د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: نزار قباني والبعد الاجتماعي في شعره 27/5/2010, 2:13 pm | |
|
نزار قباني والبعد الاجتماعي في شعره بقلم : د. سامية الساعاتي أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس نزار قباني شاعر متفرد, وجديد في أفكاره, ومتجدد, لكنه أطل علي العقل العربي, وعلي الثقافة العربية في وقت اتسمت فيه بالتقليدية الشديدة, لذلك عده البعض متجاوزا. ولعلنا قد تعلمنا من دروس التاريخ, أن الناس يهاجمون بشدة كل من يأتي بجديد في قراءة مجتمعه,وكل من يتجه إلي إصلاح مجتمعه, سواء في فكره, أو عادته, أو تقاليده, أو يجدد في علوم مجتمعه, بفروضها ومسلماتها, وقد حدث هذا علي طول التاريخ, وأتذكر في هذا الشأن فرويد أبو التحليل النفسي, ومن قبله عالم الطبيعة الشهير جاليليو. وكلما زادت خبراتي في علم الاجتماع, وزادت بالتوازي معها قراءاتي الشعرية, بخاصة قراءاتي لشعر نزار قباني( وقد بدأت الاهتمام بالشعر والأدب بشكل مكثف وأنا في المرحلة الثانوية), أقول إن ذلك أوضح لي أن نزار هو شاعر التغيير الاجتماعي, بل شاعر الثورة علي الظواهر الاجتماعية المعتلة, وأنه أهتم بأحوال مجتمعه العربي الكبير, وبثقافة هذا المجتمع, وبأهم همومه, ومعوقات تقدمه, بل إنه أيضا قدم تحليلاته, وحلوله, للإصلاح والتقدم.
لقد وجدت أن نزار قباني في شعره, هو عالم اجتماع يحس بأمراض مجتمعه الكبير, ومن أهمها مشكلات المرأة العربية, والعلاقة بين الرجل والمرأة في هذا المجتمع, وتمييز الولد علي البنت, والتوجه الذكوري للمجتمع العربي, كما أنه يتناول التنشئة الاجتماعية في ثقافتنا العربية وسلبياتها. وفي رحلتنا.. الكاشفة, والمضيئة, للوجه الاجتماعي لهذا الشاعر العبقري, سنستعين بتعريفه للشعر في كتابه ماهو الشعر؟ ثم بأشعاره التي ضمنها وفي كتابه الأعمال الشعرية الكاملة.
يقول نزار قباني في تعريفه للشعر الذي ضمنه كتابه ماهو الشعر؟.. ـ الشعر في تصوري مخطط ثوري, يضعه وينفذه إنسان غاضب ويريد من ورائه تغيير صورة الكون, ولا قيمة لشعر لا يحدث ارتجاجا في قشرة الكرة الأرضية. ـ كل قصيدة, بصرف النظر عمن كتبها.. وفي أي عصر كتبت فيه, هي محاولة لإعادة هندسة النفس الإنسانية.. وإعادة صياغة العالم. ـ لذلك لا أهمية لشعر يأخذ دور آلة تصوير المستندات.. فالقصيدة هي نسختها الأولي فقط.. وكل نسخة مسحوبة عنها. هي نسخة مزورة. فالتغير وليس الوصف والتقاط الصور هو هدف نزار. ـ وظيفة القصيدة هي خلخلة العلاقات القائمة بين الانسان والكون, لا تثبيتها والمصالحة معها. ـ لا يمكن لقصيدة ذات مستوي, إلا أن تزعزع قناعات المجتمع أي معتقداته وقيمه, أو تضرم النار في أوثانه, وأفكاره وعاداته. ويري نزار قباني أن الشعر ؟؟ وليس استاتيكيا, الشعر وظيفته الثورة علي القيم البالية, والتطلع إلي مستقبل بتغير معالم بما يتفق مع الحديث, والأكثر نفعا للبشر, وهو ما يسميه بالتجديد, والتحديث والتنمية.
وفيما يلي تناول لأحد أهم أعمال نزار قباني الشعرية, ذات المضمون الاجتماعي, والقصيدة بعنوان خبز وحشيش وقمر ويضمها ديوان قصائد. وتأتي أهمية هذه القصيدة, أنها تحلل المجتمع العربي تحليلا رائعا, فهي تكشف عن كثير من الظواهر الاجتماعية المقبلة في هذا المجتمع, كما أنها تكشف مثلا عن عملية تأثير ظاهرة الفقر, وتعاطي المخدرات, وكان أشهرها الحشيش والأفيون, ثم تطورت الآن إلي البانجو, والمخدرات المخلقة, وعاد الهيروين إلي الساحة بضراوة. تحدث نزار قباني في هذه القصيدة الكاشفة من عادات عربية مازالت تتبع, مثل زيارة القبور والأضرحة لطلب العون, أو الولد لمن لا تنجب ووصف الشخصية العربية, بالكسل والاتكالية, وهذا وارد في تحليلات علماء الاجتماع للشخصية العربية.
وقد حلل نزار الشعب العربي تحليلا اجتماعيا متميزا حين مزج بين تأثير الفقر, والمخدرات, والاعتقاد في الخرافات, وتدني المستوي الصحي والمخدرات عند نزار هي إما المخدرات المعروفة, وإما وسائل الحذر الأخري التي تؤثر في أبناء هذا الشعب العربي فتلهيهم من التقدم, وطلب العلم, والعمل الجاد المنتج, وفي رأيي كمتخصصة في علم الاجتماع أن هذه القصيدة من أفضل ما كتب نزار قباني في تحليل الثقافة العربية, ومن الغريب أن أبدعها سنة1956, لكنها مازالت تصدق في كثير مما جاء فيها علي الانسان العربي الآن وكذلك علي الثقافة العربية الآن, برغم مرور أكثر من خمسين سنة, علي هذه القصيدة, ولعل ذلك يرجع إلي التغير الاجتماعي البطيء الذي مرت به الثقافة العربية, وأسلوب الحياة العربي, الذي تجسده نهاية القصيدة في عيش العرب علي أمجاد السلف, والذي يحكم التفكير الماضوي, وليس التفكير المستقبلي. وفي مقطع من هذه القصيدة يقول نزار شرقنا المجتر.. تاريخا.. وأحلاما كسولة.. وخرافات خوالي.. شرقنا, الباحث عن كل بطولة.. في أبي زيد الهلالي..
وفي ديوان نزار يوميات امرأة لامبالية(1968) يواصل شاعرنا طرح الموروث الثقافي العربي, الذي يمجد الثقافة الذكورية, ويفضل الولد علي البنت, والرجل علي المرأة ويعالج كثيرا من الموضوعات التي يطلق عليا في علم الاجتماع الآن( الجندرGender) أو العلاقات والميكانيزمات التي تحكم أوضاع المرأة والرجل, ولا يتوقف نزار عند مستوي التحليل, بل يتعداه إلي التفسير والنقد, بل هو يلمس الجرح, ويقدم الحلول الاجتماعية. وفي صفحة(585) يقول نزار في اليوميات هم الفرق بين استقبال الولد والأنثي عند ولادتهما أنا أنثي.. أنا أنثي نهار أتيت للدنيا وجدت قرار إعدامي ولم أر وجه محكمتي ولم أر وجه حكامي وفي ديوان اليوميات يقول نزار: خرافة حرية النساء في بلادنا فليس من حرية أخري, سوي حرية الرجال. نشرت بجريدة الأهرام عدد 27 مايو 2010
| |
|