د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: مدرسة فرانكفورت والتحليل النفسي... فروم بين ماركس وفرويد .. بقلم/ ابراهيم الحيدري 8/6/2008, 3:56 am | |
| ينتمي اريك فروم (1900-1980) الى أسرة يهودية متدينة، وقد تأثر مبكراً بفكرة المخلص الإلهي، غير انه تحرر منها بعد ان قرأ ماركس وسبينوزا وجون ديوي، مثلما تأثر بآراء هوركهايمر وأدورنو وماركوزه بعد ان اصبح عضواً في مدرسة فرانكفورت النقدية عام 1929. غير ان مسافة كبيرة كانت تفصل بينه وبين أعضاء مدرسة فرانكفورت، حيث كان معظمهم من المدرسة الفرويدية آنذاك. ومن اجل تقريب المسافة التي تفصله عنهم، بدأ بدراسة الطبيعة البشرية والاغتراب الاجتماعي وأخذ يبلور اتجاهاً خاصاً في التحليل النفسي ويضع مقدمات نظرية في «نسق الاخلاق» في اطارها الانساني، موجهاً انتقاداته الى الفرويديين الذين ما زالوا يستخدمون طرقاً بيروقراطية قديمة في التحليل النفسي والسايكولوجيا الطبيعية، محاولاً دمج التحليل النفسي بالنظرية الماركسية مع اختلافه معها، مثلما انتقد تصورات علماء النفس حول «روح الجماهير» ورأى ضرورة عدم فصل الانسان عن اوضاعه الاجتماعية. ولذلك وجد ان من الضروري دراسة الماركسية وفهمها وتحديد أسسها ومن ثم تطويرها انطلاقاً من مفهومي الطبيعة الإنسانية والحرية. في عام 1931 كتب فروم مقالاً حول «التحليل النفسي والسياسة» في «مجلة السيكولوجيا» أثار سجالاً علمياً واسعاً، اذ كان محاولة لتطوير الفرويدية من خلال نظرية المعرفة الماركسية. رأى فروم ان الماركسية كانت على خطأ حين أسقطت أهمية العامل السيكولوجي لغريزة التملك، كما ان ماركس لم يضع أهمية للمقدمات السيكولوجية مثلما يقوم به هو اليوم. وبحسب الماركسية، فإن الإنسان له دوافع أساسية كالجوع والعطش والجنس وغيرها وهو يسعى الى إشباعها، ولكن غريزة التملك ونزعة الربح هي نتاج علاقات اجتماعية. ولهذا فإن الماركسية تحتاج الى مرجعية سيكولوجية أوسع والى حلقة الوصل الضائعة التي تربط البناء الفوقي بالأساس الاقتصادي، وتطوير علم نفس اجتماعي - تحليلي يقوم على دراسة أو فهم السلوك المدفوع بباعث غير واعٍ، من طريق تأثير الأساس المادي في الحاجات البشرية الأساسية .كما أكد فروم ان النزعة المسيطرة في المجتمعات الأوروبية تقوم على تعميم تجاربها على كل المجتمعات كما في موضوع عقدة أوديب وغيرها التي ترتبط بالمجتمعات ذات النزعة الأبوية البطريركية فقط، مؤكداً العلاقة التي تربط بين «روح الرأسمالية» والسلوك الأوديبي، في وقت كان مثل هذه الأفكار غير اعتيادي .وبهذه العلاقة ربط فروم بين العقلانية الأوروبية وغريزة التملك والتزمت والكبت من جهة، وبين قهر النظام الاجتماعي من جهة أخرى.
بعد قراءته كتاب «حق الام الطبيعي» لباخوفن الذي صدر عام 1861 حدث تحول في فكر فروم وأخذ موقفه من نظرية فرويد يتغير تدريجاً وبخاصة موقفه من اللبيدو وعقدة أوديب، وذلك من طريق تجاربه السريرية من جهة، وتطوير نظريته في علم النفس الاجتماعي من جهة أخرى. وفي الوقت الذي اصبح فروم أحد الدعاة لنظرية «حق الام الطبيعي» لباخوفن، تأثر ايضاً بآراء بريفول في كتابه «العواطف العائلية» الذي صدر عام 1934 والذي طرح فيه افكاراً جديدة حول أهمية الام ودورها في حياة الطفل العاطفية التي تكون شرطاً ضرورياً للإنسان والتي تتشكل خلال فترة الحمل والطفولة. وكذلك تأكيده ان الرجولة والأنوثة ليسا من طبيعة مختلفة، وانما مستمدتان من اختلافهما في الوظائف الحياتية التي هي ذات خصائص اجتماعية. كما رأى فروم ان المجتمعات التي يسود فيها حق الام يزداد فيها التضامن وتسودها السعادة ويكون الحب والحنان أعلى القيم الإنسانية وليس الخوف والطاعة، وحيث لا وجود للملكية الفردية ولا للكبت الجنسي. وعلى العكس من ذلك، المجتمع الأبوي والمجتمع الطبقي، اذ كلاهما يضع الواجب والسلطة فوق الحب والمتعة والسعادة. وبمعنى آخر، فإن فلسفة التاريخ عند باخوفن تقترب في الواقع من فلسفة هيغل، حيث رأى أن صعود المجتمع الأبوي يتطابق مع الانفصام بين الطبيعة والفكر.
اهتم فروم بقراءة باخوفن من وجهة نظر اشتراكية وركز على المجتمعات التي يسود فيها حق الام، وليس على الأهمية التاريخية لتلك المجتمعات التي تعاقبت عبر التاريخ. والجانب الآخر من اهتمام فروم المتزايد بنظرية باخوفن يعود الى تناقص إعجابه بنظرية فرويد. ففي عام 1935 اعلن فروم الاسباب التي دفعته الى اتخاذ هذا الموقف من فرويد، قائلاً ان فرويد هو سجين اخلاقيته البرجوازية وقيمه الابوية وان الثقل الذي يضعه فرويد على تجارب الطفولة في التحليل النفسي يؤثر في ملاحظات المحلل النفسي ويدفع بالاشخاص الى الانحراف عن اتجاههم او صرف انتباههم. وفي حالة ان المحلل النفسي لا يقف من قيم المجتمع موقفاً نقدياً، أو حين يخالف المحلل النفسي رغبات الأشخاص، فهو سيلاقي مقاومة منهم. ولكن الحقيقة، بحسب فروم، هي ان التسامح المثالي، الذي يفترض ان يتحلى به المحلل النفسي ينبغي ان يوجه ضد الظلم الاجتماعي. ولكن عندما اصبح القرار في يد الطبقة الوسطى تحول الى قناع أخلاقي، ولم يخرج من التفكير والقول الى العمل. والتسامح البرجوازي يبقى متناقضاً بصورة مستمرة، فإذا كان واعياً فهو نسبي ومحايد، واذا كان غير واع فهو يقف بالتأكيد في خدمة النظام القائم. ومثلما للتسامح وجهان، كذلك للتحليل النفسي، حيث تختفي وراء واجهته المحايدة أحياناً حالات سادية.
في عام 1939 انفصل فروم عن مدرسة فرانكفورت وركز جهوده على العمل السريري في المستشفيات ولم يلتزم الطريقة الفرويدية في التحليل النفسي بقوة، ثم أعلن انفصاله عن فرويد ومدرسته. كما اعلن في احدى مقالاته في مجلة «العلوم الاجتماعية» نقده لفرويد ورماه بضيق الافق.
قارن فروم بين العلاقات الإنسانية بالمعنى الفرويدي وعلاقات السوق، باعتبار ان السوق هو مكان تبادل العلاقات الاقتصادية وإشباع الحاجات البيولوجية، حيث تصبح العلاقة مع الرفيق وسيلة لغاية. كما وقف فروم ضد تشاؤمية فرويد وضد مفهومه لغريزة الموت وقارنها بالحاجة الى التدمير، تلك الحاجة التي أهملها فرويد في كتاباته المبكرة، التي لم تكن كافية لتوضيح الناحية البيولوجية، والتي لا تتطابق مع الحقائق العلمية، كما ان أهمية غريزة الهدم والتدمير عند الفرد والجماعات والطــــبقات تبرهن على وجود اختلافات كبيرة بينهم. ومن هنا فإن قوة غريزة الهدم والتدمير عند الطبقة الوسطى في أوروبا غير متشابهة، وهي اكثر اختلافاً لدى الطبقة العاملة وكذلك لدى الطبقات العليا.
في عودته الى ماركس وفرويد، طوّر فروم مفهوم الاغتراب وربطه بتجاربه ومعالجاته السريرية منطلقاً من نقطة مركزية مهمة أكدت الترابط الجدلي بين الإنسان والمحيط، مع ربط كل ذلك بتوجيه أخلاقي ونفسي، ليس وليد الصراع الاقتصادي كما عناه ماركس وليس نتاج الصراع الجنسي كما عناه فرويد، وانما هو نتاج أمور وجودية شخصية الطابع، اجتماعية المنشأ، وضعها في إطارها الإنساني الأوسع.
والاغتراب كمفهوم، له دلالات عدة ومختلفة الأصول والأسباب، انما يمثل نمطاً من تجربة يشعر بها الإنسان بالغربة عن الذات، فهو لا يعيش ذاته كمركز لعالمه وكصانع لأفعاله ومشاعره. ومعاني الاغتراب متعددة اجتماعية ونفسية واقتصادية يمكن إجمالها بانحلال الرابطة بين الفرد والآخرين، أي العجز عن احتلال المكان الذي ينبغي على المرء ان يحتله وشعوره بالتبعية أو معنى الانتماء الى شخص أو الى آلية أخرى، بحيث يصبح المرء مرهوناً بل وممتلَكاً من سواه، وهو ما يولد شعوراً داخلياً بفقدان الحرية والإحباط والتشيؤ والتذري والانفصال عن المحيط الذي يعيش فيه. نقلاً عن موقع أنفاس نت | |
|