د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: إسماعيل صبرى عبدالله 14/5/2009, 7:42 pm | |
| إسماعيل صبرى عبدالله بقلم د. مصطفى الفقى لا أكتب عنه لأنه وزيرٌ سابق، أو أستاذٌ جامعى راحل، أو اقتصادى مرموق، أو رئيس نشط لمنتدى العالم الثالث، أو قطبٌ يسارى معروف اعتنق الفكر الاشتراكى منذ باكورة شبابه..
لا أكتب عنه لهذه الأسباب فقط، ولكننى أكتب عنه احترامًا لعلاقة وطيدة جمعتنى به وتقديرًا عميقًا منى لشخصه المتميز، فقد كان أول لقاءٍ لى به فى شتاء عام ١٩٧٠ بالعاصمة الكينية «نيروبى»، حيث التقيته على عشاء بدعوةٍ من الصديق العزيز «باهر الصادق»، السفير السابق، الذى كان سكرتيرًا أول لسفارتنا هناك حينذاك، وبهرنى الأستاذ الدكتور «إسماعيل صبرى عبدالله» بحديثه الطلىّ وذكائه المتقد وشخصيته القوية ذات «الكاريزما» الواضحة، وحكى لنا يومها كيف أنه هو وشقيقه الراحل الأستاذ الدكتور «عزالدين عبدالله»، عميد كلية حقوق جامعة عين شمس الأسبق، ابنان لواحدٍ من أعيان الصعيد، وقال إن أباه قد علّمه أن يقبل شيخ المسجد وراعى الكنيسة أيضًا، ليغرس لديهم جذور الوحدة الوطنية والمحبة الإنسانية والتسامح الدينى..
وأضاف أن والده - رحمه الله - كان يصلى على سجادةٍ خاصة باسمه موجودة بالكاتدرائية إذا حان وقت الصلاة وكان فى زيارة المطران الذى كان صديقًا له، إنها سنوات ذلك الزمن الجميل الذى أصبحنا نفتقده اليوم، وقد جمعتنى بعد ذلك لقاءات عديدة بالراحل الكبير، وتوثقت صلتى بالدكتور «إسماعيل صبرى عبدالله» بعد أن ترك منصبه الوزارى الذى عيّنه فيه الرئيس الراحل «أنور السادات»، رغم علمه بهويته الفكرية وانتمائه الأيديولوجى وتاريخه السياسى، وتلك نقطة تُحسب للرئيس الراحل بغير جدال، ولقد رأيت فى ذلك الرجل العظيم درجةً من الانفتاح والاستنارة لم أشهدها فى شخصياتٍ كثيرة من عصره، فقد كان نموذجًا قوميًا وطنيًا عرف المناصب المرموقة وعاش حياة السجون المظلمة دفاعًا عن مبادئه وإيمانًا بمواقفه، ولا غرو فهو سليل عائلة من عائلات صعيد مصر المعروفة بالصلابة والثبات على المبدأ والدفاع عن الحق، وقد ترك الرجل بصماتٍ قوية فى العملين الأكاديمى والسياسى معًا، فهو من مؤسسى «حزب التجمع»، ذلك الحزب صاحب البرنامج الواضح والرؤية المحددة مهما اتفقنا معه أو اختلفنا..
كذلك فإن «د. إسماعيل صبرى عبدالله» كان منحازًا بطبيعته للكادحين من أبناء هذا الشعب، مؤمنًا بالتحليل العلمى للفكرين السياسى والاقتصادى، وقد ظل وفيًا لمبادئه، قابضًا على مواقفه حتى اللحظات الأخيرة من حياته. وقد أثرى الرجل الفكر الاشتراكى بكتاباته وأحاديثه، وظل شامخًا فى عصور «عبدالناصر» و«السادات» و«مبارك»، لم يَحْنِ قامته الطويلة لحاكمٍ أو مسؤول.
ومن عجبٍ أن رجلاً مثل «إسماعيل صبرى عبدالله» يدخل انتخابات «مجمع اللغة العربية» فلا يحصل على أصواتٍ تكفيه للعضوية، ويتقدم أيضًا لجائزة «مبارك» فلا يحصل عليها، فالأوضاع فى بلادنا مقلوبة ومَنْ لا يستحقون يسبقون أحيانًا مَنْ يستحقون. ولقد كانت آخر مرة ألتقى فيها ذلك المفكر السياسى الاقتصادى الكبير فى حفل تكريمٍ لصديق عمره ورفيق كفاحه الأستاذ «خالد محيى الدين»، رئيس شرف حزب التجمع، وكان ذلك فى مقر نقابة الصحفيين منذ عدة أعوام، ورأيت الرجل وقد وَهَنَ العظم منه واشتعل رأسه شيبًا، وبدت صحته منهكَة ولكن عقله كان لايزال متوهجًا كما عهدناه..
إنه «إسماعيل صبرى عبدالله»، ابن صعيد مصر الذى كنت كلما التقيته تجدد إحساسى العميق بكبرياء الوطن وعظمة رموزه، ومازالت منتديات العالم الثالث والمؤتمرات الدولية تفتقد ذلك الرجل الذى رحل عن دنيانا مخلّفًا وراءه اسمًا لامعًا وتاريخًا ناصعًا وقيمة لا تنتهى.. فالعظماء لا يموتون ولكنهم يستريحون فقط فى المقابر، ويظل ذكرهم بين الناس إلى يوم الدين. نشرت بجريدة المصرى اليوم عدد ١٤/ ٥/ ٢٠٠٩ | |
|