إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تمكين اللغة العربية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

تمكين اللغة العربية Empty
مُساهمةموضوع: تمكين اللغة العربية   تمكين اللغة العربية Empty18/12/2008, 3:03 pm


تمكين اللغة العربية
بقلم/ لندا ناصيف

تعدّ اللغة العربية من أسمى اللغات التي ظهرت في تاريخ البشرية، نظراً لما تتمتع به من خصائص وميّزات حباها الله بها، فاصطفاها واختارها لتكون وعاءً لآخر كتبه السماوية، وهذا ليس نوعاً من أنواع التعصّب لها. ومع أن جميع لغات الأرض تحظى بعناية أصحابها, وتحتلّ في حياتهم المكانة الكبرى والعظمى, لأنها وسيلة التخاطب والتفاهم, لا يستغني عنها أحدٌ, إلاّ أن اللغة العربية تزيد على اللغات الأخرى بأنها عبادةٌ, فممارسةُ اللغة والتعاملُ بها- إحياءً لأصولها، وحرصاً على سلامتها - نوعٌ من أعظم العبادات, بوصف اللغة العربية لغةَ القرآن الكريم, وترتبط بأداء الشعائر, فهي لغةٌ تستمدّ عظمتها من مكانة القرآن الكريم، التي تقرأه جميع الأمم بالعربية.‏


ومن هنا كانت اللغة العربية،تمثّل هُوية الأمة, وتمثّل استمراريتها في الحياة, كما تمثّل عمقَها الروحي, وارتباطَها التاريخي، لذلك، لا يمكن أن نميّز، أو نفصل بين الأمة العربية وبين اللغة العربية إلاّ إذا أمكننا أن نفصل بين الروح والجسد, فهي لغةٌ تمتزج بكيان الأمة، التي تستمدّ منها سيادتها وتميّزَها وهويتَها وعمقَها الحضاري.‏

لقد كانت اللغة العربية على مرّ العصور وسيلةً للتخاطب والتفاهم, ثم غدت شعيرةً تُمارَس بروح الشعيرة، وتُطلب بروح الفريضة. وهذا ما يميّزها من بقية اللغات.. وقد أثبتت على الرغم مما توالى على الأمة من نكباتٍِ استعماريةٍ أنها من أهمّ أدوات التواصل الفكري والثقافي بين عناصر المجتمع المختلفة في الوطن العربي الكبير, كما أنها إحدى أهمّ وسائل الأمن القومي. تلعب دوراً هاماً في توحيد الأمة، وبخاصةٍ في خضم الأخطار التي تنصبّ علينا من كل جانب!.‏

لقد وصف "عباس محمود العقاد" اللغة العربية بأنها "اللغة الشاعرة" وزاد في وصفها فقال: "اللغة العربية هي "الهُوية الواقية" لأن الأصل في الناس أنهم يجتهدون ليقوا هويتَهم من الضياع, لكنّ الأمر مع اللغة العربية يختلف, فاللغة العربية في هذا المقام هي التي تحمي أصحابَها، بوصفها الدرعَ الذي يذود عن هذه الأمة، ويضمن كمالها ودوامها وثباتها واستقرارها.‏

إن توحيد لسان التخاطب بين أبناء الأمة يفتح مجالاً واسعاً لتوحيد المساحة الذهنية، وتوحيد الفكر، والقدرة على استنباط ما لدى الآخر, فجميع العرب يعيشون في كيانٍ واحدٍ, ويتعاملون بلغةٍ واحدةٍ, ويستشعرون جمالياتٍ واحدةً, وينفعلون تذوقًا وجمالاً بما يسمعون, واللغةُ تمتلك القدرة على الرقي بأذواق الأمة، وحماية الأسماع من سماع ما يخدش الحياء, ونحن إذا تفحصّنا اللغاتِ العالميةَ، فلن نجد لغةً عُنيت بالبعد الإنساني، والبعدِ الذوقي كما عُنيت به اللغة العربية، وفي القرآن الكريم, مواقف إنسانيةٌ دالّةٌ على أعلى ما يمكن أن يصل إليه الحسّ البشري من أمورٍ فطريةٍ, يعبّر عنها بالأبيض والأسود، وقد عملت اللغة العربية على إيجاد فنٍّ قوليٍّ إسلاميٍّ يتحدّث عن أدقّ المشاعر العاطفية التي تربط بين الذكورة والأنوثة، كما تجلّى، في قصة "موسى" مع ابنة الشيخ الصالح.‏

وكما نقلت اللغةُ المشاعرَ النبيلة السامية في علاقة الذكر بالأنثى، فإنها تنقل مشاعر المرأة وهي في أشد لحظات رغبتها الجنسية، كما في حال "امرأة العزيز" مع "يوسف" وإن جمال العرض ودقتَه وأمانتَه وصراحتَه– تُنفّرُ من تلك الفطرة المنحرفة، وتقزّزُ النفسَ من ذلك الهبوط، وذلك عن طريق التعبير السليم عن مشاعر الجنس المنحرفة، حين يُراد التعبير عنها بلغةٍ عذبةٍ شفافةٍ؛ فيها أمانةٌ في الوصف، وأمانة في الهدف النبيل، بلا إثارةٍ جنسيةٍ، ولا تلذيذٍ، ولا إفساد.‏

هذه اللغة الشفّافة هي اليوم- في واقعنا- على غير ما كانت عليه بالأمس، فالشغف غير العاديّ بالحروف اللاتينية, الذي تشجّعه الفضائيات العربية وتتخذ منه (أيقوناتها العلاماتية) تظهر على ملابس الشباب ويحتوي بعضها على شتائم، ويشير بعضها الآخر إلى إلهٍ إغريقيٍ (نايك) وفي اللافتات والأزياء وألبسة الأطفال، وحقائب المدارس، وأسماء شركات نقل السيارات.. وسواها مما يُشعر العربي بأنه غريب الوجه واليد واللسان!. وليس ذلك، سوى تغريبٍ لطمس الهوية والأصالة والانتماء من خلال طمس اللغة.‏

ولكن على الرغم من ذلك، فإن في الطرف المقابل، ينهض أناسٌ أفذاذٌ من الكتّاب والمفكّرين نذروا أنفسهم لتمكين هذه اللغة، في الجامعات, وفي أجهزة الإعلام، وفي الصحافة، وعلى منابر المساجد، والكنائس، ينادون بأعلى أصواتهم بلغةٍ فصيحةٍ وبلسانٍ عربيٍّ مبينٍ، وهم لن يألوا جهداً في التنبيه إلى مواطن العلّة والداء، لأنهم كالعصافير الطليقة التي ستظلّ تغرّد مهما تكالب على ملاحقتها الصيادون.‏
جريدة الاسبوع الادبي السورية العدد 1128 بتاريخ 22/11/2008
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
 
تمكين اللغة العربية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
قضــــايا ومنــاقـشــــات فى كل المجالات
-
انتقل الى: