د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: إعادة الاعتبار «للدولة التنموية» 23/12/2008, 1:51 pm | |
| إعادة الاعتبار للدولة التنموية د. محمود عبدالفضيل
تم طرح فكرة «الدولة التنموية» في أدبيات التنمية منذ الخمسينيات، باعتبارها تلك الدولة التي تستطيع أن تقود عملية التنمية والتصنيع بشكل معجل، وخاصة عندما تجيء الدولة متأخرة في مضمار التصنيع والتقدم. ثم عاد هذا المفهوم للبروز مؤخراً في العديد من الكتابات الاقتصادية الحديثة، في ضوء نجاح بلدان جنوب شرق آسيا في تحقيق تلك القفزة التصنيعية الواسعة في فترة لا تتجاوز ثلاث حقب «الستينيات، السبعينيات، الثمانينيات». ويعرف Manneal Castells في مؤلفه المهم الصادر عام 2000، «الدولة التنموية» علي أنها: تلك «الدولة التي تؤسس شرعيتها علي قدرتها علي إطلاق عملية تنموية متواصلة، لا تقتصر فقط علي معدلات نمو مرتفعة للناتج المحلي الإجمالي، وإنما تنتج في إحداث تحولات جذرية في هيكل الإنتاج المحلي، وفي علاقتها بالاقتصاد الدولي». كذلك يرتبط بالمشروع النهضوي الذي تدير دفته «الدولة التنموية»، إجراء تحولات مهمة في النظام الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية «Socail Order». أي أن عمليات التحول والنهضة لا تقتصر فقط علي التحولات في الهيكل الاقتصادي وإنما تمتد إلي علاقات الإنتاج والهياكل الاجتماعية المصاحبة لها. ويشير Castells إلي أن من بين أهم العوامل التي ساعدت علي تبلور «الدولة التنموية» في بلدان جنوب شرق آسيا، غياب طبقة قوية من ملاك الأرض «الطبقة الاقطاعية في حالة العديد من بلدان العالم الثالث». إذ إن مثل هذه الطبقة لم تكن موجودة في كل من هونج كونج وسنغافورة، كذلك نجحت كل من كوريا الجنوبية وتايوان في إجراء إصلاح زراعي جذري خلال الخمسينيات، أضعف من شوكة طبقة كبار ملاك الأرض. وبالتالي لم تكن هناك عقبة أمام عملية التنمية الصناعية، أو التحول من الاقطاع إلي الرأسمالية، كما حدث في العديد من البلدان النامية. بينما ظل هذا النوع من المشاكل يواجه عملية التنمية في بلدان مثل إندونيسيا نظراً لوجود «طبقة إقطاعية» تتركز ملكية الأرض الزراعية بين أيديها. وجدير بالذكر أن «الدولة التنموية» لعبت دوراً مهماً في قيادة الاقتصاد الياباني غداة الحرب العالمية الثانية. فقد قامت الدولة في اليابان بفرض قيود صارمة علي الواردات من الخارج خلال حقبتي الخمسينيات والستينيات. ويشهد بذلك أن نسبة الواردات الكلية من السلع المصنعة لم تتجاوز 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي لليابان في عام 1978. كذلك ظلت أسواق رأس المال اليابانية خاضعة لضوابط شديدة، وتكاد تكون منعزلة عن الاقتصاد العالمي خلال الفترة الممتدة بين عامي 1950- 1970. كما أخذت الحكومة اليابانية بنظام الرقابة علي سوق النقد الأجنبي وحافظت علي علاقة شبه مستقرة لسعر الصرف «الإسمي» للين مقابل الدولار خلال فترة النمو السريع للاقتصاد الياباني «1950- 1973». ومن ناحية أخري، لم تعتمد «التجربة الكورية» في التنمية علي قدوم الاستثمارات الأجنبية المباشرة «FDI»، علي نطاق واسع. ولذا تجيء كوريا الجنوبية بعد الهند، من حيث ضعف درجة الاعتماد علي تدفقات رأس المال الأجنبي المباشر خلال فترة التنمية والنهوض الاقتصادي المعجل. ولعل هناك إجماعاً في الفكر التنموي الحديث، في ضوء تجربة التنمية في بلدان جنوب شرق آسيا، علي أهمية الدور «المحفز» «للدولة التنموية»، الذي يأخذ شكل الإرشاد الاستراتيجي «Strategic Guidance» في توجيه عمليات التنمية، في ظل «اقتصاد السوق». وهناك العديد من الأدلة الإحصائية التي توضح أهمية دور «الدولة المحفزة» في إحداث تغييرات كبيرة وجوهرية في «التركيبة القطاعية» للبلدان حديثة التصنيع في جنوب شرق آسيا. وكل تلك الدلائل تشير إلي وجود يد «مرئية» و«نشطة» للسياسات الحكومية في تسريع معدلات التغير القطاعي. إذ قامت الدولة في بلدان جنوب شرق آسيا بلعب دور إيجابي ونشط في تدعيم عملية التصنيع، من خلال سياسات منح حوافز للصناعات «ذات الامكانية التصديرية»، وترويجها للاستثمارات الاستراتيجية في هذه المجالات. وكذلك من خلال سياسة «الإحلال محل الصادرات»، بمعني أنه كلما استنفد أحد بنود الصادرات التقليدية أهميته، يتم إحلال مجموعة أخري من الصادرات محله في «سلسلة الصادرات»، تكون أرقي من حيث النوعية، وأعلي من حيث توليد «القيمة المضافة». وعلي الصعيد المؤسسي، لعبت «مراكز التفكير الاستراتيجي» «Think Tanks» دوراً بالغ الأهمية في ترشيد السياسات وعملية «صنع القرار» في بلدان جنوب شرق آسيا الناهضة. إذ لعبت هذه المراكز دوراً مهماً ومركزياً في رسم الاستراتيجيات لمسارات النمو، من خلال رؤي علمية للواقع المحلي والعالمي، ولا سيما في مجال: 1- تحديد الأولويات القطاعية. 2- رسم اتجاهات التطوير التكنولوجي. 3- نمط التغييرات المؤسسية المطلوبة لمصاحبة عمليات النمو والتنمية. ولا شك أن كفاءة «الكادر» العلمي والقيادي لتلك المراكز ساعد القيادة السياسية وصانع القرار علي التحرك المستقبلي في ظل بوصلة هادية. إذ ساعدت الدراسات والتوصيات علي عدم الاقتصار علي رؤية «الأشجار» منفردة، بل رؤية «الغابة» ككل، علي حد تعبير «الفرد مارشال» أحد مؤسسي علم الاقتصاد الحديث. ولكن يظل السؤال الجوهري هو: ما هي طبيعة «الدولة» التي تنهض بتلك الأعباء التنموية؟ إذ إن هناك مواصفات لابد من توافرها حتي نستطيع أن نتحدث عن تلك «الدولة التنموية»! ولهذا حديث آخر نشرت بجريدة البديل عدد 22/12/2008 | |
|