د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: فيروس التفكك .. الزاحف على ضفاف النيل 5/4/2010, 12:12 am | |
|
فيروس التفكك .. الزاحف على ضفاف النيل بقلم الصحفى الكبير سعد هجرس كنت أتمنى لو أن الحكومة قد تواجدت فى الغردقة فى نهاية الأسبوع الماضى لتستمع إلى آراء كوكبة من الخبراء والأكاديميين والمفكرين والكتاب استضافتهم الهيئة القبطية الإنجيلية لتقييم حاضر ومستقبل حالة "التماسك الاجتماعي" فى مصر عبر يومين متتاليين. وكانت خلاصة "الأشعة المقطعية" التى استخلصوها هى أن حالة التماسك الاجتماعي فى الوقت الحالى ليست على ما يرام وأن الأمور إذا استمرت على ما هى عليه ستؤدى إلى تعريض القدر المتاح من "تماسك اجتماعي" إلى المزيد من التراجع فى مواجهة فيروس "التفكك"الذى يهاجم الوطن والأمة بضراوة شرسة.. على مختلف المحاور. والقضية كما نعلم لست حكرا على مصر فقط، وإنما هى مشكلة حقيقية تواجه كل تجمع بشرى فى مشارق الأرض ومغاربها وهناك من هذه التجمعات من ينجح فى الحفاظ على "تماسكه" فيتقدم إلى الأمام ومنها من يخفق فيواجه مصير "التفكك" والتفسخ.. وأحيانا الاندثار والانقراض. كما أن جدلية "التماسك" و "التفكك" ليست مطروحة على جدول أعمال المجتمعات المختلفة فى عالم اليوم فقط، وإنما هي قائمة عبر التاريخ، وإن كانت تتخذ أشكالاً مختلفة على مر العصور. ولذلك حسنا فعلت حلقة نقاش الغردقة حين وضعت إشكالية التماسك الاجتماعى فى سياق التاريخ والجغرافيا. فقدم الدكتور عاصم الدسوقى استعراضا تاريخيا لهذه القضية خلص إلى التحذير من مغبة التهديد المتزايد لمفاهيم "ماضوية" – مثل الذمة – واستشراء جماعات الاسلام السياسى، على التماسك الوطنى. أما الجغرافيا التى خلقت تماسك مصر عبر العصور حيث أجبرته تقلبات النيل على التضامن و"المزاملة" لمواجهة موجات الفيضانات والجفاف على حد سواء، فقد تغيرت تأثيراتها بعد بناء السد العالى – وفقاً للرؤية التى قدمها الدكتور فتحى أبو عيانة ، فبعد أن كانت مصر أرضا لاستقبال الهجرات تحولت إلى أرض طاردة لسكانها. كما أن تركز السكان فى شريط ضيق لا تزيد مساحته عن 5 -7% من مساحة مصر خلق ما يمكن تسميته بـ " ثقافة الزحام" واختتم "أبو عيانة" ورقته بالتحذير من خطورة "الدولة الرخوة" على التماسك الاجتماعى.*** وبالانتقال من تحولات التاريخ وثوابت الجغرافيا وضع عالم الاجتماع المرموق الدكتور سمير نعيم أحمد أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس المسألة فى سياق السوسيولوجيا موضحاً أن التماسك الاجتماعى لا يتحقق بالشعارات أو الأمنيات وإنما له مقومات محددة أهمها إشباع الاحتياجات الأساسية لكل هذه الأطراف، والشعور بالأمن والأمان، والتفاعل الايجابى والحوار وتوافر قنوات الاتصال بين شتى الأطراف، والعدالة الاجتماعية وعدم التمييز. بينما تضع التماسك الاجتماعى موضع التساؤل تحديات متعددة مثل التفاوت بين الفقراء والأغنياء والتفاوت بين الريف والحضر، والتفاوت بين المرأة والرجل، والفجوة بين الدخول والأسعار، والتطرف الدينى، والتمييز على أسس طبقية وعقائدية ونوعية وهوية. والواقع الحالى يقول أن هناك أخطاراً حقيقية تهدد تماسكنا الاجتماعى. وذلك كله لا يترك أمامنا سوى اثنان من السيناريوهات: سيناريو "سكة الندامة" الذى يمهد له الطريق تدهور شروط التماسك الاجتماعى اذا ما استمرت السياسات الحالية. وسيناريو "سكة السلامة" بتحقيق شروط التماسك الاجتماعى عن طريق مشروع نهضوى أساسه المواطنة للجميع والاستثمار الأمثل لإمكانات مصر البشرية والمادية، والعدالة الاجتماعية، والديموقراطية. ***وبوضع القضية ذاتها فى سياقها الاقتصادى قدم الزميل عبدالقادر شهيب رئيس مجلس إدارة "دار الهلال" رؤية محددة تنطلق من أن التعدد الطبقى موجود فى كل المجتمعات ولا يعنى وجوده أنه لا يوجد تماسك فى المجتمع. المشكلة تظهر فقط عندما يحدث تفاوت طبقى خطير وصراعات تقود إلى مشاكل تهدد هذا التماسك الاجتماعى. وهذا هو بيت القصيد حيث يوجد لدينا تفاوت اجتماعى يتفاقم وطبقة سائدة لا تحترم القانون وتفرض قيمها الأنانية على المجتمع، ولا وجود لحل سلمى لهذه المشكلة دون توافر الحد الأدنى من العدل الاجتماعى. ولفت النظر إلى أن آليات التحول التى صاحبت انتهاج سياسة "الانفتاح الاقتصادى" شجعت كلها على زيادة هذا التفاوت ، سواء الآليات التشريعية التى تأخرت كثيراً ثم جاءت منزوعة المخالب (مثل قانون منع الممارسات الاحتكارية وقانون حماية المستهلك)، والخصخصة (التى حفلت بنماذج صارخة للفساد)، أو منح أراضى الدولة بدون ضوابط، أو منح التراخيص للمحاسيب حسب الأهواء. *** ومن المنظور الثقافى أمسك الكاتب الصحفى المتميز حلمى النمنم بداية الخيط من أحد شخصيات أديب مصر الكبير نجيب محفوظ فى قصة "حب بلا بداية ولا نهاية" عندما قال "نحن نعيش فى زمن الكهول الأوغاد". منوهاً بأن التعددية ليست "ملاكا" ولا "شيطانا"، فهى فى معظم الأحيان مرادفة للتماسك الاجتماعى، لكن التعامل الخاطئ معها يؤدى فى بعض الأحيان إلى كوارث، مستشهداً بالخبرة العراقية فى هذا الصدد حيث تم التعامل مع التعددية بمنطق "المحاصصة الطائفية". وانتهى إلى أن الاستقطاب السياسى والاقتصادى والاجتماعى والدينى والثقافى الحالى ضد التماسك الاجتماعى بكل تأكيد.*** ومن المنظور السياسى ربط الدكتور إسماعيل سعد أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة الإسكندرية بين التماسك الاجتماعى وبين الديموقراطية مشدداً على أن التشوهات الكثيرة التى تتميز بها العملية السياسية فى مصر حاليا هى أكبر تهديد للتماسك الاجتماعى.وأخيراً .. وليس آخرا .. يأتى السياق الدينى، وبخاصة بعد أن أطلت الفتنة الطائفية بوجهها القبيح، وأضرمت النيران فى نسيج الوحدة الوطنية. وبهذا الصدد قدم الدكتور محمد كمال إمام الأستاذ بحقوق الإسكندرية ورقة مهمة انطلقت من التأكيد على أن هناك أطروحات تهدد التماسك من المنظور الدينى، أهمها تلك التى تكرس التمييز على أساس مذهبى أو طائفى، وتلك التى تستبدل المرجعية العقلانية بمرجعية خرافية، وتلك التى تسئ تفسير الدين، وأخيراً تراجع الدولة وتراخيها عن تطبيق القانون. وفى نفس السياق كان ملفتاً للنظر قول القس راضى عطا الله من الكنيسة الإنجيلية "أنا مصرى قبل أن أكون مسيحيا .. فالدين بالنسبة لى هوية فرعية". أما الشيخ الجليل محمود عاشور وكيل الأزهر السابق فقد أكد مرارا وتكراراً على أن الإسلام ليس ضد المسيحية أو حتى البوذية وعلى أن الاسلام لا يقف ضد المرأة، بل أجاز توليها القضاء، ورئاسة الدولة .. كما أن التفسير الصحيح للإسلام لا يعادى الفن ولا يقوم بتحريمه، بما فى ذلك التصوير والنحت. وحذر الشيخ عاشور من أن استخدام الدين فى تهديد التماسك الاجتماعى يأتى من التدين الشكلى من ناحية والأصابع الاستعمارية والخارجية من جهة أخرى.*** وبالإجمال كانت الرسالة الأساسية لمداولات 48 ساعة بين عدد من العقول المصرية المستنيرة -كان لى شرف الحضور معهم - هى ان فيروس التفكك موجود على ضفاف النيل، وأنه يزداد نشاطا يوما بعد آخر، وأصبح يهدد التماسك الاجتماعى. ويزيد من أهمية هذه الرسالة الخطيرة أنها لم تأتى من جانب شخصيات معارضة أو نتيجة "تسييس" للموضوع، وإنما جاءت نتيجة فحص علمى لشتى الأبعاد والمحاور، شاركت فيه شخصيات مرموقة من كافة الأطياف السياسية بما فيها الحزب الوطنى (حيث شارك عدد من قياداته على رأسهم الدكتور نبيل حلمى عميد كلية الحقوق بجامعة الزقازيق السابق) وأكاديميين مرموقين من مجالات علمية متعددة. فهل تستمع الحكومة إلى التحذير القادم من الغردقة أم تستمر فى العناد ورفض كل مطالب التغيير التى أصبحت محفوظة عن ظهر قلب؟! نشرت فى الحوار المتمدن - العدد: 2953 - 2010 / 3 / 23
| |
|