د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: المهنة جاسوس!! 27/12/2010, 2:02 pm | |
|
المهنة جاسوس!! بقلم/ فرغلى هارون
ما الذى يدفع شاباً فى مقتبل حياته للارتماء فى أحضان العدو وارتكاب جريمة عظمى فى حق بلده ومجتمعه وأهله؟، إن التأمل فى قضية التجسس الأخيرة، وفى أقوال المتهم الرئيسى بها، يمكن أن يلقى بعض الضوء الذى يساعدنا فى الإجابة على هذا السؤال. حيث جاء على لسان المتهم فى التحقيقات، وفقاً لما نشرته الشروق، قوله أن الموساد حوله من عاطل إلى رجل أعمال!!. ونحن هنا لا نحاول تبرير الخيانة، ولكننا نحاول النظر إلى الموضوع فى سياقه المجتمعى والبنائى العام، من أجل الوقوف على الدوافع الاجتماعية الحقيقة لهذا الفعل. فإذا كانت البطالة تمثل من وجهة النظر التنموية إهداراً لأهم مصادر التنمية فى المجتمع وهو المصدر البشرى، فإنها من وجهة نظر العاطل عن العمل، لظروف خارجة عن إرادته، تمثل قمة فشل الجماعة التى ينتمى إليها، وهى الدولة، فى إشباع احتياجاته الأساسية كالحاجة للعمل وتقدير الذات وإشباع احتياجاته الأساسية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ورعاية صحية ..الخ. ومن هنا تنشأ وتتدعم مشاعر الاغتراب وعدم الانتماء لدى الإنسان العاطل عن العمل، فينفصل تدريجياً عن النظام القائم، ثم يصبح معادياً له، والأخطر من ذلك أنه يقع فريسة الانتماء لجماعات معادية للمجتمع والنظام، تشبع له أو تقدم له على الأقل وهم إمكانية إشباع هذه الاحتياجات الأساسية. ودائماً ما كان هذا هو الدافع الرئيسى وراء انتماء العديد من الشباب للجماعات الإرهابية أو المتطرفة.
وكما يؤكد السوسيولوجى المخضرم الدكتور سمير نعيم أحمد – أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس - فإن مشاعر الانتماء لدى الفرد إنما تنشأ وتتعمق بفعل العطاء المتبادل بين الفرد والجماعة، فإذا ما انعدم أو قل عطاء الجماعة للفرد من حيث إشباعها لحاجاته الأساسية المادية والمعنوية، انعدم أو ضعف شعوره بالانتماء لها، وقد يلجأ إلى الانتماء إلى جماعات بديلة تشبع له احتياجاته المحبطة، والعكس صحيح حيث نجد أقوى مشاعر الانتماء من الفرد للجماعة التى تشبع له احتياجاته التى يفترض أنها مسئولة عن إشباعها.
وإذا كانت الاحصائيات تؤكد وصول نسبة البطالة فى مصر إلى نحو 10% من القوة العاملة، وأن 19,6% من المصريين يعيشون فى حالة فقر، و20% آخرين على حدود الفقر. إضافة إلى الزيادة المستمرة فى حالة الاستقطاب الاجتماعى الاقتصادى فى المجتمع بين قلة من الأغنياء يتمتعون بكل شيء وكثرة غالبة من الفقراء لا يملكون الحد الأدنى من حقوقهم الأساسية كبشر. فإن التحليل الموضوعى يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن هذا الجاسوس ومن سبقه ومن سيأتى بعده، وغيره من الشباب الذين ينضمون لجماعات متطرفة أو إرهابية، أو يلقون بأنفسهم فى قلب البحر بحثاً عن مكان يفرون إليه من جحيم ظروفهم الاجتماعية، كل هؤلاء ضحايا للتشوه البنائى للمجتمع المصرى، ولإهمال الحكومات المتعاقبة واستهانتها بهم، إلى الحد الذى يدفع البعض منهم إلى أن تكون مهنته جاسوساً.
نشرت بجريدة الشروق المصرية عدد 26 ديسمبر 2010 ص12
| |
|