د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: محمود فوزي صوت وصورة 2/8/2009, 12:46 pm | |
| محمود فوزي صوت وصورة بقلم : د.غازي زين عوض الله كاتب من المملكة العربية السعودية رحل محمود فوزي هادئا كما كان في إدارته لأكثر القضايا جرأة, الرجل الذي ثقف روحه وقلبه وعقله قبل قلمه ولسانه, فأجاد وعرف كيف يخاطب ويجادل وينتزع الحقائق من أعماق الصدور المغلفة بخبرة المدارة والتمويه, والروح المثقفة تتقن فن النفاذ إلي الإنسان مهما كان هذا الإنسان محتميا بمتاريس تخفي الكامن فيه, وتلك هي قيمة الإعلامي القادر علي لمس أعصاب القضية المتوتر خلف سياج الدبلوماسية الباردة. محمود فوزي الصديق الإنسان كان, وما أقسي هذا الفعل الناسخ, دمثا معطاء خفيفا كنسيم صيفي لطيف, حاضر البسمة, حلو الحديث, لايبخل علي من حوله بشئ وهبه الله له,
كان يمنح ليري السعادة والحب في عيون أساتذته وأقرانه وتلامذته علي حد سواء. إن مهنة الإعلام قائمة علي الكلام والتنافس, وقد يكتسب بعض المتفوقين فيها عداوة منافسيهم, ولكن محمود فوزي حالة عجيبة, إن الحب يحوطه وكأنه هالة من نور تضفي عليه القبول, وكأن ربه قد حبب فيه خلقه كما يقول أهل مصر في الدعاء لأبنائهم, وأعتقد أن محمود فوزي كان بارا كل البر بأهله فاستجاب الله لدعائهم ومنحه محبة بين رفاقه. فقد كان فوزي يحاور ضيوفه في أمور شديدة الخطورة, وكان يطرح القضية في أفق واسع ممتد, ثم إذا به يأخذ الضيف في اتجاه محدد, فإذا بالضيف يستجيب, وكأن فوزي طبيب نفساني يستخرج من غياهب الذاكرة الصدق المنسي, وكأن الضيف قد استراح حينما تخلص من حمله الثقيل بين يدي هذا المحاور المعالج. لكن محمود فوزي رجل قلم في المقام الأول, وموهبة فطرية قبل أن يكتسب آليات العمل الصحفي, وتلك الموهبة تجعل من عمل الإنسان هوايته وعشقه وحبه وبيته الذي يسكن فيه, إن فوزي بالفعل كان يعيش في عمله وكأنه في ملعبه, كان الكلام يتدفق, منه وكأن المذياع يبث الموسيقي الراقية في أثير صاف. وأظن أن هذا الرجل قد اكتشف في نفسه حب الكلمة منذ طفولته المبكرة, واستجاب لإلهام روحه له, ومن المؤكد أن أي موهوب لو أخلص لما في أعماقه, وقرر أن يحقق ذاته الفعلية كما هي, فإن المهنة التي يمارسها هذا الموهوب في هذا المقام ستفيد كثيرا, وهذه نصيحة لشبابنا وبصفة خاصة من أراد العمل الإعلامي والتخصص في مجال الكلمة. استطاع فوزي أن يصاحب عمالقة الصحافة المصرية والعربية, وأن يحقق بينهم مكانة في سن صغيرة, وكان وفيا لأساتذته, وقد قرأت كتابه عن مصطفي أمين فتبين لي أن محمود فوزي أديب من طراز فريد, قادر علي رسم الشخصية من داخلها بريشة فنان وعقل مفكر. كانت شخصية مصطفي أمين بالنسبة لمحمود فوزي هي المستحيل, وحينما أمعنت النظر في المقصود بالمستحيل, تبين لي أن فوزي يري في مصطفي أمين النمط المثالي للإعلامي الذي يحقق مايريد في المهنة والحياة, في العمل والإنسانية, بين الزملاء ومع نفسه, في المهنة الإعلامية وفي أدبيات الكلمة, وأكاد أري محمود فوزي بين ثنايا الكتاب, أكاد أراه يبحث عن ذاته وهو يكتب عن الصحفي الكبير, فكأنه وجد في هذه الشخصية المعادل الذي يبحث عنه, ويسعي إلي التحقق مثله ولكن بأسلوبه الشخصي. لكن أهم ماكتبه محمود فوزي وماتركه في حوارياته الرائعة هو تاريخ مصر منذ قبيل الثورة إلي الآن, لقد عاش في تفاصيل الأحداث في القصر الملكي وصور المشاعر الإنسانية وهي تتحكم في السياسة حينا وتتحكم فيها السياسة أحيانا. كذلك كان استعراضه لدقائق علاقة الثورة بالملك من جهة وعلاقات رجالات الثورة بعضهم ببعض من جهة أخري, مادة علمية وكنزا سيظل يطرح في الكتب ويعاد بثه لزمن طويل, وسيعود إلي هذا الكنز أهل البحث التاريخي والاجتماعي والنفسي, وكتاب الدراما لكي ينهلوا منه علما وفنا كل في تخصصه. وفي زمن التحولات الحادة طرح محمود فوزي اسئلته علي الفكر الديني المستنير والفكر الليبرالي الحر, وكان همه أن يبحث عن الإنسان خلف مايقال, وكأن المذاهب والاتجاهات الأيديولوجية أحيانا ماتكون أقنعة تتساوي تحتها الملامح ويشتعل بها الصراع, ثم تنقضي تلك السنون وأهلها, فكأنها وكأنهم أحلام كما قال الشاعر العربي ويبقي المعني الذي نستخلصه من التجربة الانسانية. رحم الله صديقي الكريم محمود فوزي وأسكنه فسيح جناته, ولعلنا نتعلم من تجربته كيف نكون بشرا محتفظين بإنسانيتنا مهما كانت اختلافاتنا مع الآخرين فكرية أو نفعية. ودعوة لكل الشباب المقبل علي الدرس الإعلامي أن يتعلم من أعمال الراحل الكريم, وأن يعرف كل متجه إلي العمل الإعلامي أن النجاح لا يأتي بالفراغ, ولا يكون النبوغ بالدرس الآلي فقط, وإنما هي الموهبة والتعلم المستمر, والتلمذة علي أيدي الأعلام النابغين والتوغل في أعماقهم, لكي يضيف الدارس إلي عمره زمن خبراتهم الذي شكلوا فيه عقولهم مثلما شكلوا ملامح السياق الذي يعيشون فيه. وستبقي يامحمود صوتا في ضمائرنا وصورة في عيون أرواحنا. نشرت بجريدة الأهرام عدد 2/8/2009 | |
|