إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تشيخوف: الإيجاز قرين الموهبة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

تشيخوف: الإيجاز قرين الموهبة Empty
مُساهمةموضوع: تشيخوف: الإيجاز قرين الموهبة   تشيخوف: الإيجاز قرين الموهبة Empty18/12/2008, 3:59 pm


تشيخوف: الإيجاز قرين الموهبة
د.عاطف البطرس

كان هدفي دائماً أن أقول للناس بكل صدق:‏ «تمعنوا بأنفسكم، تأملوا كم هي حياتكم سيئة ومملة» «تشيخوف»‏

تتقاطع بعض عوالم تشيخوف الإبداعية مع ما نعيشه اليوم من ثقل وجسامة الحياة اليومية التي تقود إلى الإحباط، والإخفاق الروحي، والشعور بالعجز الإنساني بسبب كثافة المستقبل، وضبابية الرؤية، وقوة الظروف المحيطة الموحية بعبثية المصير وجدوى المقاومة.‏

على تباين ما في الحالة الاجتماعية الاقتصادية التاريخية في روسيا أثناء حياة الكاتب، واختلاف مرجعياته وما نعيشه اليوم... يبدو إنتاج تشيخوف الأدبي /مسرحاً وقصة/ قابضاً على المشترك الإنساني الذي مازال يحرك المجموعات البشرية على ما بينها من اختلاف جغرافي وثقافي وتاريخي.‏

في الفترة التي كتب فيها معظم أعماله، كانت تجتاح روسيا خلعه من المرارة نجمت عن إخفاق إصلاحات القيصر ألكسندر الثاني وخلعه في إحداث تغيير يذكر في حياة الفنان الاجتماعية الواسعة من الروس، إضافة إلى الطفولة المأساوية التي عاشها الكاتب حيث يقول: لم أنعم بأية طفولة في طفولتي، وهو طفل وطبيب الأدب الإنساني الرائع...‏ تشيخوف الذي اعتصر دم العبودية من قلبه ليصحو ذات صباح وفي عروقه تجري دماء إنسان حقيقي.‏

لقد امتزج في إبداع الكاتب العام والخاص، الطفولة البائسة والإخفاقات الاجتماعية مع ظهور وتشكل الحركة الثورية، هذا التفاعل أعطى أهم خصائص الكاتب الإبداعية. قتامة الكآبة، وجو الإحباط الروحي، والشعور بالعجز أمام الظروف المجهولة واللامرئية، سمات المرح وخفة الظل وحب الحياة. تناقض الصفات الشخصية للكاتب تجمع إبداعه.‏

تشيخوف من الكتّاب الذين اهتموا بكل ما هو بسيط وجوهري، قدمه بصدق، وهو أحد أهم أسباب تلقيه من قبل القرّاء خارج روسيا /زمان ومكان إنتاج النص الأدبي/ هو عابر للقارات، رأس مال ثقافي إبداعي، فإذا أخذنا بعين الاعتبار التناظر اللصيق بين الظروف المنتجة للنص، وشروط تلقيه، والبنى المشتركة للمُتخيل الإنساني، نضع أيدينا على أحد أسرار الاهتمام والتلقي لإنتاج الكاتب الروسي انطون تشيخوف. خارج الزمان والمكان /مما يعطيه قيمة مضافة دلالية.‏

أعمال تشيخوف كوميديا إنسانية روسية، نجد فيها كل الفئات الاجتماعية بصدق فني مدهش، واعتدال في الموقف، ونزاهة في الوصف، فكل كلمة من كلمات الكاتب لها أهميتها المستترة؛ الإيجاد عنده قرين الموهبة: تشيخوف؛ بوشكين الأدب النثري الروسي (تولستوي).‏

كان الكاتب في إبداعه يفصل بين لغته ككاتب وبين لغة شخصياته (يحافظ على ملفوظ الشخصية) فكل شخصية تنطق حسب مكوناتها الثقافية والمعرفية ووضعها الاجتماعي، الفئات الاجتماعية الروسية كلها تجد نفسها في إبداع الكاتب. دون إقحام لوجهات نظره في العمل، يترك للشخصية حرية الحركة وحق التعبير والخيارات ثم يسمح للقارئ باستنتاج الدلالة، وهو ما تحدث عنه باختين لاحقاً حول (الحوارية في اللغة وفي النص).‏

على الرغم من النجاح الكبير الذي لقيه الكاتب والمغمس بالمرارة كان يشعر بأنه لم يكتب سطراً واحداً له قيمة أدبية حقيقية، كان يتوق للاختباء في مكانٍ ما لمدة خمس سنوات؛ أو نحو ذلك لينجز عملاً جاداً دؤوباً، على أن يدرس ويتعلم كل شيء من بدايته. إنه مدرسة في التواضع الإبداعي والإنساني، هذا الإنسان الرقيق المتواضع يستطيع أن يقف في وجه أية قوة معادية، وإن وقفته هذه ستكون صلبة لا تلين (غوركي).‏

تشيخوف أول من تكلم في الأدب الروسي بصوت خفيض هامس، وبأسلوب ينم عن الثقة بمن يخاطبه، لقد تجنب الغنائية الشديدة واللغة السحرية وقدم الناس كما هم عليه في الحياة، لا كما يريدهم أن يكونوا...‏
تشيخوف يقدم الحقيقة الصارخة بهيئة جميلة فنياً، جوهرية وصادقة، وهو يبحث عنها في أكثر الأجواء حميمية وعمقاً وفي أشد الزوايا غموضاً في القلب البشري.‏

هذه الحقيقة تثير مشاعرنا لأنها ببساطتها وعفويتها تحرك فينا تراكمات الماضي وتفاعلاته التي نسيناها، وتستدعي مستقبلنا الذي نحدس به. فوراء هدوء تشيخوف مزيج من القرف والحب، والتمرد والاستسلام..‏
وهو مدفون في مدينةٍ صمّاء، فبحكم بساطته الرائعة كان مغرماً بكل ما هو بسيط وجوهري وصادق، والإنسان هو الفكرة المهيمنة في إبداعه.‏

كان تشيخوف يجمع إبداعه بين الرؤية الحزينة للحياة الروسية وبين تلك السخرية المرحة اللاذعة، ولعل موته المبكر عن أربعة وأربعين عاماً عاشها بكثافة ومحبة وعمق أكثر مؤشر على السخرية... حتى قبيل وفاته كان يقص على زوجته القصص المضحكة «أنني أموت، كرر تشيخوف، ثم تناول كأس الشمبانيا.. التفت إلى زوجته نجمة مسرح موسكو الفني، ابتسم لها ابتسامة وصنفها فيما بعد بالمدهشة، ثم نطق بكلماته الأخيرة:‏
ـ منذ زمن بعيد لم أشرب الشمبانيا..‏
شرب الكأس كلها ثم استلقى بهدوء وببطء شديدين على جنبه الأيسر... وأغمض عينيه».‏
وبهذا المشهد المهيب أسدل الستار على حياة أحد ثلاثة أدخلوا القصة القصيرة مملكة الأدب، موباسان، ادغار آلن بو تشيخوف... وعلى حياة المسرحي الثوري الذي حطم تقاليد المسرح وابتكر أساليب جديدة فيه.‏
ما أحسن أن يتذكر المرء إنساناً من هذا النوع، كان الطب زوجتَهُ الشرعية والأدبُ عشقَهُ وحين يمل من إحداهما يتوجه إلى الأخرى ليقضي الليلة معها...‏
ما أحسن أن نتذكر إنساناً يحمل معه السعادة والانشراح عندما يزورنا، فيترك فينا معنىً واضحاً للحياة من جديد.‏
نعم... لم يستطع تشيخوف تغيير العالم وتحطيم الكآبة المحيطة به، وقلما توصل إلى إصلاح الناس، لكنه عالج النفس البشرية وأقال بعض عثارها...‏
ولكن وبكل تأكيد سيكون العالم أكثر وحشة والإنسان سيخسر نصيراً متحمساً له، لو افتقد منجز تشيخوف النصي... أما حياته الشخصية فقد عاشها بشهامة مركزة وصدق وعمق ومرارة لا تقل جمالاً وقيمة عن نصوصه الإبداعية.‏
جريدة الاسبوع الادبي العدد 1095 تاريخ 15/3/2008
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
 
تشيخوف: الإيجاز قرين الموهبة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الموهبة والموهوبون: دراسة حول الصورة الذهنية السائدة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
ســــير وأعــلام وتراجــم
-
انتقل الى: