هذا النص منقول من كتاب النظرية الاجتماعية للدكتور حجازي:
ليست النظرية من كماليات البحث العلمي بقدر ما هيضرورة ملحة للباحث الاجتماعي، لذا فالدعوة إلى التخلي عنها أو التقليل من أهميتهايجب مواجهتها بالرفض التام حتى لا يُحرَم الباحث من الأرضية الرئيسية لتأسيس علمه،إذ أنه بدون نظرية تمثل رصيدا لأي علم فلا وجود لأي أساس للعلم. إذن أهمية النظريةتكمن في أننا نقرأها لا لنفهمها ونطورها فحسب بل لأن النظرية تمثل نمطا لبناءالمعرفة العلمية وضرورة لكل ملاحظاتنا، إنها الشرط الضروري لانطلاق التفسيروالتحليل حتى وإن كانت غير كافية حينا لإحداث قطيعة تامة مع التفسيرات غير العلمية. فلماذا الاهتمام بالنظرية؟يرى العلماء أن التقدم العلمي لا يمكن أن يتم إلاإذا أُنجز على مستوى نظري، بيد أن المعرفة العلمية ليست مجرد تراكم للمعارف، ذلك أنصياغة النظريات العلمية وتصوراتها وتنظيماتها إنما تتحكم فيها مجموعة من الفرضياتوالمفاهيم التي يسميها،، توماس كوهين ( Thomas Kuhn )في كتابه الشهير عن " بنيةالثورات العلمية "،، بـ " الشكل التحليلي " ؛ هذا المفهوم الذي لم تحظ ترجمتهبالرضى لدى الباحثين العرب. وفي واقع الأمر فإن التقدم في البحث العلمي والتنظيرليس مسالة متوازية المسير بل متلازمة. فالتقدم العلمي لا يتمثل بمجرد تجميع للحقائقفحسب بل هو عملية تبرز في التغيير النوعي في بنية الأنساق النظرية. فإذا كان هدفناهو الوصول إلى خلاصات هامة تتجاوز ما هو متعارف عليه فلا يمكن تحقيق ذلك منالاعتماد على الجانب الامبريقي دون ضبط للجانب التنظيري وإلا باتت بنية الأنساقالنظرية جامدة وفقيرة مثلما هو الحال في علم الاجتماع الأمريكي الذي يفتقد إلىالأسس النظرية في تفسير الظواهر الاجتماعية أو الربط بين خيوط الظاهرة.
يشيرعالم الاجتماع الأمريكي تالكوت بارسونز ( T.Parsons ) إلى النظرية من حيث وظيفتهاأيضا في البحث العلمي: " فالنظرية لا تصبح فقط ما نعرفه ولكنها تقول لنا أيضا مانود معرفته، أي أنها تمدنا بالأسئلة التي تبحث لها عن الإجابة ". إذن النظرية لهاقدرة فسيحة على التعامل مع الأشياء.
لو انطلقنا من بناء البحث العلمي لاستطعناالقول أنه ينطلق من جملة من المعلومات التي تتخللها إشكاليات ما وتتجه إلى صياغةابستيمولوجية ( معرفية ) للمشكلات المثارة، ومن هذه المشكلات ننتقل بعد ذلك إلىرصيد من الفرضيات التي تكوِّن القاعدة لكل عملية تنظير. ومن الواضح أن الوصول إلىمرحلة التنظير مسألة تستدعي المرور بعدة مراحل، فالبحث العلمي ما بين المعطياتالامبيريقية والسير نحو التنظير لا بد له من التوقف عند اقتراح الفرضيات العلميةمقابل استبعاد الفرضيات غير العلمية حتى يتسنى له الاقتراب من الاشكاليات.
ولكنما أن نصل إلى النظرية حتى نكون أمام جدول متناسق من الحقائق المعروفة، وبهذاالمحتوى والوضوح للنظرية نستطيع أن نتبيَّن كيف تم تنظيم وبناء تلك الحقائق، كما أنالنظرية تفسر هذا البناء المعرفي وتمدنا بنقاط مرجعية تسهل علينا الانطلاق في البحثعن بنىً معرفية جديدة وحقائق جديدة.
في هذه الوثيقة المرجعية التي تتكون منجزأين سوف نتحدث عن بعض من أشهر رواد النظرية الاجتماعية بشقيها التقليدي والحديث،فما هي النظرية الاجتماعية؟
- بصفة عامة يمكن القول أن النظرية السوسيولوجية هيكل محاولة فكرية تفسر جانبا من الحياة الاجتماعية، فالنظرية السوسيولوجية في هذاالجانب يمكن اعتبارها امتدادا لما يسمى بالفكر الاجتماعي الذي ترجع جذوره إلىالمفكرين والفلاسفة القدماء. وعندما نتساءل عن النظرية السوسيولوجية فالشيئ الذييميزها عن المفاهيم هو أنها قادرة على أن توفر لنا نوعا من التفسير لملمح من ملامحالحياة الاجتماعية أو ظاهرة من الظواهر.
- ولكن هناك رؤية مختلفة، إذ يرى البعضأن النظرية الاجتماعية ليست سوى مجموعة من الفرضيات القادرة على الصمود في ساحةالبحث الاجتماعي الميداني. وبمعنى من المعاني فالنظرية ليست إطارا نظريا يساعد علىالتفسير إنما يمكن تطبيقها على الساحة والحياة الاجتماعية، وبالتالي فهي عبارة عنمجرد فرضية مُعَدَّةٌ للاختبار.
- وفعليا ثمة الكثير من النظريات المعاصرة فيعلم الاجتماع ليست أكثر من مجموعة أفكار غير متماسكة، أي أنها ليست مجموعة منظمة منالفرضيات التي يمكن اختبارها.
- بهذا المعنى الذي يتحدث عن النظرية الاجتماعيةبوصفها تفسيرية لأحد مناحي الحياة الاجتماعية أو مجرد فرضية قابلة للاختبار ميدانيالن يكون أمامنا إلا التسليم بغياب النظرية الاجتماعية، وما النظريات الشائعة إلامجموعة من الأفكار لم تصل بعد إلى مستوى النظرية.
- أخيرا فإذا كانت النظريةبوصفها حصيلة لتعميم يستوحيه الباحث الاجتماعي من حقائق معروفة تمثل بطريقة حاسمةوكاملة قدر الامكان مجموعة من القوانين والفرضيات المختبرة إمبيريقيا فإن أحسنالنظريات السوسيولوجية هي تلك التي تمدنا بأحسن أداة للتعامل مع واقع اجتماعي معين.
وفي علم الاجتماع المعاصر ثمة نوعين من النظريات:
- النظريات الكبرى،ومثالها النظرية الماركسية ذات الطرح الشمولي أو التحليل الماكرو سوسيولوجي.
- ولكن هناك تصنيفات أخرى للنظرية الاجتماعية على أساس نظريات البنية ( النظريات البنيوية الأنثروبولوجية والاجتماعية ) أو نظريات الفعل كالنظرية التفهمية لـ ماكس فيبر.
حجازي,أكرم,بعض النظريات الاجتماعية التقليدية و المعاصرة,كلية الاداب,جامعة تعز,جمهورية اليمن,2002,ص1,2.