إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 نعم: حان وقت المراجعة والتغيير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

نعم: حان وقت المراجعة والتغيير Empty
مُساهمةموضوع: نعم: حان وقت المراجعة والتغيير   نعم: حان وقت المراجعة والتغيير Empty29/3/2009, 1:37 pm


بعد 30 عاماً على كامب ديفيد
الدكتور حسن نافعة يكتب
نعم: حان وقت المراجعة والتغيير

فى يوم ٢٦ مارس من عام ١٩٧٩، وقّع الرئيس السادات، ولا أقول مصر، على معاهدة «سلام» مع إسرائيل. وبعد ثلاثين عاما من تلك الخطوة التى شكلت قطيعة كاملة مع ثوابت سياسة مصر الخارجية منذ بداية ظهورها كدولة مستقلة على مسرح السياسة العالمية، يبدو أن الوقت قد حان لوقفة مراجعة تستهدف تقييم ما جرى وتحاول استخلاص دروس صحيحة، تساعد على رسم رؤى وسياسات قادرة على إخراج العالم العربى من تلك الهوة السحيقة التى سقط فيها، وعلى بعث الأمل من جديد فى نفوس جيل يكاد يختنق حسرة ويأسا.


ولأن المنطقة العربية شهدت، خلال تلك الفترة الطويلة الكئيبة من تاريخنا، أحداثا جساما تراكمت نتائجها المأساوية الواحدة تلو الأخرى إلى أن باتت تشكل كتابا مفتوحا يستطيع كل صاحب بصيرة أن يقرأه وأن يتبين منه حقيقة ما جرى، يفترض أن تسفر وقفة المراجعة التى نطالب بها عن «حساب ختامى» يرصد مجمل ما تحملته الأطراف المنخرطة فى الصراع الدائر فى هذه المنطقة وعليها من خسائر، أو ما تحملته من مكاسب، نتيجة هذه المعاهدة.

ولكى تحظى هذه الوقفة بقدر معقول من المصداقية، علينا أن نعتمد معايير واضحة يمكن الاستناد إليها لتحديد حجم ونوعية الخسائر أو المكاسب المتحققة، بأكبر قدر ممكن من الدقة والمهنية، بعيدا عن أى رؤى أيديولوجية أو مواقف جاهزة ومعدة سلفا.
ولأن قياس النتائج المترتبة على أحداث سياسية أو اجتماعية كبرى أمر تكتنفه صعوبات جمة، حتى بالنسبة لكبار الباحثين والمتخصصين، فمن الضرورى أن نعيد التذكير بمجموعة بديهيات يتعلق بعضها بطبيعة الصراعات الدولية وبوسائل إدارتها، بينما يتعلق بعضها الآخر بنوعية القيم التى تصلح كإطار مرجعى، يمكن القياس عليه لتحديد حجم المكاسب والخسائر المتحققة.
فكما لا يملك الإنسان الفرد حرية اختيار والديه أو حتى جيرانه، لا تملك الدول والشعوب حرية اختيار تاريخها أو جغرافيتها أو جيرانها من الدول والشعوب الأخرى. لذلك تبدو السياسة الخارجية للدول، وفقا للأدبيات السائدة فى العلاقات الدولية، محكومة فى النهاية بما تمليه اعتبارات التاريخ والجغرافيا.

فقد يكون بوسع الإنسان الفرد أن يتمرد على أبويه بعد أن «يشب عن الطوق»، وربما يكون بوسع حاكم أن يتمرد على حقائق التاريخ والجغرافيا فى لحظة أو مرحلة زمنية بعينها. غير أنه ليس بوسع أحد، فردا عاديا كان أو حاكما، أن يذهب فى تمرده بعيدا، لأنه لا يصح فى النهاية إلا الصحيح.
ولأن شعب مصر عاش متجذرا فى المكان الذى ارتبط به وصنع به ومعه عبقرية خاصة، صمدت لآلاف السنين رغم تعاقب الغزاة والفاتحين، فمن الصعب تصور أن يتمكن أى طرف، خصوصا إذا كان دخيلا على المنطقة، من أن يجبر هذا الشعب العريق على تغيير هوية اكتسبها عبر عملية تفاعل خصب مع بيئته المحيطة دامت لأكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان.
لذلك بدت لى معاهدة «السلام» أو «الصلح» المنفرد مع إسرائيل، ومنذ اللحظة الأولى التى أقدم فيها السادات على إبرامها عام ١٩٧٩، خطوة، ربما تكون أملتها ضرورات ظرفية معينة لكنها غير قابلة للدوام بأى حال من الأحوال، وذلك لأسباب كثيرة، منها:
١- استحالة تصور إمكانية قيام علاقة سلام دائمة ومستقرة بين مصر وإسرائيل فى ظل حالة حرب قائمة ومستمرة بين إسرائيل والدول العربية الأخرى، خصوصا مع شعب فلسطينى اغتصبت أرضه وانتهكت حقوقه. فبينما أعلنت مصر رسميا عزمها إلقاء السلاح وألزمت نفسها بأن تكون حرب أكتوبر هى «آخر الحروب»، واصلت إسرائيل ليس فقط حمل السلاح قط وإنما الإصرار أيضا على استخدامه بكثافة، إلى أن يصل المشروع الصهيونى إلى غايته النهائية التى لا يعرف أحد ماهيتها على وجه الدقة واليقين. وأيا كان الأمر، فمن الصعب وصف علاقة بين طرفين ألقى أحدهما سلاحه طواعية، بينما ظل الآخر ممسكا به ويطلق النيران على الجميع فى كل الاتجاهات، بما فى ذلك منطقة الحدود المصرية - الفلسطينية، بحالة «سلام»!.

٢- ارتباط مبادرة السادات تاريخيا فى أذهان المصريين بمفردات الرخاء، والتنمية الاقتصادية، والاستقرار السياسى، وربما بالديمقراطية أيضا. ولأن شيئا من ذلك كله لم يتحقق رغم مرور ما يقرب من ثلث قرن على معاهدة «السلام»، فقد كان من الطبيعى أن يكفر مصريون كثر بالسلام، وأن تبدأ أعداد متزايدة منهم فى النظر إلى «عملية السلام» وكأنها مصيدة نصبت لمصر، ويتعين عليها أن تنجو بنفسها منها، أو عبء ثقيل بات عليها أن تتخلص منه فى أقرب فرصة ممكنة.

٣- وجود إحساس عميق بالقلق لدى المصريين من وجود واستمرار مشاعر عداء لا تزال إسرائيل تكنها تجاه مصر وشعبها، رغم التزام نظامها الرسمى حرفيا بالمعاهدة. وقد عبر هذا العداء عن نفسه فى وعى المصريين وإدراكهم من خلال:
أ- ما كشف رسميا من حالات تجسس.
ب- قيام اللوبى الصهيونى بممارسة ضغوط مستمرة على الإدارة الأمريكية لخفض معوناتها لمصر.
ج- سعى الرسميين الإسرائيليين لمحاصرة مصر شرقا من غزة، وجنوبا من السودان، أو حتى تهديدها مباشرة بضرب السد العالى بقنبلة نووية كى يموت شعبها غرقا.
ولأن إسرائيل بدت نادمة على انسحابها من سيناء، فقد نمَّ سلوكها فى كثير من الأحيان وكأنها تطالب الشعب المصرى بأن يسبّح بحمدها صباح مساء، لأنها أعادت إليه سيناء، وهو أمر يصعب احتماله.

٤- إصرار إسرائيلى عنيد على تعميق التناقضات بين مصر والعالم العربى، من ناحية، وبين مصر ومحيطها الإقليمى، من ناحية أخرى، بل السعى لزرع الفتنة بين مسلمى مصر وأقباطها، من ناحية ثالثة. لذا لم يكن غريبا أن تتسم السنوات الثلاثون التى ارتبطت فيها مصر بمعاهدة سلام مع إسرائيل بقدر أكبر من عدم الاستقرار، فى الداخل، ومن تآكل دور مصر على الصعيدين الإقليمى والدولى، فى الخارج، مقارنة بما كان عليه الحال قبل إبرام المعاهدة.

غير أن قواعد العدل والإنصاف تقضى بأن نعترف لمصر بحصولها على مكسب رئيسى، جراء إبرامها معاهدة سلام مع إسرائيل، يتمثل فى استردادها الكامل لسيناء. ورغم عدم تمكن مصر من فرض سيادتها كاملة على أرضها المحررة، فإنها استطاعت أن تحصل على ما عجز غيرها عن الحصول عليه بوسائل أخرى، وتلك نقطة مهمة يتعين أخذها فى الاعتبار عند إعداد الحساب الختامى وتحديد صافى الأرباح والخسائر بالنسبة لمختلف الأطراف.

ومع ذلك فمن شأن استمرار السلوك الإسرائيلى على ما هو عليه - وهو الاحتمال الأرجح بل القابل للتطور فى اتجاه الأسوأ، خصوصا فى ظل حكومة يمينية متطرفة يبدو أن أفيجدور ليبرمان سيشغل فيها منصب وزير الخارجية - أن يطرح مجموعة مهمة من التساؤلات تتعلق ليس فقط بمستقبل سيناء نفسها، ولكن أيضا بالثمن الذى يتعين على مصر أن تدفعه مقابل استمرار احتفاظها بها.

ففيما يتعلق بمستقبل سيناء، من الواضح أن بوسع إسرائيل، فى ظل الخلل الراهن فى موازين القوى العسكرية، أن تعيد احتلالها لسيناء متى شاءت، غير أننا نستبعد أن تقدم إسرائيل على مثل هذا التصرف الأحمق، وذلك لسبب بسيط وهو أن لديها خططا لاستخدام سيناء كمتنفس طبيعى للتكدس السكانى فى قطاع غزة، وهو ما ستسعى حتما لفرضها على مصر، حال تمكنها من إجهاض حل الدولتين، وهو الاحتمال الأرجح.

وفى تقديرى أنه لو كانت إسرائيل قد نجحت فى تحقيق مخططاتها الرامية لفرض تسوية بشروطها بقوة السلاح، وهو ما سعت إليه حين قامت بغزو لبنان عام ١٩٨٢ وشن حرب لتصفية حزب الله عام ٢٠٠٦ وأخرى لتصفية حماس عام ٢٠٠٨، لكانت قد شرعت على الفور فى تنفيذ مخططها تجاه سيناء، ولما استطاعت مصر فى هذه الحالة أن تتصدى لها بعد سقوط المواقع الأمامية أمام زحف المشروع الصهيونى الكبير.

فى سياق كهذا، يصبح مشروعا بل واجبا علينا أن نتساءل: هل تظل مصر تواصل سياسة دفن الرأس فى الرمال على النحو الذى رأيناه طوال الفترة السابقة، خاصة فى السنوات الأخيرة، إلى أن تستيقظ يوما على وقع البلدوزرات الإسرائيلية تزحف فى اتجاه سيناء، بحجة المشاركة فى إقامة مستوطنات لللاجئين الفلسطينين هذه المرة، أم أنه يتعين عليها أن تبدأ منذ الآن فى مراجعة الأسس والافتراضات التى بنت عليها سياستها الخاصة بإدارة الصراع مع إسرائبل وإجراء التعديلات التى تفرضها عليها مسؤوليتها فى الدفاع عن مصالح مصر الوطنية.

قد يتراءى للبعض أن وقفة المراجعة التى نطالب بها، والتغيير الذى سيترتب حتما على أى مراجعة من هذا النوع، يفرض على مصر أن تشرع على الفور فى إلغاء معاهدة السلام وطرد السفير الإسرائيلى. فهذا النوع مع التفكير - والذى لا أتورع عن وصفه بالطفولى - لا يتفق مع أسلوبى. فبين الحماقة والخنوع بون شاسع يتسع لمواقف وسياسات أكثر عقلانية وجدوى، وهو ما سنحاول توضيحه فى مقالاتنا المقبلة.
نشرت بجريدة المصرى اليوم عدد ٢٩/ ٣/ ٢٠٠٩
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
 
نعم: حان وقت المراجعة والتغيير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
قضــــايا ومنــاقـشــــات فى كل المجالات
-
انتقل الى: