أمشيش محمد
تقديم :
ان مجال هذا العرض هو مناسبة لاستعراض اهم ملامح بعض المدارس الهامة في الفلسفة المعاصرة وهي تلك المعروفة باسم "الفلسفة التحليلية" وكذلك "الوضعية المنطقية" والتي سنكتفي باعطاء نمودج واحد عليها وهو "رودولف كارناب" وبالمقابل سنركز عاى اهم رواد الفلسفة التحليلية ( لودفيج فتجنشتين،برتراند رسل،غوتلوب فريجة ،....).
وعرضنا هذا يتكون من فصلين اساسيين هما :
الفصل الاول سنعمل على الحديث عن التحول الى الفزياء لضمان وحدة العلم والدي يظهر من خلال كتاب كارناب "البناء المنطقي للعالم" حيث تبنى طرح الفزيائية وعمل على ايجاد لغة فزيائية موحدة يمكن الحديث بها عن الاشياء الفزيائية وحركاتها في الزمان والمكان .
مع استعراض قوانين اللغة المنطقية عند فريجة ،في انتقاده للغة العادية الطبيعية واعتبارها اكثر تشتتا وتشظيا للمعنى وغير سليمة منطقيا نظرا لبنيتها الائتلافية اللغوية والتركيبية ،فهي لاتصلح للتعبير عن حقائق الفكر والمنطق معا .وهنا يستخدم لغة منطقية رمزية اكثر وضوحا والتي يعتبرها فريجة لغة مهمة للفلسفة .
وفي الشطر الثاني من الفصل الاول ندرج كذلك لغة النحو المنطقي في كتاب كارناب "النحو المنطقي للغة" حيث يستبدل نظريته الاولى في المدلول واستبدالها بنظريته في النحو المنطقي (السيمانطيقا).
واخيرا قابلية الاختبار والمدلول قي اللغة حيث يبقى الاساسي في اللغة هو استبعاد الميتافيزيقا ،ورفع شعار العلم والمنطق (معيار التكديب عند كارل نوبر)
وفي الفصل الثاني سيكون مناسبة لاستعراض اهم نظريات فلسفة اللغة ونبدأ بالجزء الاول المتعلق باللغة في المنزلة التحليلية حيث سنظهر دور التحليل العلمي المنطقي للغة عند برتراند رسل من خلال اعمالله المنطقية وكيفة تحليله للمشاكل اللغوية المنطقية باعتباره احد اعلام المنطق
وفي تحوله مندراسة الفلسة التقليدية (المعرفة،العقل ،المادة )،الى مسائل اللغة والمعنى واللغة والصدق والتحقق .
وفي الجزء الثاني تظهر لنا علاقة اللغة بالمنطق ونظريته في الشكل المنطقي وكذلك نظريتيه الشهورتين (الانماط والاوصاف ).
اما الجزء الثالث نتكلم فيه عن فتجنشتين وفلسفته في اللغة والذي حاول فيها ان يبين صلة اللغة بالعالم في البداية(الرسالة الفلسفية المنطقية) لكنه في فلسفته الثانية يدخل مفاهيم مغايرة عن فلسفته الاولى ( المفهوم الادواتي ،مفهوم الاستعمال ،مفهوم اللعب ،) والتي تؤدي الى تفكيك تصوره السابق عن اللغة كوسيط بين النا والعالم وهذا ما تتضح معالمه مع نظرية اللعب التي تؤسس المنظور الادواتي .
واخيرا ياتي كارناب في حديثه عن نظرية النحو ورؤيته المنطقية للفلسفة ،وكذلك للدراسة الفلسفية للغة والتركيب المنطقي وتعرضه للانساق المنطقية الرمزية والقضايا .
الفصل الأول: التحول من اللغة الطبيعية الى لغة العلم
1-من اللغة الطبيعية إلى اللغة الفيزيائية:
في هدا الفصل سنسلط الأضواء على وضعية اللغة بالانتقال من الأحكام الأولية المتعلقة باللغة الظاهراتية آي التي هي لغاتها لغات مثالية مبنية على خمل درية محضة، فاللغة الطبيعية لغة عادية بالاظافة إلى كونها مبعثرة ، وأكثر تشتتا من اللغة العلمية، فهي لغة فضفاضة تصب في العام من القضايا. بالاظافة إلى كونها لغة غير سليمة، لأنها لم تؤسس على اي منهج قويم كالمنطق مثلا، ونظرا لبنيتها الائتلافية اللغوية والتركيبية فهي لا تصلح للتعبيير عن حقائق الفكر والمنطق.، وخير مثال على دالك الفرق بين اللغة اليومية بين المعنيين التاليين:
-شيء ماهو حيوان لبون
-شيء ماهو الاسكندر الأعظم
ففي اللغة المنطقية فإننا لانقبل هده التسوية بين الجملتين، حين ان الأمر قد لا يختلف بعيدا في اللغة العادية ، والفرق بين الجملتين ، انه في الجملة الثانية قد استخدمنا الرابطة (هو)كرمز للهوية identité، أما في الجملة الأولى فهي كانتماء لافهوم أو لمجموعة افاهيم، وبالإضافة إلى نوع آخر من الجمل البروتوكولية و التي تتمركز ما بين التبني والترجمة : لتلك الجمل، بالإضافة إلى كونها نسق يجمع بين التناقضات كمثال التالي:
- اوتو يرى نردا احمر بجانب الطاولة
- يوجد نرد احمر على الطاولة
كان التحول والاستبدال الظاهراتي بالجانب العلمي والفيزيائي –نقطة فعالة في وضع منهج علمي حاسم يفصل بين طبيعة الاستدلال المنطقي من جهة ، ومن جهة أخرى طبيعة استدلال الجمل المدروسة مما ادى إلى ظهور اللغة الفيزيائية ، حيث استفاد Carnap من تقدم بحث نويرات بصدد إقصاء الأحكام الميثافزيقية من خلال هدا الطرح دعي كار ناب الى ضرورة إيجاد لغة فيزيائية موحدة يمكن التكلم بها عن الأشياء الفيزيائية وحركاتها الزمانية ك(قانون حركة الدرة عند اينشتاين)حيث استخلص قوانين دقيقة للغة الكلية .ثم ترجمة كل الأحكام ذات المدلول الى لغة سيكولوجية ودلك بمقدار ما هو عملي، وأيضا كذلك ترجمة كل حكم ذي مدلول إلى حركات فيزيائية ضمن أبعاد الزمان والمكان.
2-قوانين اللغة المنطقية :
ويقصد بقوانين اللغة المنطقية مجموع الفروض والبحوث اللغوية التي أجريت عبر تلك الاسس والقواعد والاحكام التجريدية، ومنها مثلا التحليلات التي تنطلق من منظور تصوري محدد في كتاب "التجربة والتنبؤ" لسنة1938 عند Reichenbach ، بادخال عبارتين في هدا الجانب هما "سياق الاكتشاف ""وسياق التصويغ" للتمييز بين الطريقة التي يتم اكتشاف بها نتيجة علمية ما. وحين طريقة طرح هده الجماعة العلمية هده النتيجة وتسويغها، فبالنسبة الى ريشنباخ تنتمي مشكلات سياق الاكتشاف الى ميدان السيكولوجيات والتاريخ وليس إلى ميدان الفلسفة. أما سياق التسويغ. فهو مهمة الابستيمولوجيا,وبهدا الصدد يرى Tolman ان النقص الأساسي في مقاربة الوضعيين التقليدية تكمن في مساواتهم بين "العقلاني" والمنطقي" فقد رفضوا مناقشة اية مسألة او فكرة لا يطالها التحليل الصوري المنطقي مستبعدين بدلك موضوع التعبير الصوري من الفلسفة.
لقد اضطر Tolman من القول انه بعد 50 سنة من سيطرة التجريبية المنطقية، والتي فرضت علينا صورة ساكنة للنظرية العلمية، فتبين ان حججهم ومناهجهم بعيدة كل البعد عن الصورة التي نقلها فلاسفة الوضعية المنطقية، فليس القانون العلمي تعميما تجريبيا.
وفي هدا الصدد تأتي معادلات Tarski اللغوية والتي أتاحت فرصة علمية دقيقة لتحليل العبارات المنطقية فهو علم دلالة يحدد صدق أو كدب عبارة ما في المنطق فكلمة صدق حـــــــــــــسب Tarski تعني ان شيئا متطابقا مع الواقع، وهده الفكرة تعود في الأصل عند أرسطو فهو علم دلالة اللغة باللغة نفسها، مما أتاح الفرصة لظهور اللغة الصورية والرمزية لضمان دقة منطق العلم، كما يعرض Quine يهدا الجانب فكرة الأحكام التحليلية بين الجمل الصدفية والجمل الغير الصدفية العرضية والتي يكون فيها التزييف صادق، بحيث تستعمل هده اللغة عند الدبلوماسيين والزعماء السياسيين.
إلا أن اصرار Frege بقصور مسألة اللغة الغادية كونها لغة فلسفية ومنطقية لما تمارسه من حجب للبنى المنطقية الأساسية للفكر وقد مهد بدلك للنقد الذي ستوجهه الوضعية المنطقية للميثافزيقا على هدا الأساس كما يسلم بأن قوانين الفكر تنتظم عبر قوانين المنطق الضرورية، واللازمة اي انها تحكم كل ما هو مفكر فيه وهكذا يؤكد نظيره Wittgenstein في الفلسفة التحليلية وأيضا في بحثه عن المعنى والإحالة، وتأكيده على ان ما يحدد معنى كلما ما هو استعمالها وهدا هو جوهر فلسفة Wittgenstein اللغوية.
اثر Frege في Carnap كما اثر من قبله في Wittgenstein حيث تتبع كار ناب محاضرات فريجي في الرياضيات والمنطق والفلسفة وفقه اللغة او الفيلولوجية حيث قرأ كتابه أسس علم الحساب فتعلم منه العناية والوضوح في تخليل المفاهيم والتمييز بين العبارات وما تشير إليه وفيما يتعلق بهدا الأخير أي التمييز بما اسماه بالمدلول والمسمى ، وما سماه بالمعنى والفحوى.
كما ينبغي الإشارة ان كار ناب قرأ بدوره فريجه وان المعرفة الرياضية التحليلية بالمعنى العام ان أساسها طبيعة المعرفة المنطقية ذاتها.
كما تبنى تصورا أخر لفريجي اعتبر أكثر دقة وأهمية، وهو ان مهمة المنطق والرياضيات تدخل في اطار علاقتها ببعضها ضمن جملة ستسام المعرفة. والتي تزودنا بصور المفاهيم والأحكام والاستدلالات التي تطبق من بعد في كل زمان ومكان.
3-لغة النحو المنطقي :
بينت الابحاث التي اقيمت من طرف كل منrussel ,whitehead ,fregee,tarski,carnap على اعطاء الفلسفة الفرصة الكاملة لكي تقوم بوظيفة النحو المنطقي بحيث يجب ان نمتلك لغة اخرى غير اللغة موضوع البحث ليتم بواسطتها صياغة نتائج التحليل المنطقي للغة العلم وسيسميها اللغة –الموضوع اما الأولى يسميها لغة النحو وهدا التمييز ضروري من اجل تجاوز الاحراج الدي سببه Wittgenstein عند ما بين انه لا يمكن الكلام عن بنية اللغة لآنها تعرض نفسها ولا تقال على العكس من دلك، فcarnap يبرهن انه بامكان بناء اكثر من لغة وامكان الكلام على اي منهما باستخدام بمايعرف ب" métha langauage" اي فوق اللغة (لغة ثانية تتضمن اللغة الاولى) ، كما اعتبر كارناب ان لغة النحو المنطقي، باعتبارها نظرية الصور اللغوية لتلك اللغة اي البيان المسستم للقواعد الصورية التي تحكم في الوقت نقسه تطوير النتائج التي تتبعها من هده القواعد.
اما Quien التي تبناها كارناب كنقطة انطلاقة لم تكن لغة معطيات حبيسة بالمعنى المدرك الاكثر حصرا، لسبب وانها تضمنت مجموع رموز من المنطق، وبناءا على تصور كواين فانه يعتبر من الاسراف استخدام المنطق الذي لا يرضي التجريبين انفسهم من هذه الجهة، ومن ناحية اخرى هناك شق في الجزء الحسي الغير المنطق، كما لاينكر القول ان كارناب كان من الامبيرين الاوائل الذين لم يقتنعوا بامكان ارجاع العلم الى حدود الخبر المباشر.
أ-قابلية الاختبار والمدلول في اللغة :
تعتبر مقالة Carl Popper "قابلية الاختبار والمدلول "حيث عمل على استبدال قابلية التصديق كمعيار للمدلولية بقابلية التأييد حيث احتفظ بفكرة لا مدلولية الميثافزيقا. والفكرية المركزية في هدا كله هو استبعاد الميثاقزيقا، وبهد الصدد يقول كار ناب إننا نستطيع ان نجتار بين لغات علم عديدة ، وان مجموعة من متنوعة من العلماء تستطيع استخدامها بطرق مختلفة كما ان مبدأ الامبيرية وهو أيضا اسم اخر لمدلولية الميثافزيقا يجب ان يصاغ لاكزعم ، لكن كمطلب وغرض لانتمائه الى لغة العلم.
كما يمكن للميثافزيقي في رأي بوبر ان يرفض هدا العرض، وان يقدم لغة مناسبة تصبح فيها الميثافزيقا دات مدلول. اما كارناب فلا يترك مجال لدلك لآنه لازال يعتبر ان مهمة Anti métaphysique وواجبه ان يسوغ رايه بخصوص لامدلولية الميثافزيقا وبناء لغة علم متحررة من الميثافزيقا وحسب حجة بوبر القديمة لا يمكن بناء مثل هده اللغة .
تقول نظرية تصديق المدلول، ان مدلول حكم ما هو طريقه تأييده، او نقضه تجريبيا ، اما حكم التحليلية فهو تلك الحالة الخاصة المؤيدة مهما حدث وتقول هده النظرية بان الأحكام المترادفة هي تلك التي تتشابه بمنهج بالتاييد او النقض التجريب، وقد يوحي بنظرية التصديق كمعيار مناسب لترادف الاحكام،ويفترض ان يقوم ترادف الاحكام في هده النظرية.
الفصل الثاني :اللغة في المنزلة التحليلية :
1-التحليل العلمي المنطقي للغة:
بادئ دي بدء يمكن التطرق إلى أعمال برتراند رسل المنطقية وطيفية تحليله للمشاكل اللغوية المنطقية باعتباحد أعلام المنطق, حيث نجد من كتبه العديدة " المبادئ المنطقية" Principa mathematicas الذي كان بوابته في "التحليلات المنطقية"؛ الذي وجهه فيما بعد نحو الإتجاه التحليلي حيث أدرك ما للمنطق من أهمية كبرى تحليلية للفلسفة.
ورجوعا إلى الوراء بعض الشيئ مع بولBool مدشن " الحساب المنطقي" إقتداءا بالحساب الجبري المعروف ، ومن بعد "المنطق الجبري" الذي يعتمد التعبير على العمليات الفكرية برموز جبرية، ولكن هذا الجبر المنطقي لم يكتمل إلا مع رسل وهوايتهد اللذان جعلا منه ما يسمى لبيوم ب" لبمنطق الرياضي" أو " المنطق الرمزي" وهو منطق يعنى بدراسة الإستدلال الإنتاجي من حيث صورته فقط,.
يظهر كذلك كيف طابق رسل بين المنطق والرياضيات , فهذه الأخيرة في نظره جزء لا يتجزء من المنطق أو إمتداد له ؛ فالنزعة المنطقية عند رسل” ترى أن الأوليات الرياضية لها معان في الخارج، ولذلك فهي تأخذ على النزعة الأكسيومية الصورية إهمالها تحليل الأوليات الرياضية في استقلال عن القضايا التي تدخل فيها ولذلك تولي النزعة المنطقية اهتماما أكبر لتحليل الأوليات اللغوية موضحة كيف يمكن تعريف تلك الأوليات بواسطة عدد قليل من الأوليات الأساسية وكيف أن القضايا الرياضية هي قضايا صادقة لا ترد فيها غير الأوليات الرياضية والأوليات المنطقية “ .
كما أن الأساسي عند برتراند رسل هو تحوله من مشكلات الفلسفة التقليدية وخصوصا مسائل المعرفة والعقل والمادة إلى مسائل اللغة والمعنى, وكان كتابه المعروف " مشكلات فلسفية"The problems of philosophy نقطة انطلاقه في هذا الإتجاه الجديد، كما نراه في كتابه " معرفتنا بالعالم الخارجي" Our knowledge of the external world ، يصنع منهجا جديدا قواه الإستعانة بنتائج العلوم المختلفة قبل الإقدام على إعلان أي رأي بصدد أي مشكلة فلسفية؛ إضافة إلى كتابه الشهير " مدخل إلى الفلسفة الرياضية" An introduction to mathematical philosophy ، وكتاب " بحث في المعنى والصدق" In inquiry into meaning and truth، وهو الكتاب الذي عالج فيه رسل بتوسيع مشكاة اللغة والصدق والمعنى والتحقق، محاولا الوصول إلى الكشف عن الروابط القائمة بينهما جميعا، فهو ”يؤكد أنه لا بد للفلسفة من أن تتقدم على طريقة غاليلو الفزيائية في الإكتفاء بالوصول إلى نتائج جزئية قبل التحقق(...) وما ربطه للفلسفة بالعلم، إنما هو تعبير عن جزعه من كل 'خرافة ميتافزيقية' وثقته بقدرة العقل التحليلية، وإيمانه الشديد بضرورة إحلال النزعة« العقلانية » المنطقية، محل النزعات الروحية، والصوفية والوجدانية“ .
1 - اللغة والمنطق عند رسل:
يؤكد رسل أن فهمنا للعالم وللطبيعة يأتي عن طريق اللغة؛ حيث يقول في كتابه" بحث في الصدق والمعنى" : ” إن هناك فيما أعتقد علاقة قابلة للإكتشاف بين « بناء» الجمل أو العبارات وبناء «الوقائع» أو الأحداث التي تشير إليها تلك العبارات ، وأنا لا أظن أن بناء الوقائع غير اللفظية non worlds facts غير قابل للمعرفة تماما ، بل أنا أعتقد أننا إذا إتخذنا من الحيطة القدر الكافي، فقد نستطيع أن نتخذ من خواص اللغة أدوات نستعين بها علم فهم بناء العالم “ .
ومن جهة أخرى عمل رسل على الكشف عن الأساليب العديدة التي تجعل من اللغة في بعض الأحيان أداة مضللة أوخداعة للتفكير، وهنا يقول رسل، أن تأثير اللغة على الفلسفة قد كان تأثيرا عميقا، وإن كان قد بقي غير معترف به تقريبا، ولو أننا أردنا لأنفسنا أن نظل الطريق تحت هذا التأثير لأصبح لزاما علينا أن نكون على بينة من أمر هذا التأثير، وأن نساءل أنفسنا بكل إمعان وتدبر على المدى المشروع الذي يمكن أن نمضي إليه في هذا السبيل .
إن الألفاظ عند رسل إذن تقرر وقائع وتستثير إنفعالات وهي نوعين:
- ألفاظ موضوعية Objects words مثل: أحمد، فأر، أزرق،...يتلقنها الفرد عن طريق مواجهته للموضوعات الخارجية.
- ألفاظ منطقية : مثل( الل، و بعض ، و لا...) وهي ألفاظ تشير إلى الموضوعات في عالم الإدراك الحسي التجريبي.
ويفرق رسل بين مظهرين مختلفين للغة ؛ مجموع مفرداتها من جهة، وتركيبها أو بنائها من جهة أخرى، والألفاظ المستخدمة عادة في اللغات الطبيعية غامضة وملتبسة، ومن هنا فإن على الباحث الفلسفي أن يحدد معانيه، وأن يحرص باستمرار على فهم المعاني الدقيقة التي تستخدم فيها الألفاظ حيث ترد على قلم هذا الفيلسوف أو ذاك. وعملية "تحليل المعاني" عملية منطقية قديمة ترتد إلى عهد أرسطو. ولكن رسل يعتقد أن الكثير من من مظاهر الخلط الفلسفي حول مشكلات معروفة كمشكلة الجوهر أو مشكلات الكليات ترجع أولا وبالذات إلى بعض الخصائص اللغوية الكامنة في مفردات اللغة الطبيعية، وإذا كان من المؤكد أن السمات التركيبية أو البنائية لأمثال هذه اللغات هي المسؤولة عن العديد من الأخطاء التي طالما تردى فيها الفلاسفة.
كما نجد نظرية" الشكل المنطقي" أو الصورة المنطقية عند رسل نتيجة تطبيقه للمنطق الرمزي على اللغات الطبيعية، فحينما نقول: كل المثقفون معجبون بالروائي بروست، وبعض الفلاسفة ليسوا من المعجبين ببروست، إذن بعض الفلاسفة ليسوا مثقفين.
” وليست مهمة المنطق الرمزي سوى العمل على تحويل أي مقال معبر عنه باللغة الطبيعية إلى "شكل منطقي" "أو صورة منطقية" حتى يكون في الإمكان فهمه دون حاجة إلى أي تعبير لغوي. ولعل هذا ما قصد إليه كل من راسل وهوايتهد في كتابهما " المبادئ الرياضية " حين حاولا الوصول إلى لغة فكرية عامة يستطيع المرء عن طريقها أن يشرح الهيكل العظمي المشترك لسائر اللغات الطبيعية “ .
إن التحليل هو الكفيل باظهارنا على أن المشكلة إما أن تكون منطقية وإما ألا تكون مشكلة فلسفية على الإطلاق ، كما أن التحليل المنطقي عند رسل هو :” عملية ذهنية نضطلع بها حين نحاول توضيح التصورات والعبارات ، سواء في مضمار العلم، أم في مضمار الفلسفة أم في مضمار الحس المشترك، من أجل العمل على إزالة ما فيها من مظاهر الغموض والإلتباس“ .
وقد واجه صعوبات في دراسته لأسس الرياضيات قادته بطريقة غير مباشرة إلى ادخال تعديلات هامة على نظريته في اللغة ؛ وذلك لأنه حسب رسل يجب التمييز بين قضية تشير إلى مجموعة قضايا؛ وقضية أخرى تشير إلى واقعة معينة ، وهذا ما يجنب الفكر الوقوع في مجموعة من المتناقضات التي لا سبيل إلى الخروج منها. كما يميز بين مستويين من القضايا وبالتالي من اللغة وهما: مستوى القضية التي تشير إلى وقائع ؛ ومستوى القضية التي تشير إلى مجموعة من القضايا. فلا بد لنا حسب رسل أن نميز بين نمطين مختلفين من أنماط العبارة: أولهما هو النمط الذي ينصب على على الوقائع ؛ وثانيهما النمط الذي ينصب على اللغة؛ حيث أدى به تفريقه هذا إلى نظرية الأنماط الشهيرة؛ كما يمكن أن نبين أن القضايا عند رسل تتميز بخاصيتين أولهما هي أنها تنحل إلى علاقة اللزوم المنطقي( إذا كان كذا...نتج كذا)؛ والثانية هي اشتمالها على على متغيرات وعلى ثوابث هي الثوابث المنطقية، ويعرف رسل الرياضيات كما يلي: ”الرياضيات البحثة هي جميع القضايا التي صورتها(ق يلزم ك) حيث ق وك، قضيتان تشتملان على متغير واحد أو جملة متغيرات هي بذاتها في القضيتين علما بأن كل من ق و ك لا تشتمل على توابث غير الثوابث المنطقية“ .
كما أن الصلة بين الرياضيات وثيقة جداعلى اعتبار” أن كون هذه التوابث الرياضية توابث منطقية بها تتعلق جميع المقدمات الرياضية؛ فهذا في اعتقادي، هو معنى ما يذهب إليه في قولهم إن الرياضيات أولية“.
يتألف المنطق حسب رسل من مقدمات رياضية بالإضافة إلى جميع القضايا الأخرى التي تعنى فقط بالتوابث المنطقية، وبالمتغيرات التي لا تحقق التعريف الذي وضعناه للرياضيات، والرياضيات تتكون من جميع نتائج المقدمات السابقة التي تقرر لزوما صوريا يشتمل على متغيرات بالإضافة إلى بعض تلك المقدمات ذاتها التي تحتمل هذا الطابع.
وسبقت الإشارة إلى أن نظرية الأنماط هي نظرية يعنى فيها رسل بالتمييز بين "الفئات classes"و" الأشياء"things التي هي عبارة عن وقائع تجريبية حيث” إتخذ من نظرية الأنماط سبيلا لتحديد بنية منطقية للغة الطبيعية بشكل يجعلها تستبعد " الإنعكاسية" في نفس الوقت الذي تحتفظ فيه بالمنطق" ثنائي القيمة" “ .
إن رسل يعرف لفظة فرد بقوله ما يشير إلى كيان خاص من نمط خاص؛ كما يعرف الفئة بأنها ما يشير إلى كيان من نمط اخر والعلاقة بأنها ما يشير إلى نمط تالث؛ فالإنسان مثلا اسم لفئة ليست عضوا في نفسها كما أن فئة الأعداد كلها لا تكون عددا من بينها‘ فالنمط المنطقي عند رسل هو حينما تكون(أ) و(ب) من نفس النمط المنطقي ؛ فإن أية واقعة تتدخل في تركيبها(أ) لا بد من أن تقابلها واقعة أخرى تدخل في تركيبها (ب)؛ بحيث يكون في الإمكان وضع (ب) محل (أ)، وبالتالي فإن نظرية رسل هاته قد عملت على ظهور تفرقة هامة في عالم التحليلات المنطقية بين اللغات وما وراء اللغات؛ على اعتبار أن ما وراء اللغة ، إنما هي لغة تتحدث عن اللغة ، كما أنه لا يجب أن نخلط بينهما لاجتناب التناقض والإستحالة ؛ وبهذا يميز رسل بين العبارات الدالة على معان ؛ والعبارات الفارغة؛ أي عندما يجب أن نكون إزاء عبارة يجب التساؤل عن صدقها أوكذبها، ولكن رسل تجاوزها إلى كون العبارة لها معنى أم لا.
وسعيا على استخدام " التحليل المنطقي" لحل بعض المسائل اللغوية والمنطقية المعقدة، استند رسل إلى نظرية الأوصاف ، وهنا يقيم تفرقة منطقيةبين بين نوعين من التسمية: التسمية بإسم العلم؛ والتسمية بواسطة عبارة وصفية؛ بحيث يقول إن كلمة " سكوت " إسم علم في حين أن عبارة "مؤلف ويفر لي" عبارة وصفية.
إن القضايا التي تتضمن عبارات وصفية محددة كقولنا" مِؤلف ويفرلي" أو " أعلى جبل في العالم" ليست أسماء أعلام ، والفارق بين إسم العلم والعبارة الوصفية أن إسم العلم لا بد أن يشير إلى موضوع بحيث يكون هذا الموضوع هو معناه، في حين أن العبارة الوصفية لا يكون لها معنى إلا وهي في جملة؛ وبالتالي؛ فإنها وحدها لا تعني شيئا فمثلا:
- الجبل الذهبي كائن في إفريقيا.
- ملك فرنسا الحالي أصلع.
- أقدم تنين في إيرلندة هو من أكلة اللحوم.
فهذه عبارات وصفية مفهومة؛ فلو افترضنا أ، العبارة الوصفية مساوية تماما لإسم العلم( كما فعل الفيلسوف ما ينونغ Minong )؛ لكان علينا أن نقول بوجود مسميات في عالم الواقع لأمثال هذه العبارة الوصفية؛ وهو ما لا بد أن يؤدي بنا إلى افتراض وجود كائنات مزعومة بقدر ما يبتدعه خيالنا من عبارات وصفية؛ ولكن كما بين لنا رسل أن الأوصاف المحددة ليست أسماء أعلام. فلا يمكن إذن أن يكون لها معنى للهم إذا استخدمت في جمل أو(عبارات) غستخداما منطقيا مشروعا وهو ما لا نجده في أمثال هذه الحالات. كما ناقش رسل مسألة الدلالة والإحالة حيث يعتبر العالم يتضمن وقائع وأن الواقعة هي التي تحدد صدق أوكذب قضية ما. مما يدل على أن التعابير التي ليست لها إحالة غير سليمة التركيب وأن موضوعاتها غير موجودة ( إحالة فارغة) باعتبار أن الذوات الموجودة وحدها هي القابلة للقيام بفعل الإحالة. وهنا يعترض على الدعوى التي تقول أنه بالإمكان تصور شيئ ما هو "مربع" و"دائرة" في قولنا "المربع الدائري"؛ فهذا التصور قائم على توجه سيكولوجي يميز بين بين المضمون الموضوعي عن "موضوع الإدراك" وبالتالي ينطوي على تناقض؛ فعوض أن نقول" المربع الدائري" نقول لا توجد هوية تكون في نفس الوقت دائرة ومربع.
2 - فلسفة اللغة عند فتجنشتين:
لقد حاول فتجنشتين أن يقدم نظرية عامة في بيان صلة اللغة بالعالم (الواقع)؛ فالمهمة الأولى للغة هي تقرير الواقع؛ فهو يظهر تقابلا جوهريا بين " بناء الجملة" و " بناء الواقعة" وكأن ثمة عقلا أو ضربا من اللوغوس تنعكس صورته بالضرورة على الأنماط الأصلية للقول المنطقي، وهذا يحدد البناء الأنطولوجي للواقع الموضوعي نفسه.
واللغة عند فتجنشتين تقوم بأكثر من التمثيل؛ إنه اتبين كذلك ما لا يمكن أن نمثله ؛ أن الخاصية أخضر هي خاصية؛ بل تبيانها فقط بواسطة صورة الرمز التي تمثلها في المنطق. وهذا يجعلنل نرمز للقضية ب{ك(س)} حيث يرمز (ك) للخاصية المعينة بواسطة الموضوع الذي يعينه(س) ؛ الإسم يبين أنه يعين موضوعا ما بمعنى أن المحمول (أخضر) الممثل ب(ك) يشكل خاصية(الكتاب) الممثل بواسطة (س)؛ وكل هذا لا يمكن قوله حسب فتجنشتين؛ فلا يمكن لقضية ما أن تمثله لانعدام قضية من مستوى اللسانيات الفوقية
إن القضية عند فتجنشتين هي أكثر من علامة قضوية؛ إنها العلامة القضوية في علاقتها الإسقاطية مع العالم. فيجوز لواقعة ما أن تصور عن أشياء كذا وكذا: كما لا يجوز أن تمثل قضية أخرى ؛ ولا يمكن لقضية أخرى أن تخرق مبدأ" الماصدق" كما لا يمكن لقضية أن تقول شيئا ما عن نفسها لامتناع أن تتضمن العلاقة القضوية نفسها.
يرفض فتغنشتين مفهوم "المنطق الفوقي" بدليل إستحالة أن يشكل كل ما هو منطقي موضوعا لخطاب معين لعدم وجود خطاب على مستوى" المنطق الفوقي" فإذا اعتبرنا المنطق لغة سليمة التركيب تحتوي على نفسها فهذا يعني استحالة أن تمثل نفسها بنفسها. إن كل ما يمكن أن تقوم به هو أن تبين نفسها دون حاجة إلى لغة أخرى فلا توجد سوى لغة واحدة.
يعتبر فتغنشتين أن التفكير والبحث في اللغة عملية تحليل وليس عملية بناء، وعليه فتحليل اللغة هو تفكيكها بشكل يجعلها تكشف عن ذاتها دون أن تفرض عليها قيود ولو كان مصدرها لغة فوقية؛ فاللغة تكشف عن بنيتها، وبالتالي فما ينعكس فيها لا يمكن أن تمثله؛ وبهذه الكيفية ينتهي إلى رفض فكرة تراتبية اللغة بنفس الخلفية التي ترفض بها" نظرية " الأنماط عند رسل.
لقد عمل فتغنشتين على مناقشة كل من مفاهيم الصدق والمعنى الإلزام والإسم...إلخ في الرسالة وهوما يسميه ريتشارد رورتي باللغة الخالصةthe pure philosophy of language وهو يقدم كتاب philosophy invertigation كأهم وأقوى محاولة لدحض التوافق الكانطي حول وظيفة الفلسفة باعتبارها نظرية في المعرفة، كما يبرر من خلال نفس القراءة بأي معنى تمثل فلسفة فتغنشتين الثانية من خلال نظرية الألعاب إنها لمفهوم الفلسفة كمجال للبحث في خاصية الإلزام المميزة لمعارفنا وللحقيقة بوجه عام.
تندرج الرسالة عند فتغنشتين في نظر رورتي في إطار أنطولوجيا نظرية المعرفة؛ ومن تم يقبل فتغنشتين بممارسة الفلسفة باعتبارها مجالا للكشف عن القضايا التي يمكن أن تقال و" إظهار" القضايا التي يمكن قولها أو الحديث عنها .
لقد ربط فتغنشتين طبيعة الإلزام بما تسمح اللغة بقوله، كما اختار الطريق الجديد للكلمات(the new way of words) لكنه مع ذلك حافظ في تصوره للغة على كافة المشكلات الفلسفية الكلاسيكية في نظر رورتي وذلك عبر ما تضمنه الرسالة: الخاصية الواقعية للغة؛ نظرية التصوير كأساس لماهية اللغة أي the build theory ؛ تبعية حدود اللغة كحدود العالم؛ ثم الفلسفة باعتبارها بحثا فيما يلزم منطقيا عن اللغة.
وعموما فإن الرسالة تبقي على خصائص الأنطولوجيا الديكارتية؛ إلا أنها تقيم هذه الأنطولوجيا لصالح اللغة بدل الفكرففي حين جعل ديكارت الحقيقة تتطابق بين الواقع ويقين الفكر، إنطلق فتغنشتين من التحول اللغوي ليجعل الحقيقة تطابق بين حدود اللغة وحدود العالم؛ وكما
سمحت أتطولوجيا الفكر بصياغة أسئلة المعرفة إنطلاقا من الحقل الترنسندنتالي مع كانط ؛ سمحت أنطولوجيا اللغة الفتغنشتاينية بطرح أسئلة الدلالة والمعنى داخل الرسالة ومع كارناب والتجريبية المنطقية عموما، بشكل جعل اللغة بمثابة وسيط بين الأنا والعالم يتشكل من كافة القضايا المطابقة للأشياء وللوقائع وفقللوقائع الذرية المكونة للعالم. وهذا ما تعنيه مطابقة فتغنشتين بين بين حدود اللغة وحدود العالم.
وتستلزم هذه الأنطولوجيا فضلا عن ذلك الإبقاء على وظيفة للفلسفة ( الوظيفة العلاجية) المتمثلة في دحض المشكلات الفلسفية الناتجة عن الإستعمال السيئ للغة بمعنى الإبقاء على القضايا المطابقة التي تلزم عن اللغة.
أدخل فتجنشتين عدة مفاهيم في الفلسفة الثانية له؛ مثل المفهوم الأدواتي للغة كوسيط بين الأنا والعالم إن هذه الإضافات النظرية تسير في إتجاه واحد تتضح معالمه مع نظرية اللعب التي تؤسس التصوير لأدواتي؛ كما تضمن الإستعمال خلفيته النظرية0؛ إذ لا يمكن للإستعال أن يشكل المعنى إلا داخل لعبة لغوية معينة؛ والأهم في هذه التحولات العميقة التي لحقت فلسفة فتغنشتين في مرحلته الثانية هو تحليله عن تمثل العلاقة القطبية بين اللغة والعالم واتجاهه نحو تقريب الممارسة الغوية من مجال الفعل الإنساني من خلال الإكتشاف الذي قام به فريجه والمتعلق بالعلاقة بين الدلالة والصحة، إضافة إلى تحديده لقائمة النقاشات الفلسفية المتعلقة باللغة مثل: المعنى؛ الحقيقة والمرجع؛ وهو بذلك يكون قد أسس براديغما جديدا في فلسفة اللغة. لكن هذا البراديغم الذي سمي فيما بعد ب" المنعطف اللغوي" هو الذي سيعمل فتغنشتين على تجديره وتطويره لأنه ” لم يكتف بالوظيفة التمثيلية للغة في علاقتها بالعالم الموضوعي؛ كما و عند فريجه؛ بل تجاوز هذه الوظيفة إلى طرح العلاقة بين اللغة وتشكيل صورة العالم. بهذا الفهم يكون فتغنشتين قد صادق على المنعطف الغوي الذي اكتفى فريجه بتقديمه “ .
إن الخطوة التي قام بها فتغنشتين نحو فريجه تتمثل بشكل كبير في الانتقال من التحليل المنطقي عند فريجه للغة الذي يركز على الجانب التركيبي؛ إلى التحليل الألسني.
هذا التحليل الأخير لم يعد يهتم أساسا بصياغة لغة عالمية متماسكة ترمز إلى وقائع وتدل عليها كما أنه لم يعد في خدمة غائية منتظمة؛ بل فقط في تقديمه هدف يكمن في معالجة أي قضية من جهة نظرالتحليل الألسني والتعبير عن معناها بصورة وا ضحة تماما.
وهكذا بدت الأجوبة الفلسفية م رتبطة بهذا النمط من التعبير اللغوي أو ذاك؛ وتحولت إلى نوع منا الألعاب اللغوية الفنية التي تكتفي بذاتها .
وتبقى المهمة من المنطق الص وري هي أن يمدنا بالقواعد اللازمة للانتقال منطقيا من أي عبارة إلى أ خرى ؛ فإن هذا لم يمنعنا من القول بأنه قد يكون في وسع الفلسفة التحليلية للغة والمنطق أن تعيننا على الإهتداء إلى السمات الميتافزيقية الحقيقية التي تصف "الوجود" في نفس الواقع ونفس الأمر. وحتى يحاول فتغنش تين أن يستخدم اللغة لكي يظهرها على طبيعة البناء الميتافزيقي الحقيقي للعالم الواقعي؛ فإنه عندئذ لا بد من أن يجد نفسه مضطرا إلى اصطناع عبارات خالية تماما من كل معنى وهنا السرفي فلسفة فتغنشتين أنه ختم كتابه بقوله :” إن ما لا يستطيع المرء أن يتكلم عنه لا بد له من أن يحيطه بالصمت “.
إن نقطة البدء في كل فلسفة فتغن شتين هي نطرية أنطولوجية في المضامين الأساسية أو المقولات النه ائية للعالم؛ والعالم عنده لا يتكون من مجرد موضوعات بلهو يتكون م ن موضوعات منتظمة أو مرتبة على صورة "وقائع"facts وإذا كان فتغنشتين يسمي هذه الوقائع بالوقائع الذريةatomic facts فأنها وقائ ع لا تقبل التحليل إلى وقائع أخرى تكون أبسط منها.
لقد تأثرت مدرسة التحليل أو فلسفة التحليل في انجلترا تأثرا كبيرا بفتغنشتين الذي كان خلال إحدى المراحل متصلا بحلقة فيينا؛ وكان الكتاب الوحيح ا لذي ظهر له خلال حياته هو " رسالة فلسفية منطقية" التي نشرت عام1 921. عرض فتغنشتين في هذا الكتاب الرأي القائل أن حقائق المنطق تحصيل ح اصل؛ وتحصيل الحاصل بالمعنى الفني الذي استخدمه به هو قضية يك ون نقيضها مناقضا لذاته؛ وبهذا المعتى تكون كلمة " تحصيل حاصل" مطابقة بصورة عامة لكلمة" تحليلي" الأكثر شيوعا, وقد قادته اهتماماته في السنوات اللاحقة بعيدا عن المنطق؛ في إتجاه التحليل اللغوي؛ والمصد رالذي سجلت فيه أراؤه هو مذكرات محاضراته؛ أو مجموعة أبحاثة ا لتي نشرت بعد وفانه.
وقد أ دخل فتغنشتين في معرض تقديمه لأراءه تشبيه "الألعاب اللغوية" الذي ي عني به أن الإستخدام الفعلي لجزء معين من اللغة هو أشبه بلعبة كالشط رنج مثلا. ولهذه اللعبة قواعد معينة ينبغي على كل من يمارسها أن يراعو ها.
وإذا كان ” فتغنشتين قد أخاض في الحديث عن اللغة بوصفها "لعبة "game أحيانا أو بوصفها "أداة"tool أحيانا أخرى ؛ فما ذلك إلا لأنه قد وجد في النطق بأية لغة نشاطا معينا أو صورة من صور الحياة“ .
كما يتساءل فتغنشتين عن ا للعبة؛ وماذاعساها أن تكون؛ حيث يقول:” أننا لو عدنا إلى حياتنا العادية لوجدناها-اللعبة- تستعمل على أنحاء عديدة مختلفة ؛ أو قد لا نعثر على ماهية جوهرية تجمع بين شتى الموضوعات التي نطلق عليها هذا اللفظ “، كما يستعرض شتى الألعاب games ؛ لكي يخلص إلى القول بأنه ليس ثمة سمات محددة تجمع بين تلك الألعاب، وإن كانت هناك بطبيعة الحال شبكة معقدة من " المشابهات" المتداخلة بين تلك ا لألعاب، وإن كانت هناك بطبيعة الحال شبكة معقدة من" المشابهات" المتداخلة بين تلك الألعاب؛ ومن هنا فإن فتغنشتين يقول بأن هناك " مشابهات عائلية"family resemblences بين كل تلك الألعاب على اعتبار أنها جميعا تنتسب إلى عائلة لفظية واحدة. ” وبالمثل يمكننا أن نقول بأنه كما أن الألعاب تكون أسرة أو عائلة؛ فإن الإستعمالات المتنوعة للتعبير الواحد تكون أسرة لغوية أو عائلة لفظية؛ وكما أنه من العبث أن نبحث عن طبيعة جوهرية للألعاب، فإنه من العبث أيضا أن نبحث عن معان مشتركة؛ والسبيل الوحيد لمواجهة المشكلات الفلسفية المتعلقة بماهية اللغة ( أو معنى أية كلمة) إنما يكون بفحص اللغة على نحو ما هي مستعملة في الحديد من الحالات“ .
ويرفض فتغنشتين عالمه المنطقي السابق كما عرضه في كتابه(الرسالة) رفضا تاما؛ فقد بدا له عندئذ أنه من الممكن تحليل جميع القضايا إلى مكونات نهائية بسيطة لا تقبل مزيدا من التجزيئ؛ ومن تم كان يطلق أحيانا على هذه النظرية إسم "الذرية المنطقية"، وهي تشترك في في كثير مع نظريات أسبق منها عن المكونات النهائية البسيطة التي قال بها العقلانيون؛ وهذه الفكرة هي أساس جميع محاولات وضع لغة كاملة تعبر عن كل شيئ بأقصى قدر من الدقة. أما في المرحلة المتأخرة فقد أنكر فتغنشتين إمكان إيجاد مثل هذه اللغة؛ فمن المستحيل أن نقضي على الخلط قضاء مبرما.
وهكذا فإننا حين نتعلم كيف نلعب عددا من الألعاب اللغوية المتنوعة؛ نكتسب معنى ذلك عن طريق استخدامها ومن خلاله ؛ وفي بعض الأحيان نعبر عن ذلك بطريقة أخرى فنقول إننا نتعلم "النحو" أو "المنطق" الخاص ب كلمة معينة ؛ وهو تعبير فني أصبح شائعا على نطاق واسعفي التحليل الل غوي؛ وهكذا فإن إثارة المشكلات الميتافزيقية ينجم عندئذ عن نقص في في إدراك "النحو" الخاص بالكلمات.
ذل ك لأننا بمجرد أن نفهم القواعد فهما صحيحاح لا تظل لدينا رغبة في ط رح مثل هذه الأسئلة بعد أن يكون العلاج اللغوي قد شفانا من هذه الرغبة .
3 - رودولف كارناب:
ظهرت الوضعية المنطقية في نهاية القرن الماضي؛ وتمثلت في مجموعة م ن المفكرين أمثال ماخ؛ حيث نما بالتدريج إهتمام أوسع بالمنطق الرمزي.
كان هذا المذهب كما يدل اسمه وضعيا في المقام الأول؛ فهو يرى أن ا لعلم هو الذي يزودنا بمجموع معارفنا؛ وأن الميتافزيقا بنمطها التقليدي؛ هي ثرثرة لفظية فارغة، فليس ثمة ما يمكن معرفته وراء التجربة. ويقترن تأكيدهم للملاحظة التجريبية بالأخذ بمعيار للمعنى يرتبط إلى حد ما بالبراجماتية التي يطلقها العالم في مختبره خلال عمله اليومي.
ويتمثل هذا المبدأ في معيار مشهور هو مبدأ قابلية التحقق؛ الذي يذهب إلى أن معنى القضية هو طريقة تحقيقها، وهذا المعنى مستمد من ماخ؛ الذي طبق هذه الطريقة ذاتها في تعريف الألفاظ المستخدمة في الميكانيكا.
وتماشيا مع الإتجاه العام إلى التوحيد في لغة العلم؛ بدأت الحركة قبل الحرب العالمية الثانية مباشرة في نشر أول بحث من السلسلة التي أصبحت تعرف باسم" موسوعة العلم الموحد".
لقد ساد الوضعية المنطقية كلها احتقار للميتافزيقا؛ واحترام للعلم، وقد أدى م بدأ قابلية التحقق بوجه خاص إلى ظهور عدد من التفسيرات المتباينة.
ويواجه الموقف الوضعي صعوبة أخرى هي رفض تأمل فلسفي ب وصفه لغوا؛ ومصدر الصعوبة هو أن نظرية قابلية التحقق هي ذاتها نظرية فلسفية؛ وقد حاول موريس شليك أن يتجنب هذه العقبة بالقول إن مبدأ قابلية التحقق هو في الحقيقة متأصل في سلوكنا وكل ما نفعله حين نعرضه بهذه العبارات هوأننا نذكر أنفسنا بالطريقة التي نسير عليها بالفعل؛ ولكن حتى لو كان الأمر كذلك؛ لكان المبدأ صحيحا في نهاية الأمر؛ ومن ثم فهو يحدد موقفا فلسفيا؛ ذلك لأن من المتفق عليه بين جميع الأطراف أنه ليس من قضايا العلم التجريبي.
أ- إنتقاد الميتافزيقا: ورؤيته المنطقية للفلسفة:
يقر كارناب أن الفيلسوف الوضعي لا ينطق بمجموعة من العبارات (الميتافزيقية) مثل : "الوجود موجود واللاوجود غير موجود"؛ إذ ثمة قوة فاعلة هي المبدأ الموجه لسائر الكائنات الحية...؛ فهي عبارات فارغة جدا من كل معنى والسبب في ذلك أن القضايا الميتافزيقية ليسي تحليلية كما أنها في الوقت نفسه لا تقبل التحقق التجريبي؛ فهي "أشباه قضايا"pseudo-proposition فديكارت حين قال ” أنا أفكر إذن أنا موجود “؛ فإنه قد توهم أن الإستعمال الوجودي لفعل الكينونة يمثل خاصية من نوع ما؛ وكذلك هيدغر حين قال " أننا تعرف العدم"؛ فقد استخدم لفظ "العدم" كإسم في حين أن الكلمة لا تشير إلا في عملية النفي أو السلب في مضمار المنطق ؛ وهنا يتبع كارناب خطى فتغنشتينن كما أن كارناب كان هدفه ا لأساسي من رفض الميتافزيقا هو العمل على تطهير العلم الطبيعي والرياضيات؛ وعلى حين نجد أن فتغنشتين قد دعاإلى السكوت عما لا يمكن للمرء أن يتحدث عنه، نجد أن كارناب وجماعة الوضعانين المناطقة يؤكدون أننا حينما نصمت عن الميتافزيقا؛ فإننا نصمت عنه ليس بشيئ أضلا ؛ وأية ذلك أن العبارات الميتافزيقية المزعومة هي مجرد تركيبات لغوية فارغة تتعارض مع الإستعمال الحقيقي للكلمات من جهة؛ وتضم في الوقت نفسه قضايا زائفة لا تقبل التحقق التجريبي.
والغريب في الأمر أن كارناب يرى أن الفلسفة الكلاسيكية تخلط بين وظائف اللغة ( وظيفة أولى أن اللغة قد تعني شيئا؛ والثانية قد تعبر عن عواطف ورغبات) ”مما ترتب عليه أن أصبحت ألفاظ الفلاسفة معبرة عن مجرد عواطف لا دالة على معاني“ .
كما يميز كارناب بين استبعاد الميتافزيقا الذي قامت به الوضعية المنطقية وبين المحاولات السابقة للشكاك اليونانيين فالأولى ” استفادت من تطور المنطق الحديث الذي جعل من الممكن تقديم جواب جديد وأكثر دقة فيما يتعلق بالسؤال عن صحة الميتافزيقا وتسويغها“ ؛ فقد أدت الأبحاث المتعلقة بالمنطق التطبيقي إلى نتيجتين: الأولى كانت في مجال العلوم؛ حيث تم توضيح مختلف أفاهيم فروع العلم بواسطة التحليل المنطقي؛ والثانية في مجال الميتافزيقا؛ ومن ضمنها كل فلسفة القيم والتشريع؛ حيث ”...أدى التحليل المنطقي إلى النتيجة السلبية القائلة بأن كل الأحكام المدعاة في هذا المجال لا تحيل إلى شيء. وبذلك تم التوصل إلى الإستبعاد الجذري ل لميتافزيقا؛ الأمر الذي لم يكن ممكنا من وجهات النظر الأنتي ميتافزيقية ال سابقة “ .
لقد حاولت الفلسفة التحليلية إخضاع تصور الفلسفة لشروط الإستدلال ال منطقي الصارم؛ وإقامته على شكل أنساق استنباطية شبيهةبأنساق المنطق المنطق والرياضيات؛” تنطلق فلسفة كارناب في تحليلها المنطقي للفلسفة من تصور مفادهن أنها محاولة يقوم بها الفكر لنقل العالم ككل“ ؛ وهذا التحليل عند كارناب للمعرفة واللغة مهم لأن الفلسفة بحاجة لهذا النوع من التحليل؛ فاللغة الفلسفية كثيرا ما كانت هي المسبب الرئيسي لكثير من مشكلات الفلسفة بل إن عدم الإنتباه إلى الية عمل اللغة كثيرا ما أوقع الفلاسفة في الظلال والخداغ.
إعتقد كارناب أن الفلسفة تعاني من نقص في القواعد المنطقية للغة؛ فالفلاسفة لا يفهمون منطق لغتهم الأمر الذي يؤدي بهم إلى الوقوع في مشكلات تعود إلى تبنيهم لقضايا ليست في الحقيقة سوى قضايا زائفة ومبهمة. كما أن مايميز جهود كارناب المنطقية أنها حاولت الذهاب بمنطق إخضاع المعرفة الإنسانية لشروط منطقية إلى حدوده القصوى؛ فقد بنى كارناب كل أشكال المعرفة- تجريبية كانت أم منطقية- على شكل أنساق منطقية وسيمانطيقية رمزية أولا؛ وتحليله للغة العادية؛ أو الطريقة العادية في الكلام تحليلا منطقيا من جهة ثانية.
يحاول كارناب تطبيق المنهج التحليلي المنطقي للغة على الأسلوب العادي للكلام ؛ لأن هذا الأخير يحمل الكثير من المشاكل وسوء الفهم والتعبير، الأمر الذي أدى إلى ظهور مشكلات فلسفية كثيرة ما كانت لتظهر ل ولا هذا الأسلوب في الكلام ؛ ويسميه كارناب الأسلوب المادي للكلام matrial mode of speech كما يحاول الإستغناء عنه عن طريق ت حويله إلى الأسلوب الصوري للكلام ما إذا كانت الكلمات تشير إلى أشياء أم تشير إلى أشكال لغوية؛ فلو كان لدينا الجمل التالية وهي من الأسلوب المادي:
- هذه رسالة حول إبن السيد إبراهيم.
- قال إبراهيم إن زيدا سوف يأتي غدا؛ أمكن تحويلها إلى الشكل التالي؛ وهو الأسلوب الصوري للكلام؛ في هذه الرسالة تظهر الجملة (س) التي فيها الوصف" إبن السيد إبراهيم".
وقد اتخذ كارناب هذه الطريقة؛ أي التحويل من الأسلوب المادي للكلام إلى الأس لوب الصوري للكلام للتخلص من القضايا الميتافزيقية في الفلسفة؛ إذن يبقى تحويل الأسلوب المادي للكلام في نظر كارناب إلى الأسلوب الصو ري كفيل بإبعاد الميتافزيقا من دائرة التفكير التركيبي الأسلوبي.
ب –ا لدراسة الفلسفية للغة والتركيب المنطقي:
يق ول كارناب في كتابه"the logical syntax of language " يجب استبدال الفلسفة بمنطق العلم ؛ أي بالتحليل المنطقي لأفاهيم العلوم وجمله ان لأن منطق العلم ليس سوى النحو المنطقي للغة العلم.
نلاح ظ إذن أن كارناب يعمل على تطبيق المنطق على النحو ؛ إذ يلجأ إلى تحلي ل منطقي لقواعد النحو، وهذا ما يجعله يستخدم مصطلحات مثل " الترك يب اللغوي" syntax ومصطلح " جملة" بدل مصطلح" قضية" proposition؛ ولذلك نجده يقدم الكثير من المناقشات المنطقية للقواعد النحو ية، فكارناب يذهب مثلا إلى أن عدم مراعاة هيدغر للقواعد المنطقية والنح وية جعله يقول جملة" العدم يعدم نفسه" التي ليس لها معنى؛ أما الخط أ الذي جعل جعل هذه ليس لها معنى فهو أن هيدغر وصف الصفة عن طريق الصفة نفسها؛ في حين أن الصفة لا تصف نفسها؛ بحيث لا يمكن القول” إن الأحمر نفسه أحمر“ .
وما يريد كارناب أن يقوله من وراء تلك التحليلات عن كائنات مثل؛ الأنا؛ العقل؛ النفس؛ الروح؛ الفلسفة حديث غير منطقي لأنه حديث عن كائنات ليس له مايبرر القول بوجودها.
كما يعني كارناب بقولة" التركيب المنطقي" في كتابه "أسس المنطق والرياضيات"؛ حيث يقسم الدراسة الفلسفية للغة ( السيمانطيقا ) إلى تلاثة أقسام: البراجماتيقات والسيمانطيقات ثم التركيب أو البناء مع تمييزه بين لغة تدور حول اللغة ولغة أخرى لا تدور حولها" واللغة التي تدور حول اللغة هي ما يسميه كارناب باسم" ما وراء اللغة"meta-langue في حين أن اللغة التي تدور حول موضوعات هي ما يسميه فيلسوفنا باسم لغة الموضوع objet language ؛ وحين يتحدث كارناب عن "السيميوطيقا" sémiotic فإنه يعني بها تلك النظرية العامة في " لغة الموضوع" على نحو ما يمكن صياغتها في عبارات "ما وراء اللغة".
كما يهتم في دراسته السيميوطيقية بالعلامات والألفاظ مع دلالاتها أو معانيهاوليس بالناطقين باللغة والمستخدمين للكلمات؛ كما يفرق كارناب بين سيمانطيقا وصفية وهي دراسة تجريبية للعلامات ومعانيها المستخدمة بالفعل في الإستعمال العادي(الشعبي)؛ وسيمانطيقا محضة أوخالصة لا يمكن اعتبارها دراسة تجريبية؛ بل هي دراسة معيارية.
أما التركيب المطقي أو " البناء اللغوي" syntax يمثل في نظر كارناب درجة عالية من درجات التجريد؛ وهو نظرية شكلية ( أو صورية ) صرفة؛ ومعنى هذا أنه ليس من شأن الدراسة التركيبية أن تخوض في معاني الكلمات أو دلالات العلامات؛ بل هي لا بد من أن تحصر نفسها في مجال خاص محدد؛ ألا وهو أشكال الألفاظ أو صور العلامات؛ وبعبارة أخرى لا بد للدراسة التركيبية من الإقتصار على البحث في القواعد التي تنص على طرق التأليف بين العلامات وتداولها؛ مع العلم بأن العلامات هنا لا تزيد عن كونها مجرد أشكال أو رسوم أو أصوات.
كما يتعرض كارناب إلى مسألة أساسية متعلقة ب" الجمل الموضوعية الزائفة" و" مشكلة الكليات"؛ فجل المازق التي وقع فيها الفلاسفة ترجع إلى أنهم عمدوا إلى التأليف بين محمولات( صفات) ذات علاقات لغوية سليمة وموضوعات فارغة تماما من التركيب الغوي الصحيح؛ والنتيجة التي يتوصل إليها أمثال هؤلاء الفلاسفة إنما هي الخلط بين الأحكام المصاغة بعبارات "ما وراء الطبيعة" مثلا " الوردة حمراء" هي جملة موضوعية حقيقية صيغت على الطريقة المادبة في الحديثن؛ وأما العبارة القائلة بأن" الوردة شيء" فهي شبه جملة موضوعية؛ والأصل في أشبه المسائل أو "المشكلات الزائفة" إنما هي أمثال هذه " العبارات الموضوعية الزائفة"؛ وإذا كان من شأن الوضعية المنطقية- فيما يقول كارناب ؛ أن تجنبنا خطر الوقوع في أمثال هذه"المشكلات الزائفة" وذلك لأنها تضع بين أيدينا وسائل تكتيكية فعالة للكشف عن أخطاء الفلاسفة السابقيين وبالتالي لمساعدتنا على إحراز تقدم حقسقي في مضمار التفكير الفلسفي.
ويعتبر كارناب أن