* ما رأيك في السجال الدائر الآن ومطالبة البعض بتغيير المادة الثانية من الدستور؟.. وهل يمكن أن يحدث ذلك؟
- أشك كثيرا في أن يحقق المطالبون بتغيير المادة الثانية هدفهم؛ لأن اليسار لا حياة ولا مستقبل له في مصر، وزعماء هذا التيار معزولون عن الناس، وهناك حقيقة لا بد من التأكيد عليها وهي أن الابتعاد عن الدين في مصر خطر وخطأ.. لأن الشعب المصري متدين بطبيعته، والتيار العلماني الذي يدعو لفصل الدين عن الدولة -كما حدث في تركيا- هو أيضا لا حياة ولا مستقبل له في مصر.
* ولكن هل يمكن أن تُعقد صفقة ما مع السلطة تفضي إلى تغيير المادة الثانية والإجهاز عليها؟
- لا يمكن هذا أيضا لأنهم لن يجدوا عضواً واحداً يساير هذا الاتجاه، ولعل ما حدث مؤخرا من هجوم وانتقادات حادة ضد وزير الثقافة بسبب تصريحاته حول موضوع الحجاب وقيام أعضاء من الحزب الوطني بقيادة هذا الهجوم مما يؤكد ذلك، كما أن مؤسسة الرئاسة ليس في مصلحتها تبني هذا الاتجاه والاصطدام مع مشاعر الناس.
* ولكن مع تزايد الضغوط من جانب العلمانيين واليساريين، بل ومن الأمريكان، قد ترضخ الدولة وتقوم بتغيير تلك المادة؟
- ضغوط العلمانيين واليساريين لا قيمة لها.. كما أن الإدارة الأمريكية غارقة في المشاكل وهي ليست على استعداد للتورط أكثر بإدخال نفسها في هذا الأمر.
* يقول العلمانيون في معرض رفضهم للمادة الثانية إن الدولة كيان محايد، لا ينبغي وصفه بالإسلامي أو الكونفشيوسي أو البوذي أو أي صفة أخرى، حتى تحقق مبدأ المواطنة.. فما رأيكم في هذا الطرح؟
- هؤلاء يتكلمون وفق مفاهيم غربية مقطوعة الصلة بخصوصيتنا وهويتنا.. فهم لا يدركون أن هناك فروقا محددة تفصل بين الدين والكهنوت، فأوروبا اليوم تفصل بين الدولة والدين بمفهومه الأوروبي (الكهنوتي).. بينما الإسلام يجمع بين الدين والدولة ولا يوجد فيه كهنوت. وحين نصف الدولة بأنها إسلامية فإن ذلك يعني أنها تستمد ثقافتها وتشريعاتها من تراثها الإسلامي، وهذا التراث شارك في وضعه المسلمون وغير المسلمين، وعليه فإن النص على أن دين الدولة هو الإسلام هو الذي يضمن لغير المسلمين حقوقهم ويجعله واجبا شرعيا وليس مجرد نصوص قانونية وضعية يسهل التلاعب بها والخروج عليها.
* لو ألغينا المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة.. فما المصدر البديل الذي نستقي منه القوانين؟
- لن يكون أمامنا في هذه الحالة إلا القوانين الوضعية الغربية المستمدة من القانون الروماني متمثلة في التشريعات الفرنسية والإيطالية والإسبانية.. فكأننا نتخلى عن هويتنا واستقلالنا القضائي والقانوني لصالح قوانين الدول التي احتلت بلادنا ونهبت ثرواتنا. ومن يقولون بأن المرجعية الدولية المتمثلة في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية تكفي بديلاً عن الشريعة الإسلامية، نرد عليهم بأن هذه الاتفاقات والمعاهدات التي تصدر عن الأمم المتحدة تعبر عن فلسفة مادية غربية لا تتناسب مع ثقافتنا، ومن يراهنون على تلك المعاهدات لتوفير حقوق المواطنة في البلدان العربية والإسلامية، نسألهم: وهل ساوت المجتمعات الأوروبية والأمريكية بين المواطنين فيها!!.. أليس هناك تمييز عنصري وتهميش للمسلمين المقيمين في الغرب؟.. ألم تسمح تلك المعاهدات والاتفاقيات الدولية بزواج الرجل من الرجل والمرأة من المرأة فهل نأخذ بهذه القوانين ونرفض الشريعة؟!.
* ثمة تكهنات تقول إن إدخال مادة المواطنة يستهدف إلغاء المادة الثانية فما رأيكم؟
- من يطلق هذا الكلام يفهم المواطنة على أنها استبعاد للشريعة وإلغاء للمادة الثانية، وينسى أن المواطنة كحقوق وواجبات هي مفهوم إسلامي وإن كانت كمصطلح أصلها إغريقي، والإسلام أقام أول دولة على مبدأ المواطنة والمساواة التامة بين المواطنين بصرف النظر عن دينهم أو لونهم وهي دولة المدينة التي وضع دستورها الرسول صلى الله عليه وسلم فيما سمي (الصحيفة) وهي أول دستور يحدد حقوق وواجبات المواطنين ويساوي بينهم، على عكس الوضع الذي كان سائداً في أوروبا حيث القانون ينص على أن الناس على دين ملوكهم، وإلا فلا حق لمن يخالف ذلك في المواطنة والحقوق المترتبة عليها.
* هناك من يزعم بأن تطبيق الشريعة ينتقص من حقوق المسيحيين؟
- هذا كلام يمزج بين الخطأ والجهل؛ لأن الشريعة الإسلامية التي طبقت على مدى قرون طويلة من الزمان أنصفت غير المسلمين في البلاد الإسلامية بأكثر مما فعلت أي حضارة أخرى في العالم؛ ويكفي تلك القاعدة الذهبية التي تجسد حقوق المواطنة لكل من يقيم في البلدان الإسلامية (لهم ما لنا وعليهم ما علينا).
* ولكن بعض المسيحيين يبدون تخوفات ويثيرون اعتراضات تستند على حجج تبدو منطقية.. فكيف تنظرون إليها؟
- هذا الموضوع كان مثار نقاش بيني وبين البابا شنودة، الذي أبدى تخوفه من بضعة أمور: منها شهادة غير المسلم على المسلم، وقضاء غير المسلم على المسلم، وهو مبدأ مطبق حاليا في القضاء المصري، ويستند على رأي الإمام أبي حنيفة الذي أجاز ذلك.. وكان تخوف البابا شنودة من أن يأتي حاكم يأخذ بالرأي الآخر الذي لا يبيح ذلك، فقلت له إن هذا لو حدث فسيكون كارثة على الجميع، المسيحي والمسلم على السواء(!!).
* سمعنا مؤخرا من يطالب بمعادلة المادة الثانية للدستور وتضمينها نصاً يضيف الشريعة المسيحية كمصدر للتشريع للإخوة المسيحيين كنوع من الترضية لهم؟
- المسيحية ديانة سماوية عظيمة، ولكن ليس فيها شريعة تنظم حياة البشر كما هو الحال في الإسلام.. فالمسيح عليه السلام كان يردد "مملكتي ليست هنا إنما في السماء" وأعلى درجات الكمال عند المسيحي، هي الرهبنة.
أما الإسلام فهو عقيدة وشريعة ودين ودولة، ووقت ظهور المسيحية كان هناك قانون بلغ أعلى درجات كماله، وهو القانون الروماني؛ فالناس في ذلك الوقت لم يكونوا في حاجة إلى حماية قانونية.. ولكنهم كانوا في حاجة إلى هداية روحية وأخلاقية فجاءت المسيحية لتعويض هذا النقص.
وحين جاء الإسلام لم يغرق في التفاصيل كما فعلت الشريعة اليهودية؛ لأن اليهودية هي أيضاً عقيدة وشريعة، ولأن الشريعة التي جاء بها الإسلام هي خاتم الرسالات السماوية فقد سمح بالاجتهاد فيما لا نص فيه.. فالقرآن الكريم يقول (أحل الله البيع) وترك عملية البيع بدون تفاصيل ليسمح مع تقدم العصور بأنواع من البيع لم تكن موجودة زمن نزول الرسالة.
ووضع الفقهاء قاعدة ذهبية تقول (تتغير الأحكام بتغير الزمان).. وهذا الزمان يتضمن المعنى الفلكي والمكاني الثقافي، وهي قاعدة تفتح الباب واسعاً للاجتهاد بشروطه فيما لا نص فيه من القرآن الكريم والسنة النبوية.