل سعدالله ونوس، إلى إعداد رواية غوغول «يوميات مجنون» مسرحياً، وتولى إخراجها واحد من أكثر المخرجين العرب الذين امتلكوا رؤية حداثية للنص، ولعلاقته بالمتلقي، وهو المخرج السوري فواز الساجر الذي قدم من قبل أعمالا على درجة كبيرة من الأهمية مثل «كاليغولا» قبل أن يخطفه الموت سريعاً. وهذا التشابه أيضاً هو الذي قاد فناناً عربياً كبيراً هو دريد لحام إلى تحويل مسرحية غوغول «المفتش العام» إلى مسلسل تلفزيوني كوميدي راج في سبعينات القرن الماضي.

إن أي مقارنة بين نصوص غوغول، ونصوص عربية سردية عدة، سوف تمكننا من العثور على الروح المشتركة في هذه النصوص كلها. وهذا ما يمكن قوله في الإبداعات الإنسانية غير المحكومة بالزمان والمكان توثيقياً، بل هي محكومة بشروط تاريخية ومعطيات ايديولوجية محددة. وليس غريباً أن يكون موظفو نجيب محفوظ مثلا، هؤلاء البسطاء والفقراء الغارقون في بؤسهم ومعاناتهم اليومية، شديدي الشبه بالسيد أكاكي أكاكيفيتش في قصة «المعطف». بل، ولولا طموح «حضرة المحترم» في الوصول إلى مرتبة أعلى في الوظيفة، لأمكن القول إننا أمام صورة أخرى للسيد أكاكي.
ولكن، هل كان غوغول معنياً فقط بنقل معاناة الفقراء والمظلومين في المقام الرئيس، أمام بطش البيروقراطية والنظام القيصري ومجتمع النبلاء المستبد؟

ربما يكون الأمر كذلك عند المؤلف. لكنه لن يظل كذلك عند القارئ والمتلقي. فالرغبات التي يسقطها الكاتب على أبطاله وشخوصه ووقائع قصصه ونصوصه، ليست سوى رغباته الشخصية الخارجية والمعلنة، التي تمثل رغبات الطبقات المسحوقة في عالم القهر والاستبداد. لكنّ هذه الرغبات لا يتم التعبير عنها في أشكال مباشرة أو خطاب تحريضي كما فعل غوركي مثلا. فغوغول يتمتع بمخيلة متوقدة إلى حد لم يكن متوقعاً في تلك المرحلة في روسيا أو غيرها في الكتابة السردية. فنحن نتحدث عن بدايات القرن التاسع عشر، آن سيادة الكتابة السردية الواقعية المباشرة، حتى وإن تأثرت بالتحليل النفسي الذي شاع في تلك المرحلة. وقد احتاج كافكا وإدغار ألان بو ويوجين يونيسكو إلى ما يقارب قرناً من الزمان كي يجرؤوا على إطلاق العنان لمخيالهم كما فعل غوغول في «الأنف» مثلاً، وحتى في «المعطف». فبطل كافكا استيقظ بعد ذلك الوقت كله ليجد نفسه وقد تحول دودة لزجة في المسخ، بينما كان بطل غوغول استيقظ قبل ذلك بكثير، ليكتشف أن أنفه انفصل خلال نومه عن وجهه، وأن وجهه صار مجرداً من الأنف، وأن أنفه ارتدى ربطة عنق وأخذ يدور في المدينة متنقلا من شارع إلى آخر.

بطولة قومية
لكنّ امتزاج الذاتي بالعام، الذي بانت ملامحه الأولية في حكايات قرية دكنكا، كان امتزاجاً عكراً إلى حد ما، كما هي الحال أيضاً في «المفتش العام» و «تراس بولبا»، على رغم أن «تراس بولبا «تتميز بذلك النفس الملحمي، وفيها نحن أمام بطولة قومية عامة تمثلها جماعة أوكرانية يستهدفها البولنديون الغزاة. وعلى رغم ذلك، فقد حفلت بثراء قوي حول قيم إنسانية عامة كالحب والشجاعة والوفاء.
وطالما كانت الكتابة أيضاً تنفتح على القارئ فيشارك المؤلف في تأليف المعنى، أي أن الكتابة لا تنتهي إلا بانتهاء القارئ منها لا بانتهاء المؤلف من كتابتها بحسب رولان بارت. أي أن الإرجاء صفة ملازمة للكتابة كما يشير التفكيك، فإن قصص غوغول ترفض إغواءات مؤلفها الخاضعة للوعي الزائف، وهي المتمثلة في تحقيق رغباته المعلنة في خلال الكتابة النقدية. فالسيد أكاكي أكاكيفيتش ينتظر قارئاً ما كي يعيد صوغ أفكاره ومشاعره ورؤيته إلى الحياة. ولن يكون هذا القارئ قانعاً بالتحسر على مصير السيد أكاكي أكاكيفيتش، بمقدار ما سيجد نفسه معنياً بالبحث في أعماق الشخصية أولا عن سر هذه الضآلة البشرية، ومن ثم تلمس أعماقه هو كقارئ يصاب بالخوف من أن يكون الإنسان عموماً مجبولاً على هذا النحو. أي أن يكون القارئ نفسه على درجة واحدة من الضآلة التي بدا فيها السيد أكاكيفيتش. فلكي يكون القارئ قادراً على المشاركة في تأليف المعنى، أو لكي يكون قادراً على اتباع طرق التأويل المتعددة والمتشعبة، فإنه لن يجد مفراً في لحظة أساسية من تمثل هذه الشخصية المضطربة، سعياً لاكتشاف دواخلها الغريبة.

