إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 عندليب الصحافة محمود عوض .. أربعون يوماً حاضراً رغم الغياب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

عندليب الصحافة محمود عوض .. أربعون يوماً حاضراً رغم الغياب Empty
مُساهمةموضوع: عندليب الصحافة محمود عوض .. أربعون يوماً حاضراً رغم الغياب   عندليب الصحافة محمود عوض .. أربعون يوماً حاضراً رغم الغياب Empty11/10/2009, 4:58 pm

عندليب الصحافة محمود عوض .. أربعون يوماً حاضراً رغم الغياب Awad
محمود عوض
أربعون يوماً حاضراً رغم الغياب

المصرى اليوم عدد الأحد ١١/ ١٠/ ٢٠٠٩
أربعون يوماً مرت على رحيل الكاتب الكبير محمود عوض، لم يفتقده خلالها أحد، ليس فقط لأنه ترك خلفه كتابات عديدة ومؤلفات كثيرة، لكن لأن محبيه ومريديه يعتبرونه حياً على الدوام، لم يمت، ولم يرحل، رغم مغادرة الجسد، فالروح باقية لا تفنى ولا تزول إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

محمود عوض باق، وما نفعله اليوم هو محاولة لتسديد دين وجميل فى أعناقنا للأستاذ صاحب البصمة فى عالم الكتابة الصحفية، صاحب شعار «اعرف لغة عدوك»، وصاحب الكتابات المتنوعة عن «إسرائيل من الداخل».. الكاتب الذى أصبح مؤسسة قائمة بذاتها، عندما تخلت عنه المؤسسات.
يسرى فودة يروى شهادته عن علاقة عمرها ١٠ سنوات بـ«العندليب الذى لا يعرفه أحد»
كتب هشام علام ١١/ ١٠/ ٢٠٠٩
«المعاصرة دائما حجاب، ولأنه أعطى كل المقدمات لرحيله، ولأن الموت نذير شؤم موجع فى ثقافتنا، فقد توقعنا منه كل شيء إلا الفراق، فمثله لا يرحل، قد يغيب عن النظر ساعة، لكن مثله لا يموت، أفكاره تظل ملء العقل، مبادئه التى قضى نحبه محاربا من أجلها، مضحيا فى سبيلها بقسط من علاقاته العامة، وأقساط من حياته الشخصية، كل هذا يظل مثالا يستدعى الوقوف أمامه طويلا والتأمل فى ذات هذا الإنسان المبدع والصحفى الماهر، والانتصار له غائبا، بعد أن انتصر لها حيا بيننا»، يدلى الكاتب الصحفى يسرى فودة بشهادته عن الراحل محمود عوض، ارتبط به على مدار السنوات العشر الأخيرة من عمره، كان من المقربين له القلائل، أصحاب الحظوة وكاتمى الأسرار.
أسأله فى البداية، هل كانت هناك مؤشرات لرحيله؟ فيجيب فودة: ربما.. فقد كان ذا حس مرهف مثل كل الفنانين والشعراء، أذكر يوم نشرت مقالا فى العدد الأول لجريدة «اليوم السابع» - والتى حملت اسم كتاب كان يعده بالاسم نفسه لم تشأ الأقدار أن يخرج للنور- تلقيت منه اتصالا بدا فيه متأثراً جدا، نبرة صوته تقول ذلك، وكان- رحمه الله - له سمة مميزة يعرفها المقربون منه، أنه عندما يريد أن يكون جادا، فإنه يلجأ إلى الدعابة، سألته عما أعجبه فى المقال، فكان جوابه «أعجبنى كله، أشعر أنك كتبت مرثيتى»، ثم ضحك وقال: «خلاص.. أنا عايز أموت دلوقتى بقى»، نسيت كلماته هذه فى غمار فرحتى بشهادته لى ولمقالى، إلا أنه باغتنى عندما علمت بنبأ وفاته، كنت قد اتصلت به قبل رحيله بيومين .. بدا منهكا، أعياه المرض بشدة، استهلكه حتى الثمالة، لكنى لم أتصور أبدا أن يموت، ربما لصلابته واعتداده بنفسه اللذين منعاه من الشكوى حتى فى اللحظات التى يراهن فيها الألم على قدرته على التحمل.
تستغرقه لحظة صمت قصيرة، ثم ترتسم ابتسامة واسعة على شفتيه ويقول: كان محمود عوض صحفياً مشاغباً، وكان على استعداد دائما أن يدفع ثمن مشاغباته بنفسه، لم يؤمن قط بنظرية الولاء الأعمى لرئيس أو لمؤسسة مهما علا قدرها، لعل ذلك كان السبب فى صدامه مع موسى صبرى، فلم يكن من ذلك النوع الذى ينصاع لرئيس أو ينسحق أمام مسئول، كان شامخا أمام رؤسائه، متواضعا أمام مرؤوسيه، أثبت بتجربة حياته الطويلة ٣ أشياء أضعها نصب عينى دائما، أولها أن الإنسان قادر على النجاح حتى فى أحلك الظروف، فليس أقسى مما لاقاه عوض فى حياته، عاش وحيدا ومات وحيدا، يخلده البسطاء والمثقفون، ويضعون أعداءه فى مزبلة التاريخ، أما الشيء الثانى فهو أنك لست بحاجة أن يكون لك أصدقاء فى الإدارة أو مقربون من السلطة لتصل إلى الجمهور، وثالثها أنك لست بحاجة أن ترشو شخصا ما لتصل إلى النجاح.. فقط آمن بما تقوله وما تفعله.
محمود عوض لا ينتظر. محمود عوض يقرأ. يقرأ كثيراً. من الشرق ومن الغرب. يقرأ ثم يقرأ حتى تخال أنه لا شىء فى حياته سوى أن يقرأ، وأحياناً بين القراءة والقراءة يكتب، أسأله :ماذا تعلمت منه؟ فيقول : عرفت منه فى آنٍ معاً من هى إسرائيل بلا جعجعة الجاهلين ومن هو عبد الحليم حافظ بلا بكاء الشحاذين ومن هو ابن تيمية فى تاريخ الفقه الإسلامى ومن هو بائع البطيخ على رأس الشارع، كلها دائماً بأسلوب ممتع يأسرك.
لكنّ الأهم من الأسلوب الممتع هو المعرفة، وهو أستاذ فى اقتنائها وأستاذ فى النفاذ إلى جوهرها وأستاذ فى بث هذا الجوهر بلسان مصرى لاذع فصيح. عرفت منه كيف يكون هناك إنسان يعرف كل شيء ويصمت، لأنه يرفض أن يتاجر بأسرار من عاشرهم، فليس أعلم بعبد الحليم حافظ وبليغ حمدى ووردة الجزائرية وسعاد حسنى منه، لكنه أبى أن يتاجر مثل كثيرين، عرفوهم عن بعد، فراحوا يؤلفون كتبا ويفترون عليهم وكأنهم كانوا أقرب إليهم من حبل الوريد.
هو درة عقد المؤمنين بهذا البلد، ورغم رحيله فلا يزال حلا بهذا البلد، عرفته مناضلا فى صمت، ربما لا يعرف الكثيرون أن الإسرائيليين عرضوا عليه من خلال الأمريكان شيكاً على بياض، حرفياً، يبدأ من ٥٠ ألف دولار مقابل الاشتراك فى كتابة فيلم عن حتمية السلام مع إسرائيل. وقال للرسل يومها: «يستخدمون اليوم عصا موسى، وغداً سيستخدمون عصا فرعون.. وأنا يكفينى الكُشرى والبطاطس».
لم يرحل عوض على سريره، لم يقدر الموت على مباغتته نائما، فليست هذه ميتة الفرسان، أسأله وقد تغير وجهه: كيف شعرت وأنت تتقمص شخصية محمود عوض فى لحظاته الأخيرة ؟ يقول فودة، شعرت أنى محمود عوض «صار عمرى ٦٧ عاماً، وأنا لا أستريح لهذا الرقم. أعيش وحدى، لا زوجة ولا ولد ولا منصب ولا مال. منذ سنوات وأنا لا أغادر المنزل إلا فيما ندر ولا أسمح لأحد بالاتصال بى بعد الثامنة مساءً، ولا أرد فى النهار إلا على بعض الذين أعرفهم، وهؤلاء يتضاءل عددهم يوماً بعد يوم، باختيارى. أعرف أننى أدفع ثمناً غالياً فى سبيل مبدأ عشت من أجله طول حياتى، لكننى أدفعه عن رضا وعن طيب نفس».
فى تلك اللحظة، كما أعلم الآن، لم يكن باقياً سوى القسط الأخير من الثمن. وفى تلك اللحظة أتحامل على نفسى خطوة خطوة فى مهمة شاقة نحو غرفة المكتب المجاورة لغرفة النوم. لابد من أن أنتهى من كتابة مقال «اليوم السابع»، فهم ينتظرونه غداً السبت.
إحدى يدىّ على صدرى والأخرى تتكئ على الحائط الواصل بين الغرفتين. يا له من مشوار كنت أقطعه قفزاً فى كل ساعة، فى كل يوم من الأعوام الـ ٣٣ الأخيرة، واليوم يقطعنى هو أنفاساً صعبة لاهثة ويرسم أمام عينىّ فى كل شبر أخطوه مشهداً آخر من حياة أرى أنها طالت، جربتنى كثيراً وجربت فيها كل شيء ورضيت بما جربت. بينما أخطو فى تلك اللحظة عبر باب غرفة المكتب حدث شيء لم أجربه من قبل: فارقت الحياة.
لأول مرة فى حياتى أرانى ميتاً. أرتدى قميصاً أسود منقّطاً بالأبيض وبنطلوناً رياضياً خفيفاً والشبشب لا يزال فى قدمىّ بينما أنا جالس على الأرض كما يجلس المصلون للتشهد ورأسى فى اتجاه المكتب الذى لم يسعفنى قدرى للوصول إليه.
كأنما تمر الآن على صدرى يد شافية تنزع الألم وتغرس الراحة، وكأنما عادت إلىّ أنفاسى عطوراً ترد الروح وتختزل الألم، وكأنما تنبعث موسيقى ملائكية من كل اتجاه، ثم فجأة تنحنى رقبتى ويتدلى رأسى إلى أسفل، فأشعر بانزعاج. أحدٌ ما لابد أن يأتى الآن كى «يرفع رأسى». ولا حتى ما قاله المتمرد لوجه الله، أمل دنقل، يعزينى: «يا إخوتى الذين يعبرون فى الميدان مُطْرقين / مُعَلَّقٌ أنا على مشانق الصباح / وجبهتى بالموت مَحْنيّةْ / لأننى لم أَحْنِها حَيّةْ».
الكتابة من أجل البقاء

كتب سماح عبدالعاطى ١١/ ١٠/ ٢٠٠٩
لم يترك محمود عوض بعد رحيله زوجة أو أبناء، لأنه ببساطة لم يتزوج أبداً، أو بمعنى آخر لم يسمح لشىء غير الكتابة أن يحتل مكان الأولوية فى حياته.. بها انشغل، وبها عاش، وبها أيضاً جاءت وفاته الصادمة للكثيرين. غير أنه لم يشأ أن يرحل هكذا دون أثر وراءه، إن لم تكن الزوجة والأبناء فلتكن معشوقته الوحيدة.. الكتابة، وما تخلف عنها من كتب.
وعلى رفوف المكتبة العربية عدد من الكتب تحمل توقيع عوض.. بدأها بكتابه الشهير «أم كلثوم التى لا يعرفها أحد»، جاء الكتاب ليجسد حالة من التواصل الفريد بين صحفى وواحدة من عمالقة الموسيقى والغناء فى العالم العربى، علاقة بدأت بتولى عوض مسؤولية الصفحة الأخيرة فى جريدة «أخبار اليوم»، وهى الصفحة التى كانت تهتم بإبراز أخبار الفنانين، وأم كلثوم على رأسهم.
وللتعرف على أم كلثوم حكاية رواها هو بنفسه فيما بعد، قال إنه حاول فى البداية أن يجرى معها حواراً عبر التليفون، وبعد عدة مكالمات ظفر أخيراً بالحوار المنشود، وقبل أن ينشره سأله إحسان عبدالقدوس، رئيس تحرير «أخبار اليوم» فى ذلك الوقت: «هل أطلعت أم كلثوم على الحوار قبل نشره؟»، فردّ على الفور: «منذ متى نسمح لأحد بالتدخل فى عملنا؟»، غير أن إحسان عاجله بسرعة: «إنها ليست أى أحد، إنها أم كلثوم».
وافق عوض على عرض الحوار على أم كلثوم، وعندما زارها فى منزلها أبدت اعتراضاً على جملة يفتتح بها مقدمة حواره معها، فغضب وسألها: «من منا يفهم فى الغناء أكثر.. أنا أم أنت؟»، ردت أم كلثوم: «أنا طبعاً»، فقال بسرعة: «إذن فالكتابة هى عملى، وأنا أفهمه جيداً، ولن أغير المقدمة». تجاوزت أم كلثوم الموقف، ونشر الحوار بالطريقة التى كتبه بها عوض، ولم يكد الحوار ينشر حتى فاجأته أم كلثوم باتصال هاتفى تخبره فيه أن سعيد فريحة صاحب دار نشر «الصياد» معجب بالحوار، ويطلب نشره فى إحدى مطبوعاته، غير أنها أبلغته أن صاحب الحق الوحيد فى الموافقة هو محمود عوض، لأنه صاحب الحوار، وليست هى.
فهم عوض بالطبع الغرض من المكالمة، وهو أن أم كلثوم تسترضيه، وتحاول أن تعتذر عن موقفها الأول بطريقة «شيك»، وحتى عندما منح كتابه عنها عنوان «أم كلثوم التى لا يعرفها أحد»، وبلغه غضب بعض أقاربها من العنوان، جاء رضاها هى، كنوع من إعلان الاعتراف بكاتب متميز، حتى إن اختلف معه الآخرون.
وعلى نفس المنوال جاء كتابه الثانى عن الموسيقار محمد عبد الوهاب، بعنوان «عبد الوهاب الذى لا يعرفه أحد»، وهو الكتاب الذى نجح للدرجة التى دفعت موسيقاراً بحجم الراحل فريد الأطرش لأن يرسل لعوض شيكاً على بياض، نظير تأليفه كتاباً مماثلاً عنه، غير أن عوض رفض العرض بأدب، فالحكاية ليست حكاية نقود، بقدر ما هى حكاية توافق نفسى، وتآلف روحى.
نفس السبب الذى من أجله قام بكتابة المسلسل الإذاعى «أرجوك لا تفهمنى بسرعة» لصديقه الفنان عبد الحليم حافظ فى تجربته الوحيدة للإذاعة، وهو المسلسل الذى شاركه البطولة فيه كل من عادل إمام ونجلاء فتحي، وأذيع للمرة الأولى فى رمضان ١٩٧٣، وربما لهذا السبب لم تستمر إذاعة المسلسل الذى توقف بسبب قيام حرب أكتوبر فى نفس العام.
ورغم نجاحه فى ذلك المجال، فإن عوض لم يشأ أن يستمر طويلاً فى مجال الكتابة الفنية، لذلك فقد وضع كتابه السياسى الأول «أفكار ضد الرصاص»، يعرض فيه سير عدد من الكتاب والمفكرين الذين أثروا الحياة الفكرية فى العالم العربى بأفكارهم ومبادئهم. ورغم براعته فى هذا اللون من الكتابة، إلا أن القدر كان يخبئ له مفاجأة قدر لها أن ترسم له مستقبلاً مختلفاً فى الكتابة السياسية، إذ وقعت هزيمة ٦٧، وقلبت بوقوعها كل الموازين، وراح أحد قادة إسرائيل المتغطرسين يصف العرب بأنهم «أمة لا تقرأ، وإذا قرأت لا تفهم».
بدا وكأن التحدى موجه لمحمود عوض نفسه، لأنه أخذ على عاتقه فيما تلا ذلك من أعوام توصيل رسالة واضحة إلى هذا المتغطرس.. رسالة مؤداها أن «العرب يقرأون ويفهمون»، ولمزيد من توضيح الرسالة راح عوض يضع سلسلة من الكتب عن إسرائيل تحت شعار «اعرف لغة عدوك»، بدأها بكتابه الأول فى هذا المجال، الذى حمل عنوان «ممنوع من التداول»، ثم أتبعها بسلسلة كتب «أفكار إسرائيلية»، و«الحرب الرابعة سرى جداً»، و«بالعربى الجريح»، و«عليكم السلام».
ولم يكتف محمود بالكتابة فقط، ولكنه راح يقدم برنامجاً يومياً مدته ١٠ دقائق فى الإذاعة المصرية بعنوان «إسرائيل من الداخل»، يشرّح فيه العقلية الإسرائيلية بمهارة فائقة، وهو البرنامج الذى توقف بعد ذلك بسبب رواية ترددت مؤداها أن رئيس وزراء إسرائيل الأسبق مناحم بيجين طلب من الرئيس السادات مد خط من مياه النيل إلى إسرائيل فى إطار مفاوضات السلام التى دارت نهايات السبعينيات من القرن الماضي، الأمر الذى أثار عوض، ودفعه إلى مهاجمة بيجين عبر برنامجه بقوله: «دى وقاحة يا سيد بيجين»، وهو الهجوم الذى تسبب فى وقف البرنامج كما قيل وقتها.
على أن أصعب منع واجهه محمود عوض لم يكن من الإذاعة، وإنما من الكتابة، ليس فقط لأنها كل حياة عوض، ولكن لأن المنع قُصد به إقصاؤه عن بيته، الشهير بدار «أخبار اليوم». وللمنع قصة رواها عوض بنفسه قائلاً إنه فوجئ بقرار المنع صادر عن موسى صبرى، رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير «الأخبار» فى أواخر السبعينيات، بسبب سفره إلى أمريكا مكلفاً من الجامعة العربية.
ورغم أنه كان قد أطلع رئيسه المباشر موسى صبرى على تكليف السفر ونتائجه، فإنه فوجئ عقب عودته من أمريكا بخطاب من موسى صبرى يقول فيه: «اكتشفت أنك فى أمريكا فى مهمة خاصة للجامعة العربية، وسأتخذ ضدك الإجراءات القانونية».
جاء قرار المنع من الكتابة شفاهة، وكان موسى صبرى على حد تعبير عوض يعتمد على أنه لن يستطيع إثبات قرار منعه من الكتابة، لكنه فوجئ كما يروى عوض بأنه قام برفع دعوى قضائية يطلب فيها العودة لعمله مستعينا بـ ١٢ شاهداً من أكبر الكتاب، منهم جلال الدين الحمامصي، وكامل زهيرى، وأحمد بهاء الدين، ويوسف إدريس، وصلاح حافظ، ومصطفى بهجت بدوى، وأحمد بهجت.
انتصرت المحكمة لعوض وحكمت له بمبلغ ٣١ ألف جنيه على سبيل التعويض، واستأنف صبرى الحكم، وكان يذهب للترافع بنفسه على اعتبار أنه عضو بنقابة المحامين، ولكن الاستئناف رفع مبلغ التعويض إلى ٣٢ ألف جنيه مما دفع مصطفى أمين إلى أن يطلق نكتة يعلق بها على النتيجة النهائية قائلاً: «موسى ترافع مرتين فى حياته، الأولى مع خميس والبقرى وجاب لهم حكم بالإعدام، والتانية مع محمود عوض وجاب له تعويض».

الرحيل فى منتصف جملة موسيقية

كتب هشام علام ١١/ ١٠/ ٢٠٠٩
عندليب الصحافة المصرية.. لقب اختاره له إحسان عبد القدوس مراهنا عليه بأن يكون واحداً من أبرز كتاب الستينيات، راهن عليه - وهو غض فى بداية العشرينيات من عمره - عندما تأخر أنيس منصور عن إرسال مقاله اليومى، الذى ينشر فى الصفحة الأخيرة من «أخبار اليوم»، وقرر عبد القدوس - وهو رئيس تحرير المؤسسة العريقة آنذاك - تكليف هذا الصحفى الشاب بكتابة الصفحة الأخيرة وحده، كان عقابا لـ«منصور»، الذى تسبب تأخره المتكرر فى عدم إرسال الجريدة للمطبعة فى الوقت المحدد، وثقة من إحسان فى الشاب الواعد، فكتب مقالا رائعا عن أم كلثوم أثار حفيظة وغيظ الكثيرين من أقرانه، فصار أنيس منصور يرسل مقاله قبل موعده بـ٣ أيام، وأوكل إليه إحسان كتابة صفحة أسبوعية فى «أخبار اليوم» بعنوان «شخصيات»، يحاور فيها رموز الفكر والثقافة والسياسة والدين والفن فى مصر، بطريقته الخاصة وبشكل لم يعهدوه من قبل.
فى ٢٨ ديسمبر ١٩٤٢ ولد محمود عوض، الثالث بين ٦ إخوة استضافتهم مدينة طلخا بالدقهلية، طفل عادى لا يميزه سوى نهمه للقراءة، التى كادت تتسبب فى رسوبه فى دراسته، لولا قطعه عهداً لأبيه بأن يصير تلميذا متفوقا، تلقى برهانه خطابا أرسله كمال الدين حسين، وزير التعليم آنذاك، لوالده يضم شيكا بمبلغ ٢٥ جنيها لابنه المتفوق، سلمه الوالد لـ«محمود» ورحل بعدها بيومين مطمئنا على مصير ابنه.
ما إن التحق بكلية الحقوق حتى أقرنها بممارسة هوايته المفضلة للأدب، فالتحق بكتيبة «أخبار اليوم»، وأبلى بلاءً حسناً فى الدراسة والصحافة، وبعد تخرجه واجه أول اختبار عملى له عندما رفض العمل بالنيابة العامة مفضلا الاشتغال بالصحافة، فما لبث أن أمضى ٨ أعوام من تخرجه عام ٦٤ حتى أصبح نائبا لرئيس تحرير الأخبار، وهو لم يكمل عامه الثلاثين بعد.
خلال مشواره الفنى اقترب من نجوم الفن والسينما بشكل أثار حوله الكثير من التساؤلات، حتى إن هؤلاء النجوم كانوا يتكالبون عليه ليكتب عنهم، وعندما طلبت أم كلثوم من مصطفى أمين أن يؤلف كتابا عنها، اعتذر ورشح لها عوض الذى لم تتفاءل كوكب الشرق بالعمل معه فى البداية، وما إن قرأت كتابه «أم كلثوم التى لا يعرفها أحد» حتى أبدت إعجابا لافتا بهذا الشاب الواعد، الذى استطاع الغوص داخل تفاصيلها، وكعادته اتخذ الموسيقار محمد عبد الوهاب الخطوة نفسها، وظل يطارده حتى ألف عنه كتابا يحمل الاسم نفسه «عبد الوهاب الذى لا يعرفه أحد»، ولما طلب أقرب الناس إلى قلبه «عبد الحليم حافظ» أن يكتب عنه فى حياته، رفض بأدب، والحال نفسها تكررت مع فريد الأطرش، ليعلن للجميع أنه كاتب سياسى، وسوف يتفرغ لهذا المضمار، محتفظا بصداقة واحترام كل من عرفوه ولمسوا الصدق فى أقواله وتصرفاته.
فى النصف الثانى من الستينيات تم اعتقال محمود عوض واستجوابه لاتهامه بالتورط بإمداد مصطفى أمين - المتهم بالتخابر مع دولة أجنبية «أمريكا» - وتم اخلاء سبيله بعد ٣ أشهر، ليدخل بعدها فى معارك ضارية مع رئيس التحرير وتم منعه من الكتابة وخاض معركة قضائية ما زالت مستمرة حتى الآن.
خلال فترة عمله فى «الأخبار» حقق سبقاً صحفياً كبيراً بكونه الصحفى العربى الوحيد، الذى شهد إصدار قرار الأمم المتحدة الشهير ٤٢٤ عام ٦٧، ثم حلوله ضيفا على الملك الحسن الثانى أثناء انقلاب «محمد أوفقير» الفاشل، وعرف عنه علاقته الوطيدة برموز الأدب والفكر، أمثال طه حسين، وتوفيق الحكيم، والشيخ أحمد حسن الباقورى، والصداقة التى جمعته بالفنان العالمى «أنتونى كوين»، وضمن تجاربه مع هؤلاء الرموز مؤلفاته التى تجاوزت الـ١٥ كتابا.
بعد منعه من الكتابة فى مصر بدأ عوض يكتب لبعض الصحف العربية ذائعة الصيت مثل «الحياة» اللندنية و«القبس» الكويتية و«الرياض» السعودية، حتى ترأس تحرير جريدة «الأحرار» الحزبية عام ١٩٨٦، ونجح فى رفع أرقام توزيعها من ٣ آلاف نسخة إلى ١٦٠ ألفاً خلال ٣ أشهر هى عمر هذه التجربة، التى سرعان ما وئدت، إذ لم يحتمل الحزب استقلال عوض عن الحسابات السياسية، ليقرر بعدها أن يفرض عزلة ذاتية على نفسه، بعد أن تمكن منه المرض،
ورفض لتكوين شخصيته ألا يظهر وهو فى أفضل حال، وهو ما تحقق بالفعل عندما انضم إلى مجلس نقابة الصحفيين مقدما أنشطة وجوائز لتحفيز الصحفيين الشبان مكونا اللبنة الأولى لهذا الصرح النقابى، رغم استمرار منعه من الكتابة وإصدار إبراهيم سعدة قرارا استثنائيا بإحالته إلى المعاش فور وصوله سن الستين، إذ كانت القاعدة آنذاك مد الخدمة حتى سن ٦٥ عاماً.
ورغم هذه الحياة الحافلة، رفض عوض الانضمام إلى أى تيار أو حزب سياسى، لعل آخر هذه المحاولات دعوة الدكتور عزيز صدقى، رئيس الوزراء الأسبق، إياه للانضمام للجبهة الوطنية، ورد على إلحاح صدقى قائلا: «أنتم ناس تودون حكم مصر.. أما أنا فلا أود حتى أن أحكم شارعنا».
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
 
عندليب الصحافة محمود عوض .. أربعون يوماً حاضراً رغم الغياب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الصحافة
» الصحافة الفكاهية فى مصر
» الصحافة المتخصصة
» الصحافة فى ضوء الإسلام
» مدخل الى علم الصحافة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
ســــير وأعــلام وتراجــم
-
انتقل الى: