تعنى كلمة الأنثروبولوجيا حرفياً: (علم الإنسان). ولما كان الهدف النهائي لمعظم الدراسات الإنسانية والعلوم الاجتماعية – وخاصة علم النفس وعلم الاجتماع – دراسة الإنسان أيضاً، صارت الأنثروبولوجيا كعلم مستقل في حاجة إلى تعريف أدق. فهي: ذلك الفرع من دراسة الإنسان الذي ينظر إلى الإنسان من حيث علاقته بمنجزاته. ومع ذلك فالأنثروبولوجيا تعنى في معظم أجزاء أوروبا: بيولوجيا الأجناس أو الأنثروبولوجيا الطبيعية. وذلك نتيجة الانشطار الذي حدث في علم الأنثروبولوجيا الشامل السابق. ويختلف عن هذا وذاك تمام الاختلاف مفهوم الأنثروبولوجيا الذي كان مستخدماً في الفلسفة قديماً، حيث كان يدل على علم النفس.
وقد كان (راخ Rauch أول من استخدم مصطلح (أنثروبولوجيا). لأول مرة بمدلول مختلف عن معناه السيكلوجي السابق، وذلك في عام 1841 وقد حدده على النحو التالي: (موضوع الأنثروبولوجيا هو دراسة المؤثرات الخارجية التي يخضع لها العقل، والتغييرات التي تتم فيه بمقتضاها) وقد أسست أول الجمعيات الأنثروبولوجية في أربعينات القرن الماضي.
وتوجد الأنثروبولوجيا اليوم بمعناها الواسع في البلاد الأنجلوسكسونية – وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية – ومعظم بلاد العالم خارج قارة أوروبا والاتحاد السوفيتي ولعله يحسن أن نعرض فيما يلي لبعض التعريفات التي وضعها العلماء الأمريكيون: يقول بواس Boas: (تدرس الأنثروبولوجيا الإنسان ككائن اجتماعي. ويشمل موضوع دراستها جميع ظواهر الحياة الاجتماعية الإنسانية، دون تحديد زمني أو مكاني).
ويقول كروبر Kroeber: (الأنثروبولوجيا هي علم دراسة جماعات الناس وسلوكهم وإنتاجهم) وهي (أساساً علم خاص بدراسة التاريخ الطبيعي لمجموع أوجه النشاط البشري التي أصبحت منجزاتها الراقية في المجتمعات المتمدنة، - ومن زمن بعيد – ميداناً للعلوم الإنسانية. هذا على الرغم من أن الهدف والمنهج الأنثروبولوجي طبيعي naturalistic حتى عند تطبيقه على المادة البشرية أو ما دون البشرية ويعرفها لينتون Linton وهيرسكوفيتس Herskovits بأنها: - (دراسة الإنسان وأعماله).
وهكذا تهدف الأنثروبولوجيا إلى فهم الإنسان من خلال دراسة عدة ميادين علمية قد تكون مستقلة (كما هو الحال في الدول الإسكندنافية على سبيل المثال) ولكنها متصلة بعضها ببعض أيضاً، يجمعها علم واحد، وهناك قسمان رئيسيان للأنثروبولوجيا هما: (الأنثروبولوجيا الطبيعية، والأنثروبولوجيا الثقافية. ويندرج تحت القسم الثاني ميادين: الإثنوجرافيا، والإثنولوجيا، وفي بعض الأحيان أيضاً ما لم تكن مستقلة عنها بعض الشيء – الآثار، والفولكلور واللغويات والأنثروبولوجيا الاجتماعية. وهنا يتساءل الإنسان عن سبب جمع هذه الميادين بالذات؟ ويسلم (لينتون) بأن تعريفه للأنثروبولوجيا (سوف يشمل بعض العلوم الطبيعية وجميع العلوم الاجتماعية. ولكن الأنثروبولوجيين يعدون – بناء على اتفاق ضمني بينهم – أن ميادين دراستهم الأساسية هي: دراسة الأصول البشرية. وتصنيف الأنواع البشرية، ودراسة حياة الشعوب التي تعرف باسم الشعوب (البدائية). والحقيقة أن سبب هذا الاختيار – الذي قد يبدو تعسفياً – لموضوعات الدراسة سبب تاريخي محض. فقد كان على الأنثروبولوجيا أن تبدأ كعلم غير متجانس، عبارة عن تكديس يضم جميع تلك الموضوعات التي كانت تعتبر في أربعينات وخميسينات القرن الماضي قادرة على إثراء معرفتنا بالإنسان، وقد ظل هذا الحشد من الموضوعات باقياً، إلى جانب بعض الإضافات الهامة (من جانب: بواس، وبرينتون Brinton، وسابير Sapir وغيرهم).
وتتمتع الأنثروبولوجيا – برغم تنوع الموضوعات – بتكامل متين، وذلك بفضل وحدة هدفها، وقد أعلن أحد دارسي الأنثروبولوجيا (وهو: تاكس Tax) أنه مقتنع بأن (التكامل يزداد ولا يتناقص، إذ لم يحدث أبداً في أي مكان أن قُيد معنى كلمة أنثروبولوجيا، على حين يحدث العكس باستمرار بفضل الاتصالات الدولية). ويرى مؤلف هذا القاموس أن الاتصالات بين العلماء من ميادين مختلفة عن موضوع الإنسان هي أحسن وسيلة من أجل تحقيق التكامل الحديث للأنثروبولوجيا.