إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تقرير حول ملتقى الفلسفة والسلم العالمي ( من إنجاز الطالب الباحث محمد الجلالي)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الطائر التائه
عضو نشيط




ذكر عدد الرسائل : 90
العمر : 35
التخصص : الفلسفة
الدولة : العراق
تاريخ التسجيل : 26/02/2010

تقرير حول ملتقى الفلسفة والسلم العالمي (  من إنجاز الطالب الباحث محمد الجلالي) Empty
مُساهمةموضوع: تقرير حول ملتقى الفلسفة والسلم العالمي ( من إنجاز الطالب الباحث محمد الجلالي)   تقرير حول ملتقى الفلسفة والسلم العالمي (  من إنجاز الطالب الباحث محمد الجلالي) Empty2/1/2011, 2:42 am

تقديم:
إن مساءلة الفكر الفلسفي الحديث، انطلاقا محاورة فلسفته السياسية التي تبلورت مع فلاسفة العقد الاجتماعي، وتطورت مع فلاسفة أخريين من بعدهم يفرض علينا بالضرورة الوقوف على حلقة مهمة شكلت محور اهتمام الفلسفة بالحداثة السياسية ، يتعلق الأمر بالفكر الكانطي كما تجسد في كتاب كانط المعنون ب " مشروع السلم الدائم" الذي يعتبر أحد الأدبيات الأساسية التي يمكن اعتمادها لقراءة ومقاربة موضوع السلم العالمي، الذي يسعى المجتمع المعاصر إلى تحقيقه من خلال تبني العديد من الخطابات الحقوقية التي تحتضنها أكبر المؤسسات الدولية المشتغلة في مجال الحفاظ على استقرار وأمن العالم.
ونظرا لأهمية المقاربة الكانطية لهذا الموضوع ، وكذا لقيمة الإشكالات التي تطرحها نظمت مجموعة البحث في حوار الثقافات والأبحاث المتوسطية في جامعة عبد المالك السعدي، كلية الآداب والعلوم والإنسانية بتطوان بتنسيق مع ماستر فلسفة التواصل في الفكر الغربي المعاصر الملتقى الفلسفي الثاني حول موضوع :" الفلسفة والسلم العالمي" يومي 29 و30 نونبر2010 وذلك من أجل تقديم رؤية واضحة للفلسفة السياسية كما تجسدت لدى فيلسوف الأنوار ايمانويل كانط (1724-1804)، حيث كانت الغاية من هذا الملتقى تسليط الضوء على فلسفة كانط السياسية ، وأسئلته الجريئة ، وموضوعاته المتنوعة ، وآفاقه الرحبة وتأثيره الواسع والنافذ على مجرى الفلسفة من بعده، إلى جانب النظر إلى فكر كانط نظرة مضاعفة تهدف إلى تحينه على ضوء المعطيات المعاصرة.
وعموما لقد حاولت مختلف المداخلات والمناقشات التي جرت بين المساهمين في الملتقى بصورة غير مباشرة على السؤال المؤرق المرتبط بالمشروع الكانطي حول السلم الدائم وهو : هل يتجه العالم إلى السلم الدائم أم إلى الصراع الدائم ؟




كلمات الافتتاح
1-كلمة العميد:
أكد السيد العميد د. سعد الدين الزموري في معرض افتتاحه لأشغال هذا الملتقى على أهمية مثل هذه الملتقيات التي تشرف سمعة الكلية محليا ودوليا خصوصا أن الموضوعات المدروسة لها راهنية وثقل كبير في مجال الإنتاج الثقافي بالمغرب، وعلاقة مع موضوع الملتقى أشار السيد العميد إلى قيمة الدور الذي تلعبه الفلسفة في نزع التوتر العالمي وإرساء السم الدولي ، لا سيما وأن التفكير الفلسفي في مسألة السياسة لا يقتصر على دراسة الواقع الحالي بل يسعى إلى التنظير للفلسفة السياسية انطلاقا من مختلف الحقب الزمنية، وذلك لخلق نوع من الحوار التاريخي الذي يسمح بتبني مقاربة شمولية للموضوع المطروح للنقاش ، وأمام هذا الوضع الذي يعلي من شأن الفلسفة استغل السيد العميد المناسبة وألح على ضرورة فتح شعبة الفلسفة وعلم النفس في القريب العاجل، حتى تستطيع الجامعة المساهمة بدورها في بلورة النقاش الفلسفي على الصعيد الوطني من خلال إشباع شهية السؤال الفلسفي بصدد العديد من القضايا.
2- كلمة اللجنة المنظمة: ( د. مصطفى حنفي ).
تشرف الدكتور مصطفى حنفي بإلقاء كلمة اللجنة المنظمة واستغل المناسبة لشكر مختلف الفعاليات الحاضرة (من أساتذة وطلبة وضيوف...)، التي استجابت لحاجة السؤال الفلسفي في مناقشة الموضوعات الراهنة، كما أشار د. مصطفى حنفي في معرض تقديمه لكلمة اللجنة المنظمة على أهمية مساءلة الفكر الكانطي خصوصا بعد الاصطدام بالمشاكل التي يعيشها العالم المعاصر و طرح سؤالا جوهريا على الصيغة الكانطية : كيف يمكن إدارة العالم على أساس فلسفة الحق ممكنا؟
يحيل هذا السؤال الجوهري – بتعبير د. مصطفى حنفي - على فكرة السلام الدائم وتحرير الشعوب التي حرص كانط على صياغتها فارضا إياها على معظم التيارات الفلسفية المعاصرة.
يدعو هذا التأثير الكبير للإرث الكانطي الى ضرورة استحضار الفكر التاريخي لتجربة الأنوار بتجلياتها المختلفة في عصر تقني يصنع الشر ويرفع من نسبة جرائم الموت في العالم .
قادت هذه الفكرة الدكتور مصطفى حنفي إلى التأكيد على ضرورة الجمع بين النظر الأخلاقي والنظر السياسي في فلسفة الحق من أجل خلق نقاش فعال وجاد ومتعدد المنظورات ( سياسي، فلسفي ،أخلاقي..).
وفي الأخير أكد الدكتور مصطفى حنفي على ضرورة توجيه مداخلات الملتقى إلى فلسفة نقدية لملامسة مختلف جوانب الفكر الكانطي القائم على أساس النقد من أجل البناء في فضاء تهدمه الحروب والدوغمائيات المتوحشة.
الجلسة الأولى:
1- مداخلة د. عبد الحق منصف " الحرب وأسس الحداثة السياسية":
حاول الدكتور عبد الحق منصف في بداية هذه المداخلة أن يحدد البناء العام للعرض الذي هو بصدد تقديمه وبوبه في ثلاث محطات أساسية:
• المحطة الأولى : توقف فيها على دراسة فكرة الحرب وعلاقتها بإستراتيجية الدولة الحديثة انطلاقا من إثارة سؤال إشكالي فحواه : أي شيء في فكرة السلام يثير السؤال في الحداثة السياسية ؟
واستطاع الأستاذ المحاضر انطلاقا من هذا السؤال أن يبرز أن ما هو مستهدف في فكرة السلم ليس هو السلام الدائم ، لكن المهم هو ما يدفع إلى هذا السلم وهو الحرب، معتبرا بذلك أن التحولات التي شهدها المجتمع الحديث على المستويات : الجغرافية ، الاقتصادية ، والسياسية ، والدينية ... هي التي طرحت بشدة موضوعي السلم والحرب في بساط التحليل السياسي والفلسفي، وتوصل بذلك إلى ملاحظة مهمة وهي أن العصور الحديثة هي عصور حروب بامتياز وأن الحرب المادية ما هي إلا تعبير عن نوع أخر من السياسة، بحيث أن الحرب ظاهرة إنسانية تدل على استمرار ما هو ليس إنساني في الإنسان.
وفي معرض تحليله لهذه الفكرة أكد الدكتور عبد الحق منصف على أن مختلف النصوص الحديثة حاولت عقلنة الحرب وإعطائها الشرعية من خلال التخلي عن المنظور الأخلاقي وفتح المجال أمام التحليل السياسي الصرف . وانطلاقا من كون الفلسفة فكر مسالم وجب على الفلاسفة أن يفكروا في الدولة بمنظار السلم ،إلا أن ذلك لا ينفي عن الفلسفة وجود تصورات ذات توجه حربي التي تعمل بمقولة: " الدولة كيان حربي " كما هي عند ميكيافيلي.
غير أن الفكرة الأساسية التي صاغها د. عبد الحق منصف في هذه المحطة هي التأكيد على أن حالة الطبيعة التي كانت قائمة على أساس : "حرب الكل ضد الكل"( توماس هوبس)، أصبحت تتبلور حاليا في كون الحرب أصبحت حقيقة أساسية تعيشها الدول وتستعد لها بشكل مستمر ( التهيؤ لحرب ممكنة ): فكيف تدبر الشعوب الحرب كإمكان ؟
المحطة الثانية : وقف من خلالها الدكتور عبد الحق منصف على عدم التجانس الذي يسود المفاهيم السياسية في الفلسفة الحديثة والذي أدى إلى حدوث تناقض بين موقفين متعارضين :
* الموقف الأول : يرى بأن الدولة تقوم على السلم المدني من خلال اعتماد إستراتيجية العقد الاجتماعي وفتح فضاءات جديدة للحرية، وقد حاول الدكتور عبد الحق منصف التأصيل لهذه الفكرة انطلاقا من محاورة الفكر الفلسفي منذ أفلاطون حيث ظهرت الفلسفة كحكمة تهدف إلى خلق الانسجام والتناغم داخل الدولة وداخل الذات الأمر الذي يترتب عنه تحقيق السلم داخل المدينة مما يدل على أن المفاهيم الفلسفية هي مفاهيم مسالمة.
* الموقف الثاني : يأتي على النقيض من الموقف الأول وينظر إلى الدولة باعتبارها قوة فعالة غايتها التسلط، ويضرب الدكتور عبد الحق منصف المثال بأطروحة ميكيافيلي الذي ينظر إلى عالم السياسة كعالم للغزو وفضاء لتملك السلطة ، فمن يجب أن يكون سياسي يجب أن يكون محارب ، وقد أشار الأستاذ المحاضر كذلك إلى أطروحة نيتشه (1844-1900)، الذي ينتقد الأسس الأخلاقية والقيمية للدولة الحديثة المحاربة إذ أن الحديث عن الحرب هو الحديث عن إرادة للقوة تكون بيد السادة والنبلاء من هنا دعوة نيتشه الصريحة للناس بالقول " لا أنصحكم بالعمل بالصراع" فالتفلسف الحق هو فعل المطرقة والهدم للقيم ولأخلاق العبيد.
• المحطة الثالثة : ركز الدكتور عبد الحق منصف من خلالها على دراسة فضاءات السلم والحرية في العالم، حيث سجل في هذا السياق بأن العولمة بأشكالها المختلفة تجاوزت الثقافات القديمة ، إذ مع ظهور العولمة تغير مفهوم العالم وتغير مفهوم المواطن الكوني كما تجسد خلال القرن الثامن عشر ، إذ أصبح هناك مفهوم جديد للإقامة للعالم، بل انتشر الحديث عن حروب متنوعة ونوعية : حروب اقتصادية، إعلامية، مالية... فرضتها الظروف العالمية.
خلص الدكتور عبد الحق منصف انطلاقا من هذه المعطيات إلى طرح مجموعة من الأسئلة الجوهرية من قبيل : كيف يمكن أن نأمل السلم العالمي في ظل الظروف التي يعيشها المجتمع المعاصر ؟ ما مسؤولية الفلسفة اتجاه الحرب في العالم المعاصر وفي مجتمعاتنا وجامعتنا ؟ والى أين يتجه العالم؟
وفي محاولة للإجابة على هذه الأسئلة أكد الدكتور ع. منصف بأن الجامعة المغربية لم تنجح بعد في فتح قنوات للتفكير في هذا المجال رغم أهمية الفكر السلطاني الذي بلور آليات اشتغال الفعل السياسي بالمجتمع المغربي منذ القدم.
وفي الأخير قدم الدكتور عبد الحق منصف انطلاقا من وظيفته بالمجلس الأعلى للتعليم مجموعة من التوصيات :
+ ضرورة انفتاح الشعب الجامعية على بعضها البعض من أجل ضمان انتشار المقاربة الشمولية في
تناول العديد من المواضيع.
+الدعوة إلى قراءة الفكر السلطاني والتأكيد على ضرورته في التكوين الفلسفي بالنسبة للطلبة المغاربة.
+ ضرورة التطرق لمناحي مهمة في الفلسفة اليونانية... المعاصرة من أجل الإمساك بظاهرة السلم الحرب بمختلف جوانبهما المختلفة.


2- مداخلة د. مصطفى حنفي : " في الدفاع عن الحداثة السياسية "
حاول الدكتور مصطفى حنفي دراسة مسألة السلم والحرب انطلاقا من مقالة كانط (مشروع السلم الدائم) ، وذلك من أجل الدفاع عن الحداثة السياسية وأشار في هذا السياق إلى أن الباحث المهتم بالفلسفة السياسية المعاصرة سيجد نفسه مضطر للوقوف على كانط من أجل الإمساك والإلمام بمختلف المكونات والتلوينات التي أعطيت لفكرة الحرب والسلم، من هنا تأكيد الدكتور مصطفى حنفي على ضرورة جعل زاوية النظر في الموضوع تتجه نحو واجهتين أساسيتين بلورتهما المقالة الكانطية .
* واجهة سياسية : مسكونة بهموم السؤال حول السلم الأنواري.
* واجهة أخلاقية : دالة على إحدى صيغ اكتمال الصورة النقدية التي تشتمل عليها ميتافزيقا الأخلاق.
و أشار الدكتور مصطفى حنفي في معرض مداخلته على أن كانط كان يسعى من خلال نص " مشروع السلم الدائم " إلى تقليص الصراعات بين الدول الأوروبية مما يكشف عن راهنية النصوص التي خلفها هذا الأخير.
وقد خلص الأستاذ المحاضر إلى القول بأن مفاهيم الخير والشر ليست مفاهيم سابقة عن القانون الأخلاقي الذي يمكن أن يبلور الانسجام داخل المجتمع، وأن أكبر مشكل يواجه النوع البشري هو كيفية الانتقال إلى المجتمع المدني القائم على أساس الحق الكوني في ظل الحروب والصراعات التي يعرفها العالم ، فأي حل يقترح كانط لمواجهة معضلة الحرب ؟
الحل حسب كانط : هو حق التشريع في إقرار قانون عالمي يهدف إلى السلم نفسه.
أصبح التاريخ البشري إذن كما أشار الدكتور مصطفى حنفي موضوعا للسؤال مما استدعى ضرورة استحضار التراث الفلسفي السياسي، -من ميكيافيلي إلى الأب السام- من أجل العمل على نقده وبناءه في قالب يتلاءم مع معطيات العصر ، وهكذا خلص الدكتور مصطفى حنفي إلى أن المتن الكانطي ينتصر لفكرة الفضاء العمومي المؤسسة لفلسفة الحق والسلم من منظور كوني قائم على التفاهم ، فالأفق المضيء والجديد في المقالة الكانطية يظل قائما من خلال اعطاء القيمة للعقل العملي.
وأشار الدكتور مصطفى حنفي في ختام مداخلته القيمة إلى أن المقالة المقالة الكانطية ما زالت في حاجة الى مراجعة شاملة من منظورات فلسفية متباينة.
3 -مداخلة د . عز الدين الخطابي :" فكرة السلم الدائم من التفاؤل الكانطي إلى السياسة الواقعية ".
بدأ الدكتور عز الدين الخطابي مداخلته بالإشارة إلى أنه يمكن اعتماد الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي كمجال لاختبار هذه الأطروحة ، وذلك من خلال طرح إشكالية تتعلق بالموضوع وهي : ما هي حدود إشكالية كانط في السلم الدائم ؟ وما هي راهنيتها ؟
ولتأثيث فضاء هذه الإشكالية اعتمد الدكتور عز الدين الخطابي ثلاث محاور أساسية :
** المحور الأول :تناول فيه بالدراسة والتحليل مشروع كانط في السلم الدائم من خلال تقديم مختلف محاور هذا الكتاب وكذا العمل على شرح موضوعاتها في علاقتها المطلقة مع المتن الكانطي، الذي يفصح عن مجموعة من القيم :
+ ضرورة تأسيس الحق الدولي على أساس فيدرالية الدولة .
+ ضرورة ترسيخ قيم الضيافة الكونية( حق كل إنسان بأن لا يعامل داخل أي دولة بأنه عدو ) .
+ ضرورة إقامة الانسجام بين الدول رغم التفاوت الموجود بينها.
+ على الدول المستعدة للحرب أن تراجع قواعد الفلاسفة حول تحقيق السلم العالمي .
وبعد شرح هذه القيم أشار الدكتور عز الدين الخطابي إلى أنه يجب الإقرار بأن هناك اختلاف كبير بين منظور الأخلاق والسياسة في ما يتعلق بالسلم الدائم ، اذ أنه وفي السياسة يجب أن يكون الانسان حذرا كالأفعى، أما في الأخلاق فيتم الاعتماد على مقولة " الأمانة هي أفضل سياسة "، على اعتبار أن الأخلاق ليست مجرد سياسة بل هي حقوق .
أمام هذه المعطيات أكد الدكتور عز الدين الخطابي بأن فكرة السلام الدائم ليست فكرة جوفاء بل هي فكرة مهمة يمكن أن نقترب من تحقيق نتائجها ،وهنا أحال على مجموعة من الفلاسفة المعاصرين مثل أ. رونو... اللذين حاولوا استثمار الكانطية في قراءة النسق السياسي العالمي المعاصر لا سيما وأن كانط كان قد دعى الى تأسيس عصبة للأمم يكون هدفها حل المشاكل بين الأمم، استنتج أ. رونو –حسب د عزدين الخطابي- تأويلين حول المشروع الكانطي:
- الأول: يرى أن فكرة الحق الكوسموسياسي التي تقوم على أساس النظر إلى الناس كمواطنين داخل دولة في جمهورية كونية أي " حق الأجانب اللذين يفدون إلى دولة معينة في التمتع بنفس حقوق السكان الأصليين وحقهم في التوافد، فهل يرتبط اقتراح كانط تأسيس فيدرالية تمنع حدوث الحرب بضرورة تأسيس جيش فيدرالي دائم ؟
-الثاني : فكرة الدولة الكونية بحيث يبدو كانط هو الأقرب إلى القول بتعدد الدول داخل الدولة الفيدرالية الموحدة، وعلى هذا الأساس استنتج الدكتور عز الدين الخطابي فكرتين أساسيتين :
* إن فكرة حق الناس تقتضي فصل الدول عن بعضها البعض.
*إن فكرة الدولة الكونية لا تؤدي إلى السلام الدائم بل إلى الاستبداد وذلك بحدوث العنف والفوضى وبالتالي عودة الإنسان إلى " حالة حرب الكل ضد الكل ".
وبعد انتهاءه من محاورة المتن الكانطي طرح الدكتور عز الدين الخطابي إشكالا جوهريا مفاده : كيف يمكن للمبادئ التي خلصنا إليها انطلاقا من كانط أن تساعدنا في قراءة الواقع الفلسطيني- الإسرائيلي؟
للإجابة على هذا الإشكال اعتمد الأستاذ المحاضر على دراسة ل روبير مونطانيrobert ,montagne حول الاستيطان اليهودي في فلسطين والتي استنتج من خلالها:
- أن الاستيطان الإسرائيلي يقوم على أساس العنف والسخط وبالتالي فان الدبلوماسية غير كافية لحل المشاكل لهذا لا بد من تدخل قوى عظمى لفض النزاع.
- توافد العديد من اليهود إلى فلسطين زاد من تأزيم الأوضاع في المنطقة وأجج الصراع .
- لا يمكن جعل قومين متنافرين يعيشان داخل نفس الحدود.
من هنا استنتج الدكتور عز الدين الخطابي أن دراسة روبير مونطاني اتسمت بالتشاؤم خصوصا لما اقتنع بجسامة الملاحظات التي توصل إليها وهي:
*تزايد التطرف والانغلاق لدى الاسرئلين * تزايد العنف في أشكاله المختلفة ( سياسي ، عسكري...)، من هنا لاحظ الدكتور عز الدين الخطابي بأن انتشار الإرهاب لن يكون خطرا على العرب فقط بل على الفكر اليهودي واليهودية خصوصا أما تشبث إسرائيل بصفتها الحربية التي لا تعترف بمبدأ الحق الكوسموسياسي.
بيد أن الهدف الأساسي للدولة الحربية هو الحفاظ على نفسها وبالتالي فهي تسعى إلى تبرير مشروعية القوة، وهكذا تدخل في صراع نحو التسلح لإبراز قدراتها الحربية .
وفي الأخير أشر الدكتور عز الدين الخطابي إلى أن هذه التلوينات السياسية لإسرائيل لم تكن بعيدة عن المثقفين والفلاسفة بل كانوا منخرطين فيها بالفعل كما هو الأمر بالنسبة لحنا أردنت التي أعتبرت أن الثورة العدوانية والعنف هو المبدأ الذي تتأسس عليه بعض الدول المعاصرة:
وفي ختام مداخلته أعاد الدكتور عز الدين الخطابي الإشادة بأهمية الفكر الفلسفي والسياسي الكانطي وفتح الموضوع على إشكالات أخرى من قبيل هل يمكن لأخلاق الالتزام، أن تؤسس للمواطنة الكونية والسلم ؟

الجلسة الثانية
1-مدلخلة الدكتور مصطفى الحداد : " ملاحظات عن الكوسموبوليتية" .
بدأ الدكتور مصطفى الحداد مداخلته بإثارة سؤال جوهري له راهنية كبرى مفاده : أي علاقة تربطنا نحن بالنقاش المتعلق بالكوسموبوليتية ؟
بعد ذلك أكد الدكتور مصطفى الحداد على أن الفكرة العامة التي عالجها مشروع الكوسموبوليتية تندرج في الأصل تحت نظاما كان إقليميا يقوم على أساس طريقة خاصة في التدبير في ظل وجود آليات متنوعة انصهرت وشكلت نظام الإمبراطورية الإقليمية كما هو الأمر بالنسبة للنظام الإقليمي في الصين.
وبعد هذا التوضيح أشار الدكتور مصطفى الحداد إلى أن النظام الأوروبي هو واحد من الأنظمة التي يمكن أن تعرف نظاما دولي معمول به كونيا على اعتبار أن الدينامية الثقافية التي حدثت في أوروبا عبر الحرب العالمية ساهمت في حدوث وتطور هذا النظام إلى النظام الكوني بالمعنى الإقليمي : " بحيث يحل كل حاكم مشاكله الداخلية مع الناس " فلكل دولة أو أ ميرية سيادتها التي لا يمكن أن تفوت أو يقع الصراع عليها.
وانطلاقا من تحليله لعلاقة الحداثة بالاستعمار أشار د. مصطفى الحداد إلى أن الحداثة " خط استعمار" حيث لا يمكن الدفاع عن الحداثة إلا بتغيير الوجه الاستعماري لها من هنا استخلص أنه :
* عندما خرج المستعمر تكرنا مواطنين ، أي خلف مجتمع دولي بالمعنى الإقليمي الغربي .
من هنا وجب التركيز في المقترحات الدولية على الإبقاء على الدول الوطنية من خلال التركيز على السيادات الأمر الذي ضرورة وجود قانون كوسموبوليتي ملزم بين الدول والأفراد.
في الأخير خلص الدكتور مصطفى الحداد إلى استقراء مختلف المواقف المتعلقة بنظرية العدالة : كنظرية راولز التي وصفها بالواقعية في مقابل الموقف الهابرماسي الذي دافع عن موقف جذري جسدته تحليلاته لشروط قيام مجتمع تسود فيه العدالة وقيم الحوار والتفاهم.

2- مداخلة د. أحمد الطريبق: " فلسفة الأنوار بين فشل المشروع السياسي وصمود القيم "
انطلق الدكتور أحمد الطريبق في مداخلته من تناول الخصائص العامة لفلسفة الأنوار التي ظهرت في العصر الحديث ، وأبرز أن فلسفة الحداثة قامت على نقطتين أساسيتين :
- اعتماد العقل .
- تهميش اللاهوت .
