د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: الإيرانيون والثقافة العربية الإسلامية 18/12/2008, 3:13 pm | |
| الإيرانيون والثقافة العربية الإسلامية بقلم/ د.آذرتا ش آذرنوش ترجمة د.مصـطـفى البـكّور حينما فتح العرب إيران لم يكن بينهم من يعرف الفارسية آنذاك ، لذا كانوا مضطرين في تعاملهم مع الإيرانيين لاستخدام مترجم . بعدئذ بدأت أفواج الفاتحين و المهاجرين العرب تتقاطر على إيران وراحت تستقر في أرجائها لتنصهر في البوتقة الاجتماعية و اللغوية لتلك البلاد.
وقد كان الإيرانيون يثورون تارة ضد الفاتحين العرب ، لكنهم في معظم الأحيان كانوا يعيشون في أمان و سلام إلى جوارهم. بعد انتهاء مرحلة الفتوحات العربية الإسلامية ، أي في أواخر العصر الأموي و بداية العصر العباسي ، توقف سيل الهجرة العربية إلى إيران ، وقد كان اعتناق الإيرانيين للإسلام يزداد و يتعمق مع مرور الأيام على حساب الديانة المجوسية التي بدأت شعلتها تخبو بشدة . لو تأملنا ومن الناحية اللغوية أحوال الإيرانيين آنذاك فسوف نرى أنهم كانوا يتحدثون بلغتهم الأم ،حتى أولئك الموالي ممن يتقنون العربية ، وقد خلف هؤلاء ، إضافة إلى الكثير من العرب ، الكثير من الجمل و العبارات الفارسية . على كل حال قد يكون ثمة معلومات بسيطة جداً عن وضعية اللغة الفارسية و العربية في إيران في العصر الأموي ، لكن هذا المقدار الضئيل يشير إلى أن اللغة الفارسية الدرية كانت شائعة في شتى أرجاء إيران إلى درجة تفوق تصور العلماء . ويبدو أيضاً أن اللغة الفارسية الدرية قد ولجت إلى دائرة الكتابة ، وقد كانت تدون بالخط العبري و المانوي وأحياناً السرياني والفهلوي . لكن من المسلم أن تدوينها بالخط العربي كان في بداية القرن الثاني ، على الرغم من عدم وجود سند مستقل يؤكد ذلك ،فمما لا شك فيه أن تلك الجمل و العبارات الأدبية الفارسية المتناثرة في بطون الآثار العربية و التي كانت تروى شفهياً في القرن الأول ، قد دونت في أثناء تدوين تلك النصوص الشفهية العربية . أما اللغة الفهلوية، فرويداً رويداً، راحت تنكمش في بعض الحوزات الخاصة ولاسيما الحوزة الدينية المجوسية . وأما الفنون الدينية الفهلوية التي تعد من بقايا العصر الساساني فقد عُرّبت في أواخر القرن الأول . كما أن الموضوعات الرياضية والحسابية لم تسلم من عواصف التغيير والتبديل ، فديوان الخراج في العراق ترجم إلى العربية سنة 78 للهجرة بأمر من الحجاج ، وديوان خراسان ترجم سنة 124 بأمر من والي خراسان يوسف بن عمر، على أن مساعي الزرادشتيين المجوس قد استمرت حتى بداية القرن الرابع الهجري من أجل حفظ اللغة الفهلوية. وقد كانت العربية تنتشر إلى جوار الفارسية ، فإذا كان الإيرانيون حينئذ أقل معرفة بالعربية إلا أن العرب بدأوا يتعلمون الفارسية بسبب استيطانهم في إيران ، لكن ضرورات الحياة و شروطها الجديدة اضطرت الإيرانيين لتعلم العربية . و دوافع تعلم العربية عديدة ولا سيما في الجانبين الإداري و الديني ، فمؤسسات الدولة الجديدة شكلت نظاماً متكاملاً بدأ ينمو و يتسع ، كان من الضروري تعلم العربية لتحقيق التواصل بين الحكام ، الذين كان معظمهم عرباً، من جهة، وبين بلاط الخليفة من ناحية أخرى. وأما من الناحية الدينية فقد كان لزاماً على المسلمين قراءة القرآن الكريم والاطلاع على العلوم الشرعية. في السنوات الأولى كان العرب في إيران يمتلكون ناصية العربية الفصيحة ، و كانوا يتداولونها في لغتهم الشفهية و المكتوبة بشكل فطري ، لكن مع بداية القرن الثاني بدأت اللهجات العربية المختلفة تخيم على العوالم العربية داخل إيران و خارجها ، وتحولت اللغة العربية لدى العرب من لغة فطرية إلى لغة مكتسبة ، لذا فمنذ ذلك الحين صارت علاقة العرب باللغة العربية الفصيحة تشابه حالة الإيرانيين في تعاملهم مع تلك اللغه ، لأنهم كانوا أيضاً مضطرين لدراسة العربية ليتمكنوا من إعرابها وبيان كلماتها الأصيلة. والحق أن أساليب التعليم في القرون الثلاثة الأولى لم تكن معروفة بشكل دقيق ، لكن الاحتمال الأقوى يشير إلى أن الكتاتيب كانت المحل الرسمي لتعليم الصغار . ومما لا شك فيه أن منازل العلماء والمساجد كانت أيضاً مقراً مناسباً للتعليم ، وكانت حرفة المعلم شائعة حيث نرى الكثير من الرجال المشهورين كأبي مسلم الخراساني بدؤوا حياتهم بالتعليم ، مع ذلك ففي التصنيف الاجتماعي لبعض المجتمعات الإسلامية ، كبغداد ، كان المعلم ينضوي في طبقة (العامة ) في مقابل طبقة ( الخاصة ) . مهما يكن الأمر فقد كان تعلم العربية ينتشر و يشتد مع مرور الأيام ، وكان الإيرانيون يثبتون مهارة و قدرة ، فإذا كان العرب في العصر الأموي يقبضون على زمام معظم الأعمال ، إلا أنه ومع بداية العصر العباسي صارت معظم الأمور الإدارية بيد الإيرانيين ، فمثلا في بلاط الطاهريين كانت أكثر أمور الجيش في متناول الإيرانيين . لقد استقر العرب في المدن الإيرانية وشكلوا مراكز مدنية شبه أرستقراطية وأخرى بدوية، وكان من بينهم الكثير من علماء الدين واللغة من أمثال الصحابي قثم بن عباس الذي توفي في سمرقند والصحابي بريدة بن مصيب المتوفى في مرو ، ومن التابعين الضحاك بن مزاحم الذي توفي في بلخ. وقد كان لهؤلاء العلماء و الكثير من أعلام الأدب دور مهم في تقوية اللغة العربية ونفث الحياة و التجديد في أرجائها ، فمثلا إن عائلة المهلب في خراسان سعت إلى تقليد بلاط الشام في حشد الشعراء حولها ، ومنهم كعب الأشقري و المغيرة بن حبناء وثابت بن قطنة و نهار بن وسعة و زياد الأعجم . وفي القرن الثاني أقام أبو دلف العجلي وحاشيته مركزاً أدبياً عظيماً. وقد كانت الأجواء مناسبة جداً إلى حد جعلت الخليل بن أحمد الفراهيدي (175ه) يمكث عدة سنوات في خراسان ، ومن المحتمل أن يكون بحسب اعتقاد (هيوود) قد تعلم منهج تدوين المعاجم من هنود شرق إيران . في القرن التالي تم ظهور مؤلفي أكبر موسوعات الحديث النبوي في إيران ، من هؤلاء مؤلفو كتب الصحاح : البخاري وقد عاش في خراسان ، ومسلم وقد توفي في نيسابور ، و الترمذي وقد توفي في ترمذ . أما اللغة العربية فقد صارت لغة مرنة مليئة بالحيوية بعد أن حررها عبد الحميد الكاتب وابن المقفع من عقد القوافي و السجع، وصارت قادرة عل? استيعاب ترجمة الثقافة الإيرانية التي انحدرت كالسيل إلى محيط الثقافة العربية ، علاوة على العلوم اليونانية [والسريانية]، فاستبدلت الكلمات الصحراوية الوعرة المبتذلة بالمعاني المدنية التي تموج بالحيوية و الذوق الإيراني . فاللغة العربية لم تعد وسيلة لتفاهم القبائل العربية أو بيان المفاهيم الدينية والعلمية فحسب بل صارت مظهراً للفن و العواطف الرفيعة، وصار الإحاطة بالظرائف اللغوية وسيلة للترقي و السمو وطريقاً لكسب المقامات الرفيعة في البلاط و الإدارات . و أصيبت تلك اللغة بالنشوة و الغرور والافتتان بأشكالها ومضامينها وكأنها كانت تبغي أحياناً الانفصال عن الفضاء الإسلامي والاستبداد بأمجادها منفردة ، لذا فالكثير من أدباء العرب وشعرائهم العظام لم يكونوا مسلمين في الأصل، كالأخطل النصراني و أبي هلال الصابي ، كما أن المجوس أيضاً كانوا من جملة الواردين على هذا المنهل، فالعديد من الشعراء و الأدباء علاوة على الأطباء و المنجمين كانوا ينتسبون إلى المجوسية، من أبرزهم ابن المقفع و الفضل وزير المأمون ، وقد كانا كاتبين و عالمي لغة قبل أن يسلما. مع ذلك فاللغة العربية لم تخل يوماً من قدسية الإسلام ، فاللغة التي اختارها الله سبحانه و تعالى لوحيه قد اكتسبت شرعية تامة ونوعاً من القداسة المطلقة، لذا فقد شاع في ذهن الكثير من الإيرانيين المسلمين أن اللغة العربية والعرب، والعرب والإسلام يشكلون نسيجاً متداخلاً و مفهوماً ثقافياً و احداً. وتبعاً لنظرة المسلمين تجاه هذا الأمر يمكن تقسيم الإيرانيين الناطقين بالعربية إلى اتجاهين مختلفين بهويتين متفاوتتين، وقد تبلور هذان الاتجاهان منذ القرن الثالث واشتدت حدتهما في المراحل اللاحقة ، الأمر الذي قاد إلى التصادم مع العالم الإيراني و اللغة الفارسية: أما الاتجاه الأول فيشكله الإيرانيون المسلمون الذين يعتبرون الإسلام ليس عقيدة دينية فحسب بل مكوناً لشخصية الإنسان الكاملة و هويته الوطنية و السياسية و أفعاله و تصرفاته ، و يحبذ هؤلاء الانصهار في بوتقة مجتمع متدين و مثقف لا تحده عرقية أو قومية . ومن البدهي أن هؤلاء كانوا بعيدين عن معاييرنا الحالية و نظرياتنا الإيديولوجية المعاصرة ، لكن سلوكهم الاجتماعي كان يجعلهم في تلك الدائرة . وقد كان ذلك الاتجاه مسلك هؤلاء الإيرانيين الذين تخلوا ببساطة تامة عن أرضيتهم الثقافية و التاريخية ، واستبدلوها بالثقافة العربية الإسلامية بحذافيرها ، ومن ثم أضافوا إليها الثقافة العربية غير الإسلامية ، الأمر الذي جعل كيان اللغة الفارسية يمر في أحلك مراحله . و أما الاتجاه الثاني فيشكله العلماء الإيرانيون الذين لم يقطعوا ارتباطهم بذاكرتهم التاريخية ونسيج لغتهم القديمة ، وقد حافظ هؤلاء على صلاتهم مع عوام الناس الذين لم يألفوا العربية و ظلوا ينؤون بأنفسهم في القرى ، محافظين على أسس ثقافتهم القديمة في حياتهم المادية و المعنوية . والحق أن هذه الأصول الثقافية قد انحدرت إلى اللغة العربية في القرنين الأول و الثاني و أثرت على شتى مناحي المجتمع الإسلامي ، لكن أصالتها التامة كانت تتجلى حينما كانت تنجلي بلغتها الأم . ومما لا شك فيه أن هذا التيار لم يكن يقصد الإعراض عن العربية ؛ فكم خلف أصحابه آثاراً دينية و علمية بهذه اللغة ، لكنه كان أيضاً يقدر اللغة الفارسية . و أعلام هذا التيار هم بالتأكيد الذين دونوا الفارسية في القرن الثاني أو الثالث وجعلوا منها وسيلة تحولت لاحقاً إل? العامل الرئيسي في تحقيق الانسجام القومي بين الإيرانيين . ظلت الفارسية حتى بداية القرن الثالث نائية عن أي وجود حقيقي نتيجة السيطرة الدينية والسياسية للعرب، لكن منذ أواسط القرن الثالث بدأت الفارسية تعي ذاتها، و راحت تدلي بدلوها في مجال الشعر و الأدب ، ومن ثم العلوم المختلفة، الأمر الذي أثار هواجس الخوف والريبة لدى العروبيين. لكن العربية التي كانت تستقي من ينبوع الأدب الجاهلي والقرآن الكريم أو الإسلام والتيارات الثقافية الجديدة لم تكن لتنسحب بسهولة أمام مد الفارسية ، بل على العكس فتعداد العلماء و الأدباء و الشعراء وإقبال الناس جميعاً على اللغة العربية، وأيضاً رسميتها في المؤسسسات الحكومية كان من الكثرة بمكان إلى حد أنه لو نظرنا إلى إيران من بوابة المصادر التاريخية و الأدبية القديمة فسوف نرى أن شتى البقاع الإيرانية، ولا سيما خراسان ، كانت جميعاً عربية اللغة بينما كانت الفارسية تئن في مضائق اللهجات العامية . جريدة الاسبوع الادبي السورية العدد 1128 بتاريخ 22/11/2008 | |
|