إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 نعمة الرضا والقناعة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

نعمة الرضا والقناعة Empty
مُساهمةموضوع: نعمة الرضا والقناعة   نعمة الرضا والقناعة Empty21/2/2010, 3:50 pm


نعمة الرضا والقناعة
بقلم: د. عبد الهادى مصباح

دخل الأب علي ابنه الشاب وهو يتناول طعام إفطاره وهو شارد الذهن عابس الوجه‏,‏ تبدو عليه علامات الضيق والاكتئاب فسأله‏:‏ ماذا بك؟ فأجاب الابن بعد تردد وإلحاج من الأب‏:‏ متضايق‏..‏ أشعر أن كل شيء حولي سييء‏..‏ أشعر أن مستقبلي غير واضح‏..‏ بل هو مستقبل مظلم‏..‏ لا أشعر بالسعادة مطلقا‏..‏ فماذا بقي في هذه الحياة يدعو للرضا عنها؟
واستمع الأب جيدا إلي ابنه‏,‏ وتركه يفرغ ما بداخله من شحنات الغضب والسلبية حتي فرغ من كلامه‏,‏ فربت علي كتفه وجلس بجانبه‏,‏ ثم بدأ كلامه معه قائلا‏:‏ يا بني ان العبد منا لا يدرك حكمة الله سبحانه وتعالي في تصريف الأمور‏,‏ فكم من خير فرحنا به ورقصنا له طربا فكان هو الشر بعينه‏,‏ وكم من أمر ظنناه شرا وأقمنا الدنيا ولم نقعدها من أجله فكان هو الخير بعينه وعسي أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسي أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون صدق الله العظيم‏.‏ فسبحان الله من تجلي في سماه يرزق ويكرم ويعطي‏,‏ فنعمه لا تعد ولا تحصي‏,‏ والتفت إلي ابنه يسأله وهو يجلس إلي جواره‏:‏ لقد سألت ما الذي يدعو إلي الرضا في هذه الحياة؟ هل تدري ماذا يدعو للرضا في هذه الحياة؟ تعال نسترجع معا نصف الساعة التي قضيتها منذ أن استيقظت وتناولت افطارك حتي الآن‏.‏


لقد استيقظت يا بني من نومك وكنت دافئا ملتحفا في سريرك تحيط بك أربعة جدران وسقف بينما هناك من لا يجد حتي سقفا يؤويه‏,‏ فلتحمد الله علي هذا‏,‏ ثم تحمده علي أن رد اليك روحك بعد أن أمسك أرواحا أخري‏,‏ وتذكر قوله عز وجل‏ (‏ الله يتوفي الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضي عليها الموت ويرسل الأخري إلي أجل مسمي‏)‏ الزمر‏42.‏ فالنوم هو ميتة صغري‏,‏ وبذلك أعطاك المولي جل وعلا فرصة أخري لكي تعدل مسارك وتتوب إليه قبل أن تلقاه‏,‏ لتبعث علي الإيمان والتوبة لأن المرء يبعث علي ما مات عليه‏.‏

ثم فتحت عينيك علي صوت جرس المنبه فنهضت من سريرك‏..‏ هل تعلم كم نعمة أنعم الله بها عليك خلال هذه الحركة التلقائية؟ لقد سمعت جرس المنبه فأيقظك بينما كنت تغط في نوم عميق‏,‏ فحاسة السمع هي الوحيدة من بين الحواس الخمس التي تعمل والإنسان نائم‏,‏ ثم أنك قد سمعت وغيرك أصم لا يسمع‏,‏ ففتحت عينيك ورأيت ضوء النهار فأبصرت وغيرك لا يبصر‏,‏ وانتفضت من سريرك لكي تدخل الحمام‏,‏ فاستجاب لك جسدك مع أن هناك من لا يتحرك إلا إذا حركه أو ساعده أحد آخر لأنه مشلول أو عاجز‏,‏ ولا يقوي حتي علي وضع قدمه علي الأرض‏,‏ يا بني انك تعيش في نعمة الله‏,‏ بينما المريض والعاجز يعيش في معية الله‏,‏ وإذا صبر فإنه سوف ينال أجره يوم القيامة دون أي حساب لأن هذا هو جزاء الصابرين‏(‏ انما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب‏)‏ فذلك هو العدل الإلهي‏.‏

تأمل جيدا أنك عندما أردت أن تقضي حاجتك قد استطعت أن تتحكم في نفسك‏,‏ ولم يحدث هذا لك بشكل لا إرادي يجعل من حولك ينفرون منك‏,‏ لقد أكرمك الله ودخلت إلي الحمام سائرا علي قدميك‏,‏ وقضيت حاجتك‏,‏ وآه لو تعلم عظمة هذه النعمة‏,‏ فقد روي أن ابن السماك دخل علي الرشيد يوما فاستسقاه‏,‏ فأتي بكوز فلما أخذه الرشيد قال له ابن السماك‏:‏ علي رسلك يا أمير المؤمنين لو منعت هذه الشربة بكم كنت تشتريها؟ قال بنصف ملكي‏,‏ فقال له اشرب هنأك الله تعالي‏,‏ فلما شربها عاد فقال له أسألك يا أمير المؤمنين لو منعت خروجها من بدنك بماذا كنت تشتري خروجها؟ قال بجميع ملكي‏,‏ فقال ابن السماك‏:‏ إن ملكا قيمته شربة ماء وبوله لجدير أن لا ينافس فيه‏,‏ فبكي هارون الرشيد بكاء شديدا‏.‏

ثم عاد الأب يعدد لابنه بعضا من النعم التي تحثه علي الرضا خلال هذه نصف الساعة التي مرت به منذ استيقاظه وقال لابنه‏:‏ لقد غسلت وجهك وتوضأت وتطهرت‏,‏ وهناك من لا يجد مثل هذا الماء النظيف الذي يجب ألا تسرف في استخدامه‏,‏ وخرجت وصليت فأحمد الله علي نعمة الإيمان‏,‏ فهناك من هم قلوبهم غلف الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم‏,‏ وطلبت إفطارك من والدتك‏,‏ فتحرك لسانك بما يريد مخك أن يقوله ويعبر عنه‏,‏ وهناك من لا يستطيع أن ينطلق‏,‏ وإذا نطق لا يستطيع التعبير عما يريد‏,‏ وإذا عبر لا يجد من يستمع إليه أو يفهمه‏,‏ وأتت لك والدتك بهذا الطعام وأخذت تأكله واستطعت أن تفتح فمك وتمضغ طعامك بأسنانك‏,‏ وغيرك لا يملكها‏,‏ فأحسست بطعمه واستسغته وإلا لما أكلته‏,‏ وهناك من لا يشعر بذلك لأنه يفقد حاسة التذوق‏,‏ وأخذت تبتلعه دون أن يحدث لك مكروه مع أن إصابة عصب واحد يمكن أن تجعلك غير قادر علي المضغ أو البلع‏,‏ فيدخل طعامك في جهازك التنفسي فتشرق أو تختنق‏,‏ ثم إنك انفعلت وبدأت تقص علي ما بداخلك وتلك نعمة يفتقدها الكثيرون ولا يستطيعون التعبير عما بداخلهم من مشاعر وأحاسيس‏,‏ ووجدت أيضا من يستمع إليك وتلك نعمة أخري‏..‏ ونعم أخري كثيرة لايتسع المجال لذكرها ‏(‏ وأن تعدوا نعمة الله لا تحصوها‏)‏ صدق الله العظيم‏.‏

واعتدل الأب في جلسته وقال‏:‏ أتدري يا بني ما ينقصك؟ ان ما ينقصك هو نعمة الرضا فأنت دائما تبحث عن الرزق المادي أو الايجابي‏,‏ مع أن هناك الكثير من الرزق السلبي الذي منحك الله اياه ولا تشعر بوجوده‏,‏وهو ما يطلق عليه البعض البركة أو الستر الذي يجعل ما لديك يسترك ويكفيك‏,‏ فالرضا ينبغي أن ينبع من داخلك‏,‏ وتذكر أننا مخلوقون في هذه الدنيا في كبد‏(‏ لقد خلقنا الإنسان في كبد‏)‏ البلد‏4‏ أي تعب ومشقة‏,‏ فيجب أن نتعامل معها في هذا الاطار ونصبر ونعمل ما علينا ونترك الباقي لله‏,‏ فما بين غمضة عين وانتباهتها يبدل الله من حال إلي حال‏,‏وعندما يضيق بك الحال لا تقل يارب عندي هم كبير ولكن قل ياهم عندي رب كبير‏,‏ وتذكر الحديث القدسي الرائع الذي يقول فيه رب العزة يابن آدم‏..‏ عندك ما يكفيك‏,‏ وأنت تطلب ما يطغيك‏,‏ لا بقليل تقنع‏..‏ ولا من كثير تشبع‏..‏ إذا أصبحت معافي في جسدك‏,‏ آمنا في سربك‏,‏ وعندك قوت يومك‏,‏ فعلي الدنيا العفاء‏..‏ يا بني ادعو الله دائما بقولك‏:‏ اللهم عرفنا النعمة بدوامها ولا تعرفنا النعمة بزوالها‏.‏
وحضن الابن أباه وقال‏:‏ الحمد لله الذي منحني إياك‏,‏ والحمد لله علي نعمة الرضا‏,‏ والحمد لله علي نعمة الحمد‏,‏ الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه‏.‏


نشرت بجريدة الأخرام عدد 21 فبراير 2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
 
نعمة الرضا والقناعة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تقرير حقوق الإنسان في العالم العربي 2009
» الرضا الزواجي وأثره على بعض جوانب الصحة النفسية - ماجستير

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
قضــــايا ومنــاقـشــــات فى كل المجالات
-
انتقل الى: