إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 منهج الإسلام في مواجهة مشكلة الفقر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

منهج الإسلام في مواجهة مشكلة الفقر Empty
مُساهمةموضوع: منهج الإسلام في مواجهة مشكلة الفقر   منهج الإسلام في مواجهة مشكلة الفقر Empty19/10/2008, 10:50 pm

منهج الإسلام في مواجهة مشكلة الفقر
بقلم‏:‏ د‏.‏ محمد شوقي الفنجري
عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف

ان التصور الإسلامي للمشكلة الاقتصادية أي مشكلة الفقر‏,‏ لم يرتبط منذ البداية بهدف توفير الضرورات الأساسية للمعيشة‏,‏ وإنما بهدف رفع مستوي المعيشة وتحسينه‏,‏ وهي ما انتهي اليه أخيرا الفكر الاقتصادي الحديث بعد أربعة عشر قرنا معبرا عنه بمصطلح الرفاهية الاقتصادية أو الرخاء المادي‏.‏ من ذلك يتبين أن الفقير في الإسلام فردا كان أو دولة‏,‏ هو من يعيش في مستوي تفصله هوة سحيقة عن المستوي المعيشي السائد في المجتمع المحلي أو العالمي المتقدم‏.‏ ويترتب علي ذلك أن المشكلة الاقتصادية في نظر الاسلام‏,‏ هي علي المستوي المحلي تكمن أساسا في اختلال التوازن الاقتصادي بين أفراد المجتمع‏,‏ وهي علي المستوي العالمي تكمن في الهوة المتزايدة بين الدول النامية والدول المتقدمة‏,‏ الأمر الذي نبه إليه الإسلام منذ أربعة عشر قرنا بقوله تعالي‏(‏ كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم‏).‏

مشكلة الفقر في الاقتصاد الاقتصاد الاسلامي‏:‏ مردها الانسان ذاته وفساد نظامه الاقتصادي سواء من حيث ضعف الانتاج أو سوء التوزيع فهي ذات صفة مزدوجة أو هي كالعملة الواحدة ذات وجهين أولهما يتعلق بوفرة الانتاج وثانيهما يتعلق بعدالة التوزيع‏,‏ بحيث لايغني أحدهما عن الآخر‏.‏ ذلك أن وفرة الانتاج مع سوء التوزيع هي احتكار واستغلال لايسلم به الإسلام‏,‏ كما ان عدالة التوزيع دون انتاج كاف هي توزيع للفقر والبؤس مما يرفضه الاسلام‏.‏

أن مشكلة الفقر في إحدي الدول أو المجتمعات الإسلامية هي مشكلة انتاج وتنمية أكثر من مشكلة توزيع وعدالة‏,‏ بينما يراها في دولة أو مجتمع اسلامي آخر هي مشكلة توزيع وعدالة أكثر منها مشكلة انتاج وتنمية‏,‏ ولايؤدي به ذلك إلي أن يكون متبعاـ في الحالة الأولي ـ الفكر الاقتصادي الرأسمالي‏,‏ أو أن يكون متبعا ـ في الحالة الثانية ـ الفكر الاقتصادي الاشتراكي‏,‏ مادام لايساير في الأساس الفكرين الوضعيين في تشخيص مشكلة الفقر‏,‏ وبالتالي موقفه في مواجهتها وحله لها‏.‏

وثمة أمر مهم يعتبره الاسلام في تشخيصه لمشكلة الفقر‏,‏ فهو لايقف بالنسبة للفقراء موقف الأثرة واللامبالاة شأن الفكر الاقتصادي الرأسمالي‏,‏ كما لايقف بالنسبة للأغنياء موقف الكراهية وتغذية الصراع ضدهم شأن الفكر الاقتصادي الاشتراكي‏,‏ وإنما هو يعمل علي التقريب بين الفئتين عن طريق إحلال التعاون والتكامل بينهما لا التناقض والصراع‏,‏ ثم هو في النهاية‏,‏ وعلي خلاف مختلف المذاهب والنظم الاقتصادية الوضعية‏,‏ لايستهدف في تعرضه لمشكلة الفقر الجانب المادي أو الاقتصادي فحسب‏,‏ وانما هو يستهدف أساسا الجانب الروحي أو الخلقي‏,‏ فهو حين طالب الناس بالعبادة وذكر الله‏,‏ علل ذلك في القرآن بقوله تعالي‏ ( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وامنهم من خوف‏).‏

ومن هنا حكم الاسلام بأن الاكتفاء أو التقدم المادي وحده لايفيد‏,‏ كما أن العبادة والتقدم الروحي وحده لايكفي‏,‏ وكما نري ونلمس‏,‏ لاقيمة لحضارة متقدمة أو تقنية متفوقة بدون مثل وارتباط بالله تعالي وخشيته‏,‏ وإلا فإن هذه الحضارة وتلك التكنولوجيا ستصبح بدون صمام أمان‏,‏ وبالتالي لابد أن تطغي وتنتهي لتصبح عنصر فساد وتدمير‏.‏

كشف لنا الإسلام عن سبب مشكلة الفقر وأن القضية ليست قضية ندرة موارد كما يذهب الفكر الرأسمالي أو مردها أشكال الانتاج السائد كما يذهب الفكر الاشتراكي وإنما مردها سلوك الانسان نفسه سواء بظلمه إزاء أخيه الإنسان‏,‏ أو بكفرانه النعمة إزاء الموارد الطبيعية‏.‏ لذلك كان الحل الإسلامي هو ضمان حد الكفاية لكل فرد يوفره لنفسه ولمن يعولهم بعمله وجهده‏,‏ فإن لم يستطع ذلك لسبب خارج عن إرادته‏,‏ كمرض أو عجز أو شيخوخة أو تعطل تكلفت له بذلك الدولة من مال مؤسسة الزكاة التي انفرد الاسلام بإنشائها منذ أربعة عشر قرنا‏.‏

ولقد عالج الإسلام كفران النعمة بما وضعه للإنتاج من أحكام‏,‏ كما كفل محو الظلم بما وضعه للتوزيع من تعاليم‏,‏ وكان له في ذلك حلوله الخاصة سواء بالنسبة للإنتاج أو بالنسبة للتوزيع‏,‏ مما يميزه عن سائر المذاهب والنظم الوضعية‏,‏ ونبينه فيما يلي‏:‏ـ

‏(‏أ‏)‏ بالنسبة للانتاج‏:‏ يدعو الإسلام إلي التعمير والتنمية الاقتصادية بقوله تعالي‏ ( هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها‏)‏ هود‏/61‏ أي كلفكم بعمارتها‏,‏ ويعتبر العمل والانتاج والتنمية من ضروب العبادة‏,‏ بل هو بنص الأحاديث النبوية من أفضل صورها‏,‏ ولقد سوي الله تعالي بين المجاهدين في سبيل الله وبين الساعين علي الرزق بقوله تعالي‏ (‏ وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله‏)‏ المزمل‏/20,‏ بل بلغ حرص الإسلام علي التنمية الاقتصادية وتعمير الدنيا أن قال الرسول عليه الصلاة والسلام‏:‏ إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة ـ أي شتلة فاستطاع ألا تقوم حتي يغرسها‏,‏ فليغرسها فله بذلك أجر‏,‏ وهو في ذات الوقت ينذر بعذاب أليم الذي يكنزون المال أو يحبسونه عن الإنتاج والتداول‏,‏ ويصف الكسالي والمستضعفين في الأرض بأنهم ظالموا أنفهسم وأن مأواهم جهنم وبئس المصير‏.‏

‏(‏ب‏)‏ بالنسبة للتوزيع‏:‏ يقرر الإسلام ضمان حد الكفاية لكل فرد باعتباره حق الله الذي يعلو فوق كل الحقوق وبحيث لايسمح بالغني مع وجود الفقر والحرمان وانما يبدأ الغني والتفاوت فيه بعد إزالة الفقر والقضاء علي الحرمان‏,‏ ومع ذلك فإن هذا التفاوت ليس مطلقا‏,‏ بل هو تفاوت منضبط بالقدر الذي لايخل بتوازن المجتمع‏.‏

يجمع فقهاء الإسلام علي اعتبار ولي الأمر آثما إذا لم يوفر حد الكفاية لكل فرد أخذا مما زاد عن حاجة الأغنياء لقوله تعالي‏Sadفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم‏)‏ فاستخدم الله تعالي مصطلح حق ولم يقل إحسان أو تبرع وقوله تعالي‏ (‏ للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن‏),‏ فلم يقل تعالي ما اكتسبوا وإنما فقط نصيب مما اكتسبوا اذا كانوا افرادا ونصيب مما افاء الله عليهم اذا كانوا دولا‏,‏ ومن ثم جاء الحديث النبوي صريحا‏:‏ تؤخذ من أغنيائهم فترد علي فقرائهم‏.‏

ولايفهم من ذلك نزع الملكية أو الاستيلاء علي أموال الناس‏,‏ وإنما فقط أخذ الفضل من الغني بقدر كفاية الفقير إذ لايتصور الإسلام أن يبيت فرد أو دولة علي شبع وجاره إلي جنبه جائع وهو يعلم‏.‏ وصدق الخليفة عمر بن الخطاب في قوله‏:‏ إن الله استخلفنا علي عباده لنسد جوعتهم ونوفر لهم أمنهم‏,‏ فإن لم نفعل فلا طاعة لنا عليهم ذلك لأن المال في الإسلام هو مال الله‏,‏ والبشر ـ بنص القرآن ـ مستخلفون عليه ومسئولون عنه أمام الله‏,‏ وعليه فإن يدهم علي هذا المال أو الثروة في يد أمانة‏,‏ وملكيتهم لها هي مجرد وظيفة شرعية أو اجتماعية‏,‏ ومن ثم فقد أوجب الله تعالي علي كل فرد غني‏,‏ وبالمثل كل دولة غنية‏,‏ التزامات معينة تتمثل في تقديم مايزيد علي حاجة الفرد الغني أو الدولة الغنية إلي الفرد أو الدولة المحتاجة وذلك دون حدود سوي مايسد أو يكفي هذا الفرد أو تلك الدولة المحتاجة‏,‏ علي أن يبدأ بالأقرب فالأقرب وكل ذلك إعمالا لقوله تعالي‏:‏ ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو والعفو هنا هو الفضل‏,‏ أي ما زاد علي الحاجة وقوله تعالي‏ (‏ ولاتنسوا الفضل بينكم‏).‏

ولقد صاغ الإمام الشافعي العلاقة بين الأغنياء والفقراء‏,‏ أفرادا كانوا أو دولا في عبارة دقيقة مشهورة عنه بقوله إن للفقراء أحقية استحقاق في مال الغني‏,‏ حتي صار بمنزلة المال المشترك بين صاحبه وبين الفقير بينما ذهب الفقيه أحمد بن علي الدلجي في كتابه الفلاكة والمفلوكون أي الفقر والفقراء إلي القول‏:‏ أن من حق المحروم أن يري النعم التي بأيدي الناس مغصوبة‏,‏ والمالك المستحق يطالب باسترداد ماله من أيدي الغاصبين‏.‏

هذا هو موقف الإسلام بالنسبة لأكبر مشكلة أو أكبر تحد يواجه دائما الإنسانية عبر مسارها وتاريخها الطويل‏.‏ بل هذا هو حق الانسان في الإسلام‏,‏ الذي أكده منذ أكثر من أربعة عشر قرنا‏,‏ من حيث ضمان حد الكفاية لكل فرد أيا كانت جنسيته أو ديانته‏,‏ وذلك كحق إلهي مقدس يعلو فوق كل الحقوق‏,‏ ولو أدي الأمر في حالات الشح أو المجاعة‏,‏ وهي ظروف استثنائية‏,‏ إلي أن يتساوي الجميع في حد الكفاف.
نشرت بجريدة الأهرام عدد 19/10/2008
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
 
منهج الإسلام في مواجهة مشكلة الفقر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
قضــــايا ومنــاقـشــــات فى كل المجالات
-
انتقل الى: