إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 جدوى الدرس السوسيولوجي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
idawtanan
عـضــو




انثى عدد الرسائل : 28
العمر : 69
التخصص : sociologie
الدولة : jordan
تاريخ التسجيل : 24/10/2010

جدوى الدرس السوسيولوجي Empty
مُساهمةموضوع: جدوى الدرس السوسيولوجي   جدوى الدرس السوسيولوجي Empty30/11/2010, 2:06 pm


دلفت إلى مكتب البريد المقابل لساحة جامع الفنا بمدينة مراكش , لأسحب مبلغا ماليا، بعد أن شاهدت عروضا مختلفة وعجيبة في ذات الوقت بهذه الساحة. أبصرت عن شمالي لوحة إلكترونية وضعت حتى يضغط الزبون على الخدمة التي يرغب فيها، ليحصل على تذكرة مرقمة تنبئه بدوره أمام شبابيك موظفي المكتب.
بعد برهة دخلت أوروبية -يظهر أنها فرنسية المنشأ- مكتب البريد لشراء طوابع بريدية, لعلها تريد إرسال تذكار لأصدقائها هناك خلف البحر. لم تلحظ صاحبتنا اللوحة الإلكترونية، و أمام حيرتها إزاء كيفية اقتناء حاجياتها تقدم شاب في مقتبل العمر ليدلها على هذه الأخيرة و يريها طريقة الاستعمال و كيفية الحصول على التذكرة , بالرغم من أن اللوحة الإلكترونية تضم إرشادات بلغتها الأم .
و لما حصلت على التذكرة بدا على محياها الإنبهار الذي لم تستطع إخفاءه , فتقدمت للشاب بالشكر و بابتسامة علها تداري ذلك الإعجاب الذي ظهر فجأة . فقد كانت قبل دقائق معدودة وسط جامع الفنا , ذاك الملتقى الثقافي و الإثني حيث يجتمع الرواة والبهلوانيون و الموسيقيون و الراقصون و مروضو الأفاعي و العرافون…
مشاهد و وقائع تعبر عن المغرب العتيق , حيث التركيب و الإختلافات الثقافية و الإثنوغرافية داخل هذا الهنا تثير الدهشة وتستفز لديك عشرات الأسئلة الحارقة . في أي مجتمع نحيا؟ ما هي طبيعة مجتمعنا المغربي؟ هل هو فيودالي أم رأسمالي ؟ قبلي أم أبوي ؟ مجتمع يظل عصيا على التصنيف و التجنيس.
في نفس اللحظة تصطدم صاحبتنا بنظام معلوماتي و بيسر التواصل و التخاطب بلغات أجنبية.سلوكيات وأشكال نمو وتطور حضاري تكشف عن حداثة تملأ المكان . كيف يمكن تحويل الإختلافات الإثنوغرافية و الثقافية و الجغرافية…إلى ثروة ثقافية عوض استغلال التركيب و الإختلاف و تسخيره سياسيا و الزج بالمغرب في غيابات التفرقة تماما كما فعلت السوسيولوجيا الكولونيالية و تفعل هنا والآن بعض الإيديولوجيات التي تصنف المواطنين المغاربة إلى درجات حسب الجنس و اللغة و الدين و الطبيعة الجغرافية؟
بل ليس فقط الإبقاء و الحفاظ على هذه الثروة الثقافية و تجميدها كمتحف فولكلوري تشرع أبوابه كلما زار بلادنا أجنبي أو كلما راودنا حنين عبق الزمان التليد , و إنما كيف يمكن توظيف هذا الكنز في سياق إمكاناتنا و طاقانتا بما يفيد مستقبلنا العلمي و اختياراتنا الواعية المنبنية على العقلنة و الترشيد. أثار لدي هذا الموقف تساؤلات عدة . كنا بالأمس القريب نمر على ذات المواقف و المشاهد دون أن نعيرها أهمية تذكر. وهي الحبلى بالمؤشرات و المعلومات اليومية التي تلتقطها أعيننا من الشارع أو في أماكن عديدة وحتى التي يمكن لملمتها بين السطور القابلة للإدراك. إدراك الثابت والمتغير, إدراك الناشئ من الوقائع و الزائل منها .
ألم يخبرنا لويس سانتوس بأن المجتمع و ما يعتمل داخله يقدم لنا الأسئلة و الإجابات و التفاصيل ؟ إن موقفا قد يبدو في أحايين كثيرة ” كموقف صاحبتنا” عابرا, إن لم نستبدل ملاحظتنا البيولوجية له بملاحظة سوسيولوجية , و لنقل بعين سوسيولوجية قادرة على تشفير الرموز و إعمال النظر و التفكير في مختلف تضاريس هذا الموقف . و منه نقول إن إنتاج المعنى المفضي للفهم يتأتى من خلال الدرس السوسيولوجي الذي يمكننا من وسيلة تنظيم الوقائع الإجتماعية والحكم عليها , على شاكلة مغايرة لقراءاتنا السابقة. و بالمقابل فالدرس السوسيولوجي يعد أصعب الدروس و أعمقها لفهم الوقائع , فليس ثمة أرائك مصفوفة في اتجاه الدرس السوسيولوجي .
إنه ذاك الذي يخلف لديك قلقا وانهجاسا بالتساؤل . ألم يخبرنا بورديو بأن مهمة السوسيولوجيا تفجير السؤال النقدي. نقد التفاسير الجاهزة التي أطلقت و تطلق على المجتمع المغربي و التي ترتكن إلى المقاربات المطمئنة أحيانا والكسول أحايين كثيرة. و غني عن البيان أن الدرس السوسيولوجي يفترض التجرد الجزئي عن الذات حتى نصير موضوعيين , من تلقاء ذواتنا , في تعاملنا مع الواقعة الإجتماعية.
فحتى يتسنى لنا فهم هذه الأخيرة يلزم قبلا ترك مسافة معينة بيننا و بينها و الرجوع إليها للتأثير فيها بعدا. و بعبارة أدق فإن الدرس السوسيولوجي يجعلك دائما على استعداد لملاحظة التغيرات و فهمها عبر عمليتي الهدم و البناء لمزيد من الفهم و الإحتواء . و الواقع أن هذا الأخير لا يدعي لنفسه الفهم الدوغمائي للأشياء و بلوغ الحقيقة المجردة , بل ينهجس بالإقتراب من أحوازها عبر التساؤل و التفكير و التفكيك.
فكل جواب يبطن بين ثناياه سؤالا جديدا حول شروط إنتاج الواقعة الإجتماعية و إعادة إنتاجها. إن الدرس السوسيولوجي هو محاولة تمهيد الطريق بواسطة مجموعة من المقاربات و الخطاطات الخاطئة و المصيبة , حتى يصير بالإمكان إعادة قراءة الوقائع الإجتماعية , من أجل فتح سبل جديدة للدرس السوسيولوجي.
ألم يقل ماكس فيبر” كلنا نعلم , في مجال العلم , أن عملنا سيصبح متجاوزا بعد عشر سنوات , أو عشرين أو خمسين سنة . وكل عمل علمي مكتمل لا يعني في الحقيقة سوى الشروع في طرح أسئلة جديدة , ويقتضي بالتالي تجاوزه. وعلى كل راغب في خدمة العلم أن يرضى بهذا المصير”.

إبراهيم بلوح طالب سوسيولوجيا
المغرب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
جدوى الدرس السوسيولوجي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تطور الانشغال السوسيولوجي بالجسد
» القدرة التنافسية للبحث السوسيولوجي العربي
» الإنتاج السوسيولوجي العربي: المرجعيات والتكوين العلمي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
قضــــايا ومنــاقـشــــات فى كل المجالات
-
انتقل الى: