د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: كرة القدم بين السياسة والاقتصاد 21/9/2010, 3:37 pm | |
|
كرة القدم بين السياسة والاقتصاد عمر سعد الدين محمود باحث في الاقتصاد السياسي
في عام 1918، ويوم الاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح في أثناء الحرب العالمية الأولي، وقعت حادثة غريبة. فبينما كان كل من الجنود الألمان والبريطانيين يعانون البرد الشديد، والإحساس بالغربة، والحنين لعائلاتهم، انطلقوا ينشدون ترانيم عيد الميلاد، وقد أدي ذلك إلي إحساسهم بالتعاطف المتبادل. خرج الجنود من خنادقهم ببطء، وتبادل الطرفان الهدايا، ثم أخرج أحدهم كرة قدم، وبدأت مباراة كرة قدم تاريخية في المنطقة العازلة بين الطرفين. استخدمت القبعات في تحديد قوائم المرمي، ولم تكن حدود الملعب واضحة تماما، كما أن أكثر من 22 لاعبا قد شاركوا في هذه المباراة. من خلال هذه المباراة، أدرك الجنود علي الجانبين أنهم متشابهون بدرجة أكبر مما كانوا يتصورون. حرب كرة القدم : في يوم الأحد، الثامن من يونيو 1969، أقيمت في عاصمة الهندوراس مباراة، في تصفيات التأهيل لبطولة كأس العالم لعام 1970، بين فريقي الهندوراس والسلفادور. عشية المباراة، عاني منتخب السلفادور من الصخب المستمر حول الفندق الذي أقاموا فيه، حيث استمر مشجعو الهندوراس في الصياح، وإطلاق آلات التنبيه، والغناء طوال الليل. كانت النتيجة أن لعب فريق السلفادور المباراة في اليوم التالي في حالة من الإعياء، نتيجة لعدم النوم، وهزموا بهدف نظيف. بعد مرور أسابيع قليلة، أقيمت مباراة العودة في ظروف مشابهة في السلفادور، وتحت ضغط عصبي شديد، فازت السلفادور بثلاثة أهداف للا شئ. لكن أحداث شغب اندلعت، وتعرض مشجعو الهندوراس لاعتداءات، تسببت في وفاة اثنين، واحتياج العديد للعلاج الطبي، كما تم حرق خمسين سيارة من سيارات مشجعي الهندوراس. ولم تمض ساعات حتي تم إغلاق الحدود بين البلدين، واندلعت الحرب بينهما. لم تستمر 'حرب كرة القدم' هذه أكثر من مائة ساعة، ولكنها أسفرت عن ستة آلاف قتيل، وأكثر من اثني عشر ألف مصاب، وتهدمت بيوت خمسين ألف شخص، كما دمرت العديد من القري. لم تؤد كرة القدم إلي إنهاء الحرب بين الإنجليز والألمان، ولم تكن وحدها سبب اشتعال الصراع بين الهندوراس والسلفادور، لكن كرة القدم لديها القدرة علي إخراج ما هو الأفضل والأسوأ في الطبيعة البشرية. كرة القدم مرآة تعكس الطبيعة البشرية وطبيعة العالم الذي نعيش فيه. ولا ينحصر تأثيرها الكبير في حياة عدد قليل من المشجعين، بل إنها الرياضة الأكثر شعبية ومشاهدة في العالم، كما اتضح في نهائي كأس العالم المقامة في ألمانيا عام 2006، والذي شاهده نحو 3 مليارات مشاهد، أي نصف سكان الأرض. ولم تحظ أية أحداث في تاريخ البشرية، سواء حلف الرئيس الأمريكي أوباما لليمين، أو هبوط الإنسان علي القمر، أو احتفاليات جوائز الأوسكار، أو الأولمبياد، بمثل هذا العدد الكبير من المتفرجين. من ناحية أخري، فقد كانت أعداد الذين خرجوا للشوارع للاحتفال بفوز الدنمارك ببطولة أوروبا عام 1992، أو فوز فرنسا بكأس العالم في 1998، من أكبر التجمعات التي شاهدتها أوروبا منذ الاحتفال بنهاية الحرب العالمية الثانية. من المؤكد أن كرة القدم، التي وصفها اللاعب البرازيلي بيليه 'باللعبة الجميلة'، هي أكثر من مجرد لعبة أو رياضة. ويهدف هذا المقال إلي دراسة عالم كرة القدم بوصفه مرآة تعكس الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مع التسليم بأنها مرآة بها قدر من الاعوجاج، وأنها تعكس صورة غير دقيقة تماما. الاقتصاد السياسي لكرة القدم : تعكس كرة القدم الواقع الاقتصادي والسياسي بطرق متعددة. فالعلاقات المتشابكة بين السياسة والاقتصاد والإعلام تبدو واضحة في شكل ملكية فرق كرة القدم، مثل ملكية سيلفيو برلسكوني، رئيس وزراء إيطاليا، لنادي إيه سي ميلان، وملكية شركة فيات لفريق يوفنتوس، والمليونير الروسي إبراموفيتش لفريق تشيلسي. كما يعكس نظام كرة القدم فكرة الاقتصاد المبني علي الحوافز والمبادلات. فاللاعبون سلعة يتم الاتجار فيها، وشراء اللاعب يعد نوعا من الاستثمار، ويتم بيعه حينما يكون ذلك وسيلة للربح، فقد انتهي عصر الولاء 'الرومانسي' للأندية. كما تنعكس عملية العولمة علي كرة القدم، حيث تبحث الدول الثرية عن 'موارد' رخيصة (أي لاعبين) في مختلف أنحاء العالم، يتم تدريبهم وتطويرهم، ثم إعادة بيعهم بهامش ضخم من الربح. وبمرور الوقت، يصبح رأس المال مركزا في عدد من أندية الصفوة، بينما تفتقر غالبية النوادي إليه. كما يصبح حجم رواتب اللاعبون مؤشرا جيدا علي قدرة الفريق علي الفوز. ورغم أن العلاقة بين الاقتصاد والسياسة، وأيهما يؤثر في الآخر، يشوبها شئ من الغموض ومطروحة دائما للجدل، فنحن أميل إلي رؤية القوة الاقتصادية كالطريق إلي القوة السياسية. ورغم أن اللاعبين الحقيقيين قد يختفون خلف واجهات سياسية، فإنه في كثير من الأحيان، يسعي رجال الأعمال إلي تبوؤ القيادة السياسية بأنفسهم، مستغلين في ذلك التلاعب بالإعلام. وليس هناك من يجسد هذه المعادلة المكونة من مثلث المال والسلطة والإعلام، مثل سيلفيو برلسكوني، رئيس وزراء إيطاليا. برلسكوني .. استغلال الكرة للحصول علي شعبية سياسية : يعتبر برلسكوني أطول رؤساء الوزراء حكما في تاريخ إيطاليا، وأقدم القادة الحاليين لدول مجموعة الثماني. يكمن سر نجاحه في الجمع بين القوة الاقتصادية والتحكم في الإعلام، مع تاريخ طويل في السياسة. ويسعي برلسكوني إلي استغلال كرة القدم أيضا، حيث يمنحه فوز الفريق الذي يملكه هالة من النجاح والوطنية، ناهيك عن الأرباح الاقتصادية. بدأت مسيرة برلسكوني في مجال المقاولات في الستينيات من القرن الماضي، ثم دخل إلي مجال الإعلام عام 1973 بتأسيس شركة تليفزيونية صغيرة، ثم توسع بعد ذلك ليمتلك امبراطورية تليفزيونية تجارية، كما يمتلك برلسكوني أيضا أكبر دار نشر في إيطاليا، وجريدة يومية. أثرت الطبيعة التجارية لمؤسسات برلسكوني الإعلامية في إدارته لفريق كرة القدم'إيه سي ميلان'، حيث أخذ يحث المدربين علي التخلي عن الأسلوب الدفاعي التقليدي، والسعي إلي الاستعراضات 'النجومية' في الملعب. وقد تجلي تأثير برلسكوني في طريقة لعب الفريق، الذي أصبح يعتمد علي الاستحواذ علي الكرة للسيطرة علي الملعب. ويبدو أن أسلوب اللعب يعكس الحالة الاقتصادية للأندية، حيث إن الأندية الفقيرة المهددة بالهبوط وفقدان الدعم المادي عادة ما تتبني أسلوبا سلبيا دفاعيا في الملعب، بينما الأندية التي تتمتع برخاء مادي تتبني الأسلوب الهجومي، وتتحمل المخاطرة باستخدام تكتيكات كروية مختلفة. استخدم برلسكوني اسم 'فورزا إيطاليا' للحركة السياسية التي ترأسها، والتي وصل عبر فوزها بانتخابات 1994 البرلمانية إلي الحكم. 'فورزا إيطاليا'، الذي يعني 'هيا يا إيطاليا' أو 'إلي الأمام يا إيطاليا'، هو الشعار الرسمي للمنتخب الكروي الإيطالي، كما أنه اسم نشيد له شعبية كبيرة عند مشجعي فريق إيه سي ميلان، الذين عادة ما يرفعون العلم الإيطالي في مبارياته التي يلعبها خارج إيطاليا. يملك برلسكوني هذا النادي، كما يرأس مجلس إدارته، منذ نحو عشرين عاما. وقد أحرز النادي نجاحات كبيرة خلال تلك الفترة، حيث نال العديد من الألقاب المحلية والدولية. تأسس نادي إيه سي ميلان عام 1899، ويعد واحدا من أكثر أندية العالم ثراء ونجاحا. ضم النادي بين صفوفه لاعبين متميزين مثل مالديني، وديدا، ونستاوانزاجي، وبيكهام، ورونالدينهو. وللفريق شعبية هائلة علي الصعيد العالمي. أما في إيطاليا، فإن مشجيعه تقليديا ينتمون إلي الطبقات العاملة وأعضاء النقابات، بخلاف غريمه الأساسي 'انترناسيونال'، الذي ينتمي مشجعوه إلي الطبقة الوسطي. وعن طريق الانتماءات الطبقية لمشجعي الفريق الذي يملكه، تمتد شعبية برلسكوني إلي الطبقات الشعبية، وهو ما لا يبدو منطقيا للوهلة الأولي بالنظر إلي سياساته. في هذه الحالة، أصبحت كرة القدم بمثابة منبر سياسي، تقرب من خلاله زعيم ينتمي إلي الطبقة الثرية من الطبقات الشعبية، مظهرا انتماءه إلي العامة واهتماماتها. أما الزعماء في دول العالم الثالث، فإنهم يستخدمون كرة القدم كوسيلة للحصول علي الشرعية والمجد. وتعتبر مسابقات كرة القدم وسيلة لإلهاء شعوبهم عن معاناتهم، بل وأيضا لحشد وتوحيد الشعب وراء هدف 'قومي'. ويتم تضخيم الفوز الكروي، بدعم من السياسيين كنصر قومي، ودليل علي علي القيادة الرشيدة والحكيمة. وبالعكس، تصبح الهزيمة مشكلة يجب إيجاد تبرير وكبش فداء لها فورا. اقتصادات كرة القدم : ترتبط اقتصادات كرة القدم إلي حد كبير باقتصادات الإعلام. فالشركات الاعلامية، مثلها مثل أي نشاط في الاقتصادات الرأسمالية، لها منتج وسوق. يتمثل السوق في المعلنين ، بينما المنتج هو المشاهدون، والجمهور الذي يمكن أن 'تبيعه' المؤسسات الإعلامية إلي المعلنين. وكلما كان الجمهور أكبر، ومن 'نوعية أفضل'، زاد الثمن الذي يمكن أن تتقاضاه الشركات من المعلنين. ولهذا السبب، فإنه من مصلحة شركات الإعلام أن تزداد شعبية كرة القدم. والآن ، يمكن للشركات أن تتقاضي مبالغ إضافية من المشاهدين الراغبين في متابعة مباريات كرة القدم، بالإضافة إلي ما تتقاضاه من المعلنين. وقد كانت الشركة الفرنسية كنال بلوس، في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، أول شبكة تليفزيونية أوروبية متاحة فقط عن طريق الاشتراك، وهي التي أظهرت إمكانية استغلال شغف العامة بكرة القدم لإقناعهم بدفع أموال لمشاهدتها ، وهو ما كانوا يحصلون عليه مجانا من قبل. ومن المنتظر أن تستمر وتنتشر هذه الظاهرة ، مع التطورات في التقنيات التليفزيونية، وانتشار الخصخصة الاقتصادية. إن ما نشاهده اليوم هو 'انفجار كروي'، يتضمن تكثيف الضجة حول كرة القدم ، وانتشار صفقات 'الرعاية الرسمية'، والمراهنات وتسويق زي الفرق المختلفة، ، وزيادة الإعلانات. كل ذلك يؤدي إلي تدفق الأموال الغزيرة علي قطاع كرة القدم ، من المعلنين التجاريين، وشركات الإعلانات، والشبكات التليفزيونية، و شركات تصنيع الملابس الرياضية، بالإضافة إلي رجال الأعمال والسياسيين وغيرهم. ولكن معظم هذه الأموال تأتي من الشركات التي تبث إعلاناتها خلال مباريات كرة القدم. ولهذا السبب ، تحاول الشبكات التليفزيونية إطالة المدة المخصصة لكرة القدم، عن طريق تقديم برامج قبل وبعد المباريات ، يقدمها محللون يتناولون اللعبة واللاعبين بالنقد والتحليل. كل هذه البرامج تجذب الملايين إلي الشاشة، لكي يشاهدوا ليس فقط كرة القدم، ولكن أيضا الإعلانات عن مختلف المنتجات، والتي تستفيد من الهالة الإيجابية التي تكتسبها من مساندة أو دعم ناد أو فريق قومي. كل ذلك يحث المشاهدين علي شراء المنتجات المروج لها . ويكمن أحد أسباب الربحية الهائلة للكرة في أن عليها طلبا كبيرا لا يتأثر بارتفاع الاسعار. ففي الأحوال العادية، عندما يرتفع سعر سلعة ما، مثل عصير الفواكه مثلا، فإن المستهلك يتجه إلي سلعة أرخص، مثل المشروبات الغازية. ولكن ذلك لايحدث مع كرة القدم، فالكثيرون يعشقونها لدرجة لايرون معها لها بديلا، وهم علي استعداد لدفع المزيد، إذا كان ذلك ضروريا، لكي يتمكنوا من متابعتها . في النظم الرأ سمالية ، يتحول كل شئ إلي سلعة ، تسوق وتباع بغرض وحيد هو كسب المزيد من الأموال. وفي هذا الإطار، فقد أصبحت رياضة كرة القدم سلعة ترفيهية يقوم عليها نشاط اقتصادي، وبالتالي هي بحاجة إلي التمويل. ولأن القاعدة أن التمويل يسعي لمن هم أكثر نجاحا، مما يؤدي إلي زيادة تفوقهم وثرائهم، فإن ذلك يؤدي مع مرور الوقت إلي اتساع الفجوة بين الأندية الكبيرة والأندية الصغيرة، حيث تستطيع الأولي شراء اللاعبين بأثمان باهظة لا تقدر عليها الأندية الأقل ثراء. يترتب علي ذلك أن تكسب الأندية الكبيرة المزيد من البطولات ، ويزداد عدد مشجعيها ، وتزداد مبيعات السلع التي تروجها، وبالتالي تزداد ثراء وقدرة علي شراء أفضل اللاعبين . وقد أثبتت الدراسات العلاقة الإيجابية بين ارتفاع رواتب اللاعبين وحسن الأداء الكروي للأندية . في عام 2003، استحوذت مجموعات الدرجة الأولي في 5 دول أوروبية كبيرة - بريطانيا، وإسبانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا- علي 54% من سوق الكرة الأوروبي . وإذا أضفنا لذلك مجموعات الدرجة الثانية والمحترفين في هذه الدول، فإن نسبة الاحتكارتصل إلي 69% . أما بإضافة عوائد دوري أوروبا، فالنسبة تصل إلي 80% ، مما يترك فقط 20% من السوق لتقتسمها باقي الأندية أعضاء الاتحاد الكروي الأوروبي التي يبلغ عددها 46 ناديا. وبينما تشير الصفقات الكبيرة لأندية مثل مانشستر سيتي، وريال مدريد، وميلان، إلي الأموال الكثيرة التي وراءها ، والتي تسمح لها، في إطار العولمة، بالاستحواذ علي أفضل اللاعبين والمدربين والمديرين من جميع أنحاء العالم، فإن هناك الآلاف من الأندية الفقيرة في مختلف بلاد العالم. وحتي في البلاد الغنية ، فإن هناك العديد من الأندية في الدرجة الثانية ومادونها علي شفا الإفلاس. وينطبق الحال علي اللاعبين أيضا، فإلي جانب كل لاعب شهير، مثل مارادونا أو زيدان، هناك الملايين من اللاعبين الذين لايصلون إلي النجاح والشهرة. كرة القدم والعولمة : أدت عملية العولمة إلي تحول كرة القدم من نظام شبه إقطاعي إلي شكل أقرب إلي الرأسمالية. في عهود مضت، وحتي السبعينيات من القرن الماضي، كان اللاعب يمضي مسيرته الكروية كلها مع ناد واحد . فقد ارتبطت مسيرة بيليه بنادي سانتوس البراز يلي ، وبوبي تشارلتون بنادي مانشستر يونايتد الإنجليزي، وهكذا. ولكن في العهد الحالي، نشاهد انتقال اللاعبين بين الأندية، فقد انتقل فيجو من برشلونة إلي عدوه اللدود ريال مدريد، وتم تبادل صمويل إيتو وإبراهيموفيتش بين برشلونة وإنترميلان، كما شملت مسيرة رونالدينيهو ورينالدو انتقالهما بين عدة أندية . ورغم أن هناك حنينا إلي الماضي، حيث كان هناك 'ولاء' للأندية ، فإن الولاء، شأنه شأن كل القيم الاجتماعية ، ليس قيمة منعزلة عن تطورات المجتمع ككل، وهو انعكاس للعلاقة الاقتصادية بين ملاك الأندية والإعلام والشركات الراعية (أي ملاك وسائل الإنتاج) وبين اللاعبين (أي العمالة). وفي السوق الرأسمالي ، يكون للعمالة حرية الحركة إلي من يدفع لهم بسخاء أكثر. كما أن لاتساع السوق العالمية بسبب العولمة تأثيرا أيضا في كرة القدم. فكما كانت البلاد الغنية تستورد المادة الخام من البلاد المستعمرة أو الفقيرة بأسعار رخيصة، تتولي الآن الأندية الكبري شراء اللاعبين وتحويلهم إلي 'سلع' يتم تصديرها مرة أخري (في شكل مباريات مذاعة عبر شاشات التليفزيون وسلع معلن عنها.. إلخ) إلي المستعمرات أو الدول الفقيرة، جانية بذلك أرباحا كبيرة. هجرة المواهب : لفت الأداء الرائع للاعبي الكاميرون في مونديال 1990 ، وأداء لاعبي السنغال في عام 2002 ، وساحل العاج في 2006 ، انتباه الأندية الأوروبية إلي تميز لاعبي إفريقيا. وطبقا للمنطق الاقتصادي لكرة القدم، أدي ذلك إلي هجرة كبيرة لهؤلاء اللاعبين إلي الأندية الأوروبية. وأدي ذلك، في المقابل، إلي ركود وتراجع مستوي الأندية والمباريات الإفريقية . ويسرت ثورة الاتصالات والتكنولوجيا اكتشاف المواهب الكروية في دول العالم الثالث ، حيث يمكن لممثلي الأندية الكبيرة متابعة مباريات الناشئين في مختلف أنحاء العالم. كما أنه بإمكان أي لاعب، أو من يمثله، إرسال رسالة إلكترونية أو تصوير بالفيديو، يستعرض موهبة اللاعب، إلي المواقع الإلكترونية للأندية الأجنبية. وحينما يعرض أي من الأندية الغنية مبلغ عشرة آلاف دولار علي أب إفريقي، مقابل التعاقد مع ابنه، فإن الصفقة تتم في ثوان . يتم بعد ذلك تدريب اللاعب وتنمية مواهبه وتغذيته .. إلخ، وتحويله إلي نجم يساوي الملايين، يخدم النادي لعدة مواسم، ثم يتم بيعه بسعر عال. وقد ازداد عدد اللاعبين الأفارقة المحترفين في النوادي الأوروبية من أقل من مائة في عام 1990 إلي ما يفوق الألف في عام 2000 . كما زادت نسبة اللاعبين الأجانب في الدوري الإنجليزي من 5% عام 1992 إلي نحو 60% عام 2004 . ولم يكن المنتخب الفرنسي، الحائز علي كأس العالم في مونديال 1998، يضم غير تسعة لاعبين من خلفيات غير فرنسية . وقد بادر العديد من الأندية بإنشاء مدارس كروية في إفريقيا لاكتشاف وتنمية مواهب إفريقية شابة. وهناك جانب إيجابي لهذه الظاهرة، حيث أصبح التفوق الكروي طاقة أمل لأطفال إفريقيا، والاكتشاف بواسطة فريق كروي أوروبي بديلا لواقعهم المتدني، وسقوطهم في براثن الصراعات المحلية. وكما يقول جوسايا جونسون، مدرب فريق ليبيريا، 'ضعوا البنادق جانبا، واذهبوا إلي الاستاد للاستمتاع باللعبة. لن تصبحوا مليونيرات إذا أطلقتم الرصاص علي شخص ما، ولكن يمكن أن يحدث ذلك إذا كنتم تلعبون كرة القدم بمهارة'. هذه هي قوة وروعة كرة القدم، التي يمكن لأي طفل أن يلعبها، باستخدام أي شئ مستدير، في الشارع، أو النادي، أو علي رمال البحر، أو بلاط المنزل. إنها اللعبة التي تلهب مشاعر الكبار بفنها وحظها وقدرتها علي أن تخرج أقبح ما في النفس البشرية أو أجمله : إنها كرة الحرب والغش والتعصب، لكنها أيضا كرة التفاهم والحب والسلام. نشرت بمجلة السياسة الدولية العدد 181 يوليو 2010 على الرابط التالى http://www.siyassa.org.eg/asiyassa/Index.asp?CurFN=kada14.htm&DID=10360 | |
|