بقلم الباحث العراقى الكبير فلاح خلف الربيعى نشرت بموقع الحوار المتمدن - العدد: 2307 - 2008 / 6 / 9
نالت فكرة الخصخصة اهتماما دولياً كبيرا باعتبارها وسيلة أساسية لتحقيق الإصلاح و تحسين الاداء الاقتصادي،فيكاد لا يخلو اليوم أي برنامج للإصلاح اقتصادي ،من الدعوة الى تبني الخصخصة كمدخل لتغيير مسار السياسة الاقتصادية ،و قد ازداد الحماس لتلك الفكرة بعد أن أثبتت فعاليتها في خفض الانفاق العام ومعالجة عجز الميزانيات الحكومية.
أولاً / مفهوم الخصخصة:
تنطوي الخصخصة على فكرة واحدة هي بيع المشروعات المملوكة للدولة أو نقل ملكيتها الى القطاع الخاص و/ أو منح هذا القطاع الخاص حق ادارتها وتشغيلها .
ثانياً/ اسباب التحول نحو تبني الخصخصة :
شهد الاقتصاد العالمي خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي عدد من المتغيرات الاقتصادية و السياسية التي زرعت الشك في جدوى استمرار العمل بملكية الدولة لوسائل الانتاج و بالتخطيط كمنهج لإدارة الاقتصاد، و في مقدمة تلك المغيرات انهيار منظومة الدول الاشتراكية ، والفشل الذريع لتجارب التنمية في عدد كبير من الدول النامية التي تتبنى سياسة التدخل الحكومي.في مقابل النجاح المنقطع النظير الذي شهدته مجموعة الدول النامية التي تتبنى نظام السوق وفي مقدمتها مجموعة النمور الآسيوية ،كما أقترنت هذه التطورات بضغوط كبيرة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على الدول النامية ذات المديونية العالية لإجبارها على الإسراع بالتحول نحو نظام السوق .
ثالثا/ أهداف الخصخصة:
إن الاندفاع نحو تبني سياسات الخصخصة في السنوات الأخيرة جاء بهدف تحقيق عدد من الأهداف من أبرزها:-
1 ـ رفع كفاءة الاقتصاد القومي وزيادة قدرته التنافسية من خلال تحفيز القطاع الخاص على الاستثمار والمشاركة الفاعلة في عملية التنمية .
2- معالجة العجوزات المزمنة في الميزانيات الحكومية والتوقف عن دعمها للمنشآت الخاسرة.
3ـتطوير السوق المالية وتنشيطها .
4ـ خلق مناخ الاستثمار المناسب، لتشجيع الاستثمار المحلي واجتذاب الاستثمار الأجنبي.
5- تحسين كفاءة استخدام الموارد الاقتصادية النادرة،من خلال التسعير الملائم لتلك الموارد ولعناصر الإنتاج وبخاصة النقد الأجنبي ومصادر الطاقة ورأس المال.
6- تحقيق التشغيل الأمثل للقوى الوطنية العاملة و زيادة فرص العمل.
7-زيادة ايرادات الدولة عن طريق عائد المساهمة في النشاط المراد تحويله للقطاع الخاص عن طريق ما تحصل عليه من مقابل مالي مثل ما تحصل عليه عند منح الامتيازات وكذلك عن طريق الايراد المحصل من بيع الدولة لجزء من حصتها.
رابعا/ استراتيجيات الخصخصة:
تدورتجارب الخصخصة حول إستراتيجيتين متعارضتين هما :-
أ- إستراتيجية التطور التدريجي:
يرى أصحابها بأن حصة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي يمكن أن تنمو تدريجيا مع ظهور الشركات الخاصة الجديدة،في تلك الإثناء يتم تصفية أو بيع شركات القطاع العام.على أن يتم تهيئة المناخ الذي يسمح بوصول القطاع الخاص الى المواقع المتقدمة في هرمية الهيكل الاقتصادي،عن طريق تشجيع إنشاء الشركات و إلغاء الحواجز أمام دخول و إقامة المشروعات الجديدة، وتطبيق السياسات الضريبية والسياسة الائتمانية المحفزة. وتقوم هذه الإستراتيجية على الاعتبارات الموضوعية " الاقتصادية -الاجتماعية " لتطبيق نهج الاقتصاد الحر وتهيئة الظروف الملائمة لنهوض الطبقة المتوسطة وتمكينها من الاستحواذ على ملكية القطاع العام .
ب-إستراتيجية الخصخصة السريعة:
تدعو الى التخلص السريع من الملكية الحكومية،عن طريق تبني أشكال أقرب ما تكون الى التوزيع المجاني، بهدف توسيع قاعدة الملكية على أساس التوزيع المتساوي للأصول الحكومية لكل المواطنين، مستندة في ذلك على الاعتبارات المعيارية "الأخلاقية ". أما معارضوا هذه الإستراتيجية فيرون أن هذا النوع من - التوزيع العادل - للملكية لا يدوم طويلاً، في حالة وجود التركز في الدخول والثروات، إذ سرعان ما تتحول الملكية الى أيدي الفئات ذات الدخول المرتفعة، وهذا يعني أن بيع الأصول الحكومية بأسعار عادلة، قد لا يؤدي بالضرورة الى أعادة توزيع الثروة أو الدخل. وبشكل عام يمكن القول أن إستراتيجية التطور التدريجي قد أثبتت تفوقاً أكبر لآن الحجج التي تقوم عليها تراعي اعتبارات الكفاءة الاقتصادية.
