إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى خطوة على طريق الوعي |
|
| فـــؤاد زكــريا.. ســلطان العقــل | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: فـــؤاد زكــريا.. ســلطان العقــل 19/3/2010, 3:12 pm | |
|
فـــؤاد زكــريا.. ســلطان العقــل بقلم/ د. سمير محمود القفز بمظلات العقل فوق أسوار الخرافة, وركام الجهل والتعصب, والدعوة الي الحرية, هواية مارسها باحتراف لأكثر من نصف قرن. حروب مقدسة خاضها المفكر الفيلسوف الراحل فؤاد زكريا ضد التخلف والمسلمات الفكرية والثوابت الظلامية, متحصنا بالعقل النقدي, رافعا راية العقلانية حتي النهاية. أبحر في أعماق العقل العربي, فاصطدم بكتل هلامية من التفكير اللاعقلاني, وأزعجه الحضور الطاغي للخرافة, والغياب الملحوظ للمنطق, فخرج بصيده الثمين: مشكلة العقل العربي, والتي تعني ان التفكير العلمي السليم مازال بعيدا عن التغلغل في أذهان الناس وحياتهم العامة علي المستويات والطبقات كافة. شغلته هذه المعضلة طوال النصف الثاني من القرن العشرين وتناولها في كتبه التفكير العلمي, خطاب الي العقل العربي, مشكلات الفكر والثقافة.التفكير العلمي الذي قصده فيلسوف الحياة لا ينصب علي مشكلة متخصصة بعينها أو حتي علي مجموعة من المشكلات المحدودة التي يعالجها العلماء, ولا يفترض معرفة بلغة علمية أو رموز رياضية خاصة, ولا يقتضي ان يكون ذهن المرء محتشدا بالمعلومات العلمية أو مدربا علي البحث المؤدي الي حل مشكلات العالم الطبيعي أو الانساني, بل إن ما نود ان نتحدث عنه انما هو ذلك النوع من التفكير المنظم, الذي يمكن ان نستخدمه في شئون حياتنا اليومية, أو النشاط الذي نبذله حين نمارس أعمالنا المهنية المعتادة, وفي علاقتنا مع الناس ومع العالم المحيط بنا. وهكذا نجح أبرز أركان الدعوة الي العقل النقدي والدولة المدنية, في جر الفلسفة من برجها العاجي والنزول بها الي حياة الناس ومعاملاتهم اليومية, بوصفه صاحب مشروع حضاري تنموي يفوق تنظيرات المتعملقين الذي حولوا الفلسفة الي تابوهات وطلاسم ومناطق اهتمام محظورة علي الأقل بالنسبة للعامة.بورسعيد شهدت بداية الرحلة بمولده في ديسمبر1927, ثم تخرجه في قسم الفلسفة بآداب القاهرة1949, وحصوله علي الدكتوراه من جامعة عين شمس عام1956, وعمله بالجامعة نفسها حتي ترؤسه لقسم الفلسفة عام1974, ومن بعدها سافر الي الكويت أستاذا ورئيسا للقسم بكلية الآداب حتي عام1991. خلال محطته بالكويت ألف وترجم روائع في الفكر والفلسفة بجانب رئاسته لتحرير مجلة الفكر المعاصر وعضويته بهيئة تحرير أهم سلسلة ثقافية في العالم العربي وهي عالم المعرفة. ثمانينات القرن الفائت شهدت واحدة من معاركه الفكرية المثيرة بإصداره لكتابه الحقيقة والوهم في الحركة الاسلاميةالمعاصرة والصحوة الاسلامية في ميزان العقل وكلاهما فسر ملامح فكره وشعاره الذي أطلقه في منتصف القرن العلمانية هي الحل.أكد في غير موضع ان العقول لا تتغير من فراغ, فلا معني لدعوة تغيير طرق التفكير عند الناس أولا, ثم بعد ذلك تغيير الظروف والأوضاع لان الدعوة بهذا الشكل دعوة معكوسة علي حد قوله, فالعقول لا يعاد تشكيلها بقرار فوقي أو خطة طويلة المدي, العقول لا تبدأ التغيير الا بعد ان تتغير الأوضاع من حولها. في عام1991 وقف بشجاعة ضد صدام حسين, وطالب العرب بعدم مساعدته رافضا غزوه للكويت, الذي حتما سيقود الأمة إلي الوراء ويجلب لها من الكوارث ما لا تطيق. الجرأة السياسية لازمته طول حياته وشهادته السابقة ضمنها في كتابه الثقافة العربية وأزمة الخليج.. وبسببها حسبه البعض علي الكويت, لعمله بالمؤسسات الثقافية الكويتية آنذاك. زكريا الذي عاش بأمريكا لفترات حين درس الفلسفة بجامعة نورث كارولينا وحين عمل مترجما بالأمم المتحدة, لم يتردد في نقد النموذج الأمريكي في وقت كان الانبهار به وبالدولة الحلم علي أشده.. وهكذا جاءت أراؤه وتحليلاته صادمة عميقة في كتابه العرب والنموذج الأمريكي فهل كانت شهادته مجروحة هذه المرة؟ اشتبك بالفكر والرأي والتحليل الفلسفي مع الناصرية ومع أفكار الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل, وطرح رؤيته الخاصة التي تليق بمفكر ليبرالي يساري محافظ في كتابه الأشهر كم عمر الغضب محللا ما ورد في كتاب هيكل خريف الغضب. في كتابه المهم والمغمور أيضا مغامرة التاريخ الكبري... علي ماذا يراهن جورباتشوف كسب زكريا رهان دهاء التاريخ, ذلك الاقتراب الذي استند اليه في تنبئه بالهدم الكامل للتجربة السوفيتية نقيضا للبرويسترويكا أو إعادة البناء. عاشق الموسيقي الذي رحل عن83 عاما ترك لنا زادا ثقافيا ثريا استهله بـنيتشه واسبينوزا ونظرية المعرفة. وتبعه بالانسان والحضارة والتعبير الموسيقي, كما ترجم جمهورية أفلاطون وكتاب القوانين, المنطق وفسلفة العلوم, الفن والمجتمع عبر التاريخ, حكمة الغرب, تراث الإسلام, وغيرها من الأعمال التي تستحق القراءة والنقاش الجاد.
عدل سابقا من قبل algohiny في 23/3/2010, 2:11 pm عدل 1 مرات | |
| | | د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: فؤاد زكريا فولتير مصر 20/3/2010, 2:30 pm | |
| فؤاد زكريا فولتير مصر بقلم الدكتور جلال أمين جريدة الشروق المصرية عدد 19 مارس 2010فى حياة فقيدنا العظيم الدكتور فؤاد زكريا، الذى رحل عن دنيانا منذ أسبوع (11 مارس 2010) أشياء مدهشة يندر أن تجتمع فى شخص واحد. كان يملك عقلا قاطعا كالسيف، قادرا على التصدى لأعقد المشاكل الفكرية والفلسفية، ولكنه إذا جلس ليكتب كتب بأسلوب بالغ السهولة وعبارات واضحة تمام الوضوح. كان أستاذا للفلسفة فى الجامعة، ولكنه لم يتردد فى الاشتراك فى معارك صحفية، فله فى كل شأن عام رأى، مما يحجم عنه عادة الأساتذة الجامعيون. مؤمن إيمان عميق بالديمقراطية ولا يرى أن من الممكن تحقيق أى تقدم بدونها، ولكنه قادر دائما على تحدى الغوغائية، وعلى اتخاذ مواقف تتعارض مع ما تتبناه الجماهير الغفيرة، والتعبير عن مواقفه بكل صراحة وشجاعة. يحب وطنه حبا جما، ويتبنى قضاياه ويحارب أعداءه، ولكنه ليس مستعدا لمجاراة زعيم وطنى يتبنى نفس القضايا ويحارب نفس الأعداء، إذ رأه يتنكر لقضية الديمقراطية. يتعاطف مع الفقراء ويتبنى قضية العدالة الاجتماعية، ولكنه يستنكر معظم الماركسيين عندما يراهم يتعاونون مع الحكم ويؤيدونه، متذرعين بأمل زائف فى أن يحقق هذا الحاكم أهدافهم البعيدة. يقبل أن يرأس تحرير مجلات ثقافية حكومية، رغم ما لديه من اعتراضات مهمة على سياسة الحكومة، ويقبل مناصب مهمة فى هيئات ثقافية حكومية، طالما شعر بأنه لا يزال يملك من الحرية ما يسمح له بخدمة الثقافة، ولكنه يتخلى عن هذا المنصب وذاك بمجرد أن يشعر بأنه لم يعد قادرا على تنفيذ أفكاره. دخل كل المعارك وبقى نظيفا. وكان لديه من الشجاعة ما يجعله ينتقد بكل صراحة أشخاصا مهمين أو حكاما قادرين على إيذائه، أو آراء يجمع عليها العامة. وكأنه يرفض الاعتقاد بجدوى البقاء نظيفا عن طريق إيثار السلامة، وتجنب أى معركة قد يلوث فيها المرء يديه أو ثيابه. إذ ما جدوى النظافة فى هذه الحالة؟ لقد انتقد النظام الناصرى بقوة، وانتقد الماركسية، وانتقد الانبهار الساذج بالنموذج الأمريكى فى الحياة، كما انتقد بقوة التفسير اللاعقلانى والغوغائى للدين. وخرج من كل هذه المعارك سالما ومحترما، وحظى بالتقدير الكامل وإن لم يحظ بالشعبية. من الواضح أن القيمة العليا فى نظره كانت تغليب العقل، والتعبير عما يقضى به المنطق السليم بصرف النظر عما يمكن أن ينتج عن ذلك من مكافأة أو عقاب بذلك يمكن اعتباره بكل جدارة فولتير مصر، ولكنه لم يحظ فى بلده مثلما حظى به فولتير فى فرنسا من مجد. إذ كان فولتير يكتب وفرنسا فى حالة صعود وازدهار، بينما كان فؤاد زكريا يكتب ومصر فى حالة تدهور وانكسار. لم يكن غريبا إذن أن تتأخر عنه جوائز الدولة، وألا يحظى منها بما حظى به غيره الأقل منه قدرا ولكنهم الأجرأ فى تملق الحكام. ومع ذلك فلم يصدر عنه قط أى تعبير عن سخط أو تبرم من أن الدولة لم تعامله المعاملة التى يستحقها. كان من الواضح أن المكافأة الحقيقية فى نظره هى أن يكون راضيا عن نفسه، وقد حظى بهذه المكافأة، فيما يبدو لى، حتى آخر لحظة فى حياته. اشتركت معه فى معركة صحفية صغيرة، منذ نحو ثلاثين عاما، أعتقد الآن أنه كان فيها أكثر حكمة منى. فقد نشر مقالا فى مجلة الهلال، بمناسبة ذكرى هزيمة 1967، قال فيه إننا هزمنا فى هذه الحرب بسبب غياب الديمقراطية. فرددت عليه فى نفس المجلة بمقال بعنوان «دفاع نبيل عن قضية باطلة»، قلت فيه إننا كنا سننهزم لا محالة، فى ظل تصميم الولايات المتحدة على ضربنا، وبالنظر إلى ضعفنا العسكرى بالنسبة للقوة الأمريكية التى تدعم إسرائيل، وسواء كان لدينا نظام ديمقراطى أو لم يكن. قلت إن القضية التى يدافع عنها د. فؤاد زكريا، وهى الديمقراطية، قضية نبيلة بلا شك، ولكن التفسير الذى تبناه لم يكن التفسير الصحيح للهزيمة مازلت أعتقد أن تفسيرى كان أقرب إلى الصحة من تفسيره، ولكنه كان أكثر حكمة منى فى اختيار التأكيد على قضية الديمقراطية فى وقت كنا محرومين فيه منها (وكما بقينا حتى الآن). وصلنى عن طريق رئيس التحرير آنذاك (الأستاذ مصطفى نبيل) أن فؤاد زكريا عبر له عن استيائه الشديد من موقفى، وأظن أننى لو كنت أكبر سنا فى ذلك الوقت أو أكثر حكمة، ما كتبت ذلك المقال.قبل وفاة د. فؤاد زكريا بأسابيع قليلة نشرت له جريدة الأهرام (فى الملحق الأدبى 22 يناير 2010) مقالا غريبا بعد غياب طويل جدا له عن الكتابة فى الصحف، بسبب ما كان يعانى منه من حرص وضعف البصر. كانت رؤية اسمه على المقال سارة ومدهشة، ولكن الأكثر إدهاشا كان موضوع المقال، إذ بدا وكأنه يأتى إلينا من كوكب آخر لا يعرف أهله ما مر به سكان كوكب الأرض (وخاصة سكان مصر) من محن خلال الثلاثين أو الأربعين عاما الأخيرة. كان عنوان المقال «محنة الموسيقى الكلاسيكية فى البرنامج الموسيقى» وشكا د. زكريا فيه من عيبين وجدهما فى البرنامج الموسيقى فى الإذاعة المصرية، أحدهما يتعلق بمحتوى هذه البرامج والآخر بطريقة تقديمها. أما عن المحتوى، فقد اشتكى الدكتور زكريا من سوء اختيار ما يذاع فيها من موسيقى، ومن ذلك تجاهلها الشديد لموسيقى بيتهوفن. فيقول فى براءة محببة: «هل يذكر أحد كم سنة مضت منذ أول مرة اذيعت فيها سوناتا البيانو العظيمة رقم 29، (لبيتهوفن) وكذلك السوناتا..... إلخ؟». الدكتور فؤاد زكريا معروف منذ زمن طويل بعشقه للموسيقى، وخاصة الموسيقى الكلاسيكية الغربية، وكنت قرأت كتابا صغيرا وجميلا اسمه «التعبير الموسيقى»، وأنا فى نحو العشرين، ولم يكن هو قد بلغ الثلاثين، ومازلت احتفظ بهذا الكتاب حتى الآن من شدة إعجابى به، ولكنى لم أكن أتوقع أن الدكتور زكريا وقد جاوز الثمانين سوف يكتب محاولا «إصلاح» حالة الموسيقى فى الإذاعة المصرية، والناس مشغولون بطريقة الحصول على أنابيب البوتاجاز، وتدبير تكاليف الدروس الخصوصية، قلت لنفسى، عندما قرأت المقال، ما أشد نقاء وبراءة هذا الرجل، وما أشد حبه للإصلاح فى أى مجال يطوف بذهنه. وما أشد أسفنا الآن، وقد سمعنا بوفاته، أن نفقد رجلا مثله.
| |
| | | د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: رد: فـــؤاد زكــريا.. ســلطان العقــل 23/3/2010, 1:57 pm | |
| أسـتاذي فـؤاد زكريـا بقلم/ الدكتور جابر عصفور لم أتلق العلم بشكل مباشر عن فؤاد زكريا الذي رحل في صمت, يليق به ولا يليق بنا, ولكنه كان أستاذا لي, تعلمت من كتبه ومواقفه والاقتراب منه, في سنوات عملي في جامعة الكويت ما لم أتعلمه من بعض أساتذتي المباشرين, وأعتقد أني أدين له بأربعة جوانب أساسية. أولها: النزعة العقلانية الصارمة, وهي نزعة تليق بالفلسفة النقدية التي ظل فؤاد زكريا منحازا إليها في كل ممارساته الفكرية, وأحسبني تعمقت فهم معاني الوعي النقدي بسببه, وتيقني من ضرورة وضع كل شيء موضع المساءلة, كي يأتي الاقتناع علي أسس راسخة, بعيدة عن الهوي أو الوقوع في شراك الإيديولوجية, خصوصا في بريقها التخيلي. وكانت عقلانية فؤاد زكريا قرينة تبني المنهج العلمي الذي رأي فيه طريقا إلي المستقبل الواعد, وترك فيه كتابا نادرا في الثقافة العربية الغالبة التي يغلب عليها العداء للعقل والعلم علي السواء. ومن المؤكد أن عقلانية فؤاد زكريا هي التي جعلت منه رمزا من رموز الاستنارة, والدولة المدنية علي السواء, فقد وصل, دائما, بين العقل والعلم في الكشف عن حقائق الأشياء, ومن ثم التصدي للسلفية الجامدة والاتباع السلبي في الفكر الديني المتخلف الذي ناصبه العداء, طوال إقامته في الكويت, فهناك ابتدع مصطلح إسلام النفط أو البترو إسلام الذي أفدته منه, ونقلته عنه, في دراستي( التي أثارت علي ثائر الكثيرين) عن إسلام النفط والحداثة. وقد وقفت فيها عند إسلام النفط بوصفه بنية فكرية ذات وظائف إيديولوجية, حاولت تحليل نظرتها القمعية إلي الحداثة الأدبية والفكرية بوجه عام. كنت أمضي في هذه الدراسة وغيرها من كتاباتي التنويرية في الطريق الذي سبقني إليه, ورادني فيه, فؤاد زكريا الذي كان يداعبني بقوله: أنت دارس للفلسفة بالفطرة ولكنك ضللت طريقك إلي قسم اللغة العربية. وكنت أقول له مشاكسا: لا تنس أن كل ناقد أدبي كبير لا وزن له إلا إذا كان منطويا علي رؤية فلسفية شاملة وعميقة. وكنت أضرب له المثل بجورج لوكاش وأمثاله من الذين كانت رؤاهم تضفي عمقا استثنائيا علي ممارساتهم النقدية في الآداب أو الفنون.
وأتصور أن نزعة المساءلة التي اكتسبها فؤاد زكريا من الفلسفة النقدية هي التي جعلته يضع البنيوية موضع المساءلة, متأملا ما لها وما عليها, مقدما لنا, نحن الذين تأثرنا به, درسا لا ينسي في عدم الانبهار بشيء من الموضات إلا بعد وضعه موضع المساءلة النقدية بمعناها الفلسفي. وكانت سلاسة الكتابة عند فؤاد زكريا وقدرته علي تقديم أعقد المفاهيم بأسهل العبارات, صفة ورثها عن أستاذه زكي نجيب محمود علي وجه الخصوص, وأورثها لي في مجال الكتابة النقدية التي أتمثل فيها, دائما, قول محمد مندور: إن الفهم تملك للمفهوم. وقد كان فؤاد زكريا يتملك المفاهيم الفلسفية من أفلاطون إلي ماركيوز, مرورا باسبينوزا, علي نحو يجعلها طيعة لأسلوبه الذي كان ينفر من الحلي اللفظية والإسهاب والإطناب, مؤثرا عليها اللغة العارية الواضحة الحاسمة مثل حد الموسي.
وقد اكتسبت من فؤاد زكريا, عندما زاملته في الكويت, صراحته التي لا تعرف المجاملة أو المناورة. ولا أنسي حلقة دراسية قمت بتنظيمها في آداب الكويت عن مناهج البحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية, وقد أسهم الأساتذة الكبار بأبحاث في مجالاتهم المختلفة, وتركت التعقيب الختامي لفؤاد زكريا الذي قرأ الاسهامات كلها, وقام بالتعقيب عليها, بعد وضعها جميعا موضع المساءلة, وكانت النتيجة تعقيبا من أعمق وأقسي ما سمعت من تعقيبات, إذ لم يجامل الرجل أحدا, وكشف عن العوار المنهجي في كل البحوث التي تتحدث عن المنهج, وقد كانت هذه الصراحة الفكرية قرينة صراحتة السياسية التي جعلته يتصدي للخزاعبلات الدينية التي رد إليها بعض المشايخ الانتصار العظيم الذي تحقق بالعلم والتخطيط والذكاء والإصرار, وليس بملائكة كانوا يحاربون إلي جانب الجنود, أو ببشارة أو أكثر لبعض مشايخ الغفلة في النوم, ولم تكن هذه الصراحة بعيدة عما كتبه ضد محمد حسنين هيكل الذي رد فؤاد زكريا علي كتابه خريف الغضب بكتابه اللامع كم عمر الغضب؟ الذي يكشف عن التحيزات السياسية لفؤاد زكريا وعلي رأسها الدولة المدنية الحديثة القائمة علي الفصل بين السلطات, والملازمة للديمقراطية السياسية والحرية الفكرية والإبداعية.
أما ثالث ما تعلمته من فواد زكريا فهو في ممارسة الترجمة وأساليبها. وقد قدم نماذج رائعة, منها ترجمته الرائقة لكتاب هاوز التاريخ الاجتماعي للفن وكتاب ستولنيتز النقد الفني إلي جانب العديد من الترجمات الأخري في مجالات العلوم الإنسانية المختلفة. وقد أفدت من خبرته عن قرب, عندما قبلت سلسلة عالم المعرفة الكويتية التي كان يشرف عليها ترجمتي لكتاب عصر البنيوية. وقد دفعني إعجابي بترجمات فؤاد زكريا الي طلب أن يراجع هو الترجمة. فكنت أعطيه كل فصل أترجمه, وكنت ألاحظ, دائما, أنه يستبدل بكلمات أختارها كلمات يراها هو أسهل من غيرها, مبررا لي ذلك بان المترجم البارع هو الذي يترجم بلغة يفهمها الناس كأنها لغتهم, متهما إياي أن دراستي المتعمقة في التراث العربي تجعلني أختار, أحيانا, كلمات تراثية لمجرد أنها أعجبتني, سواء فهمها القاريء أو لم يفهمها, وكنت أجادله, ولكنه كان يدافع عن وجهة نظره بمطالبتي بأن أقرأ الفصل بنفسي مرة أخري بعد أسبوع, لكي أكون محايدا. وعندما كنت أراجع مراجعته كنت أنتهي إلي سلامة حجته, فقد كانت ترجمتي أيسر بعد تدخلاته, وحذف الكلمات, أو التراكيب, التي كان يراها صعبة علي القاريء. ولا أنسي له أنه, بعد أن انتهيت من الترجمة, وانتهي من المراجعة, طلب مني حذف فصلين عن البنيويين الماركسيين, فرفضت وسحبت الترجمة من عالم المعرفة, ولم يفسد ذلك الود بيننا فقد احترمت تحوطاته واحترم حرصي علي أمانة الترجمة. وكان ذلك يكشف عن قدرته علي تقبل الاختلاف معه, أو الاختلاف عنه.
ورابع ما أفدته من فؤاد زكريا هو غرامه بالفنون, وبخاصة الموسيقي التي كان متعمقا فيها, وكتب عنها, ماضيا في طريق المرحوم حسين فوزي الذي علمنا كيف تتذوق الموسيقي في البرنامج الثاني, أيام أن كان البرنامج الثاني للثقافة الرفيعة حقا. وأضيف إلي ما سمعناه من حسين فوزي ما قرأناه ليحيي حقي. وما أكثر ما كنت أنضم إلي أصدقاء فؤاد زكريا الحميمين ليشرح لنا, في بيته في الكويت, أسرار هذا الموسيقار أو ذاك, خصوصا من المنتسبين الي المذاهب الموسيقية الحديثة. وكان الحديث يمتد بنا, ليبحر بنا هذا الفيلسوف العقلاني العظيم في آفاق لا حدود لها من المعرفة الموسوعية والذوق المرهف واليقظة العقلية والوعي النقدي والمتابعة اليقظة لكل جديد في العلوم الإنسانية والاجتماعية. ولذلك ظل, رحمه الله, عالما فذا, وفيلسوفا يؤمن بدور الفلسفة في تغيير الحياة, وضرورة ارتباطها بالواقع الذي سلط عليه عقليته الفلسفية كاشفا عن جوانب تخلفه, إلي أن ابتلي بجلطة المخ التي أبعدته عنا وأبعدتنا عنه. رحمه الله, وسامحنا علي بعدنا عنه, وعلي تنكر ثقافتنا المتخلفة له ولأمثاله من العظام الذين سنظل نستضيء بهم في الليالي المظلمة المقبلة, ولا سلاح في يدنا لمواجهتها سوي العقل النقدي وجرأة المساءلة والإعلام من شأن الفنون والآداب وحرية الإبداع وليس قمعه. نشرت بجريدة الأهرام عدد 22/3/2010 | |
| | | د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: رد: فـــؤاد زكــريا.. ســلطان العقــل 23/3/2010, 2:02 pm | |
| ودعوا فؤاد زكريا.. بزراعة جوهر الديمقراطية بقلم / د. إبراهيم البحراوى هل يسمح لى أصحاب الفرق الفكرية والسياسية من اليمين واليسار التى اختلف معها الراحل د. فؤاد زكريا، أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة عين شمس، أن أتمنى عليهم إعلاء قيمه المأثورة العربية «الخلاف في الرأى لا يفسد للود قضية».
إننى أعلم أن الخلاف قد اكتسب من الطرفين طابعاً حاداً، ومع ذلك فإن الاهتمام العام الجامع لكل القوى اليوم فى مصر بزرع ثقافة الديمقراطية فى حياتنا يدفعنى إلى الإلحاح على أن جوهر الديمقراطية يجب أن يكون جزءا عضويا من طباع وثقافة المطالبين بها وإلا أصبحت المطالبة بها مفتقرة إلى شرط رئيسى وهو شرط الاستمرار للدفاع عن حق الخصم الفكرى والسياسى فى إبداء رأيه بحرية دون أن يتعرض للعقاب أو التعسف من المخالفين له. إن جوهر الديمقراطية يتمثل فى تحويل الخلافات والصراعات الداخلية من مجال العنف إلى مجال الحوار الهادئ والمنافسة السلمية الخالية من التعصب. لقد كان هذا الجوهر الديمقراطى محوراً رئيسياً لصداقتى التى امتدت أربعين عاماً بالفيلسوف فؤاد زكريا. عندما كان هو أستاذا كنت أنا معيداً مبتدئاً فى نفس الكلية، وكنت مع زملائى ننهل من عطائه الفكرى فى مجلة دار الفكر المعاصر، عندما وقعت هزيمة يونيو ١٩٦٧ تقارب الكثيرون من أساتذة الكلية فقد أصبح الهم الوطنى شاغلاً للجميع. كنا نجتمع فى بيت أحدنا بالتناوب فى إطار من الصداقة لنتحاور حول كيفية تحقيق النصر وتحرير الأرض من جميع الزوايا، ضمت مجموعة المهمومين بالشأن العام د. عبدالقادر القط، الناقد الكبير، من قسم اللغة العربية، ود. فؤاد من قسم الفلسفة ود أحمد عبدالرحيم مصطفى من قسم التاريخ، ود. أحمد فرج أحمد من قسم علم النفس، ود. سمير نعيم من قسم الاجتماع، ود. محمود رجب من قسم الفلسفة، وأحياناً كان ينضم إلينا د. محمود عودة من قسم الاجتماع، ود. عبدالوهاب المسيرى من قسم اللغة الإنجليزية، كان من الطبيعى أن تتنوع اتجاهات التفكير فى الحلول للحالة المصرية، وكان د. فؤاد زكريا يقود فكرة الحل الديمقراطى لعلاج آفات تركز السلطة فى يد نخبة محدودة لفترة طويلة. فى عام ١٩٧٢ اندلعت مظاهرات الطلاب بالجامعة مطالبين بحرب التحرير وقام بعض زملائنا بكتابة بيان يندد بالقيادة وطلبوا منا التوقيع عليه فاقترحت تعديله، فرفض الزملاء منطقى وانطلقوا فى أقسام الكلية لجمع التوقيعات دون أن يحصلوا على أكثر من توقيعاتهم أنفسهم. مررت بمكتب د. فؤاد فعلمت منه أنه رفض التوقيع فاقترحت عليه أن نعد بيانا آخر يراعى التوازن ويتجنب الطابع الصدامى ويطالب بالاستجابة إلى مطالب الطلاب وبالإفراج عمن اعتقل منهم. كتب فؤاد زكريا البيان الجديد بعمق الفيلسوف ورصانة رجل الدولة المفكر وحنكة السياسى المجرب، انهمرت التوقيعات على البيان الذى سجل فى وثائق الحركة الطلابية باسم بيان فؤاد زكريا بما فى ذلك توقيعات أصحاب البيان الساخن، بعد عام تشاركنا فى متابعة معركة أكتوبر الظافرة وتبادل الأخبار الواردة من المصادر الدولية والإسرائيلية فى نشوة كبرى، كان لقاؤنا للاحتفال بالنصر واحدا من أروع لقاءات المجموعة، فقد سيطر علينا، بالإضافة إلى إحساس الزهو الوطنى إحساس بصواب قرارنا المشترك بسلوك مسلك الحكمة أثناء مظاهرات ١٩٧٢ وعدم الانجراف وراء صيحات تخوين القيادة السياسية والشعارات الفارغة التى لا تبنى وطنا ولا توحد قواه وقت الأزمات. كأن القدر أراد لصداقتنا أن تتواصل فى أرض الغربة، فبعد قليل من حرب أكتوبر أعير فؤاد زكريا إلى جامعة الكويت، ولحقته بإعارتى إلى جامعة بغداد عام ١٩٧٥، كان جوارنا فى الدولتين ييّسر علىّ الذهاب إليه لزيارته فى الكويت لنواصل التفكير فى قضايا الأمة ومصر. كنت أحب الحوار معه رغم أننى كنت أستمتع فى بغداد بالحوار مع د. محمد أنيس، والأستاذ أحمد عباس صالح، كان فؤاد زكريا يحتضن فى عقله قيمة حرية التعبير ويقدس حرية الآخر فى التفكير المخالف لرأيه، كان على عكس آخرين لا يفسد للود قضية معى بسبب خلافى الحاد معه فى الرأى فى بعض الموضوعات، فلقد كان قادراً على الفصل بين الذات والموضوع، وكان واثقاً من نفسه لدرجة تدعوه إلى الثقة فى الآخرين وعدم الانتفاض العصبى أو غير العقلانى ضدهم لمجرد وقوع خلاف فى الرأى معهم. عدت من العراق لأكمل إعارتى فى ليبيا بجامة بنغازى فباعدت بيننا الجغرافيا ولكن بقى تواصلنا الفكرى بالرسائل. عندما وقعت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام ١٩٧٩ شعرت بتمزق شديد بين الرغبة فى استعادة سيناء وعدم تركها لفترة أطول نهبا لميول التوسع والاستيطان الإسرائيلية وبين مشاعر الذنب الناتجة عن ترك الفلسطينيين يواجهون المعركة الميدانية بمفردهم، فكتبت خطابا إلى فؤاد زكريا بالكويت أعرض عليه حالة تمزقى فكتب إلىّ خطابا حانيا يعبر عن مشاطرته لى فى هذا التمزق وتفهمه العميق لحالتى الفكرية والنفسية أنهاه بتعبيره عن الثقة فى قدرتى على تجاوز الفجوة والجمع بين استعادة سيناء بالمعاهدة والحفاظ على الالتزام المصرى الصارم بالقضية الفلسطينية وإيصالها إلى بر الأمان بالنضال السياسى. عدت من إعارتى إلى مصر وبقى فؤاد زكريا فى الكويت وظلت مراسلاتنا مستمرة فى عام ١٩٧٣ كتبت مقالا فى صحيفة «الأخبار» أرفض فيه محاولات النهب الإسرائيلى لوثائق الجنيزاه المدفونة فى مقابر البساتين بعد أن قدمت مشروعا علمياً لجامعة عين شمس باستخراجها وحفظها فى دار الوثائق المصرية باعتبارها تراثاً يخص مصريين ينتمون إلى الديانة اليهودية شأنها شأن تراث المسلمين والمسيحيين فى مصر جاء المقال بعنوان «لا عودة للنهب الاستعمارى ولن نسمح بالتدخلات الأجنبية فى شؤون مصر»، أشرت فى المقال إلى تهديد تلقاه د. عبدالعزيز نوار، وكيل كليتى، بضرورة سحب مشروعنا من أمام هيئة الآثار لإخلاء الطريق لمشروع أمريكى رتبه المركز الأكاديمى الإسرائيلى، جاء فى التهديد الذى وجهه رئيس المركز أن أحد كبار الأكاديميين الأمريكيين اليهود وهو د. برنارد لويس سيصل إلى القاهرة لمفاتحة مصادر عليا فى الموضوع ووضع حد لتصلبنا. بالمصادفة نشر المقال فى نفس اليوم الذى حدد لوصول لويس، فى المساء تلقيت اتصالاً من د. فؤاد زكريا ليقول لى أنه فى إجازة قصيرة بالقاهرة وإنه طالع المقال وإنه رأى برنارد لويس بالفعل، وهو يدخل فندق ماريوت، تيقنت أن التهديد لم يكن للتهويش، فقال د. فؤاد إنه سيرسل إلىّ مجموعة من الصحفيين العرب خاصة من الكويت لإجراء حوارات حول هذه المسألة، وذلك لحشد الرأى العام المصرى والعربى فى صف مشروع جامعة عين شمس والحفاظ على وثائق الجنيزاه التى يرجع بعضها إلى العصر الأيوبى وتسجل وجوه الحياة السياسية والاقتصادية والأدبية والدينية والاجتماعية فى أوراق اليهود المصريين على مر القرون. كان المدد الذى جاءنى من فؤاد زكريا هاماً، فقد تصدرت أخبار «معركة الجنيزاه المصرية» صفحات الصحف العربية والمصرية وولّدت ضغطاً أدى إلى تراجع الإسرائيليين وحلفائهم. رحم الله الصديق وغفر له ولنا نشرت بجريدة المصرى اليوم عدد ٢٣/ ٣/ ٢٠١٠ | |
| | | د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: رد: فـــؤاد زكــريا.. ســلطان العقــل 23/3/2010, 2:08 pm | |
| فؤاد زكريا.. وقضية الحقيقة بقلم: د. مينا بديع عبد الملك ودعت مصر في يوم الجمعة12 مارس2010 شيخ الفلاسفة وصاحب مدرسة التفكير العلمي المستنير الأستاذ الدكتور فؤاد زكريا الذي طالما ارتبط اسمه بقضية الحقيقة. تلك القضية التي نال عنها درجة الدكتوراة في الفلسفة عام1956 تعمق راحلنا الفاضل في ما هو وراء الفكر السائد أن الحقيقة نسبية وليست مطلقة, فتوصل سيادته إلي أن الحقيقة المطلقة تقود بصاحبها إلي التعصب البغيض, بينما الحقيقة النسبية تقود إلي التسامح المطلوب. وعلي هذا الأساس الفلسفي ـ كما يقول الراحل الأستاذ الدكتور محمود رجب أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة ـ ينبني نقد د. فؤاد زكريا للتعصب, الذي هو في صميمه, وفي الوقت نفسه دعوة إلي التسامح, وهذا يحتم القبول بالآخر والاعتراف باختلاف اللون والجنس والدين والعقيدة. فمنذ فترة السبعينيات تغلب ضجيج الحديث عن الانفتاح الاقتصادي علي الانفتاح العقلي, أي تغلب منطق المال علي اتساع الأفق الذي يستوعب الآخر ويحترمه ويقدره بمقدار ما يتبني من فكر, عوضا عن مقدار ما يملكه من مال. من هنا ـ كما رأي راحلنا الفاضل ـ أنه لم يكن انفتاحا اقتصاديا بقدر ما كان انفتاحا علي الانغلاق, وفي هذا كان يمكن تشجيع أصحاب الحقيقة المطلقة, فتحررت قوي التعصب, وظهرت مشكلة وهمية تقوم أساسا علي كراهية الغير والاعتزاز بالأنا. تميز أسلوب د. فؤاد زكريا ـ في تناوله للقضايا المصيرية التي تعرض لها ـ بالوضوح الشديد, فلم يوجد غموض في أسلوبه, كان دائما يجعل عقل القارئ يتفاعل بإيجابية مع ما يقرأه من أفكار مستنيرة. هذا الوضوح في الأسلوب منبثق من وضوح نظرته العقلية للمشكلة التي يتناولها, لم يلجأ إلي أسلوب استخدام الأمثلة التوضيحية, لأنه لم يفترض أن القارئ طالب قاصر أو طفل صغير غير قادر علي الإلمام بما يعنيه من أفكار, بل بالعكس تماما كان يحفز القارئ ـ كما في كتابه عن التفكير العلمي مثلا ـ علي التفاعل النشيط مع أفكار الكاتب, ومن هنا يأتي التفاعل الإيجابي الذي يولد بداخل الشخص الثورة الإصلاحية الداخلية من ناحية التغير في الاسلوب والعادات والسلوكيات والأفكار. كان راحلنا الفاضل د. فؤاد زكريا يؤمن تماما بحقه في التفكير العقلي المستقل مستندا علي المنهج الديكارتي الذي يقول: لا أقبل شيئا علي أنه حق ما لم يتبين لعقلي أنه كذلك. فكان يري أن العقل الذي لا ينقض عقل عاطل ـ وفي الواقع أن هذا المنطق هو أساس البحث العلمي الجاد. رحم الله الفيلسوف الحر والمتحرر د. فؤاد زكريا, الذي تحرر من سجن الجسد وانطلق إلي موضع الحرية الحقيقية.
نشرت بجريدة الأهرام عدد 23/3/2010 | |
| | | د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| | | | د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: رد: فـــؤاد زكــريا.. ســلطان العقــل 23/3/2010, 2:22 pm | |
| في وداع الدكتور فؤاد زكريا بقلم خالد السرجانى الخميس الماضي غادر دنيانا أحد رواد الفكر المصري المعاصر، وأحد أعلام الثقافة والفلسفة، وأحد المدافعين العظام عن الدولة المدنية، وهو الدكتور فؤاد زكريا، الذي لم تقتصر إنجازاته علي مصر فقط ولكنها امتدت إلي الوطن العربي كله. لقد تعلمنا من الدكتور فؤاد أمرين غاية في الأهمية، الأول هو الجرأة في الحق، حيث إنه لم يؤثر السلامة ويقف موقف المتفرج من الأخطار التي تحيق بمصر، وإنما تصدي بقلمه وفكره لهذه الأخطار عندما تصدي لظاهرة التشدد الديني، في الوقت الذي كانت فيه جماعات التطرف تغتال العلماء مثلما حدث مع فرج فودة.. ولعلنا نتذكر إلي الآن المناظرة الفكرية الكبري التي شهدتها نقابة الأطباء بينه وبين الشيخ محمد الغزالي في نهاية ثمانينيات القرن الماضي.
أما الأمر الثاني فهو العقلانية في التفكير، وهذا الأمر لم نتعلمه من كتابه «التفكير العلمي» فقط، ولكن من مجمل أعماله الفكرية وترجماته العظيمة والدقيقة والمهمة، وكان فيها يخاطب عقل قارئه وليس عواطفه كما هي عادة معظم الكتاب في الوطن العربي. ولم يسع الدكتور فؤاد خلال تاريخه الفكري إلي الحصول علي الشعبية وإنما حرص علي الدوام علي إرضاء ضميره حتي ولو قدم أفكارا غير شعبية، خاصة في ظل المناخ الفكري المعادي للعقلانية، التي ينادي بها الدكتور فؤاد زكريا في كتاباته والتي عبر عنها في ممارساته العملية. ولي مع الدكتور فؤاد تجارب شخصية تتمثل في أنني أجريت معه حوارين صحفيين، أحدهما من أواخر الحوارات التي أجريت معه، لأنه أجري معه قبل عامين وتم في حضور أحد أقرب تلاميذه إليه، وهو الصديق أحمد حسان المترجم الشهير والكبير الذي نقل لنا كتبًا عن ثلاث لغات هي الإنجليزية والفرنسية والإسبانية. ونشر الحوار في جريدة «الدستور» في أحد أعدادها الأسبوعية، وبعدها فوجئت بأن العديد من المثقفين والكتاب لم يكونوا يعرفون أن الدكتور فؤاد زكريا قد عاد إلي القاهرة من الكويت، وأنه مقيم علي بعد عدة أمتار من عدد منهم، وتساءل كثير منهم: لماذا لا تستفيد الصحف ووسائل الإعلام منه؟! ولم لا تستكتبه واحدة من الصحف؟! ولم يكونوا يدركون الإجابة وهي أن السبب هو الأفكار الجريئة التي يطرحها الدكتور فؤاد، فوسائل الإعلام التي تناهض الجماعات الدينية تقوم في نفس الوقت بممارسات تغازلهم لذلك خشيت من استكتاب مفكر مستقل مثل الدكتور فؤاد، وبالطبع فإن صفحات الرأي بها أصبحت في السنوات القليلة الماضية مخصصة لأعضاء أمانة السياسات بالحزب الوطني. أما الحوار الثاني فقد أجريته في إحدي أجازات الصيف التي كان يقضيها في القاهرة عندما كان يعمل بالكويت. والدكتور فؤاد زكريا ساهم في تشكيل وجداني أنا وأجيال عديدة من المثقفين في مصر ليس فقط عبر قراءة المجلة الفكرية التي كان يرأس تحريرها وهي مجلة «الفكر المعاصر»، وليس أيضًا عبر السلسلة التي أسسها وعمل مستشارا لها وهي «عالم المعرفة» التي تصدر في الكويت وتباع بأسعار رمزية في القاهرة وتعد واحدة من أبرز السلاسل في الوطن العربي وأكثرها انتظاما، وتتضمن كتبًا غاية في الأهمية سواء تلك المترجمة أو التي كتبها كتاب عرب، منهم الدكاترة شاكر مصطفي ومحمد جابر الأنصاري ورمزي زكي ومصطفي ناصف ونبيل علي وحازم الببلاوي وحسن الكرمي وغيرهم من رواد الفكر والثقافة العرب، ولكن عبر كتاباته الفلسفية العميقة المكتوبة بلغة سهلة وبسيطة لم تؤثر في عمقها، وأذكر منها: كتبه الرائدة عن كل من نيتشه وسبينوزا وهربرت ماركيوز، وكتبه الأخري غاية في الأهمية مثل: مع الموسيقي، والإنسان والحضارة في العصر الصناعي، وخطاب إلي العقل العربي، والتفكير العلمي، وآفاق الفلسفة، ونظرية المعرفة، والتعبير الموسيقي، وآراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة، وكم عمر الغضب الذي يقدم فيه تحليلاً فكريًا لظاهرة محمد حسنين هيكل وهو ليس ردًا أو تعليقًا أو تعقيبًا علي كتاب «خريف الغضب» كما يتصور الكثيرون. ومن مؤلفاته المهمة أيضًا كتاب له غير مشهور هو مغامرة التاريخ الكبري «علي ماذا يراهن جورباتشوف»، الذي يقدم فيه تحليلا فكريا لظاهرة جورباتشوف في الاتحاد السوفيتي، والذي وضع فيه مفهوما فلسفيا صكه الفيلسوف الألماني «هيجل» هو دهاء التاريخ لكي يشكك في نجاح التجربة السوفيتية التي لم تنجح كما توقع هو، وبدلاً من أن تتم عملية إعادة البناء انتهت إلي الهدم الكامل للتجربة. وكتابه العظيم «العرب والنموذج الأمريكي» الذي صدر في وقت انبهر فيه الناس بهذا النموذج، فوضعه الدكتور فؤاد في موقعه تماما، خاصة أنه عاش في الولايات المتحدة أكثر من مرة، أولاها عندما عمل في الأمم المتحدة كمترجم والثانية عندما درّس الفلسفة في واحدة من أكبر جامعاتها وهي جامعة نورث كارولينا. وبالطبع لايمكن أن نتجاهل الكتابين المهمين اللذين تصدي بهما للحركة الإسلامية السلفية المعاصرة وهما «الحقيقة والوهم في الحركة الإسلامية المعاصرة»، و«الصحوة الإسلامية في ميزان العقل» وفيهما تصدي لإحدي أيقونات هذه الحركة وهو الشيخ محمد متولي الشعراوي، الذي لم يكن أحد يستطيع أن يناقش أفكاره خوفا من رد فعل العامة. أما عن ترجمات الدكتور فؤاد فهي غاية في الأهمية ونذكر منها الكتاب الرائد الأدب والمجتمع عبر التاريخ لأرنولد هاوزر، وحكمة الغرب لبرتراند راسل، والنقد الفني لجيروم ستولنيتز و«الفلسفة.. أنواعها ومشكلاتها» لهنتر مند، ونشأة الفلسفة العلمية لريشنباخ، والفيلسوف وفن الموسيقي لجوليوس بورتنوي، فضلا عن ترجمته الرائدة والرائعة لجمهورية أفلاطون، وكتاب القوانين لأفلاطون أيضًا، فضلا عن الرباعية التاسعة لأفلوطين، وعصر الأيديولوجية لهنري ايكين، والعقل والثورة: هيجل ونشأة النظرية الاجتماعية لهربرت ماركيوز، والمنطق وفلسفة العلوم لبولي موي، والفلسفة الإنجليزية في مائة عام لرودلف ميس التي أنجزها بالتعاون مع الدكتور زكي نجيب محمود. وهذا المنجز الثقافي والفكري الكبير، يضاف إلي مئات التلاميذ الذين تركهم الدكتور فؤاد من ورائه سواء من الذين احتكوا به فكريا أو المنتشرين حاليًا في أقسام الفلسفة ليس في الجامعات المصرية فحسب، وإنما في الجامعات العربية الكبري، ومثل هؤلاء هم الذين ينشرون الدور الثقافي لمصر في الخارج، وليس المعبرين عن الفكر الرسمي المنتشرين في وسائل الإعلام الجماهيرية الحكومية. لقد فقدت الثقافة المصرية الخميس الماضي علما جليلا من أعلامها، ولكن عوضنا عن ذلك أن أفكاره تحيا بيننا، وكتاباته تعوضنا عن فقدانه، وهناك مفكرون أجلاء يسعون إلي نشر الأفكار التي سعي لنشرها خلال حياته المجيدة، وإذا كانت جامعة الكويت التي درس بها الدكتور فؤاد زكريا عدة سنوات قد كرمته من قبل، ونشرت عنه كتابًا تذكاريًا مهما فنحن أولي به من غيرنا وعلينا أن نقوم بتكريمه بصورة لائقة، وذلك عبر نشر كتبه وترجماته في طبعات جيدة ورخيصة، وعبر إطلاق اسمه علي أحد مدرجات كلية الآداب بجامعة عين شمس التي درس بها سنوات طويلة، وأن يطلق اسمه علي أحد شوارع بورسعيد وهي المدينة التي ولد بها. نشرت بجريدة الدستور عدد 14/3/2010 | |
| | | د. فرغلى هارون
المدير العـام
عدد الرسائل : 3278 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
| موضوع: رد: فـــؤاد زكــريا.. ســلطان العقــل 23/3/2010, 2:24 pm | |
| فؤاد زكريا.. خسارة فادحة بقلم/ عماد الغزالى
برحيل الدكتور فؤاد زكريا فقدت مصر واحدا من عقولها الكبيرة، فيلسوف ومفكر ومقاتل من طراز نادر، آمن بالعقل وقدراته، ودعا إلى التفكير العلمى فى مواجهة الخرافة والأساطير المؤسسة للبلادة والضلالة والخنوع. رفع دعاة الإسلام السياسى شعار «الإسلام هو الحل» فرد عليهم بوضوح صارم «العلمانية هى الحل»، تحدث بعضهم عن الصحوة الإسلامية التى ستقتلع عروش أباطرة الغرب، وآثر هو أن يضعها «فى ميزان العقل»، امتدح كثيرون الحركة الإسلامية المعاصرة فرد عليهم كاشفا حقائقها وأوهامها. وفى زمن علت فيه نبرة الهجوم على كل ما قبل يوليو 1952 وكأن تاريخ مصر كله بدأ منذ هذه اللحظة، قال هو إن مصر بلغت فى حكومة الوفد الأخيرة «ذروة التطور الديمقراطى الذى سارت فيه على مدى ثلاثة أرباع القرن (...) فقد بلغت الصحافة أعلى درجات الحرية، واستجابت الحكومة للضغط الشعبى فتم إلغاء معاهدة 1936، وبدأ الكفاح الشعبى ضد الإنجليز فى منطقة القناة، ووضعت أسس راسخة للعدالة الاجتماعية وديمقراطية الحكم، فطبقت المجانية فى المرحلتين الابتدائية والثانوية واتسع نطاق التعليم المجانى الجامعى إلى حد بعيد». كانت كتاباته تطبيقا عمليا على استقلالية الفكر، والقدرة الفذة على التفكير الحر وكشف التناقضات المعروضة فى سوق الكتابة، مهما برع أصحابها فى تزيينها وتغليفها بالمترادفات الفارغة والكلمات الصداحة. كان يؤمن بالديمقراطية إلى أبعد مدى، إيمان حقيقى لا تشوبه شائبة، ولذا فقد أدرك منذ البداية خدعة من تربوا فى أزمنة الاستبداد، الذين انتفضوا فجأة يدافعون عن حرية الإنسان وكرامة المواطن، وبراعتهم فى تزييف الحقائق والتلون مع كل عصر، مستندين إلى نعمة النسيان التى يتحلى بها المصريون ربما أكثر من كل شعوب الأرض. وفى مناخ يسيطر عليه أصحاب الصوت العالى ومحترفو ثقافة التجريس والشماتة، مناخ غاضب يشجع على التعصب والرفض والصراخ، وتتحكم فيه الفضائيات ونجوم التوك شو، مناخ يجرى فيه الكتبة خلف ما يريده الناس لا ما يحتاجونه، فى مناخ كهذا، لم يكن هناك مكان لفؤاد زكريا وأفكاره، غير أننى أزعم أننا لن نتقدم خطوة واحدة دون مفكرين من هذا النوع، سواء اتفقنا معهم أو اختلفنا، فأمثال فؤاد زكريا لا يدعون أبدا ــ بعكس كثيرين من الفرسان الممتشقين سيوفا من خشب ــ أنهم يملكون حقائق مطلقة، بل يدعوننا إلى التفكير وإعمال العقل، حتى لو اختلفنا مع ما يقولون، فهم يبحثون عن أنداد أحرار، لا عن المريدين ومشعلى مواقد البخور. وأتصور أن أفضل ما نقدمه إلى الأجيال الجديدة هى دعوتهم لقراءة كتابه المهم «التفكير العلمى» ولعلها مناسبة أن أطلب من وزير التربية والتعليم تدريسه ضمن مناهجنا التعليمية، فكثيرون من بيننا، حتى من الحاصلين على الدكتوراه، لا يعرفون كيف يفكرون بطريقة علمية. من أمل دنقل: «كل الأحبة يرتحلون، فترحل شيئا فشيئا عن العين ألفة هذا الوطن». نشرت بجريدة الشروق عدد 22/3/2010 | |
| | | | فـــؤاد زكــريا.. ســلطان العقــل | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|