قصيدة رائعة من نظم أخى وصديقى الشاعر المهاجر نور صلاح أبو مدين، يحكى فيها عن طفلة فلسطينية قتلها الإحتلال، وهى إحدى قصائد ديوانه الأول (حنين) الصادر عام 2007.
مِنْ أُمَّةٍ كَانَتْ كَحَدِّ السَّيْفِ ...
مُشْرِقَةً ...
كَنُورِ الشَّمْسِ ...
تَقْتَحِمُ الدَّيَاجِرْ
مِنْ أُمُّةٍ رَحَلَ السَّحَابُ بِأَرْضِهَا
دَهْراً فَلَمْ يَبْلُغْ مَدَاهَا
جَاءَتْ حَنِينْ
جَاءَتْ حَنِينُ كَزَهْرَةٍ بَرِّيَّةٍ وَبَرِيئَةٍ
لَمْ تَدْرِ أَنَّ زَمَانَهَا زَمَنٌ مُقَامِرْ
كَانَتْ إِذَا ضَحِكَتْ ...
تَسَابَقَتِ النَّسَائِمُ كَي تُقَبِّلَ مَنْهَا فَاهَا
كَفَرَاشَةٍ كَانَتْ تُحَلِّقُ فِي سَمَاءِ البَيْتِ ...
كَي تَهَبَ السَّعَادَةَ وَالهَنَاءَ أَبَاهَا
تَجْرِي فَتَخْفِقُ خَلْفَهَا سُودُ الغَدَائِرْ
كَانَتْ إِذَا بَسَمَ الضَّيَاءُ تَيَقَّظَتْ
كَي تَسْمَعَ الدِّيكَ المُؤَذِّنَ فِي الصَّبَاحِ
أَوْ تَرْقُبَ الأَنْدَاءَ تَسْقُطُ …
فَوقَ أَزْهَارِ الأَقَاحِي
أَمَّا إِذَا شَاخَ النَّهَارُ فَإِنَّهَا
تَأْوِي إَلَى صِفْصَافَةٍ
هَرِمَ الزَّمَانُ بِهَا ...
وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا غُصْنًا رَطِيبا
فَتَغَضَّنَتْ أَغْصَانُهَا
وَتَجَرَّدَتْ تَشْكُو إِلَى اللهِ البَشَرْ
تَأْوِي لِتَسْمَعَ جَدَّةً
تَحْكِي عَنِ الدُّنْيَا الغَرِيبَةْ
تَحْكِي عَنِ الغَنَمِ الَّتِي رَتَعَ الذِّئَابُ بِأَرْضِهَا
فَتَنَاوَمَتْ وَتَنَاعَسَتْ وَسَرَى الخَدَرْ
وَتَفَرَّقَتْ فِي الأَرْضِ …
لَمْ يَجْمَعْ خُطَاهَا مَا تَرَاهُ مِنَ الخَطَرْ
وَهُنَاكَ فِي وَسَطِ الحِكَايَةْ
تَغْفُو حَنِينْ
وَتَبِيتُ تَحْلُمُ بِالخُيُولِ اليَعْرُبِيَّةْ
تَأْتِي لِتَطْرُدَ كُلَّ أَشْتَاتِ الذِّئَابْ
تَغْفُو حَنِينْ
وَتَبِيتُ تَحْلُمُ بِالبَطَلْ
فِي حَدِّ سَيْفِهِ تَنْتَشِرْ
كُلُّ الشُّمُوسِ مَعَ القَمَرْ
لَكِنَّهَا يَوْمًا رَأَتْ
غِرْبَانَ بُومٍ خَيَّمَتْ
فَتَسَاءَلَتْ
أَبَتَاهُ مَا هَذِي الوُجُوهْ
أَبَتَاهُ مَنْ هَذِي العَسَاكِرْ
وَلِمَ الوُجُوهُ كَئِيبَةٌ
وَلِمَ العُيُونُ كَأَنَّهَا جَمْرُ الشَّرَرْ
أَبُنَيَّتِي
لَا تَفْزَعِي
هَذِي الوُجُوهُ الحُمْرُ …
يَومًا سَوْفَ تَرْجِعُ لِلشَّتَاتِ
أَبُنَيَّتِي
لَا تَجْزَعِي
فَغَدًا سَتَبْتَسِمُ الدَّيَارُ لِأَهْلِهَا
وَيَعُودُ مَاءُ النَّبْعِ لِلنَّهْرِ الجَدِيبْ
وَغَدًا سَتَأْتِي كَتَائِبُ التَّوحَيدِ ...
- يَقْدُمُهَا صَلَاحُ الدِّينِ -
بِالفَتْحِ القَرِيبْ
***
بَاتَتْ حَنِينُ عَلَى لَهِيبِ الشَّوقِ ...
تَحْتَرِقُ انْتِظَارًا لِلجُيُوشِ القَادِمَاتْ
لَكِنَّ لَيْلَ الذُّلِّ طَالْ
وَتَغَلْغَلَتْ أَنْيَابُهُ فِي لَحْمِ هَذِي الأَرْضِ ...
تَمْتَصُ الدِّمَاءَ إِلَى الثُّمَالْ
حَمَلَتْ حَنِينُ حَصَاتَهَا
أَلْقَتْهَا فِي وَجْهِ الذِّئَابْ
صَارَتْ حَصَاةُ حَنِينَ حِصْنًا مِنْ حَجَرْ
مِنْ حُضْنِ هَذِي الأَرْضِ جَاءْ
صَارَتْ حَنِينُ هِيَ البَطَلْ
وَهْيَ النُّبُوءَةُ فِي الكِتَابْ
صَارَتْ حَنِينُ أَمِيرِةً
وَمَشَتْ عَلَى حَبَّاتِ عَيْنِ قُلُوبِنَا
قَامَتْ لِتُعْلِنَ أَنَّنَا :
" مَوْتَى وَيَنْقُصُنَا الكَفَنْ "
وَبِأَنَّ كُلَّ رِجَالِ هَذَا العَصْرِ بَاعُوا
بَاعُوا وَمَا قَبَضُوا ثَمَنْ
لَكِنَّهَا لَمْ تَدْرِ أَنَّ زَمَانَهَا زَمَنُ الأَفَاعِي
لَمْ تَحْتَمِلْ ذُلَّ السُّكُوتْ
فَاسْتَصْرَخَتْ أَبْنَاءَ أُمَّتِهَا البَوَاسِلْ
عَادَ الصَّدَى صَمْتًا خَؤُونا
رَحَلَتْ حَنِينْ
رَحَلَتْ حَنِينُ وَفِي دُمُوعِ عُيُونِهَا
حُزْنٌ يُسَائِلْ
عَنْ أُمَّةٍ
كَانَتْ كَحَدِّ السَّيْفِ ...
مُشْرِقَةً ...
كَنُورِ الشَّمْسِ ...
تَقْتَحِمُ الدَّيَاجِرْ
عَنْ أُمَّةٍ رَحَلَ السَّحَابُ بِأَرْضِهَا
دَهْرًا فَلَمْ يَبْلُغْ مَدَاهَا .