د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: حقوق الإنسان والحريات في العالم من منظور أمريكي 10/5/2009, 10:16 pm | |
| حقوق الإنسان والحريات في العالم من منظور أمريكي بقلم: عمرو حمزاوي بصورة دورية تصدر العديد من الجهات والمؤسسات الأمريكية، حكومية وغير حكومية، تقارير حول أوضاع حقوق الإنسان والحريات المدنية والسياسية والدينية فى العالم. للخارجية الأمريكية، على سبيل المثال، تقرير سنوى حول حقوق الإنسان وآخر حول الحريات الدينية والاضطهاد الدينى. لبيت الحرية، وهو مؤسسة شبه حكومية مقرها العاصمة واشنطن، تقرير سنوى تصنف به دول العالم وفقا لوضعية حقوق الإنسان والحريات بها إلى دول حرة وأخرى غير حرة قمعية وبين المنزلتين درجات متفاوتة من الحرية النسبية والقمع النسبى. كذلك ترصد منظمة العفو الدولية سنويا، وهى أيضا مؤسسة شبه حكومية مقرها نيويورك، تقلبات أوضاع حقوق الإنسان فى العالم. وفى 1998 وبمبادرة من إدارة الرئيس الأمريكى بيل كلينتون، وافق الكونجرس على إنشاء اللجنة الحكومية الأمريكية للحريات الدينية فى العالم وكلفها بإعداد تقرير سنوى حول الدول التى يثبت عليها ممارسة الاضطهاد الدينى وانتهاك الحريات الدينية ورفعه للرئيس ولوزير الخارجية وللكونجرس فى الأول من مايو من كل عام مع اقتراح إجراءات وسياسات ينبغى على الولايات المتحدة اتباعها إزاء هذه الدول.
فى الأعوام الأخيرة، تحديدا منذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001، بدأت مثل هذه التقارير الدورية حول حقوق الإنسان والحريات تثير حفيظة الدول العربية وتدفع مسئوليها إلى الرد بعنف على ما يذكر بها. فمن جهة، ندر أن تخلو القوائم السلبية للتقارير الأمريكية من الدول العربية المتهم معظمها بانتهاك حقوق الإنسان وبعضها بالاضطهاد الدينى. والأمر لا يعود إلى رغبة أمريكية دفينة فى نقد العرب أو استعدائهم، بل إلى الواقع الردىء فى عالمنا الغائبة عنه إلى اليوم الديمقراطية الحقيقية والمساواة الفعلية بين المواطنين، بغض النظر عن الدين والمذهب والعرق. من جهة ثانية، اكتسبت تقارير الخارجية الأمريكية واللجان الحكومية والمؤسسات غير الحكومية أهمية سياسية كبيرة بعد 2001 مع إنتاج إدارة بوش لخطابها حول دعم الديمقراطية ــ أو أجندة الحرية فى لغة الإدارة السابقة ــ والربط بينها وبين مكافحة الإرهاب ومطالبتها العلنية للدول العربية، بما فيها دول حليفة للولايات المتحدة كالسعودية ومصر والأردن، بتحسين أوضاع حقوق الإنسان والحريات بها. وعلى الرغم من أن مجمل فعل إدارة بوش لم يرق أبدا إلى مستوى التطبيق الفعلى لسياسات تهدف إلى دعم الديمقراطية، بل وتخلت عنها عمليا عندما تعقدت مهمة قواتها فى العراق واحتاجت إلى عون حلفائها العرب، إلا أن أجندة الحرية والنقاش العلنى حولها دفعا الدول العربية إلى الاهتمام بكل ما يصدر عن أو من واشنطن فى هذا الصدد. من جهة ثالثة، سعت معظم الحكومات العربية خلال الأعوام الماضية إلى سحب بساط الديمقراطية من تحت أقدام إدارة بوش عبر صياغة برامج محدودة للإصلاح السياسى فى الداخل والشروع فى تنفيذ بعضها وعبر التشديد المستمر على أن قضايا الديمقراطية والحرية هى قضايا داخلية لا يصلح معها التدخل من الخارج. هنا وقفت تقارير الجهات والمؤسسات الأمريكية لطروحات الحكومات العربية بالمرصاد، وأظهرت هزلية نتائج برامجها الإصلاحية ونشط العديد منهم لتفنيد المقولات الرسمية والمتابعة المكثفة لأوضاع حقوق الإنسان والحريات فى بلاد العرب. إلا أن الغضب الرسمى العربى من التقارير الأمريكية له أيضا ما يبرره، وهو ما ظهر أخيرا بصورة جلية فى أعقاب إصدار اللجنة الأمريكية للحريات الدينية فى العالم تقريرها السنوى لعام 2009، وبه وضعت السعودية والعراق والسودان على قائمة الدول التى تمارس الاضطهاد الدينى، (يشير التقرير إلى هذه القائمة بمسمى Countries of Particular Concern) ومصر والصومال على قائمة الدول الموضوعة تحت الرقابة. فثمة مشروعية حقيقية لوضع علامات استفهام كبرى حول مدى مصداقية تبنى الولايات المتحدة لحقوق الإنسان والحريات بعد أبوغريب وجونتانامو وتورط المخابرات والجيش الأمريكية فى ممارسات تعذيب، فضلا عن انحياز واشنطن المستمر لدولة إسرائيل على الرغم من كل جرائمها ضد حقوق وحريات الفلسطينيين فى الضفة الغربية وغزة. كذلك من حق الدول العربية، وغيرها من الدول المعنية بهذه التقارير، أن تتساءل حول من نصب الولايات المتحدة بجهاتها الحكومية ومؤسساتها غير الحكومية حكما على أوضاع حقوق الإنسان والحريات بها، ولماذا تضطلع واشنطن بدور ينبغى أن يناط بمؤسسات دولية كالأمم المتحدة بأجهزتها المختلفة. والأمر الذى لا شك به هو أن التقارير الأمريكية تعبر، على الأقل فى أحد مضامينها، عن جوهر استعمارى يعطى الولايات المتحدة «الحق» فى مراقبة وتقييم الدول الأخرى دون أن تراقب هى وبغض النظر عن مدى التزامها هى بحقوق الإنسان والحريات المدنية والسياسية والدينية. ثم إن بعض هذه التقارير، ومنها تقارير لجنة الحريات الدينية، يتسم بقصور بين فى معالجته لأوضاع الدول العربية على نحو يحد كثيرا من المصداقية. يصنف التقرير الحالى (يمكن مراجعته على الموقع الإلكترونى للجنة www.uscirf.gov) السعودية والعراق كدولتين يمارس بهما الاضطهاد الدينى، متجاهلا إلى حد بعيد فى الحالة الأولى التحسن النوعى الذى طرأ على وضعية المواطنين الشيعة فى الأعوام الأخيرة والتداعيات الإيجابية لمناخ الانفتاح النسبى الذى تشهده السعودية، ومتناسيا فى الثانية أنه من الصعب الجزم بحدود مسئولية الأجهزة الرسمية العراقية عن ممارسات الاضطهاد فى ظل الضعف المستمر للدولة هناك. كذلك أخفق التقرير فيما خص الحالة المصرية فى تقدير الأهمية الفعلية للتغيرات القانونية التى أدخلتها أخيرا الحكومة بشأن البهائيين على سبيل المثال. وقناعتى أن مصدر القصور هنا لا يعود إلى محاولة منظمة من جانب لجنة الحريات الدينية للإساءة لدول عربية أو تثبيت الصور النمطية السلبية عنها، بل إلى عجز معدى التقرير عن تنويع مصادر معلوماتهم لتتجاوز التغطية الصحفية وتحليلات السفارات الأمريكية وعدم اتباعهم منهجية رصدية واضحة تربط بين تغيرات البيئة القانونية والسياسية والمزاج الثقافى العام وبين وضعية الحريات الدينية وترتفع عن مستوى المعالجات الأولية التى تركز فقط على أحداث عنف أو ممارسات اضطهاد ذات خلفية دينية وتعمم انطلاقا منها.
حاصل القول هو أن علينا النظر إلى التقارير الأمريكية حول وضعية حقوق الإنسان والحريات فى العالم، إن فى شقها المتعلق بالعالم العربى أو فيما خص غيره من أقاليم، بموضوعية تبعد عن تقديس كل ما تحويه من معلومات وتقييمات ولا تستبعدها تماما. تبقى الولايات المتحدة، وعلى الرغم من خطايا إدارة بوش المتعددة وازدواجية معاييرها وانتهاكاتها هى لحقوق الإنسان داخل وخارج الأرض الأمريكية، قوة عظمى ملتزمة مبادئ الحرية والديمقراطية وساعية إلى دعمها فى فعلها الخارجى حين لا يتعارض ذلك مع الدفاع عن مصالحها الإستراتيجية أو تدفعها الأخيرة فى إدارة علاقاتها مع الدول الأخرى، وكثيرا ما فعلت، إلى تبنى خيارات غير ديمقراطية. نشرت بجريدة الشروق عدد 9 مايو 2009 | |
|