ليس في مقدور معطف مسروق أن يميت صاحبه، تماماً كما هي الحال مع موظف تشيخوف صاحب العطسة، لكنّ هذا الرعب الذي يستوطن أعماق أكاكيفيتش من الجنرال، لم يكن عابراً أو نزوة طارئة. فقد وصف الكاتب من قبل مدى الدرجة التي بلغها أكاكيفيتش في انسحابه من عالمه وابتعاده عن محيطه. وهو انسحاب جرى قبل سرقة المعطف. أي أن المعطف كان سبباً في تتويج انسحاب أكاكي أكاكيفيتش من محيطه العام بالخاتمة الحتمية المتمثلة في الموت. وهو ما حصل مع موظف تشيخوف، ومع الحوذي الذي استبدل الحصان بالناس.
كانت سرقة المعطف نفسياً تشير إلى تعرية أكاكي أكاكيفيتش أمام الآخرين وأمام ذاته. فهو لطالما عانى من سخرية الآخرين، ولطالما واجه ذلك بمزيد من الانسحاب الداخلي السيكولوجي، والانسحاب الموضوعي بالابتعاد والانزواء والعزلة، وحتى عدم التفكير بالأمر، من خلال إشغال وقته في المنزل بوظيفته، التي تبدو الرابط الوحيد بينه وبين الحياة.
وفي قصة «الأنف»، يفاجأ المقدم كوفاليوف ذات صباح بانفصال أنفه عن وجهه، ولن يجد طريقة أو مبرراً لمنظره الجديد أمام الناس. ولكنه يتخيل في ما بعد أن أنفه أخذ يلاحقه في الشوارع طالباً منه العودة إلى مكانه.

ولن يكون من الصعب العثور في هذه القصة على مدى التشوه الذي حل في الروح البشرية، وإن بدا هذا التشوه غرائبياً وغير معقول في مظهره. فالمقدم الذي هو في العادة ضابط على قدر كبير من الأهمية والمهابة والرجل الذي يخشاه الناس العاديون والبسطاء، يكتشف فجأة أنه فقد أنفه، ولنا أن نتخيل ـ كما افترض هو ـ شكله من دون أنف! سوف يتحول هذا المقدم صاحب العظمة والمهابة النمطية، إلى مدعاة للسخرية، بسبب هذا التشوه الغريب الذي أصابه. لكنّ هذا التشوه لا يراه الآخرون، بل هو نفسه، ما يؤشر إلى أن المقدم كوفاليوف اكتشف في لحظة صفاء تاريخية أن كل هذه المهابة التي امتلكها، مجرد مجد عابر وسطحي، بينما الحقيقة هي أنه يدرك مقدار التشوه الذي حل في روحه، في ظل نظام استبدادي قائم على استعباد الآخرين وترويعهم. ويصل الأمر في «الأرواح الميتة» إلى المتاجرة حتى بأسماء العبيد في ظل دولة الإقطاع.
في هذه المناخات اللاإنسانية برز غوغول، ما قاده إلى إبداع كتابات مفارقة ومغايرة، حتى ولو كانت بعض أفكارها العامة مستمدة من آخرين، مثل بوشكين الذي كان صاحب فكرة «الأرواح الميتة». وهذه المناخات هي ذاتها التي أنتجت آدابا في السياق ذاته، حتى في الأدب العربي الحديث، كما هي الحال في رواية «اللجنة» لصنع الله إبراهيم. صحيح أن الأحداث مختلفة، لكنّ الروح واحدة. فحين يكتشف المرء ضآلته وانسحاقه أمام الآلة الاستبدادية والبيروقراطية، فإنه سيكون مستعداً لصوغ هذه البشاعة الإنسانية، غير مبال بالتقاليد الاجتماعية والأدبية.
وإذا كان العالم كله يحتفل بالمئوية الثانية لولادة هذا الكاتب الكبير، فإن هذا العالم نفسه لا يزال ابناً شرعياً لذاك العالم الذي عاشه غوغول، حيث اللصوصية المتعددة الجنسيات، وحيث الاستبداد والظلم والقهر كلها لا تزال جاثمة على صدور الملايين من البشر، الذين يعانون انسحاقاً غير مسبوق ربما في التاريخ البشري.
نشرت بجريدة الحياة عدد 04/05/2009
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
 
الذكرى المئوية الثانية لأبو الأدب الحديث نيقولاي جوجول
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الذكرى الثانية لثورة 17 ديسمبر 2010 بقلم :عزالدين مبارك
» الذكرى الـ 35 للعلامة الشيخ محمد أبو زهرة
» سوسيولوجيا الأدب
» للمرة الثانية...!!
» النيل فى الأدب الشعبى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
ســــير وأعــلام وتراجــم
-
انتقل الى: