إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 العدالة الفريضة الغائبة في النظام الدولي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

العدالة الفريضة الغائبة في النظام الدولي Empty
مُساهمةموضوع: العدالة الفريضة الغائبة في النظام الدولي   العدالة الفريضة الغائبة في النظام الدولي Empty18/12/2008, 4:38 pm


العدالة الفريضة الغائبة في النظام الدولي
د.جاسم محمد زكريا

مما لا شك فيه أن العدل أس الفضائل، والأساس الذي ينبغي أن تقوم عليه الدولة لتحقيق الغاية من وجودها (1)، لأن الدولة التي لا تقوم على العدل، لن يتأتى لها نشره ولا حتى المطالبة به، إذ إن فاقد الشيء لا يعطيه، وقديماً قالوا: «العدل أساس الملك»، لذلك فإن التنظيم الدولي الذي تقيمه، وتسير في ركابه دول لا تقوم على العدل، يصعب عليه كثيراً أن يكون عادلاً..؟!‏


فكرة العدالة:‏
إن النظر إلى فكرة العدالة، باعتبارها فكرة مجردة ومطلقة كامن في نفس الإنسان، أمنيةً وحلماً ومحاولةً؛ تجلت هدفاً للإنسانية وأكثر ما تجلت في الرسالات السماوية، التي حملها الرسل إلى بني الإنسان، لا سيما، وأن الإسلام آخر الرسالات، أخذ بناصية العدالة، ولم يجعلها شعاراً أو أملاً لا يقبل التحقيق على الأرض، بل حققها قولاً وفعلاً، وقد شهد ذلك القاصي والداني، وعاشت الدنيا في كنف التنظيم الإسلامي للعالم، أزهى عصور الإنسانية، حينما كان القرآن العظيم دستور العالم.‏

إلا أن ذلك، لا ينفي بقاء العدالة، مبدأ عاماً مشتركاً بين البشر كافة، ما دامت لهم ضمائر حرة واعية تتحراه، بل إن كافة النظم القانونية القائمة؛ تزعم نهوضها على العدالة وإن اختلفت ـ فيما بينها ـ على مضمونها(2).‏
ولأن القوانين، إنما وضعت لتنظيم المجتمعات بالأسلوب الذي ارتضته، وأقرته مناسباً لظروفها وأوضاعها الخاصة، ولذلك نهضت القواعد القانونية الوضعية بديلاً؛ للقواعد الدينية والعرفية(3)، بل إن الوضعية القانونية Legal positivism أصبحت بذاتها غاية قصوى يذود عن حماها الفقه المؤمن بها، ويكأنها الدين الذي ارتضوه لأنفسهم (4).‏
وعلى الرغم من إدعاء الإيمان بالوضعية القانونية، فإن القوى الدولية المهيمنة على التنظيم الدولي المعاصر؛ ظلت مخلصة لعقائدها الدينية، ويصدق هذا أكثر ما يصدق بالنسبة لدول أوربا المسيحية، التي طبعت قواعد القانون الدولي بطابعها الأوربي المسيحي، وقصرت العضوية في الأسرة الدولية على الدول الأوربية، التي تدين بالدين المسيحي دون غيرها من الدول(5)، وعلى الرغم من تحول القانون الدولي، وتبعاً لذلك التنظيم الدولي إلى العالمية ابتداءً من انتهاء الحرب العالمية الأولى، إلا أنه ظل محتفظاً بالطابع المسيحي الأوربي(6)، وساهم في إرساء الدعائم لذلك غياب أثر النظام الإسلامي وغيره من الأنظمة غير الغربية، على التنظيم الدولي المعاصر.‏

لزومية العدالة:‏
ذهب بعض رواد المنهج النقدي في الفقه الغربي إلى القول بأن المجتمع الدولي لا يستطيع أن ينهض بنظريةٍ للعدالة، وأن استحالة صياغة نظرية متفق عليها لمفهوم العدالة؛ قد أبعدها عن التنظيم الدولي المعاصر (7). وفي السياق ذاته أكد رأي غربي آخر بأنه لم يتحقق الاتفاق فقهاً ولا اجتهاداً على: «مضمون مفهوم العدالة ولا على أهدافها أو دورها في تسوية المنازعات الدولية»، وذهب هذا الرأي إلى أن العدالة مدعوة للقيام بدورٍ مثلث، بأن تكون:‏
أ ـ العدالة وسيلة لتخفيف تطبيق القانون الوضعي، حيثما يبدو تطبيقه شديد الوطأة، إلا أنه يقصر هذا الدور عملياً على مسائل التعويض في حالات محددة، لا يلزم القانون الدولي التعويض بها من مثل: التعويض على الأجانب في حالة الحرب الأهلية..‏
ب ـ العدالة وسيلة لإكمال تطبيق القانون الوضعي، لا سيما في حالتي نقصه وسكوته، وهو ما أشارت به المادة 38 من نظام محكمة العدل الدولية.‏
ج ـ العدالة وسيلة لاستبعاد تطبيق القانون: وهو الأمر الأكثر جدلاً، ففي حين أن بعض القرارات الدولية، قد أقرت نظرية إمكانية الحكم بالإنصاف ـ خلافاً للقانون، فإنها لم تفصل في أي نزاع خلافاً للقانون النافذ (Cool.‏
والعدالة تقوم على أركان ثلاثة «الحقيقة ـ العمومية ـ والمساواة» في المعاملة للحالات المتساوية، وهذا ما يعطيها الصفة العالمية، بصرف النظر عن الانتماء الحضاري، ويجعلها من القيم العليا الرئيسة في العالم المعاصر، والقيم العليا هي محور فلسفة حياة شاملة تأبى المساومة أو التجزئة. ولهذا كان الحديث عن الأمن والسلم الدوليين، دونما إرساء قواعد العدل في التنظيم الدولي المعاصر، عنصر إعاقة حمله ذاك التنظيم وتعثر به.‏

من أجل ذلك كانت العدالة الفريضة الغائبة، ولأن استمرارية الغياب أول خطوات الفناء؛ تنهض لزومية إرساء قواعد العدالة في التنظيم الدولي المعاصر، تلك القواعد التي تستلزم بدورها ركائز كثيرة، لعل من أهمها:‏
* إن الإنسان قادر على حل مشكلات العالم، لأنها قامت بسببٍ منه ابتداءً، فضلاً عن أن هذه النظرة قيمة حضارية، تستمد وجودها أساساً من سنن القرآن الكريم، ذاك المصدر الثر للقيم الرئيسة في الوجدان الجمعي لشعوب العالم الحرة.‏
* ضرورة قيام مجتمع المساواة الحقيقية، كخطوةٍ ضروريةٍ لإرساء قواعد الديمقراطية في العلاقات الدولية، فالدعوة إلى المساواة هي رسالة الأنبياء وكل المصلحين من البشر، وإنما تخطاها من تخطاها طمعاً من عند أنفسهم (9).. وكانت النتيجة عشرات الحروب وعشرات الملايين من القتلى والجرحى، ومئات الملايين من الجياع والمشردين، كل هذا في عصر الأمم المتحدة، ولا ندري، من بعد ذلك؛ أية أممٍ هذه.. وأية وحدةٍ بينها؟!‏
* أهمية تجاوز الازدواجية في العلاقات الدولية، ولعبة تبادل الأدوار بين المنتصرين والمنكسرين، سيما وأن التنظيم الدولي في مختلف مراحله، تقيمه القوى الأقوى، والتي انتصرت في المرحلة السابقة على قيام ذلك التنظيم، ولعلنا لا ننسى أن الأمم المتحدة أقامها الحلفاء المنتصرون في الحرب العالمية الثانية.‏

أسباب غياب العدالة:‏
أ ـ إن الحقيقة التي لا مراء فيها أن الأمم المتحدة وسواها من المنظمات الدولية قامت بإرادة الأقوياء بداءةً، لذا حفظت لهم الحق في التمرد عليها، وإقصاء القانون الذي يفترض أنهم إليه يحتكمون، إذ ليس بالإمكان إطاعة النقيضين معاً؛ القوة والقانون.‏

ب ـ إغفال التمثيل القانوني المتكافئ بالنسبة للعديد من الأنظمة الحضارية ذات الأثر البناء في ارتقاء مسيرة الإنسانية، إذ لم ننس أن اللغة العربية ـ بما هي وعاء الحضارة الإسلامية ولسانها ـ لم يتم الاعتراف بها لغةً من لغات الأمم المتحدة الرسمية، إلا في وقتٍ متأخر، وظلت خارج الدائرة الرسمية لمحكمة العدل الدولية.‏

ج ـ وجود جهات مستفيدة من غياب، بل استمرار تغييب العدالة، من خلال تطبيع العلاقات الدولية غير المتكافئة.. ولعلنا يمكن أن نستكشف بعضها؛ من تقرير الأمم المتحدة للإنماء الذي كشف عن الفوارق الاجتماعية الفاحشة؛ في عالمٍ يتباهى بثورة المعلومات ودخول ألفية جديدة، إذ إن هناك أكثر من مليار وثلاثمائة مليون إنسان في العالم، يعيشون في فقرٍ مطلق، بدخلٍ يقل عن دولار يومياً، بينما أغنى سبعة رجال في العالم تبلغ ثرواتهم أكثر من ثمانين مليار دولار.‏

د ـ إرساء وتنامي ظاهرة النفاق الدولي، وانتشار الفساد في العلاقات الدولية على نحوٍ مذهلٍ، وانعدام الموضوعية في تقييم التصرفات الدولية، إذ إن وزارة الخارجية الأمريكية ـ على سبيل المثال ـ تصنف سنوياً دولاً مثل: إيران، السودان، سوريا، كوريا، كوبا،.. كدولٍ داعمةٍ للإرهاب وراعية له، بينما لا تتضمن أسماء دولٍ أخرى، هي ادعى بمعايير موضوعية، لأن تكون نموذجاً لإرهاب الدولة؛ وفي المقابل تمارس بعض الدول الصغرى ظاهرة النفاق، بحسبان أن ذلك يجعل له يداً بيضاء، مع الفاعلين الدوليين، ولعل «جمهورية ميكرونيزيا» تصلح مثلاً هنا (10).‏
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر؛ لندقق النظر في المساعدات الدولية.. ومن بعد العلم أنها لا تدفع لوجه الله؛ نتوقف لنسأل ما هو الاسم الحقيقي لتلك المساعدات، ونعتقد أن مما يسهل الإجابة على هذا السؤال، استدعاء قول هنري كيسنجر ـ أحد دهاقنة السياسة الغربية ـ في المساعدات الدولية؛ الذي جاء فيه: «ينبغي على كل دولةٍ تسير في طريق التنمية أن تعرف أن علاقتها الثنائية معنا؛ ستتوقف على سلوكها نحونا في المنظمات الدولية وبخاصةٍ تصويتها على المسائل التي نعلق نحن عليها أهميةً خاصةً.. لقد طلبت من كل سفارةٍ من سفاراتنا أن تشرح للحكومة المعتمدة لديها أن من عوامل تقديرنا للقيمة التي تعطيها تلك البلدان لعلاقاتها مع الولايات المتحدة؛ التصريحات والأصوات التي تدلي بها الدولة في المنظمات الدولية» (11).‏
ومما لا شك فيه أن هذا القول؛ يدعونا ـ بدوره ـ إلى إجراء مقارنة بسيطة بين ظاهرة «شراء الأصوات» بحسبانها إحدى المظاهر السلبية للانتخابات في دول العالم الثالث، وبين تصويت بعض هذه الدول في المنظمات الدولية؛ وبذلك نعتقد أننا وصلنا إلى الاسم الحقيقي للمساعدات الدولية!؟‏

هـ ـ إن تهميش الدين وإقصاء الغايات العامة والمشتركة بين مختلف الأديان، أدى إلى تعظيم براغماتية التنظيم الدولي المعاصر فضلاً عن علمانيته، أدى إلى حرمانه من المقومات الأخلاقية التي تمنحه شرعية الوجود وضمان الاستمرار، وهذا بدوره أدى إلى افتقاده لأية مقومات شعبوبة عميقة، بل صار في نظر قطاعاتٍ عريضةٍ من الرأي العالمي ـ نقصد تلك الشعوب التي تغنى بها الميثاق في مقدمته الشهيرة ـ مجرد امتدادٍ لسلطات التحالف المنشِئ له، مما أخرجه من أن يكون، أو يكون تنظيماً مؤسساتياً، قد يقود لمشروعٍ أعم وأعمق.. وبالتالي أفرغه من أية قيمةٍ لدى معظم شعوب العالم، ولا سيما الشعب العربي....‏

هوامش الدراسة:‏
1 ـ انظر: د. رمضان محمد أبو السعود، المدخل على القانون، الدار الجامعية، بيروت، 1985، ص 260.‏
2-See: Bennett "A.Le Roy", International organizations: Principles and Issues, Prentice Hall International, Inc. 5 th edition, 1991.p163.‏
3-See: MATTHEW "H.K" In defense of legal positivism: Law without trimmings, Oxford university press, fierst published, 1999, p78.‏
4-Ibid p 89.‏
5 ـ انظر: د.حامد سلطان، أحكام القانون الدولي في الشريعة الإسلامية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1978، ص 141.‏
6 ـ وفي ذلك يقول أوبنهايم:‏
"International law as a law between sovereign and equal states based on the common consent of those states is a product of modern Christian civilization"‏
-see : OPPENHEIM. L, International law A treatise, edited by Lauterpacht. H, vol, 8 th edition, Longmans 1958. p72.‏
7-see: PURVIS, Nigel, "critical legal studies in Public International Law", H.I.L.J. Vol: 32: N o l, pp 97-98.‏
8 ـ انظر: شارل روسو، القانون الدولي العام، ترجمة: شكر الله خليفة، وعبد المحسن سعد، الأهلية للنشر، بيروت 1987، ص 91.‏
9- قال تعالى: ?قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ? [آل عمران ـ 64]. وجاء في الإنجيل: «فكل ما تريدون أن يفعلوا الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضاً بهم* لأن هذا هو الناموس والأنبياء» [متى (12: 7)].‏
10 ـ معلوم أن هذه الدويلة التي تعيش في كنف الولايات المتحدة كانت الوحيدة التي وقفت بصوتها إلى جانب الولايات المتحدة والكيان الصهيوني؛ إبان التصويت ـ في عام 1977 ـ على قرار يستنكر فقط قيام الكيان ببيان مستوطنة في جبل أبو غنيم شرقي القدس السلبية آنذاك!! وقد بناها فعلاً....‏
11 ـ انظر: د.محمد بجاوي، من أجل نظام اقتصادي دولي جديد، تعريب: د.جمال مرسي وبن عمار الصغير، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1981، ص 197 ـ 199.‏
جريدة الاسبوع الادبي العدد 1100 تاريخ 19/4/2008
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
 
العدالة الفريضة الغائبة في النظام الدولي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» إدارة الأزمات التعليمية الفريضة الغائبة في مدارسنا د. فرغلي هارون
» العلاقة بين القانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان - رسالة ماجستير
» العدالة الاجتماعية فى مصر .. بين الكلام والفعل !!
» الثقافة الغائبة للإضرابات في مصر
» فى مديح العدالة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
قضــــايا ومنــاقـشــــات فى كل المجالات
-
انتقل الى: