موضوع: كتاب أوجاع مصرية .. للدكتور سعيد اللاوندي 24/3/2009, 11:23 pm
كتاب أوجاع مصرية .. للدكتور سعيد اللاوندي
فاض الكيل بأهل مصر بعد أن اختلطت الأوراق، وتاهت المعايير، واستوطن الفساد البيوت والعقول، وأصبح الغش في كل شئ عنوانا للحياة.
ياالله! هل يعقل أن تصبح مصر "مأوى" للانتهازيين والمعولمين، وطالبي الثراء بأي ثمن ليفر الأمان من أرضها التي كانت يوما طيبة؟! وأخيرا عندما يشعر مواطنها البسيط أنها لم تعد بلاده وأنه أصبح غريبا بين أهلها..فهي إذن الكارثة!! هذه بعض الأوجاع التي يرصدها د.سعيد اللاوندي في كتابه "أوجاع مصرية" الصادر عن دار نهضة مصر في 275 صفحة. الكتاب ينقسم إلى خمسة فصول ويبدأ بأبيات شعرية للرائع فاروق جويدة: كم عشت أسأل أين وجه بلادي أين النخيل، وأين دفء الوادي؟ يهدي المؤلف كتابه إلى فاروق جويدة الذي يصفه بأنه "قلب ينبض بالحب لمصر وأهلها..".
"الخبز" و"الأحذية"! كتب د. اللاوندي تحت عنوان "الخبز تحت الأقدام والأحذية في الفاترينة !" قائلا: زار صديق فرنسي مصر للمرة الأولى وبعد عودته سالما سألته عن ما أعجبه في مصر، وكانت المفاجأة أن شيئا لم يعجبه باستثناء الأهرامات لكن ما لفت نظره بشدة كما قال لي هو أن أشياء كثيرة تسير بالمقلوب في مصر، وعندما استوضحته الأمر أجاب بأنه شاهد لأول مرة في حياته أناسا يركبون الأتوبيس من الشباك وليس من الباب كما يحدث في باقي دول العالم. أما أغرب الأشياء التي وقف لها شعر صديقي الفرنسي أنه وجد الخبز يباع مفروشا على الأرض، تغمره الأتربة وتستقر فوقه عوادم السيارات بينما ترتفع الأحذية معلقة داخل "فاترينات" فضفاضة ونظيفة، وتساءل صديقي الفرنسي معلقا بحزن: كيف يحدث ذلك في بلد سبعة الآلاف حضارة؟. وتحت عنوان "الشهادات الجامعية المصرية .. شيك بدون رصيد" يقول المؤلف: .."إن أدبيات وقواعد البحث العلمي والأكاديمي في جامعاتنا ومراكزنا العلمية في حاجة إلى مراجعة، وإعادة تصويب لأن ما كان صالحا في زمن الآلة الكاتبة لم يعد صالحا في عصر الكمبيوتر والإيميل، وعلينا أن نواجه هذه المشكلة على الفور لكي تستعيد جامعاتنا المصرية سمعتها التي كانت، وكلنا يعرف بأسى أن التصنيف الدولي لأهم 500 جامعة في العالم لم نعثر فيه على جامعة مصرية واحدة، كما أن بعض الدول العربية تضع شرطا للعمل فيها هو أن تعيد امتحان المهندسين والأطباء المصريين، وهذا لا معنى له سوى عدم الثقة في الأبحاث والأطروحات والدرجات والشهادات المصرية".
تصدير الأوبئة يعبر مؤسس المركز المصري لحوار الثقافات في باريس د.سعيد اللاوندي عن غضبه من الأوضاع في مصر قائلا تحت عنوان "زعلان منك يا مصر" أن مشكلة الدروس الخصوصية في مصر مثار تهكم من الصغير قبل الكبير ليس في مصر وحدها وإنما في العالم أجمع ويسوق الكاتب أمثلة على ذلك نذكر منها: - في البلاد العربية تسخر الرسوم الكاريكاتورية من المدرسين المصريين الذين نقلوا معهم إلى دول الخليج الفول والطعمية والدروس الخصوصية!. - وفي الدول الغربية وتحديدا الأوروبية نشر المصريون عادة الدروس الخصوصية بين التلاميذ من أبناء الجالية..مما أثار استياء الكثيرين، خصوصا عندما حاول أحد المدرسين المصريين إقناع أولياء أمور "مغاربة" بإعطاء دروس مسائية لأولادهم في المنازل أو في مجموعات. - ضمن الدوائر الأوروبية في بروكسل المهتمة بالتعليم يتهمون مصر بأنها تتعمد غض الطرف عن مشكلة الدروس الخصوصية حتى تزداد تفاقما وسوءا..وعند درجة معينة تتدخل الحكومة المصرية لتعلن خصخصة التعليم بشكل نهائي ويكون مبررها أن التعليم الحكومي لم يعد موثوقا به والدليل على ذلك هو لجوء التلاميذ إلى الدروس الخصوصية التي ليست سوى أحد أشكال الخصخصة. هذا ما يُقال بشكل أساسي تفسيرا لعجز الدولة في مصر عن حل مشكلة الدروس الخصوصية، بكلام آخر كما يقول المؤلف: نحن في قفص الاتهام لأننا ننقل أوبئتنا الاجتماعية إلى دول "شقيقة" باتت تضج بالشكوى من سلوكياتنا داخل مجتمعاتها ومؤسساتها التعليمية.
جوانتانامو يقول المؤلف في فصل بعنوان "رؤساء يتجسسون على شعوبهم" "..لقد هالتني إجابة وقعت عليها بطريق المصادفة ومنسوبة إلى أحد المراكز الباريسية المتخصصة في شئون الشرق الأوسط تقول: إن سبب امتناع بعض الرؤساء عن التعليق على الجرائم التي ترتكب في حق المواطنين العرب في أبو غريب وجوانتانامو أنهم "متورطون" فهم الذين أرشدوا عن هؤلاء المساكين، لتضعهم الإدارة الأمريكية وراء القضبان، وتفعل فيهم ما يندي له الجبين خجلا، على نحو ما فضحت الصور التي انتشرت كالأوبئة عبر النت والصحف والفضائيات!!. وتذكر الشروحات الصادرة عن نفس المركز البحثي في باريس أن شيئا كهذا وقع مع "الحوثي" المتهم بالإرهاب، الذي اغتالته القوات الأمريكية في أثناء سيره في بلده "اليمن" بعد أن وصلت معلومات تكشف مكان وجوده وزمان تحركاته، وتكرر المشهد نفسه مع أشخاص في الجزيرة العربية، والأردن وتونس. وتذكر الوقائع القريبة أن بعض القادة لا يكتفون بالتجسس على مواطنيهم ولكن أيضا يتجسسون على بعضهم بعضا، فإحدى القمم العربية – وهذه واقعة يعرفها الكثيرون – كانت تُنقل وقائع جلساتها السرية مباشرة إلى إسرائيل عبر أجهزة تنصت دقيقة تم تركيبها في قاعة الاجتماعات "بمساعدة مهندسين إسرائيليين!!". ويعلق اللاوندي قائلا: اللافت للنظر أن معاركنا مع الغرب الاستعماري قد خسرناها جميعا دون أن نحارب، فالسماسرة وتجار الأسلحة الفاسدة أفقدونا حرب 1948، و"جوسسة" البعض على قواتنا المسلحة أضاعت منا حرب 1967 وهو ما يعني أننا لم نحارب وإنما كنا ضحية الجواسيس حكاما ومحكومين. تحت عنوان "ياعزيزي كلنا مجرمون" يؤكد المؤلف أن "واقعة وسط البلد" كما يطلق عليها وما حدث فيها من تحرش جنسي هي نتيجة طبيعية لفشل أسلوبنا في التعامل مع الشباب دينيا وتعليميا وثقافيا. نعم خطابنا في هذه المجالات الثلاثة خطاب أهطل ومعوج ولا معنى له، فدعاة الدين التقليديون مصرون على التحدث عن الدين تربويا من منظور الثعبان الأقرع وعذاب القبر، والدعاة المحدثون من خالعي العمامة والقفطان عمدوا إلى جر الشباب وراءهم نحو دين ليس له من الدين سوى الاسم.
مثقفون بلا هدف لأن حال الثقافة في مصر لا يسر أحد كتب د. اللاوندي في مقاله "البكاء على الثقافة المفقودة" قائلا: مثلما ننعي أحوالنا الثقافية ونتساءل في حيرة: لماذا لم يعد يظهر في مصر المحروسة رواد ومفكرون بحجم قامات الطهطاوي ومحمد عبده والعقاد وطه حسين؟ فالشئ نفسه وجدته على ألسنة أهل اليونان الذين يعبرون عن استياءهم لأن أرض الفلسفة التي أنجبت ثالوث الحكمة سقراط وأفلاطون وأرسطو، قد أصابها العقم ولم تقدم لنا فيلسوفا بحجم هذا الثالوث الذي طبقت شهرته الآفاق وتعلم الحكمة على أيديه ملايين البشر طوال أكثر من ألفي عام. ومما يزيد الطين بلة أن مثقف اليوم قد فقد دوره التنويري أو التحذيري، والتحم بالنخبة الحاكمة، واقتصر دوره على التبرير أو الدفاع ونسى أو لعله تناسى أن مهمته هي إزعاج الجميع وليس طمأنتهم والربت على أكتافهم! ولعل المفكر الفرنسي ريجيس ديبريه "صديق جيفارا" كان الأصدق عندما وصف المثقفين في نوبة قاسية من نوبات غضبه قائلا: إنهم قوم ضرب الشيب مفرقهم وفقدوا دورهم التنويري النبيل وأصبحوا أشبه بقلة من البشر فقدت الذاكرة، فلا هدف لهم ولا معنى لوجودهم. يهود وعرب المهجر يأتي الفصل الثالث بعنوان "أوجاع بطعم العلقم" ويقف الكاتب عند أحوال المصريين في الخارج ناقلا لنا بعض ما يشغل أذهانهم قائلا: للمصريين المغتربين شكوى دائمة لا أحسب أن أحدا في زحمة الحياة توقف لحظة أمامها ليتأملها أو حتى ليستوعب مضامينها، وهم يقولون: إن المسئولين في مصر يتعاملون معهم كما لو كانوا غائبين، وبالتالي فلا حقوق لهم إلا كحقوق الغائب التي لا تزيد على حدود "التذكر" والشعور بالحنين لأيام خوال ولت وانتهى أمرها. ويتساءل المغتربون في أسى: لماذا تهملون أولادنا ولا تقدمون العون لجذبهم إلى حظيرة الوطن والارتباط بماء النيل؟، ولماذا لا تستلهمون دروس إسرائيل في توطيد الصلات بيهود المهجر الذين تستقدمهم في زيارات إلى تل أبيب ويحرص كبار المسئولين على اللقاء بهم وإجراء حوارات جادة تشعرهم بأنهم جزء عضوي في جسد الدولة العبرية وليسوا غائبين "أو مغيبين" على نحو ما نفعل في مصر مع مغتربينا؟. ولأن المؤلف عاش طويلا في باريس ما يقرب من 20 عاما ولمس أوضاع المسلمين في الخارج يكتب تحت عنوان "الإسلاموفوبيا و معاداة السامية مقارنات واجبة!": لم يعد بوسع أحد إنكار الإسلاموفوبيا، وهي الخوف المرضي من الإسلام، التي تفشت في السنوات الماضية، وتحديدا منذ وقوع أحداث 11 سبتمبر 2001 في أمريكا، بين جميع شرائح المجتمع الغربي. أصبحت ظاهرة الإسلاموفوبيا، "لعنة" يُوصم بها المغتربون، ولعل الموقف السلبي منها هو الذي دفعني لعقد مقارنات مباشرة مع ما يراه اليهود في الشتات عداءا للسامية.. ويؤكد المؤلف أن رد الفعل من الظاهرتين مختلف تماما .. فمسلمو أوروبا قد اكتفوا بتسجيل حزنهم لما آلت إليه العلاقة مع المجتمعات الغربية التي يعيشون فيها، واستسلموا لاجترار الآلام والندم على اللبن المسكوب .. بينما أولاد العم من اليهود كان لهم موقف آخر، وردوا على حملة معاداة السامية بحملة مضادة تستهدف إشعار الأوروبيين بالندم على ما اقترفوا في حق اليهود !، بل ودفع غرامات باهظة على سبيل التعويضات. وكلنا يعرف أن فرنسا أصدرت قانونا شهيرا يحمل اسم وزيرها للتعليم العالي هو قانون جايسو، الذي يحظر حظرا تاما أن يقترب أي عاقل من قضية الهولوكوست أو أفران الغاز، ووضع القانون غرامة مالية كبيرة، إلى جانب عقاب بدني بالسجن لمدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن ست سنوات..وأخذت النمسا وسويسرا بحيثيات قانون جايسو مع تغليظ العقوبة البدنية والمالية.
رجال أعمال في الميزان! يناقش الكتاب أوجاع المجتمع المصري ومنها ظاهرة رجال الأعمال وتحت عنوان: "مجتمع رجال الأعمال..المفتري علينا!" يقول المؤلف: لم يعد خافيا على أحد أن مجتمع رجال الأعمال بات شيئا ملموسا في مصر، وهذه الشريحة المجتمعية أصبحت ركنا "ركينا" من السلطة التنفيذية .. وإذا تذكرنا أن عددا من الأحزاب السياسية وخصوصا الحزب الحاكم تبرز فيه شخصيات محورية تخطط للعمل الحزبي، والديمقراطي، فهذا أكبر دليل على أن رجال الأعمال اخترقوا السلطة التشريعية، لكن السؤال الآن هو ما هي حقيقة هذه الطبقة من رجال الأعمال؟ يقول المؤلف: إن التضييق على رجال الأعمال بأي شكل من الأشكال، وتحجيم نشاطهم الاجتماعي والسياسي يتنافى مع أبسط قواعد المواطنة لكن بالمقابل فإن فتح طريق المشاركة على مصراعيه أمام هذه الطبقة، وعدم وضع حدود فاصلة بين كونهم رجال أعمال يديرون مشاريع خاصة ناجحة، وبين كونهم وزراء ورجال سياسة ينخرطون في وظيفة عامة هو أمر يثير كثيرا من الشكوك. ويضيف: هل يكون من حقي مثلا أن أفرح لأن مصر تتصدر قائمة الدول المصدرة لبعض المواد الملوثة للبيئة مثل الأسمنت، والسيراميك، أم يفرض علىّ الواجب الوطني أن أغضب وأثور لأن هذه الصناعات قد تخلت عنها الدول المتقدمة منذ سنوات بسبب آثارها الضارة على البيئة وصحة الإنسان؟ وهل لأن الصناعات تفسح المجال أمام إيجاد فرص عمل لبضع فئات من الأسر، ينبغي عليّ أن أغض الطرف عن الأضرار التي تلحق بصدور وقلوب آلاف، بل ملايين من البشر داخل مصر؟. واستكمالا لنفس الموضوع يكتب اللاوندي تحت عنوان "هل رجل الأعمال والأخلاق ضدان لا يلتقيان؟" قائلا: العجيب أن معامل الرأسمالية في أوروبا وأمريكا تحرص دائما على كبح جماح النوازع الرأسمالية المادية وتسعى إلى أنسنة هذه التوجهات. فجامعة السوربون الشهيرة في باريس هي في الأصل مشروع خيري قام به نفر قليل من رجال الأعمال الفرنسيين بالتعاون مع أحد القساوسة ويسمى دي سوربون "أخذت الجامعة اسمه بعد ذلك". وملك الميكروسوفت الأمريكي الشهير "بيل جيتس" تبرع بأرقام تصل إلى مليارات لإقامة مستشفيات علاجية, وتخصيص أموال لمساعدة الفقراء والمعدمين، وتمويل مراكز بحثية طبية. وفي عالمنا العربي حالة فريدة يمثلها رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري الذي تكفل بتعليم أبناء وطنه على نفقته الخاصة في جامعات العالم، كما تعهد بإيجاد فرص عمل لهم في كافة التخصصات. العجيب والغريب أن رجال الأعمال المصريين الذين يملئون الدنيا ضجيجا وعجيجا، وحققوا ثروات خيالية لم نسمع أن أحدا منهم ساهم في إنشاء جامعة أو بنى مركزا تعليميا يستقبل طلابه بالمجان. وفي النهاية يقول المؤلف: يبدو لي أن رجال الأعمال يكرهون الشعب المصري، ويشعرون أنهم يجب أن يثأروا للشيطان من ماضي وحاضر ومستقبل هذا البلد..وهم أشبه بجباة الضرائب أو الملتزمين في العصر العثماني الذين يؤمنون بأن الشعب المصري كالسمسم لابد من سحقه كي يخرج منه الزيت.