د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: هـل تتغـير السـياســة إذا قرأ الســاســة؟ 28/7/2009, 1:27 pm | |
| هـل تتغـير السـياســة إذا قرأ الســاســة؟ بقلم د. وحيد عبدالمجيد يعتقد كثير من الناس ان معظم السياسيين لايقرءون.. وهذا صحيح.. ولكنه ليس صحيا بالدرجة نفسها ان السياسي القارئ أفضل من نظيره الذي لايقرأ, فالأمر يتوقف علي نوع القراءة, ولايختلف السياسي, في ذلك, عن أي إنسان آخر, فالشاب الذي لم يقرأ هو أفضل من اخر قرأ ما ملأ عقله تعصبا وتطرفا وانغلاقا, والسياسي الذي لايقرأ قد يكون أفضل, أو حتي أقل سوءا من آخر يقرأ فقط مايتفق مع اتجاهه. فإذا كان هذا الاتجاه شموليا أو احاديا, ستكون وظيفة القراءة بالنسبة إلي السياسي هي إعادة إنتاجه وهذا هو السياسي الايديولوجي الذي لاتضيف القراءة إلي معرفته مايفيد في وضع سياسات أفضل إذا كان موقعه في الحكم, أو في طرح برامج واعدة للتغيير إذا كان معارضا أو مستقلا, فالسياسية التي ينتهجها سياسي قارئ ليست أفضل بالضرورة من تلك التي يتبعها غيره.وقد بشرنا بعض السياسيين خلال الأيام الماضية أن الكتاب هو خير رفيق لهم في اجازاتهم هذا الصيف, وحديث القراءات الصيفية امر معتاد في الغرب حيث للكتاب مكانه المقرر في كل وقت. أما في بلادنا العربية, فلابد من أخذ مثل هذا الحديث بحذر, فليس كل من يتحدث عن كتاب يكون قارئا, وليس في كل كتاب زاد معرفي.ولعل أفضل مايقرؤه السياسي هو الكتب التي تعبر عن افكار غيره واتجاهات من يختلفون معه, وأخري في التاريخ يمكن ان يستخلص منها دروسا, وسيرا ذاتية ومذكرات قد تكون فيها عبرة. كما يعتبر الأدب من أفضل مايمكن ان يقرأ السياسي, لأنه يفتح أمامه عوالم واسعة في حياة الناس, ولكن قراءة الأدب تحتاج إلي تكوين خاص.ولذلك يثير الانتباه ماكتبه الصديق محمد علي فرحات في الحياة قبل أيام عن اهتمام السياسي اللبناني وليد جنبلاط بقراءة الأدب العربي والعالمي, إلي حد انه يهدي أحيانا رواية تعجبه إلي آخرين, والمفارقة, هنا هي ان يهدي جنبلاط السياسي إلي أدونيس المثقف رواية الأديب البرتغالي الرائع جوزيه ساراماجو الخير مترجمة إلي الفرنسية.وذكر فرحات اسماء عشرة سياسيين لبنانيين آخرين قال إنهم عشقوا القراءة وعقدوا صداقات مع مثقفين, وبالرغم من انه يذكرهم علي سبيل الحصر, وإنما أشار إلي وجود غيرهم, فقد اعتبرهم قلة في حين ان مثل هذا العدد يعتبر في بلاد عربية أخري كثرة, غير ان الأمر يظل مرهونا بما يقرأ المرء سياسيا كان أو غيره. فكثير من الساسة الماركسيين, في أحزاب شيوعية وغيرها, هم قارئون, ولكنهم لم يقرأوا إلا الكتب الموصوفة في برامج التثقيف الحزبي. وبعد ان كانوا يقرأون كارل ماركس وفريدريك انجلز, ثم اضافوا إليهما فلاديمير لينين, جاء زمن صارت المكتبة السوفيتية الستالينية السابقة هي كل ماقرءوا, وكان في تلك المكتبة قليل جدا من أعمال ماركس وانجلز اعيد طبعها, وأكثر قليلا من أعمال لينين, وفيض من ملخصات باقي أعمالهم ومؤلفات شبه مدرسية عن أسس النظرية, أما من قرأوا ادبا, بين هؤلاء, فهو الأدب الاشتراكي أو بعضه الأكثر, فجاجة.