خامسا/ أساليب الخصخصة:
تتمثل أساليب الخصخصة وآلياتها الشائعة في ما يأتي:-
أ- بيع وحدات القطاع العام:
. وتتخذ عملية البيع عدة أشكال أهمها ،الاكتتاب العام في سوق الأوراق المالية، والبيع المباشر للقطاع الخاص ،وتحويل العاملين بالشركة إلى مساهمين،عن طريق السماح لهم بشراء أسهم الشركات، فضلا عن المقايضة بالديون الخارجية ، و نظام الصكوك أو الكوبونات الذي يتم بموجبه توزيع كوبونات على المواطنين تمنحهم ملكية عدد من الأسهم أو الدخول في مزادات عامة للحصول على عدد من الأسهم.
ب- التعاقد أو خصخصة الإدارة:
تبقى في هذا الشكل ملكية رأس مال الشركات في يد الدولة في حين تتنافس وحدات القطاع الخاص على الحصول على عقود تخولها حق الإدارة لحساب الدولة مقابل مزايا معينة كحصة في الربح أو الإنتاج.
ت -السماح للقطاع الخاص بمزاولة نشاطات يحتكرها القطاع العام:
بهدف توسيع مدى المنافسة وتحسين الأداء يتم إصدار القوانين وإزالة القيود التي تحول دون دخول القطاع الخاص لبعض الأنشطة و يؤدي هذا الأسلوب بمرور الوقت الى توسيع مشاركة القطاع الخاص دون الحاجة لتغيير ملكية المنشآت العامة ،ولذا فهو يسمى بالخصخصة التلقائية.
ث- أسلوب البناء -التشغيل- التحويل:
يسمح هذا الأسلوب للقطاع الخاص بإقامة مشروع معين دون مقابل واستغلاله لمدة معينة على أن يتم تسليمه بعد ذلك للحكومة.
ح -أسلوب البناء - التشغيل - التمليك:
يختلف عن الأسلوب السابق في أن يسمح للمستثمر بتملك المشروع وعدم تسليمه للدولة بعد فترة.
خ - أسلوب البناء - التشغيل - التمليك - التحويل:
يختلف عن الأسلوبين السابقين في أن المستثمر يتملك المشروع لفترة معينة بعد قيامه ببنائه ثم يقوم بتحويله إلى الدولة.
سادسا/الآثار السلبية للخصخصة :
أن نجاح عملية الخصخصة سيتوقف على مدى مراعاة صانع القرارللآثار السلبية التي يمكن أن ترافق تلك العملية وفي مقدمتها:-
-1ضعف فعالية الآليات والمعايير التي تنظم عمليات نقل الملكية وفي مقدمتها الأسواق المالية الفعالة.
2- نقص الدراسات الفنية اللازمة لتقييم الأصول وتحديد الأسعار، مما يعرض إجراءات نقل الملكية للبيع المباشر وبأسعار زهيدة.
-3 ضعف القطاع الخاص المحلي ، الذي سيفتح الباب أمام الشركات الأجنبية، التي قد لا تلتزم بتنفيذ خطط وبرامج التنمية.
-4 أن تطبيق برنامج الخصخصة سترافقه حتما زيادة في معدلات البطالة.
-5 أن البيع المباشر للمؤسسات العامة سيؤدي الى بيع المؤسسات الناجحة، ويبقي على المؤسسات الخاسرة، مما يفقد الدولة الإيرادات التي كانت تحصل عليها من المؤسسات الناجحة والاستمرار في تكبد الخسائر من المؤسسات المتعثرة مما يزيد من أعباء الخزينة العامة.
سابعا/ شروط نجاح عملية الخصخصة :
أن جعل الخصخصة عملية ذات جدوى للاقتصاد والمجتمع ، يتطلب توفير الشروط الاتية :-
1- وجود سوق مالية فعالة، قادرة على امتصاص التأثير المالي الناجم عن الخصخصة
2- تحرير القطاع العام وفتح باب المنافسة بتشجيع الية السوق، مع مراعاة اسواق يعض السلع والخدمات العامة التي لا تستوعب اكثر من مقدم واحد للخدمة كالمياة والكهرباء،لذا فان عملية الخصخصة تتطلب وجود هيئة اشرافية تحدد الوسائل والاستراتيجيات البديلة لتقديم الخدمات التي تقدمها الحكومة ومتطلبات الانتاج اللازمة لكل وسيلة وتقييم تكاليف ومكاسب كل وسيلة ومقارنة الوسائل واختيار الافضل منها .
4- خلق مجموعة من الضوابط التي تحمي الملكية الخاصة من المصادرة، ووضع القوانين والواضحة والملائمة للواقع الاقتصادي والسياسي، والقوانين التي تنظم العلاقة بين المستثمرين والعمال وتضمن حسن التعامل مع العمالة الفائضة
5- الحرص على توفير الملاكات الإدارية الجيدة ذات المستوى العالي من الكفاءة والنزاهة
6- توفير بنية أساسية متطورة، وتأمين نظام معلومات وموانئ وهيكل مالي ومحاسبي جيد
7- تبني سياسة اقتصادية واضحة ومحددة تؤمن بمبدأ التدرج في بيع الوحدات وإصلاح الهياكل المتعثرة منها، وتوفر الرقابة الصارمة على عمليات التقييم والتسعير.
8- ضرورة اشراف الحكومة على الخصخصة بأكملها بدلا من التعاقد مع المكاتب الاستشارية. و أقتصار عملية الاشراف على جهة واحدة ،لتلافي بعثرة الجهود وتضارب المصالح .