د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: المحكمة الدستورية العليا وحقوق الإنسان 27/1/2009, 3:16 pm | |
| المحكمة الدستورية العليا وحقوق الإنسان بقلم : د.عبدالله صالح أربعون عاما مرت علي إنشاء القضاء الدستوري في مصر منذ تأسيس المحكمة العليا بموجب القانون رقم81 لسنة1969 والذي عهد إليها دون غيرها بالفصل في دستورية القوانين باعتبارها أعلي الهيئات القضائية في الدولة ومع ذلك فإن تجربة المحكمة العليا الوليدة لم تكن تبشر بمستقبل مأمول للرقابة في مصر ولاسيما في ظل الظروف السياسية التي نشأت في ظلها والمثالب والعيوب التي تضمنها قانون إنشائها وطبيعة تشكيلها علي نحو أدي إلي عجزها عن ممارسة رقابة فعالة.
وجاء دستور سنة1971 ليصبح أول دستور مصري يشير إلي الرقابة القضائية علي دستورية التشريعات ويضع تنظيما لها لكن إعداد مشروع قانون المحكمة الدستورية العليا تأخر نحو ثماني سنوات حتي أقره مجلس الشعب عام1979 لتضطلع المحكمة منذ ذلك الحين بدور بارز في حماية حقوق الإنسان في مصر وفي تدعيم أسس وضمانات حماية هذه الحقوق كهيئة قضائية مستقلة تختص برقابة دستورية القوانين والتأكد من إلتزام المشرع بالضوابط التي كفلها الدستور لحقوق الإنسان.
وتجري حاليا الاستعدادات النهائية للاحتفالية الكبري التي تقام بمناسبة مرور أربعة عقود علي إنشاء القضاء الدستوري في مصر تحت رعاية السيد الرئيس محمد حسني مبارك ويشارك فيها نخبة من رجال الفقه والقضاء الدستوري والمعنيين بقضايا الإصلاح الدستوري وحقوق الإنسان بأبحـاث ودراسات حول' الضمانات الدستورية للحقوق والحريات السياسية' و' الحماية الدستورية لمبدأ العدالة الاجتماعية' علي نحو يسهم في إثارة حوار دستوري عميق وثري يقود في النهاية إلي ترسيخ المبادئ الدستورية التي تحترم ارادة الشعوب وتحمي حقوق الإنسان.
لقد حرص الدستور المصري علي إسباغ حمايته علي حقوق الإنسان وفقا للمستويات المستقرة والمتعارف عليها عالميا في إعداد الدساتير وتقرير الضمانات اللازمة لكفالة هذه الحقوق وحمايتها من كل عدوان عليها دون إغفال للتطورات التي شهدتها الساحة الدولية فيما يتعلق بحقوق الإنسان وما أصدرته المنظمات الدولية وعلي رأسها الأمم المتحدة من مواثيق وإعلانات وقرارات دولية بهذا الصدد لا سيما وأن مصر كانت من الدول المشاركة بفاعلية في الحركة العالمية لحقوق الإنسان في إطار الأمم المتحدة, فضلا عن مساهمتها في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وحرصها علي المبادرة بالتوقيع علي العهدين الدوليين للحقوق السياسية والمدنية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية اللذين صاغا مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وشكلا أساس الشرعية الدولية لتلك المبادئ.
ومع ذلك لم تلتزم العديد من التشريعات التي صدرت عن البرلمان بالضوابط التي كفلها الدستور لصون وحماية حقوق الإنسان حيث فرضت قيودا علي هذه الحقوق نالت منها واقتحمت مجالاتها الحيوية التي تمنحها الفاعلية دونما ضرورة وذلك بدعوي تنظيمها, وهنا يأتي دور المحكمة الدستورية العليا في ضمان التزام المشرع بالإطار الدستوري وعدم تجاوز الشرعية الدستورية ومبادئ حقوق الإنسان, حيث تكشف متابعة الأحكام التي أصدرتها المحكمة الدستورية العليا منذ إنشائها وما ورد بهذه الأحكام من حيثيات وما أرسته من مبادئ أن دور المحكمة الدستورية العليا في الرقابة علي دستورية القوانين في مصر لم يكن مجرد عمل' قانوني' يتسم بالحياد والموضوعية في فحص النصوص التشريعية لبيان مدي توافقها مع الدستور وإنما تأثر دورها بالواقع السياسي والاجتماعي وتفاعل معه.
وهكذا أصبحت المحكمة تقوم بدور بارز في وضع أسس وضمانات حماية حقوق الإنسان من خلال قضائها بعدم دستورية العديد من التشريعات التي شكلت عدوانا أو افتئاتا أو انتقاصا من الحقوق التي قررها الدستور للمواطنين أو أقامت تمييزا غير مبرر فيما بينهم في التمتع بهذه الحقوق علي قدم المساواة وبذلك تكون قد اضطلعت ومازالت تضطلع بدور هام في تحقيق الإصلاح السياسي والدستوري الذي بات علي رأس الموضوعات المطروحة علي الساحة في مصر.إذ أن الإصلاح الدستوري كما يتحقق من خلال وضع دستور جديد أوتعديل الدستور القائم فإن هذا الإصلاح أو جانب منه يمكن تحقيقه أيضا من خلال الرقابة التي تمارسها المحكمة الدستورية لاسيما وأن هذه الرقابة تتضمن مراجعة للعديد من القيم والمبادئ الدستورية وإعادة تفسير النصوص الدستورية بما يعمل علي إعادة صياغة معانيها وتطويعها لمتغيرات العصر.
وفي هذا الإطار يمكن أن نطرح عددا من التوصيات التي تسهم في تعزيز دور المحكمة الدستورية العليا في عملية الإصلاح السياسي وحماية حقوق الإنسان وذلك علي النحو التالي:
ـ رفع المستوي المعيشي لقضاة المحكمة الدستورية العليا بما يدعم استقلالهم, وفي هذا الإطار يلاحظ أن رئيس وقضاة المحكمة العليا الأمريكية يتقاضون رواتب تقترب مما يتقاضاه الرئيس الأمريكي.
ـ زيادة الاهتمام بتدريب القضاة بالمحاكم العادية وبمجلس الدولة وزيادة وعيهم الدستوري فكلما كان القضاة علي درجة عالية من الوعي الدستوري كلما أمكنهم المساهمة بدرجة كبيرة في الحفاظ علي المشروعية الدستورية وتصفية النصوص غير الدستورية بإحالتها إلي المحكمة الدستورية.
ـ مراجعة القوانين المصرية في ضوء المواثيق الدولية والإقليمية التي انضمت إليها مصر وذلك بهدف تحديد ما يحتاج منها إلي تعديل لتتسق مع هذه المواثيق وهذه المهمة يمكن أن يعهد بها إلي المجلس القومي لحقوق الإنسان أو إلي وزارة الشئون القانونية والمجالس النيابية أو تشكيل لجنة خاصة لمراجعة هذه التشريعات وتقديم اقتراحات بتعديلها إلي مجلس الشعب. قيام مجلس الشعب بإلغاء القوانين التي قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريتها إذ لا معني لاستمرارها بعد قيام المحكمة بإبطالها
فضلا عن دراسة إمكانية الأخذ بنظام الدعوي المبتدأة الذي يتيح للأفراد الطعن بعدم دستورية القوانين واللوائح أمام المحكمة الدستورية العليا مباشرة ويمكن الحد من إساءة استعمال الأفراد للدفوع بعدم الدستورية من خلال منح المحكمة الحق في فرض غرامات كبيرة في حالة الحكم بعدم قبول الدعوي إذا كان الدفع ظاهر الفساد والكيد. نشرت بجريدة الأهرام عدد 27/1/2009 | |
|