والقراءة الايديولوجية أو العقائدية المغلقة هي الاسوأ علي الإطلاق, وما فعله السياسيون الماركسيون في معظم الأحزاب الشيوعية واليسارية, خصوصا في مرحلة الكومنترن يفعل مثله سياسيون إسلاميون كثر, فهم يقرأون ليس فقط في اتجاه واحد, وإنما في أدبيات معينة تختلف من جماعة إلي أخري وفق اعتبارات عدة من أهمها موقعها علي خريطة التشدد والاعتدال.وتمثل مراجعات الجماعة الإسلامية حالة بالغة الدلالة علي بؤس القراءة حين تغلق وتجعل الإنسان قنبلة للانفجار في أي لحظة, فعندما اتيح لشيوخ هذه الجماعة في محبسهم الاطلاع علي ادبيات اسلامية غير ماقرأوا من قبل, ادركوا كم كانوا مخطئين ومن هنا بدأت مراجعاتهم.ولكن القراءة الاحادية ذات الطابع الشمولي لاتقتصر علي السياسيين المؤدلجين, وخصوصا في عصرنا الذي تتراجع فيه الايديولوجيات بشكل متزايد, فقد تستهوي السياسي قراءة مايتفق مع ميوله, او سياساته اذا كان حاكما, من دون ان يكون عقائديا, والمثال الحي علي ذلك; هو الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز الذي تستهويه الكتابات المعادية للسياسة الامريكية والعولمة. وقد اثبت انه متابع جيد.والكتاب للادبيات في هذا المجال عندما اختار كتاب( الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية) هدية للرئيس باراك اوباما عندما التقيا للمرة الاولي في قمة الامريكتين التي عقدت في ترينيداد وتوباجو في18 ابريل الماضي.والكتاب للمؤلف المشهور في الاوساط الفكرية اليسارية ادواردوا جاليفر من اوروجواي وهو يعبر عن وجهة النظر اليسارية السائدة في امريكا اللاتينية, وهي ان الولايات المتحدة تتحمل مسئولية كبري عن النهب الاستعماري الذي تعرضت اليه هذه المنطقة والاستبداد السياسي والحكم العسكري اللذين رزحت تحتهما, الامر الذي جعل القارة الغنية بإمكاناتها تتحول الي منطقة بائسة.ويحظي هذا الكتاب بمكانة كبيرة لدي الرئيس البوليفي إيفو موراليس ايضا, الي حد انه دعا زعماء امريكا اللاتينية الي ان يقسموا علي العمل لاغلاق( الشرايين المفتوحة لامريكا اللاتينية) وقد فعلوا عقب افتتاح اجتماع قمتهم في مدينة كوتشابامبا البوليفية في ديسمبر.2006ويبدو ان سمعة اوباما كرئيس مثقف تغري بإهداء كتب اليه فهذا هو ما فعله ايضا, بنيامين نيتانياهو في زيارته الي واشنطن في21مايو الماضي, اذ اهداه كتاب( ابرياء في الخارج) الصادر في ستينيات القرن التاسع عشر للكاتب الأمريكي مارك توين, الذي روي فيه مشاهداته عندما زار المناطق المقدسة في فلسطين.ويعتبر هذا الكتاب احد العمد التي استندت عليها الحركة الصهيونية في بناء اسطورة يهودية فلسطين, وهو ينضح بالعنصرية ضد المسلمين والعرب, الي حد إن بعض مقربي نيتانياهو تخوفوا من امكان ان يستفز اوباما لان في عائلته مسلمين.ولذلك فهو كتاب من النوع الذي لاتفيد قراءته, ولكن الاضواء التي سلطت عليه حين اهداه نيتانياهو الي اوباما أوجدت طلبا ادي إلي اعادة طبعه بعد ان كان نسيا منسيا.ولعل هذا هو التغيير الاكثر اهمية الذي يحدث حين يعرف الناس ان سياسيا كبيرا يهتم بكتاب معين.. ولكنه تغيير في ارقام التوزيع, وليس في نوع السياسة.نشرت بجريدة الأهرام عدد 28/7/2009 | |
|