وانطلاقا من تحليل هذه الأسس خلص الدكتور أحمد الطريبق إلى القول بأن مشروعية الدولة في المجتمع المدني الحديث تأتي من نقاش بين المواطنين؛ بحيث لم يعد اللاهوت هو الحاضر والمؤسس للعلاقة بين الحاكم والمحكومين، هذه الملاحظة الجوهرية تطلبت من الأستاذ المحاضر ضرورة استحضار الإرث الفلسفي الذي تناول مسألة الشرعية السياسية كموضوع للتحليل والتي من أبرزها :
- أطروحة توماس هوبس :القائل بأن " الإنسان ذئب لأخيه الإنسان " ، بحيث يسعى كل فرد لبسط سيطرته على الآخرين وبالتالي لا بد من وجود سلطة موحدة تجمع في يد دولة واحدة تبرر مشروعيتها في استخدام العنف من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار .
- أطروحة جون جاك روسو: ( العقد الاجتماعي (le contrat socialالذي يرى بأن الحرب بدأت مع الدولة لأن الإنسان خير بطبعه ، ومن ثم يجب على الدولة أن تراهن على مسألة الشرعية التي يمكن أن تسمح للإنسان بالاندماج في الدولة .
- أطروحة ميكيافيل ( الأمير ) : يتحدث في كتابه الأمير عن الدولة من خلال القول بضرورة تمتع الدولة بسلطة وقوة للحكم لتجاوز الفوضى التي هي أخطر من العنف الذي تتضمنه الدولة .
- أطروحة هيجل hegel ( جدلية العبد والسيد ): لا يمكن للذات أن تحقق قيمتها إلا من خلال النزاع مع باقي الدول الأخرى ، إذ أن قمة وعي الدولة تبرز عندما تقرع طبول الحرب، من هنا هذه النزعة الحربية في الفلسفة الهيجيلية المرتكزة على الجدل والتقدم كآليات من أجل التطور والسير نحو المطلق.
وبعد تحليل السياق النظري والمشروع الفكري والفلسفي الذي دافعت عنه الأطروحات السابقة ، اتجه الدكتور أحمد الطريبق إلى إبراز مختلف العروض المتعلقة بعلاقة الفلسفة بالسياسة في الفلسفة السياسية المعاصرة، وذلك من أجل إبراز الاختلاف الحاصل بينهما وبين العروض التي بلورتها النصوص القديمة ، بحيث أشار في هذا الخصوص إلى يورغن هابرماس محاولا بذلك الإجابة على السؤال التالي : هل استطاع هابرماس أن يبلور نظرية تختلف عن النظرية النقدية من خلال القدرة على أجرأتها ؟
وهنا سجل الأستاذ المحاضرعلى أن هابرماس كان مشغولا بهموم عصره بحيث سعى أن يبني المجتمع على أساس نظرية الفعل التواصلي الذي يدعو إلى التفاهم عن طريق الخضوع للمعايير التي تضمنها أخلاقيات المناقشة.
غير أن الأحداث المعاصرة التي شهدها العالم كتفجيرات 11 شتنبر طرحت أسئلة جديدة في بساط التحليلي والنقاش ومنها : هل يتجه العمل الذي قام به هابرماس الى العبث ؟ وهل عدم قدرته على أجرأة الواقع توحي بفشله المحتوم ؟ ، إن أحداث 11 شتنبر تعني أن هناك شيئا جديدا وقع في العالم غير موقفنا اتجاه فكرتي السلم والحرب .
هاته الخلاصة التي توصل إليها الدكتور أحمد الطريبق فتحته على أدبيات جاك دريدا حول الحق بحيث سعى في البداية إلى كشف الغموض عن المفاهيم التي استخدمها دريدا في مقاربته لمسألة الحق.
وأكد الدكتور أحمد الطريبق في هذا الإطار أنه وللحديث عن الحرب يكون من المفيد جدا أن نقوم بقراءة نقدية لما كتبه كارل شميث الذي حاول استقصاء العديد من المفاهيم مثل ( غموض مفهوم الحرب ) والإرهاب...من هنا استنتج د. الطريبق أن جل المفاهيم التي كانت على عهد لوك وروسو وهوبس قد تغيرت تماما؛ لأن الأمور قد اتخذت أشكالا مغايرة ، ذلك أنه وباسم مفاهيم الإرهاب الدولي شنت حروب كبرى على العديد من الدول، إذ ظهرت مفاهيم تقوم على أساس عدم احترام القانون نفسه ، وعلى ضوء هذه الملاحظات طرح الدكتور أحمد الطريبق مجموعة من الأسئلة الختامية : هل الإرهاب محددا جغرافيا؟ أم أنه مفهوم غامض لا حدود ؟ وفي أي مكان يمكننا أن نضع الحدود الوطني والدولي ؟ بين المدني ؟
وفي الأخير أكد الدكتور أحمد الطريبق مجددا على أهمية مثل هذه الندوات التي تسمح للطلبة الباحثين تكوين أفكار واضحة عن مختلف الإشكالات المطروحة في الفلسفة السياسية المعاصرة.
2- مداخلة الدكتور محمد المنصوري: " التحكيم الدولي واليات فض النزاع ".
أكد الدكتور أحمد المنصوري في البداية أن أهمية هذا الملتقى تكمن في كونه جاء متوازيا مع ما يعرفه العالم من صراعات على مختلف الأصعدة ، ولتأصيل أسباب هذه التحولات حاول الرجوع إلى كيفية اهتمام رجال الفلسفة والسياسة بمسألة السلم والحرب في العالم ، بحيث أشار إلى أن التفكير في السلم تبلور مع الفلسفة والسياسة وذلك من خلال تناول السؤال التالي : كيف يمكن أن نعيش في سلم ودون الخوض في الحرب ؟
وخلص الدكتور إلى القول بأنه وبالرغم من الاهتمام الكبير بمسألة السلم ، فان ذلك لم يمنع من ظهور العديد من الحروب ( الحربين العالميتين ، السباق نحو التسلح...)، إضافة إلى ظهور العديد من الصراعات بين الدول، هذه الوضعية فرضت ضرورة إيجاد سبل قوية يلتزم بها الأفراد والدول لتدارك الحرب .
من هنا ظهور فكرة التحكيم بين الدول، غير أن هذا الظهور لم يمنع وجود تفاوت بين البلدان فيما يخص الخضوع لقانون التحكيم ، إذ أن الدول الضعيفة هي الأحوج إلى السلم ، لأن السلم الذي تنادي به الدول القوية يكون له مظهر مقبول بالمقارنة مع ما تطالب به باقي الدول( التراتبية في مسألة الحاجة إلى السلم).
ورغم سيطرة المقاربة القانونية في توجه مداخلة الأستاذ محمد المنصوري فان ذلك لم يمنعه من استحضار فكرة المشروع الكانطي حول " السلام الدائم " والذي يقوم حسب الدكتور على أساسين:
• الاعتراف بحق الأفراد في التمتع بالحقوق .
• الاندماج في العالم عن طريق مجلس يضمن الحفاظ على السلم .
وبعد توضيح هذه الفكرة أكد الدكتور محمد المنصوري على أن مهمة ووظيفة مجلس الأمن تكمن في الأساس في تحقيق مبادئ المشروع الكانطي؛ غير أن ذلك لم يمنعه من التساؤل مجددا : إلى أي حد تكون لقرارات مجلس الأمن مصداقية ؟ والى أي حد يمكن اعتبار الإنسان قادر على الالتزام بفكرة السلم ؟ و أشار الدكتور محمد المنصوري إلى أن مسألة ممارسة حق الفيتو تطرح عدة إشكاليات تكشف عن عدم مصداقية المشاريع التي يبلورها مجلس الأمن. وبعد كشف اللبس والغموض على كيفية اشتغال قرارات مجلس الأمن خلص الأستاذ إلى مجموعة من الخلاصات التي توصل إليها من خلال ملاحظاته النقدية.
• من الآليات التي يمكن أن تؤمن للإنسان الأمن والاستقرار هو التحكيم الذي يسعى إلى حل النزاع (تجاوز النزاع عن طريق الاتفاق).
• فكرة التحكيم قائمة على مبدأ الاتفاق وليس على المساومة .
• ضرورة التحكيم وأهميته ، على اعتبار أنه يساهم في ا عطاء المشروعية والمصداقية على الحقوق التي تطالبها الدول رغم نجاعة قوتها العسكرية .
ومن أمثلة القضايا التي يتدخل فيها التحكيم الدولي يقدم الدكتور محمد المنصوري مثال:
• قضية الصحراء المغربية (اتفاقية نيويورك 1958) .
• أزمة السودان المتمثلة في الصراع بين الشمال والجنوب،
• صراع مصر وإسرائيل على قبائل طارنة .
• التحكيم بين الهند وباكستان .
إلى جانب العديد من المشاكل الدولية التي يتخبط فيها العالم على العديد من الأصعدة "(سياسي، اقتصادي،عسكري...).
وفي الأخير جدد الدكتور محمد المنصوري شكره وامتنانه لمجموعة البحث المشرفة على هذا الملتقى معبرا بذلك على رغبة رجل القانون في التدخل لاغناء النقاش في الفضاء العمومي بموقفه الذي لا يمكن أن يتجاوز في مثل هذه الظروف.

الجلسة الثالثة
1- مداخلة الكتور عثمان أشقرا :" من مشروع السلام الدائم إلى مشروع التنوير الدائم".
بدأ الدكتور عثمان أشقرا مداخلته بطرح سؤال ما التنوير ؟ وأكد على ضرورة استحضار نص التنوير في دراسة مشروع السلام الدائم، بحيث أن السلم الدائم هو التجلي الكبير لمقالة التنوير الكانطية، التي دعت إلى الجرأة على استعمال العقل سواء بمعناه الخصوصي أو العمومي، مما يحيل على وجود نوع من الأجرأة التاريخية والسياسية للمتن الكانطي، بحيث سجل الدكتور عثمان أشقرا في هذا الإطار أن كانط عندما انتهى من ثلاثيته النقدية Sad نقد العقل الخالص، نقد العقل العملي، نقد ملكة الحكم ) انخرط في الحديث عن الفضاء العمومي ومحاولة تقويمه بشكل ايجابي، على اعتبار أن الجنس البشري قادر على تطوير مجتمعه، هذا المعطى أكدته مقالة كانط حول التنوير التي وبانتقالها إلى مجال السياسة أصبح الحديث عنها يكون في إطار مشروع السلم الدائم، فكانط باعتباره رائدا للتنوير حسب- الدكتور عثمان أشقر- يطرح مجموعة من المجالات لتحقق المشروع الأنوار ي ( في السياسة، الاجتماع، الدين...).
لكن انطلاقا من ملاحظة الأوضاع المعاصرة يكشف الأستاذ عثمان أشقرا عن رائحة لفشل المشروع الكانطي الأمر الذي قاده إلى طرح سؤال جوهري مفاده : لماذا فشل مشروع السلام الدائم ،وفشل بالتالي معه مشروع التنوير المنشود ؟
كيف يمكن أن يكون هذا المجتمع الألماني الذي أنتج العديد من الفلاسفة ( نتشه،هيجل...) أن ينتج هتلر والنازية ؟ هل هذه العلاقة لها قدر ميتافزيقي ؟ أم لها علاقة مع العديد من المعطيات الفلسفية ؟
ولمحاولة الكشف عن سبب فشل مشروع الأنوار حاول الدكتور عثمان أشقرا الارتكاز على أساسين تجسدا في كتاب جورج لوكاتش حول:
• تحطيم العقل : الذي حاول أن يبرز فيه أن العقل أن العقل الأنواري قام بتقويض نفسه بنفسه عندما بلغ إلى درجة من الثقة جعلته ينحرف عن أسسه الجوهرية ، ويمارس العديد من السلوكات التي تنافى قطعيا مع مشروع الأنوار.
• كتاب خيانة التنوير: الذي يذهب في سياق الحديث عن ظهور الاستعمار والاستبداد الذي يدل على تراجع المشروع التنويري الأصلي إلى الوراء.
هذه الوضعية دفعت بالعديد من الباحثين مثل راولز وهابرماس ( الخطاب الفلسفي للحداثة )الى محاولة البحث عن مجتمع تواصلي يعيد الاعتبار للتنوير، وفيه نوع من الثقافة التي أساسها الاختلاط والاندماج الايجابي.
ومن أجل تأثيث فضاء النقاش على الصعيد المحلي طرح الدكتور عثمان أشقرا سؤالا مفاده: ما موقعنا نحن أمام هذه القضايا الكبرى التي تطال العالم ؟
وخلص من هذا الإشكال إلى أن النخبة المغربية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كان لها رهان للتخلص من الفروقات والتقسيمات التي تميز بين دار الحرب ودار السلم ( لم تكن الشرعية أن يعيش الإنسان في ضيافة بلد أخر ) ، مما يبرز كون النخبة المحلية اندمجت بقوة في إرساء السلم العالمي بين الشعوب.
وفي الأخير خرج الدكتور عثمان أشقرا بملاحظة بليغة الأهمية مفادها أن مقولة كانط المكتوبة على قبره يجب أن تكون منطلقا جديدا لتأسيس مشروع آخر للتنوير .
3-مداخلة الدكتور .عبد الصمد تمورو : " نحو حكمة جديدة من أجل السلام ".
أشار الدكتور عبد الصمد تمورو في البداية إلى أن هذه المداخلة هي جزء من مشروع أكبر فيه بعد تنظيري وبعد عملي للفلسفة السياسية :
• جانب نظري :يتساءل حول مشروعية الفعل الفلسفي ، أي كيف يمكن للفلسفة أن تفعل ؟ إذا كان فعل الفلسفة هو الاعتراف وهو الانفتاح على الفرد وعلى الجماعة بمعنى انفتاح الفلسفة على هموم الناس المختلفة.
• جانب عملي : يتجسد في الحديث عن فنون الحرب إذ أن الحديث عن الحرب أصبح بنفس درجة الحديث عن السلم ، رغم كون الحرب مكلفة جدا حسب رجال الحرب، ضدا على ذلك طرح د.عبد الصمد تمورو في معرض مداخلته أفقا جديدا للنقاش من خلال السؤال عن : كيف يمكن جعل السلم ظاهرة كونية ؟ وكيف يمكن ملئ الفجوة بين الخطاب من جهة والممارسة من جهة أخرى في الحديث عن السلم ؟ كيف يمكن وضع الحكماء في المكان المناسب ؟
وقد وضح الأستاذ المحاضر بناءا على هذه الأسئلة أن فعل الحرب فعل غير عادي ، فالإنسان مدفوعا بخوفه من حالة الحرب التي يوجد عليها في حالة الطبيعة؛ والذي يدفعه إلى محاولة تقنين النسق الذي يعيشه عن طريق الخطاب بحيث يصبح كل ما هو إنساني له قيمة في ترسيخ قيم التشارك بين الناس.
هذه الدعوة الصريحة لانخراط الإنسان في العالم ومحاولة تغييره نحو الأفضل لا تحول حسب الدكتور عبد الصمد تمورو دون وجود أيادي سوداء تسعى إلى خلق مسطلحات يتحول فيها الظالم إلى مظلوم والمظلوم إلى ظالم، كما تحول الفلسطينيون تحت مرأى الرأي العام الدولي إلى إرهابيون وهم يضطهدون داخل ديارهم ، فتكون استجابتهم بثورة ذات دلالة مبدأها الأساسي تحقيق مبدأ حب البقاء الذي تسلبه أيادي البشر كما هو الشأن مثلا بالنسبة ل :
- أحداث هيروشيما التي هي نموذج حي عن غطرسة الإنسان وتماديه في الرغبة في الهيمنة .
لا يمكن تجاوز هذه الأوضاع حسب الدكتور -عبد الصمد تمورو – إلا ببلورة حكمة جديدة تجمع بين حسن الفكر النظري وحسن النظر العملي؛ بحيث " أن الحكمة تعلمنا أن السلم الحقيقي ليس مجرد معاهدة لسن قرارات تفرضها الدول المسيطرة. انه سلم دائم ومستديم ، فالسلم الحقيقي إذن يفرض حقيقته التي تفوق شجاعة الحرب ، من هنا طرح د. عبد الصمد تمورو سؤالا موجه للفلسفة ، ما جدوى الفلسفة ؟
فكانت إجابته أن حكمة الفلسفة تكمن في التنظير للسلام الدائم وللموضوعات التي لها علاقة مباشرة مع الإنسان ، وهنا ضرب المثال بابن سينا القائل " بنحن متفلسفة زماننا "المقولة التي تحيل على مدى اهتمام الفلاسفة بإشكاليات المجتمع الكبرى ، بالإضافة إلى ذلك أحال الدكتور عبد الصمد تمورو على المبادرة التي جسدتها بعض الفعاليات المتمثلة في اجتماع 25 فيلسوف في هيروشيما للحديث عن جرائم الحرب التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية؛ خصوصا بعد صناعتها لمادة الأورانيوم المضرة بصحة الإنسان الجسمية والنفسية.
ولتأكيد موقفه حول قيمة الفلسفة أشار الأستاذ المحاضر إلى مبادرة بعض الدول القائمة على أساس جعل الفلاسفة سيدي القرار في العديد من القطاعات( لجنة تدبير عائدات البترول )، على اعتبار أن الفيلسوف لا يفكر بمنطق المصلحة المادية بل يعمل على محاولة الحفاظ على الثروات لفائدة الأجيال اللاحقة .
وفي الأخير ومن أجل بلورة مشروع حكمة السلام الجديدة ن اقترح د . عبد الصمد تمورو مجموعة من التوصيات التي يمكن نعتها بأخلاق السلم الجديدة ومنها :
+ التخليق العام وجعل كل فعل إنساني فعلا أخلاقيا .
+ منع القيام بالتجارب العلمية المضرة بالإنسان .
+ اعتماد مبادئ حقوق الإنسان كأساس لثقافة السلام .
+ خلق مفوضيات دولية لتدبير الحدود بين الدول .
3- مداخلة الدكتور عبد الجليل بادو . " سلم التواصل العقلاني".
افتتح الدكتور عبد الجليل بادو مداخلته بتقديم وجيز حول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، الذي اعتبره من العناصر الأساسية الساعية إلى تحقيق صالح الإنسان من خلال العمل على حفظ السلم في العالم لتجاوز حالة التمرد والفوضى ، فإذا كنا نتطلع إلى السلام فان السلام يهدف إلى تحقيق هذه القيم الكونية.
انطلاقا من هذه الملاحظة صاغ الدكتور عبد الجليل بادوا سؤالا جوهريا فحواه : إذا اعتبرنا أن السلم هو الأصل في العلاقات الإنسانية فما مصدر هذا الشر والفوضى الذي يميز العلاقات بين الدول ؟
وفي محاولة للإجابة على هذا السؤال ضرب الدكتور عبد الجليل بادو المثال بكل من فلسطين والعراق، أفغانستان، السودان...هذه الدول التي تغمرها الحروب والجرائم باستمرار مما يؤدي إلى انتشار سلوكات مغالطة للقيم الإنسانية ؛ لهذه الاعتبارات شغلت الحروب الفلاسفة والمفكرون على مر العصور .
ومن أجل إبراز العلاقة بين الفلسفة والقيم الإنسانية الكونية تساءل الأستاذ المحاضر مجددا : ما علاقة الفلسفة بالقيم الإنسانية ؟ وتوصل إلى أن القاسم المشترك بينهما هو الارتكاز على العقل (الجانب الايجابي في العقل)؛ من هنا رفض مجموعة من المفاهيم المرتبطة بالعقل والديمقراطية كما تجسدت في العصر الحالي ، إذ أن العقل المعاصر أصبح لا عقلانيا في تعامله؛ كما ساهم في حدوث العديد التحريفات : سياسية، اقتصادية...وهي حسب الدكتور- عبد الجليل بادو- مظهر من مظاهر غياب الديمقراطية الحقة وانتشار الاستبداد والظلم في مقابل ذلك . وبعد ذلك حاول الأستاذ المحاضر إجراء نوع من التميز بين الأنظمة الاستبدادية، والأنظمة الديمقراطية وتوصل إلى رصد مجموعة من الخصائص :
• الأنظمة الديمقراطية: تقوم على أساس تبني خطاب الحرية في شموليته ( حرية التفكير، وحرية التعبير)، وذلك من أجل ضمان الأمن والاستقرار.
• الأنظمة الاستبدادية: هي أنظمة حربية متسلطة تتجه إلى ترسيخ أفكار الحرب وانتهاك حقوق الإنسان من خلال سياستها التوسعية.
بعد هذا التميز تساءل الأستاذ المحاضرعن الدور الذي يمكن أن يلعبه المثقفين في نشر أفكار السلم، واستعرض في هذا الإطار موقف ادوارد سعيد الذي يرى " أن مهمة المثقف هي تفكيك التصورات الاختزالية السائدة التي تحد من التفاهم الإنساني، ومن التواصل مما يعيق نشر مباد ئ حرية التعبير، التفكير، الاعتقاد...
دفعت هذه الحقيقة المرة الدكتور عبد الجليل بادو إلى التأكيد على :
- أهمية التربية والتنشئة في ترسيخ الثقافة الحقوقية الإنسانية ونشر السلام .
- ضرورة تغيير العقلية لتغيير طريقة اشتغال البنيات .
- ضرورة نشر قيم التسامح من أجل الحفاظ على السلم .
لكن هل يمكن النظر إلى القضية الفلسطينية اعتمادا على هذه القيم ؟ وهل يمكن انتزاع الاعتراف بحقوق الإنسان من جانب إسرائيل ؟
وفي محاولة للإجابة عن هذا السؤال لاحظ الدكتور عبد الجليل بادو أن علاقة إسرائيل بفلسطين قائمة على أساس التعصب ( إحلال المطلق محل النسبي )، والانطلاق من مواقف وثوقية دوغمائية ، وهي كلها مفاهيم تتنافى مع قيم التنوير والحداثة ؛ فعندما نتأمل مشروع الحداثة نجده يقوم على أساس مجموعة من العناصر من بينها : التخلي عن الفكر المطلق وإحلال الفكر النسبي محله + الحق في الاختلاف + نشر العقلانية + لكن عند الانتقال من فضاء النظر الكوني لقيم الحداثة والتنوير إلى مجال التحقق التجريبي(العالم العربي مثلا...) تستدعي الضرورة الانطلاق من التساؤل التالي : هل استطعنا في المجتمع العربي أن نحقق امبريقيا قيم الحداثة ؟
للإجابة عن هذا السؤال حاول الدكتور عبد الجليل بادو الاعتماد على هابرماس ومقولته " الحداثة مشروع لم يكتمل " إذ أنه ومع تطبيق المنهج العقلاني التواصلي مازالت الوثوقيات حاضرة إلى اليوم في مجالات متعددة ، من هنا أهمية المتن الهابرماسي في مقاربة الفضاء العمومي المعاصر من أجل " تفكيك التصورات الوثوقية للعالم وإحلال تصورات أخرى علمية محلها " وذلك من خلال :
• إحلال نسق يسعى إلى تحقيق التفاهم وتجاوز استراتيجيات السيطرة والهيمنة.
• خلق حوار بين مختلف مكونات النسق( الاجتماعي، سياسي، ديني...).
• جعل الحقيقة مستندة على الحجة والبرهان والاعتماد على العقل .
تتداخل هذه الأفكار في جوهرها مع حقوق الإنسان مما يفرض ضرورة إدراج المقاربة الحقوقية في كل المشاريع المرتبطة والحرب.
وفي الأخير أكد الدكتور عبد الجليل بادو بأنه رغم أهمية القيم التي سبق ذكرها فان الواقع الإنساني يعبر عن معاناة الإنسان المستمرة، سواء من خلال الحروب المسلحة أو الصراعات الاجتماعية، كما أن مسألة الحرب خطة مفبركة تعمل بعض الدول على تعجيل اندلاعها من أجل ضمان مصالحه التوسعية في العالم.
وتجدر الإشارة في نهاية هذا التقرير على أن الملتقى كان فرصة لخلق نقاش علمي جاد خاصة ذلك الذي بلوره المتدخلون في الملتقى الذين عملوا على استيفاء كل الشروط الأكاديمية في إلقاء العروض وكذا في الإجابة عن بعض أسئلة الطلبة والضيوف الحاضرين .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تقرير حول ملتقى الفلسفة والسلم العالمي ( من إنجاز الطالب الباحث محمد الجلالي)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» محمد الجلالي
» اهم الموضوعات التى يهتم بها الباحثون فى رسائل الماجستير
» المهارات التي يحتاجها الباحث الأكاديمي
» تقرير علمى عن تحريف التوراه والإنجيل محمد عمارة
» خصخصة التعليم ومستقبل الفقراء .. بقلم الباحث مصطفى محمود

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
قضــــايا ومنــاقـشــــات فى كل المجالات
-
انتقل الى: