إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تحولات الرفض الشبابي ‏..‏ تأملات في تفاعل نصف قرن .. دراسة للدكتور على ليلة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

تحولات الرفض الشبابي ‏..‏ تأملات في تفاعل نصف قرن .. دراسة للدكتور على ليلة Empty
مُساهمةموضوع: تحولات الرفض الشبابي ‏..‏ تأملات في تفاعل نصف قرن .. دراسة للدكتور على ليلة   تحولات الرفض الشبابي ‏..‏ تأملات في تفاعل نصف قرن .. دراسة للدكتور على ليلة Empty31/8/2009, 7:45 pm

تحولات الرفض الشبابي ‏..‏ تأملات في تفاعل نصف قرن .. دراسة للدكتور على ليلة 55835375um71tn6

تحولات الرفض الشبابي ‏..‏
تأملات في تفاعل نصف قرن
دراسة بقلم: د‏.‏ علي ليلة
أستاذ النظرية الاجتماعية‏‏ جامعة عين شمس
تشكل شريحة الشباب نطاق الحيوية والفاعلية في النسيج الإجتماعي‏،‏ فهم طاقة التجديد فيه‏،‏ موجودون في الحاضر‏،‏ غير أنهم يتحركون دائما بإتجاه المستقبل ويرتبطون به‏.‏ روابطهم بالماضي‏،‏ بتراثه وتقاليده ضعيفة وهم في الغالب علي خلاف معه‏.‏ يتشكلون في الحاضر‏،‏ وفي عملية التشكل ألم وسخونة‏،‏ من هنا كانوا علي صراع أو لنقل علي عدم إتفاق كامل معه‏.‏ يضيق الخلاف مع الحاضر حينما يقوم بإشباع حاجاتهم‏،‏ وبرغم إشباع حاجاتهم‏،‏ فإنهم يظلون علي ممانعة معه‏،‏ قد يرتبطون به‏،‏ لأنه مصدر إشباعاتهم‏،‏ غير أن قدرتهم علي المنازعة أكبر من قدرتهم علي التكيف‏.‏ غير أنه إذا عجز الحاضر عن إشباع حاجاتهم فإن شقة الخلاف تتسع‏،‏ حتي يتحول الخلاف إلي صراع‏،‏ وبسبب الصراع تتسع عملية الإنفصال عن المجتمع‏.‏ وهناك احتمالان لهذا الإنفصال‏،‏ الأول أن يري فيهم المجتمع مصدرا لنشر الفوضي الإجتماعية ونشر حالة من عدم الإستقرار الإجتماعي‏.‏ ومن ثم فهو يدفع بهم إلي الهامش‏،‏ غير مشاركين فيه‏،‏ محرومون من المشاركة السياسية أو حتي من التدريب علي أصولها في إطاره‏.‏ مستبعدون من المشاركة الإقتصادية‏،‏ فهم لا يحصلون علي فرصة عمل‏،‏ أو أن توزيع الفرص يتم بصورة غير عادلة‏،‏ الأمر الذي يثير غضبهم وحنقهم‏.‏ وبدلا من الدفع إلي الهامش بواسطة الآخر‏،‏ فهم ينسحبون متمردين‏،‏ إبتداء من الإنسحاب الرافض للمشاركة في اللعبة الإجتماعية‏،‏ أو الإنسحاب المتمرد أو المحتج الذي يسعي إلي تدمير اللعبة الإجتماعية ذاتها‏.‏

بيد أننا إذا تأملنا الحركة الشبابية في واقع المجتمع المصري‏،‏ علي مرجعية الحركة الشبابية العالمية خلال النصف الثاني من القرن العشرين‏،‏ فإننا سوف نجد وقوع تحولات في الرفض الشبابي مناظرة للتحولات الإجتماعية الإقتصادية الحادثة في المجتمع‏،‏ بحيث أن تحولات الرفض الشبابي تصاعدت من الرفض الإيجابي إلي الرفض السلبي‏.‏ وإذا كان من طبيعة الرفض الإيجابي أن يكون الشباب في المجري الرئيسي للمجتمع‏،‏ يعبرون عنه ويشاركون في أحداثه‏،‏ وروابطهم العضوية قوية به‏.‏ فإن هذا الرفض تحول في النهاية وأخيرا إلي رفض سلبي‏،‏ يعبر عن إنفصال الشريحة الشبابية عن المجتمع‏.‏ فهي إما تعاني من التكيف المفروض والقهري بآليات عديدة‏،‏ أو الهروب من المشاركة في التفاعلات الحادثة في الساحة الإجتماعية‏،‏ والمعاناة من حالة التآكل الذاتي‏،‏ وهي التحولات التي نعرض لها في الصفحات التالية‏.‏

أولا‏-‏ من هم الشباب؟
في محاولة تطوير تحديد لشريحة الشباب نطرح تساؤلات عديدة‏،‏ هل الشباب شريحة عمرية تستند إلي قاعدة التكوين أو التشكل البيولوجي‏،‏ أم أنهم شريحة إجتماعية‏،‏ تشغل مكانة في المجتمع ولها إسهاماتها المتميزة في تفاعلاته‏.‏ وإذا كان الشباب يشكل شريحة عمرية محددة بحدود محددة‏،‏ فإن هذه الحدود لم تعد ثابتة‏،‏ ثم أنها حدود تتغير بتغير السياق الإجتماعي‏.‏ وفي محاولة تحديد ماهية شريحة الشباب‏،‏ فإننا نواجه بثلاثه تحديدات‏.‏ التحديد الأول قدمه علماء البيولوجيا‏،‏ والذين يرون أن التغيرات البيولوجية‏،‏ هي المعيار الأساسي لتحديد مساحة هذه الشريحة‏.‏ من وجهة نظرهم تبدأ مرحلة الشباب مع بداية مرحلة المراهقة‏،‏ حيث تقع تغيرات بيولوجية واضحة في بناء الإنسان يبرز من خلالها الطفل بسمات البالغين‏،‏ سواء كان ذكرا أم أنثي‏.‏ تقع بداية هذه المرحلة في الرابعة عشرة تقريبا‏،‏ ربما قبل ذلك أو بعده‏،‏ وتنتهي حينما يستقر التكوين البيولوجي للانسان‏،‏ ويأخذ هيكل وطبيعة البالغين‏،‏ يقع هذا الإستقرار تقريبا مع بداية نهاية عمر الخامسة والعشرين‏.‏ علي هذا النحو يذهب التحديد البيولوجي إلي التاكيد بأن بداية هذه المرحلة تغيرات بيولوجية ذات طبيعة جذرية تنتهي بإستقرار نسبي‏.‏ فهي فترة تغير بيولوجي راديكالي في طبيعته‏،‏ ثم أنها فترة محدودة للغاية في عمر الإنسان‏،‏ لا تتجاوز جزءا أو سنوات من عقد واحد‏(1).‏

ويقترب علماء السكان كثيرا في تحديدهم لهذه المرحلة من علماء البيولوجيا حيث تبدأ مرحلة الشباب مع سن الخامسة عشرة‏،‏ وتنتهي عند الخامسة والعشرين‏.‏ حيث يكتمل التأهيل الإجتماعي للشخصية الإنسانية‏،‏ حيث ينهي الشاب تعليمه الجامعي أو يمتهن مهنة معينة‏،‏ يمتد هذا التحديد بعد سنوات مضافة إلي نهاية التحديد البيولوجي‏.‏ بيد أنه بسبب الظروف الصحية المتطورة ذات الطبيعة العالمية‏،‏ فإننا نجد أن تعريف علماء السكان قد دفع الحد الأعلي للشباب إلي عدة سنوات‏.‏ ربما حتي سن الثلاثين عاما أو الخامسة والثلاثين‏،‏ بإعتبار إرتفاع متوسط العمر للسكان عموما‏،‏ وما دامت الشيخوخة قد زحفت إلي أعلي‏،‏ فقد زحفت إلي أعلي مختلف المراحل العمرية كذلك‏(2).‏ خاصة أن غالبية دول العالم قد إتفقت علي رفع مرحلة الطفولة حتي الثامنة عشرة‏،‏ ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك علي تحديد مرحلة الشباب‏.‏

علماء الإجتماع لهم تحديد ثالث حيث يتحدد حد البداية لمرحلة الشباب بيولوجيا مع فترة المراهقة في الخامسة عشرة تقريبا‏،‏ كما أشرت‏،‏ حيث يتجاوز الإنسان مرحلة الطفولة‏،‏ ليبدو بعد المراهقة بهيئة وبنية البالغين‏،‏ الذكر والأنثي علي السواء‏.‏ في هذه المرحلة يبدأ الشاب في طلب الإعتراف الإجتماعي‏،‏ من الأسرة ومن الوالدين‏،‏ ومن الرفاق والجيرة في المجتمع المحلي‏.‏ فإذا تأخر الأعتراف‏،‏ أو لم يمنح له بحجة أن ما زال صغيرا‏،‏ فإنه يدخل في تفاعل صراعي في كل الإتجاهات ليثبت ذاته‏،‏ فإذا منح له الأعتراف‏،‏ فإن الصراع يتآكل ويتحقق الإستقرار للشخصية الشابة وكذلك للمتفاعلين معه في البيئة المحيطة‏.‏ في هذا الإطار نجد أن علماء الإجتماع يذهبون إلي التأكيد علي أن مرحلة الشباب هي مرحلة الأدوار الناقصة‏،‏ فالشباب لم يصبح بالغا بصورة كاملة‏،‏ وهو لم يشكل أسرة‏،‏ وربما لم يشغل وظيفة أو يمتهن مهنة بعد‏،‏ ما زال يعتمد علي أسرته‏.‏ ولأنه من أصحاب الأدوار الناقصة‏،‏ فإننا نجده متمردا دائما علي قيود وإلتزامات الأدوار‏،‏ لذلك نجد أن الشخصية الشابة مخاطرة ومغامرة ورافضة للقيود وحتي للتقاليد أحيانا‏.‏ ولأن أدوارهم ناقصة‏،‏ فليس بالإمكان فرض القيود علي حركتهم‏،‏ لذلك يكثر وجود الشباب في التظاهرات والإحتجاجات وكل مظاهر الرفض‏،‏ علي الصعيد العالمي والقومي علي السواء‏.‏ من وجهة النظر هذه تكتمل مرحلة الشباب بإكتمال شغل أفراد هذه الشريحة للأدوار الاجتماعية المختلفة‏،‏ كأن يقوم بمهنة أو يشغل وظيفة معينة‏،‏ وأن يكون له دخل يستطيع به أن يشكل أسرة‏،‏ ويقوم بأدواره في إطارها‏،‏ كما أن يكون عضوا في نقابة أو حزب سياسي‏.‏ فإذا إكتملت ادوار الشخصية الشابة فإنه يخرج حسبما يذهب التحديد الإجتماعي من مرحلة الشباب ليدخل مرحلة الرجولة‏،‏ حيث تكون عملية صياغته نظاميا‏Institutionalization‏ قد إكتملت‏.‏ في إطارها يستوعب الشاب المضامين الثقافية للمجتمع بالداخل‏،‏ ويتماهي معه أو يعكس هويته‏(3).‏ حينئذ يفقد الشباب القدرة علي المغامرة أو المخاطرة‏،‏ لأن قيود المجتمع أصبحت تحيط به من كل إتجاه‏.‏ وإذا كان شغل الشباب لمختلف أدوارهم الإجتماعية قد تأخر بسبب ظروف أقتصادية وثقافية من ناحية‏،‏ أو بسبب ظروف عالمية وقومية من ناحية ثانية‏.‏ فإن الحد الأعلي لسن الشباب قد تأخر كذلك ليتطابق التحديد الإجتماعي والسكاني‏،‏ إضافة إلي تطابقها في الإنطلاق من قاعدة التحديد البيولوجي‏.‏

ثانيا‏-‏ طبيعة وخصائص الشخصية الشابة‏:‏
أشرنا في الفقرة السابقة للمراحل المختلفة لتحديد شريحة الشباب‏،‏ وفي الفقرة الحالية سوف نعرض لقضيتين أساسيتين‏،‏ حيث تتناول القضية الأولي طبيعة العناصر المشكلة لبنية الشخصية الشابة‏،‏ علي حين تتناول القضية الثانية مكانة الشباب كشريحة إجتماعية في بناء المجتمع‏.‏ وفيما يتعلق بالقضية الأولي فإننا نجد أن بنية الشخصية الشابة تتشكل من ثلاثة عناصر أو مكونات أساسية‏.‏ ويشكل المكون البيولوجي‏،‏ المكون الأول في هذا الصدد‏،‏ ويتشكل بدوره من مجموعة الدوافع والغرائز والحاجات البيولوجية التي تحتاج إلي إشباع‏.‏ وإذا كانت غالبية عناصر المكون البيولوجي تظل ساكنة تقريبا‏،‏ تكمن في نطاق محدود خلال مرحلة الطفولة‏،‏ فإننا نجدها تبرز بصورة ضاغطة في مرحلة المراهقة‏،‏ ثم تستمر بعد ذلك في مرحلة الشباب‏.‏ الأمر الذي يشير إلي أن مرحلة المراهقة‏،‏ تشكل نوعا من التغير النوعي في بنية الشخصية الإنسانية‏،‏ وهو التغير الذي نجد مؤشرا له من خلال بعدين‏.‏ الأول التغيرات الخارجية في بنية الشخصية الإنسانية‏،‏ حيث تظهر مجموعة من التغيرات الجسمية‏،‏ سواء بالنسبة للشاب أو الفتاة‏.‏ وهي التغيرات التي تفصله عن مرحلة الطفولة أو مرحلة ما قبل المراهقة‏،‏ ليبدأ في تبني ملامح بنية البالغين العاقلين‏.‏ بحيث يصبح ذلك في حد ذاته تأهيلا بيولوجيا للدخول في عالم الكبار‏،‏ وبسبب ذلك فإننا نجد أن الشخصية الإنسانية عادة ما تدخل في صراع‏،‏ في أعقاب مرحلة المراهقة مع بيئتها المحيطة من أجل طلب الإعتراف بها في عالم الكبار‏.‏ فإذا تأخر الأعتراف فإن ذلك من شأنه أن يقود إلي إحتدام الصراع وتعمقه‏،‏ كما يحدث في السياق الحضري حيث تمتد فترة الطفولة الإنسانية‏،‏ ويرفض الكبار إنهاءها بسهولة‏.‏ علي عكس السياق الريفي الذي يقدم الأعتراف المبكر لطفولته‏،‏ عند بلوغها مرحلة الشباب‏،‏ بل وتعامل الشخصية الشابة بإعتبارها شخصية كاملة النضج‏.‏ لذلك يتآكل صراع الأجيال في الريف بينما هو قائم في مجتمع المدينة‏.‏ ويتشكل البعد الثاني من الطاقة القائمة للمكون البيولوجي بحيث يكون إعتبار التغيرات الخارجية في بناء الشخصية الإنسانية إنعكاسا أو تجليا لها‏.‏ وفي العادة تشكل التكوينات البيولوجية والعواطف التي قد تترتب عليها الرواسب‏Residuals‏ القاعدية للشخصية الشابة‏.‏ فهي تستند إليه بالأساس‏،‏ وهو الذي يوجة سلوكياتها وإختياراتها في المجال الإجتماعي‏،‏ إضافة إلي أن تكوينات هذا المكون تشكل عنصرا ضاغطا له فعالية في بنية الشخصية من ناحية لأنه العنصر الأكثر إكتمالا‏.‏ وثانيا لأن العناصر الأخري لم تكن قد حققت بعد نفس درجة الإكتمال‏،‏ خاصة أن وظيفتها ذات طبيعة ضبطية بالنسبة للمكون البيولوجي في بناء الشخصية الشابة‏.‏ ولذلك فإن تضخيم أو توسيع قوة المكون البيولوجي في بنية الشخصية الشابة‏،‏ بفعل عرض الإعلام وتكنولوجيا المعلومات‏.‏ يساعد في توسيع مساحة الغريزة في حياة الشخصية الشابة‏،‏ ما يدفعها غالبا بإتجاه سلوكيات إنحرافية عديدة‏،‏ خاصة إذا تصادف مع ذلك ضعف القيم والمعايير الكائنة في المجتمع‏،‏ بحيث تعجز عن كبح جماح عناصر المكون البيولوجي‏(4).‏

ويعد المكون الثقافي هو المكون الثاني في بنية الشخصية الشابة وهو يغرس في بنية الشخصية من خارجها‏.‏ من خلال عملية التنشئة الإجتماعية وإذا كانت المكونات البيولوجية تشكل قاعدة الشخصية الأنسانية تتحكم فيها من داخلها‏.‏ فإننا نجد أن الثقافة تتسرب إلي الشخصية من خارجها ومن الطبيعي أن تتصارع المكونات البيولوجية والثقافية علي ساحة الشخصية‏،‏ ولأن الثقافة مؤكدة بقوة المجتمع‏،‏ وهي لازمة لحالة الإجتماعي الإنساني‏،‏ فإننا نجدها تنتصر عادة في حالة قوتها وتماسكها علي المكون البيولوجي فتتولي ضبطة‏،‏ وقهر نزواته‏،‏ وهو ما عبر عنه فرويد بالكبت اللازم لقيام الحضارة‏(5).‏ ويتشكل المكون الثقافي عادة من منظومات القيم‏،‏ التي تعمل التنشئة الإجتماعية من خلال مؤسساتها المختلفة علي غرسها في بناء الشخصية الشابة‏.‏ فإذا إستوعبتها فإنها تشكل ضميرها الداخلي الذي يتولي ضبط البنية الغريزية من ناحية‏،‏ وتوجيه سلوكيات الإنسان الخارجية وأفعاله من ناحية ثانية‏.‏ بالإضافة إلي ذلك فإن الثقافة تتولي ضبط الإنسان وبخاصة الشخصية الشابة من الخارج من جانبين‏،‏ الأول من خلال صيغة التوقعات المتبادلة‏.‏ حيث نجد أن الأنا والأخر يضبطان أفعالهما من خلال توقع كل منهما لسلوك الأخر‏،‏ بالنظر إلي مرجعية قيم الثقافة المشتركة‏.‏ والثاني من خلال تحول قيم الثقافة إلي معايير وأعراف وقواعد وقوانين تضبط سلوكيات البشر وأفعالهم في مختلف المجالات الإجتماعية‏.‏

استنادا إلي ذلك فإنه طالما أن منظومات قيم الثقافة قوية ومتماسكة وأن مؤسسات التنشئة الإجتماعية فعالة‏،‏ بحيث تتجلي فاعليتها في تنشئة البشر فإننا نجد أن سلوكيات الشباب تفضي دائما إلي تأكيد الإستقرار الإجتماعي‏.‏ غير أنه إذا ضعفت الثقافة في أي من جوانبها‏،‏ كأن تكون مؤسسات التنشئة الإجتماعية ضعيفة‏،‏ لم تتمكن من فرض إستيعاب الشاب لمضامين الثقافة والقيم التي تشكل ضميره الداخلي‏،‏ أو أن تكون منظومات قيم الثقافة في حد ذاتها ضعيفة لظروف عديدة‏.‏ أو أن تكون الثقافة متخلفة عن أن تساير تفاعلات وإحتياجات الواقع المتجددة‏،‏ أو أن آليات فرض مضامينها لضبط تفاعلات الواقع الإجتماعي ضعيفة‏.‏ في هذه الحالة فإنها تكون أضعف من السيطرة علي البنية البيولوجية ذات الطبيعة الغريزية للشاب الأمر الذي يدفع إلي إنطلاق مكونات البنية البيولوجية إلي المجال الخارجي من خلال سلوكيات عارية من الأخلاق‏.‏ كألاغتصاب‏،‏ والتحرش الجنسي‏،‏ وإساءة معاملة الأطفال جنسيا‏،‏ إضافة إلي القتل والإيذاء المتبادل بين الأزواج والزوجات أو بين الآباء والأبناء‏،‏ وهو ما يدفع الحياة الإجتماعية إلي حالة من الفوضي في حالة غياب الثقافة‏(6).‏

ويتحدد المكون الثالث من المكون الإجتماعي ويتشكل هذا المكون من ثلاثة مستويات‏،‏ حيث يتمثل المستوي الأول في عضوية الشاب في عديد من التجمعات الإجتماعية‏،‏ كالأسرة‏،‏ جماعة الأصدقاء وربما جماعة العمل أو الجيرة‏.‏ ومن شأن هذه التجمعات أن تشكل سياقا إجتماعيا لمجال حركة الشاب‏،‏ موجها بقيم الثقافة وضابطا لغرائزة‏.‏ بينما يتشكل المستوي الثاني من شبكة العلاقات الإجتماعية التي للشاب عادة مكان أو موقع علي ساحتها‏،‏ وهو المكان أو الموقع الذي يحدد مستوي وقبول الآخرين له‏.‏ يضاف إلي ذلك المستوي الثالث ويتحدد بطبيعة الأدوار الإجتماعية التي تشغلها الشخصية الشابة‏.‏ حيث يقوم الشاب في هذه المرحلة بأدوار قائمة أو يؤهل لأدوار محتملة‏،‏ أما الأدوار القائمة فهي كونه طالبا مثلا أو متدربا في ورشة‏،‏ أو يعمل في الزراعة تحت إشراف والده‏.‏ وجميعها من الأدوار الناقصة غير المكتملة‏،‏ وغير القادرة علي الأستقلال بذاتها‏،‏ وربما صاحب ذلك أن ألتزاماتها وحقوقها محدودة كذلك‏.‏ أما الأدوار المحتملة‏،‏ فهي الأدوار التي يؤهل لها الشاب‏،‏ كان يكون موظفا يشغل وظيفة معينة‏،‏ أو رب أسرة‏،‏ وهذه الأدوار ناقصة كذلك‏،‏ لأنها تنتظره لكنه‏-‏ أي الشاب‏-‏ لعدم إكتمال تأهيله لم يشغلها بعد‏.‏ ومن ثم نجد أن حزمة الحقوق والألتزامات المرتبطة بها ضعيفة بالنسبة للشاب لأنها لم يتم تجسيدها وتفعيلها في الواقع بعد‏،‏ ولأن غالبية الأدوار ما زالت غير ناضجة‏.‏

ذلك يعني أن مكونات بنية الشخصية الشابة تؤهلها‏،‏ بدرجة تفوق الشرائح العمرية الأخري‏،‏ لتطوير ثقافة الرفض‏.‏ فالمكون البيولوجي ضاغط ومتسع المساحة بطبيعته‏،‏ وهو مكون يشكل قاعدة لدفع بناء الشخصية الشابة إلي حالة من عدم الإستقرار أو الأحتجاج إذا لم يتحقق الأشباع‏.‏ والمكون الثقافي مازالت منظوماته المعيارية ضعيفة لا تشكل تقييدا كافيا لغرائز ودوافع الشخصية الشابة‏،‏ وهي وإن كانت تحدد في الأوضاع العادية مسارات سلوكياته‏.‏ غير أنه إذا تأسست بعض المواقف التي تضغط فيها الطاقة البيولوجية‏،‏ فإن القيود والضوابط تنهار‏،‏ خاصة إذا كانت التزامات أدوار الشباب ضعيفه لكونها أدوارا ناقصة‏.‏ علي هذا النحو فإن ثقافة الرفض تصبح لها جذورها في بنية الشخصية الشابة‏،‏ لأن لها علاقة عضوية بمكوناتها‏.‏ ولأن الشباب شريحة تقطع المجتمع رأسيا‏،‏ وتخترق كل سياقاته‏،‏ فإن الثقافة الشبابية الرافضة تصبح واحدة تقريبا‏،‏ حيث تشكل ثقافة فرعية لها علاقتها بثقافة المجتمع‏.‏ غير أنه إذا تزايد الحرمان وتراكمت طبقاته‏،‏ فإن الثقافة الفرعية تتحول إلي ثقافة مضادة يتزايد عنادها كلما تزايد الحرمان ضراوة‏.‏
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

تحولات الرفض الشبابي ‏..‏ تأملات في تفاعل نصف قرن .. دراسة للدكتور على ليلة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تحولات الرفض الشبابي ‏..‏ تأملات في تفاعل نصف قرن .. دراسة للدكتور على ليلة   تحولات الرفض الشبابي ‏..‏ تأملات في تفاعل نصف قرن .. دراسة للدكتور على ليلة Empty31/8/2009, 7:49 pm

تابع .. تحولات الرفض الشبابي ‏..‏
ثالثا‏-‏ تحولات الرفض الشبابي‏:‏
يدرك المتابع لحركة الشباب وسلوكه في المجتمع أن وقوع تحولات في الرفض الشبابي‏،‏ أحيانا يكون رفضا متمردا إذا كانت المتغيرات الخارجية تستنفر طاقة الرفض لديه‏.‏ وأحيانا يكون الرفض إنسحابيا حينما تكون القوة المقابلة عاتية في رد فعلها وإستجابتها‏،‏ للرفض الشبابي وفي أحيان ثالثة يتماهي رفض الشباب مع السياق الإجتماعي المحيط‏.‏ حينما يكون السياق المحيط من طبيعة رافضة‏.‏ غير أن الأمر المؤكد أن طاقة الرفض الشبابي تظل باقية في ساحتها‏،‏ وإن طرأت عليها تحولات بحسب طبيعة السياق الإجتماعي المحيط‏.‏ علي هذا النحو فإن هناك ثلاثة أبعاد إجتماعية علي أساسها تتحدد طبيعة الرفض الشبابي‏.‏ ويتمثل البعد الأول في قدرة النظام السياسي والإجتماعي علي طرح مشروع إجتماعي ملهم للشباب‏،‏ يستنفر فيهم الطاقات الإيجابية بإتجاه العمل من أجل أهداف عامة‏.‏ بينما يتصل البعد الثاني بقدرة النظام السياسي والإجتماعي‏،‏ علي إشباع الحاجات الأساسية للشباب‏،‏ فعدم إشباع حاجات الشباب يفرض حالة من الأنفصال‏،‏ تبدأ بحالة من الجفوة بين الشباب وسياقه‏،‏ وتنتهي بحالة من الصراع بين الشباب وهذا السياق أو التمرد عليه‏.‏ علي حين يتصل البعد الثالث بآليات المواجهة ودينامياتها‏،‏ فكلما كان النظام السياسي يمتلك شرعية قوية‏،‏ كلما أعمل أدواته في قهر الحركة الشبابية ووأدها‏،‏ وتأجيل إنفجارها لإشعار آخر‏.‏ إستنادا إلي ذلك فسوف نحاول في الفقرات التالية قراءة تحولات الرفض الشبابي عبر نصف قرن‏.‏

‏1-‏ الرفض الشبابي فيما قبل‏1952:‏
شهدت الساحة الإجتماعية فيما قبل‏1952‏ مظاهر عديدة للرفض الشبابي إبتدأت بثورة‏1919‏ وحتي‏1952،‏ إذ فرضت البيئة الإجتماعية والسياسية إستنفار إحتجاجات الشباب علي أصعدة مختلفة وبأساليب متباينة‏.‏ وفيما يتعلق بظروف البيئة الإجتماعية فإننا نجد أن الوجود الإستعماري كان هو الأكثر بروزا علي الساحة الإجتماعية والسياسية حينئذ‏.‏ وإذا كان الإستعمار البريطاني لمصر قد وقع عام‏1982‏ فإن تغلغل الثقافة الغربية بدأ يخترق ثقافة المجتمع ومنظومات القيم المتضمنة فيها‏،‏ الأمر الذي إستنفر رد فعل من قبل الشباب‏.‏ ويعد النظام السياسي أحد متغيرات البيئة الإجتماعية والسياسية‏،‏ حيث تميز النظام السياسي بكونه ذا شرعية ضعيفة‏،‏ إضافة إلي فساد الحياة السياسية‏.‏ يضاف إلي ذلك غياب العدالة الإجتماعية‏،‏ سواء من حيث توزيع ملكية الأراضي في الريف‏،‏ أو عدم عدالة توزيع الإقتصاد في السياق الحضري‏.‏ الأمر الذي أدي إلي وجود طبقات من القهر السياسي الذي مارسته القوي الإستعمارية من ناحية ثانية‏،‏ ومارسه النظام السياسي من ناحية‏،‏ يضاف إلي ذلك القهر الإجتماعي وتردي نوعية الحياة في المجتمع حينئذ‏.‏ بحيث شكلت هذه الأبعاد مثيرات للرفض الشبابي الذي برز من خلال مظاهر عديدة‏.‏ ويشكل الرفض الثقافي النمط الأول للرفض الشبابي‏،‏ حيث أدرك البعض خطر الأختراق الثقافي‏،‏ الأمر الذي دفعهم إلي الارتباط بثقافتهم والدفاع عنها‏.‏ وإذا كان الدين يشكل قاعدة الثقافة‏،‏ فقد برز الرفض الثقافي بمضامين دينية‏،‏ حيث تجسد ذلك في نشأة جماعة الأخوان المسلمين‏،‏ التي شكلت في البداية دعوة من أجل الحفاظ علي الدين والثقافة المستندة إليه‏.‏ حيث إتجه الرفض الشبابي بإتجاه القوي الإستعمارية أو لفساد النظام السياسي مقيمين ذلك بالنظر إلي مرجعية دينية بالأساس‏.‏

إلي جانب ذلك تجلي الرفض الشبابي علي الصعيد الثقافي‏،‏ من خلال مرجعية ثقافية ماركسية تارة وليبرالية تارة ثانية‏،‏ تحركت لأدانة الثقافة التقليدية‏،‏ معتبرة إياها سبب التخلف الذي نعيش في إطاره‏.‏ حيث أكد هذا التوجه الشبابي أنه إذا كان الغرب قد تقدم بواسطة الثقافة والمعرفة الحديثة‏،‏ فإن علينا أن نتبني ذات الثقافة حتي نؤكد تقدمنا‏.‏ وإذا كان الرفض الشبابي الأول قد إستند إلي مرجعية التراث‏،‏ فإننا نجد أن الرفض الثقافي الثاني قد تم بالنظر إلي مرجعية الثقافة الغربية‏،‏ التي أدانت الثقافة التقليدية‏.‏ بالإضافة إلي ذلك فقد إتخذ الرفض حينئذ شكل محاولة تطوير مشروعات إجتماعية لإصلاح الأوضاع الإجتماعية‏،‏ مثال ذلك مشاريع الأصلاح الزراعي‏،‏ التي قدمت لبرلمانات ما قبل الثورة لإصلاح الحياة الريفية‏.‏ بإعتبار أن الريف كان يشكل غالبية سكان المجتمع المصري‏(7)،‏ الأمر الذي يشير إلي ثمة رفض شبابي علي المستوي الثقافي تجلي من خلال أشكال عديدة‏.‏

بالإضافة إلي ذلك فقد تبني الرفض الشبابي منطقا عمليا وحتي قتاليا‏،‏ حيث النضال المنظم في إتجاهات عديدة‏.‏ فمن ناحية إتجه شباب الطبقة المتوسطة إلي قيادة النضال المنظم ضد القوي الإستعمارية‏.‏ إبتداء من ثورة‏1919‏ التي يمكن إعتبارها تعبيرا عن رفض شباب الطبقة المتوسطة‏،‏ ومرورا بالإنضمام إلي التنظيمات الدينية المقاومة‏،‏ أو التنظيمات الشيوعية التي حاولت تصوير أو تطوير النضال علي مرجعية طبقية‏.‏ بالإضافة إلي ذلك يمكن إعتبار التحاق أبناء الطبقة المتوسطة بالقوات المسلحة في أعقاب معاهدة‏1936‏ محاولة لإمتلاك أسباب القوة‏،‏ حتي تصبح آلية الرفض أمضي وأقوي فاعلية‏.‏ يضاف إلي تحالف شباب الطلبة والعمال إبتداء من عام‏1946،‏ للقيام بالإضرابات والتظاهرات ضد القوي الإستعمارية أو ضد الرموز الفاسدة في بنية النظام السياسي حتي بلغت حد تنظيم فرق الإعتيالات لإغتيال هذه الرموز‏.‏ بهدف تأسيس حالة من عدم الإستقرار الإجتماعي‏.‏ يضاف إلي ذلك تنظيم جماعات المقاومة‏،‏ التي واجهت القوي الأجنبية علي خط القناة في السويس والإسماعلية وبورسعيد حتي لا يتحقق إستقرار لهذه القوي الإستعمارية‏(.‏ بحيث لعبت هذه الجهود جميعا دورا إيجابيا سواء علي صعيد المسألة السياسية أو الإجتماعية‏،‏ بحيث مهد الرفض الشبابي في هذه الفترة لقيام ثورة‏1952،‏ التي تبنت نخبتها جملة المرجعيات الشبابية التي كانت قائمه قبل‏1952،‏ وكذلك جملة المشروعات الإجتماعية لتطوير الواقع الإجتماعي‏.‏

‏2-‏ الرفض الشبابي في المرحلة الإشتراكية‏:‏
بقيام ثورة‏1952‏ كان عليها أن تتبني مختلف الرؤي الشبابية التي طرحت قيام الثورة‏.‏ فقد كان عليها أن تتبني موقفا وسطا بين المتناقضات‏،‏ ففي مواجهة جماعة الأخوان المسلمين الذين أكدوا علي المرجعية الدينية‏،‏ والجماعة الشيوعية الرافضة للدين‏،‏ ومن ثم نجدها قد إختارت ان يكون الإسلام هو الدين الرسمي للدولة غير أنها رفضت تدخل الدين في السياسة‏.‏ وهو ما يعني أنه إذا كانت قد أكدت علي تدين المجتمع فإنها رفضت التطرف بالدين إلي حد إختراق حدود المجال السياسي‏،‏ بل وأكملت المشوار بأخضاع الدين للسياسة‏.‏ في المقابل رفضت التطرف الشيوعي كذلك‏،‏ ورأت أنه أيديولوجية غريبة علي واقعنا الإجتماعي‏،‏ وقد كان هذا الرفض حاسما حتي في فترة العلاقة الإيجابية مع الإتحاد السوفيتي والصين‏.‏ وهي قد وافقت علي تأسيس إصلاحات إجتماعية كإصدارها لقوانين الإصلاح الزراعي‏،‏ غير أنها لم تذهب بها إلي مدي بعيد‏.‏ حيث أبقت علي ذات الطبقة المالكة لتحيا في إطار قدر من اليسر‏،‏ في مقابل منح الشرائح الفقيرة نوعية حياة توفر إشباع حاجاتها الأساسية‏.‏ لقد طورت نخبة يوليو مشروعا وسطيا‏،‏ يعبر من ناحية عن طموحات الطبقة المتوسطة وإشباع حاجاتها‏،‏ إضافة إلي تطوير السياسات الإجتماعية‏،‏ التي تشبع الحاجات الأساسية لمختلف الشرائح الإجتماعية‏.‏ في مجال التعليم‏،‏ والاسكان‏،‏ والمشاركة السياسية‏،‏ وتوفير مستوي من الدخل يساعد علي قيادة حياة كريمة لغالبية أفراد المجتمع‏.‏ إلي جانب تطوير سياسة خارجية تؤكد مكانة الدولة المصرية وفاعليتها علي الساحة الاقليمية والعالمية‏،‏ بحيث لعبت السياسات الداخلية والخارجية دورا محوريا في دعم وتأكيد الشرعية السياسية للدولة‏(9).‏

ولذلك نجد أن مساحة الرفض الشبابي خلال هذه الفترة محدودة ومتآكلة‏،‏ لأن نخبة ثورة يوليو ناضلت في الحفاظ علي مشروعها الإجتماعي في مواجهة قوي داخلية وخارجية معادية‏.‏ وهو المشروع الذي كان يستهدف إشباع الحاجات الأساسية للمواطنين بعيدا عن التبعية للخارج وبعيدا عن الإخلال بمبدأ العدالة الإجتماعية‏.‏ وإذا كنا نتحدث عن الشباب في الإطار الداخلي‏،‏ فإننا نجد أن خريطة الرفض الشبابي خلال هذه المرحلة تميزت بخاصيتين أساسيتين‏.‏ الأولي الرفض الشبابي للنظام السياسي‏،‏ لأن الأخير لم يتبن المشروع الإجتماعي لأحدي فئات الشباب‏،‏ كرفض الشباب ذي التوجهات الدينية للنظام السياسي‏،‏ لعدم تبنيه التوجهات الدينية‏،‏ بخاصة شباب الاخوان المسلمين‏.‏ الأمر الذي دفع النظام السياسي إلي التنكيل بهم وإيداعهم السجون‏،‏ حفاظا علي إستمرار المشروع الإجتماعي لثورة يوليو‏.‏ الذي كان ينشد التوازن بين الطبقات‏،‏ ويتبني منهجا وسطا بين مختلف القوي الإجتماعية‏،‏ في مقابل ذلك رفض الشباب من ذوي التوجهات الإشتراكية وسطية نظام يوليو‏،‏ حيث طالب بمزيد من الأشتراكية‏،‏ وتفضيل حقوق الطبقة والتحالف الصريح مع القوي الإشتراكية في العالم‏،‏ وقد تعاملت ثورة يوليو بحسم مع هذه الشريحة الشبابية كذلك‏،‏ فأصابها ما أصاب شباب الأخوان المسلمين من السجن والأعتقال والتعامل معهم بقسوة‏.‏ لقد كان الرفض الشبابي للمشروع الإجتماعي لثورة يوليو ليس من مرجعية عدم قدرته علي إشباع للحاجات الأساسية للجماهير‏،‏ بقدر ما كان رفضا منطلقا من مرجعية أيديولوجية بالأساس‏.‏

وقد تحدد البعد الثاني للرفض الشبابي في المواقف إذا وقعت فيها شبهة إنحراف النظام السياسي أو تهاونه في فرض أو حراسة مشروعة الإجتماعي‏.‏ تأكيدا لذلك فاننا نجد أن الرفض الشبابي‏،‏ كان يتصل بممارسات النظام السياسي‏.‏ مثال علي ذلك فقد تظاهر الشباب في عام‏1954‏ إحتجاجا علي ما عرف بأزمة الديموقراطية‏،‏ لأن إقامة حياة ديموقراطية سليمة كانت أحد أبعاد وأهداف النظام السياسي لثورة يوليو‏1952.‏ بالإضافة إلي ذلك فقد تمرد الشباب إحتجاجا علي الأحكام التي صدرت بحق قادة الطيران والقادة العسكريين الذين إعتقد الشباب في مسئوليتهم عن وقوع النكسة‏.‏ حدث ذلك عام‏1968‏ الذي تصادف أنه كان عام الثورة العالمية للشباب‏،‏ التي إنطلقت من جامعة‏'‏ ناننتير‏'‏ بفرنسا‏.‏ وقد إستجاب النظام لها بإصدار بيان‏30‏ مارس‏1968،‏ وإعادة محاكمة القادة العسكريين‏،‏ لإمتصاص الغضب الشبابي والشعبي وإستعادة قوة شرعيته‏.‏ ويمكن القول بأن الرفض الشبابي كان محدودا خلال هذه الفترة‏،‏ لأن النظام السياسي بسياساته الداخلية والخارجية‏،‏ إستجاب لمعظم الطموحات الشبابية‏،‏ إضافة إلي أنه تمكن من إشباع الحاجات الأساسية لهذه الشريحة‏(10).‏ لقد كان الشباب علي إرتباط بالنظام السياسي اقوي ما يكون في هذه المرحلة‏،‏ مؤشر ذلك أنهم كانوا الأكثر إصرارا علي بقاء النظام برغم هزيمته في‏1967.‏

‏3-‏ الرفض الشبابي في مرحلة الإنفتاح الإقتصادي‏:‏
شغلت هذه المرحلة الفترة منذ بداية السبعينيات وحتي بداية الثمانينيات وهي المرحلة التي طرح فيها شعار الإنفتاح الإقتصادي‏،‏ حيث إمتلأ عقد كامل تقريبا بتحولات شاملة ودرامية وتبدو متناقضة أحيانا‏،‏ جعلت البشر في المجتمع وكأنهم يسيرون علي سطح من صفيح ساخن‏.‏ فقد سقطت التجربة الإشتراكية وبدأت التوجهات الليبرالية‏،‏ الأولي إنسحبت بصورة كاملة من علي المسرح‏،‏ والثانية أصبح حضورها الواضح كذلك‏.‏ بدأ تراجع الإهتمام بالقطاع العام‏،‏ في مقابل الغاء القيود التي أعاقت فاعلية القطاع الخاص‏،‏ وقعت حرب‏1973،‏ غير أنها مهدت لزيارة القدس وعقد معاهدة كامب ديفيد‏.‏ شجعت الطبقة العليا متضافرة مصالحها مع البرجوازية العالمية‏،‏ وبدئ في سحب إمتيازات الطبقة المتوسطة والفقراء‏.‏ حتي الزعيم نفسه الذي قاد تفاعلات هذه المرحلة يمثل حالة تحول‏،‏ كان من نخبة يوليو‏،‏ غير أنه خرج علي توجهاتها الأيديولوجية‏،‏ وبشر بتوجه جديد‏.‏

في هذه المرحلة بدأ سحب إمتيازات الطبقة المتوسطة‏،‏ وتقلصت الخدمات المجانية التي كانت تحصل عليها‏،‏ التعليم والصحة والإسكان‏،‏ وبدأت البطالة بين شباب الجامعات‏.‏ وبعد أن كان المستقبل له خيالاته الوردية في ذهن الشباب إزدادت مساحات الرمادية فيه‏،‏ووقع في يقين وعي الشباب أبناء الطبقة المتوسطة أن هذا الزمان ليس زمانهم‏،‏ هاجرت أسرهم إلي مجتمعات الخليج‏،‏ ومن بقي بدأ يواجه عناء إرتفاع الأسعار وآثار التضخم‏،‏ في هذا السياق وهذه الفترة سقط المشروع الإجتماعي لثورة يوليو ولم يطرح محله مشروع إجتماعي جديد‏.‏ وقد كان من الطبيعي أن تحتج الطبقة الوسطي وأن يحتج كذلك الفقراء‏،‏ وأن يكون الشباب في مقدمة هذا الإحتجاج‏.‏ فهم الذين يعانون مباشرة من البطالة وإرتفاع الأسعار‏،‏ وإطلاق عقال القوي الإجتماعية التي ناضلوا ضدها في الأربعينيات قبل قيام ثورة يوليو‏.‏ وبرغم أن إنجاز النظام السياسي في معركة‏1973‏ كان إيجابيا‏،‏ إلا أن أداء النظام السياسي في الداخل والخارج فرض تآكل العواطف التي ارتبطت بهذا الانتصار‏.‏

وكأن التاريخ يعيد نفسه من جديد‏،‏ حيث توزع الشباب علي ذات الفصائل القديمة التي كانت قائمة فيما قبل ثورة يوليو‏،‏ فقد برز إحتجاج التيار الديني‏،‏ الذي غازله النظام السياسي بشعار‏'‏ دولة العلم والإيمان‏'‏ من خلال فصيلين‏.‏ الأول جماعة الأخوان المسلمين الذين حاول النظام أن يكونوا عصاه في ضرب الجماعات الأيديولوجية الأخري‏،‏ عقد معهم مصالحة سقطت بزيارته للكنسيت الإسرائيلي‏.‏ علي خلاف ذلك كان الفصيل الثاني متطرفا‏،‏ ضم فصائل عديدة إبتداء من الجهاد الإسلامي‏،‏ إلي جماعة التكفير والهجرة‏،‏ إلي جماعة صالح سرية‏،‏ وغير ذلك من جماعات التطرف الديني‏،‏ التي تبنت العنف والقتل‏.‏ ويشير التشريح الداخلي لبنية التيار الإسلامي إلي أنه إذا كانت جماعة الأخوان المسلمين تعبر عن إعتدال الطبقة المتوسطة‏،‏ فقد ضمت الجماعات الدينية المتطرفة خليطا من الفقراء‏،‏ والشرائح الدنيا للطبقة المتوسطة‏،‏ ونفرا قليلا من الشرائح الطبقية الأعلي من ذلك‏.‏ لقد إرتفعت وتيرة إحتجاج هذه الشريحة بسبب الظروف الإجتماعية والإقتصادية الصعبة من ناحية‏،‏ غير أن أحتجاجها ورفضها تفجر بسبب إعتقاد الإضرار برموزها الدينية بالأساس كالحجاب والنقاب من ناحية ثانية‏(11).‏ في هذا السياق بدأ التيار الإسلامي يكسب أرضا علي ساحة الجماهير الفقيرة والمعانية‏.‏

إلي جانب التيار الإسلامي بجماعاته العديدة‏،‏ ضم الشباب الرافض جماعات مضافة ورافضة‏،‏ أولي هذه الجماعات الناصريون‏،‏ الذين ما زالوا يدركون عظمة المشروع الإجتماعي للتجربة الناصرية من خلال آثارها علي أسرهم‏،‏ وحتي من حكاياتهم‏.‏ قارنوا بين الإشباع الذي تحقق لآبائهم في كل المجالات‏،‏ وبين الحرمان الذي ينتظرهم‏،‏ ثم أنهم رأو التجربة الإشتراكية تسقط أمام ناظريهم‏،‏ بكل نقائها وطهارتها وكبريائها‏.‏ سقط الإستقلال وتآكلت ثقافة الإنتاج‏،‏ ومجمعهم علي أبواب التبعية من جديد‏،‏ تدعوهم إلي عالمها بشعارات وثقافة الإستهلاك‏.‏ وإذا كان البعض قد طاوع هذه الثقافة غير أن الغالبية رفضتها وتمردت عليها‏،‏ وإن تسرب إلي وعيها أن هذا رفض أو تمرد الخندق الأخير‏.‏ إلي جانب هذه الجماعة وقفت جماعة الماركسيين‏،‏ الذين أدركوا سقوط وإنهيار المشروع الإجتماعي‏،‏ الذي جسد الأمل الضئيل لتحقيق طموحاتهم‏،‏ وبذلك فقد أصبحوا يعيشون في إطار بيئة معادية وغير مواتية‏.‏ كان رفضهم رفض اليائس‏،‏ الذي إكتفي بالصراخ وتسجيل المواقف‏،‏ وإذا كان الناصريون قد تمردوا حزنا علي سقوط تجربة وطالبين إستعادتها‏،‏ فإن تمرد الماركسيين كان بلا مضمون معقول وحتي بلا هدف‏،‏ لذلك كان وزنهم علي الساحة محدودا وفاعليتهم عاجزة‏.‏

غير أننا إذا تأملنا الرفض الشبابي خلال هذه المرحلة‏،‏ فسوف ندرك تراجعا كبيرا في فاعليته‏.‏ فعلي حين جمعت المسألة الوطنية قبل‏1952‏ كل التيارات الشبابية‏،‏ ودفعت إلي التماسك والعمل في خندق واحد في مواجهة القوي المستعمرة‏،‏ والشراذم الوطنية المتعاملة معه‏.‏ وإذا كان المشروع الإجتماعي لثورة يوليو قد جمعها جميعا برغم إختلاف كل منها مع بعض مساحاته‏.‏ فإن الشباب في هذه المرحلة قد قاد رفضا يائسا‏،‏ وحتي عبثيا‏،‏ بائسا لأن المشروع الإجتماعي للمرحلة الإشتراكية‏،‏ والذي كان يشبع حاجاتها قد سقط‏،‏ وبذلك تمددت مساحات الحرمان علي ساحة حياتها حتي تكاد أن تحرمها من إشباع غالبية حاجاتها‏،‏ وعبثيا لأن الشريحة الشبابية دخلت في صراع مع بعضها البعض‏،‏ كأنما الجسد الشبابي يأكل ذاته‏،‏ الأخوان المسلمون ليسوا علي وفاق كامل مع الإسلاميين المتطرفين‏.‏ والماركسيون ليسوا علي تعاون كامل مع الناصريين‏،‏ وهناك صراع مضاف تفجر بين التيار الديني من ناحية والناصريين والماركسيين من ناحية مقابلة‏.‏ لقد أنتهي عصر تماسك الشريحة الشبابية لتحقيق أهداف واحدة‏،‏ وبدأ التشرذم والأقتتال‏،‏ لقد أنتهي عصر القضايا الكبيرة وبدأ عصر التراجع والانزواء خوفا من الآتي والمستقبل‏.‏ وقد أسدل الستار علي هذه المرحلة بتناقض مضاف‏،‏ حيث إنطلقت رصاصات من بنادق جنود لتنهي حياة قائدهم‏،‏ الذي قادهم في معركة الإنتصار‏،‏ علي ساحة كان الجميع فيها مسترخيا وسعيدا يستعيد ذكريات الإنتصار‏.‏
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

تحولات الرفض الشبابي ‏..‏ تأملات في تفاعل نصف قرن .. دراسة للدكتور على ليلة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تحولات الرفض الشبابي ‏..‏ تأملات في تفاعل نصف قرن .. دراسة للدكتور على ليلة   تحولات الرفض الشبابي ‏..‏ تأملات في تفاعل نصف قرن .. دراسة للدكتور على ليلة Empty31/8/2009, 7:51 pm

تابع .. تحولات الرفض الشبابي ‏..‏
‏4-‏ الرفض الشبابي في مرحلة التوجه الليبرالي‏:‏
تعد هذه المرحلة إمتدادا لما قبلها في التوجه العام‏،‏ وإن كانت قد تميزت ببعض الخصائص التي ميزتها‏،‏ منها أن هذه المرحلة تعد سياقا زمنيا بلا معركة وكذلك بلا إنتصار‏.‏ ومنها أن التوجه الليبرالي كشف عن وجه صريح‏،‏ بفتح الساحات أمام القطاع الخاص الوطني والأجنبي علي السواء‏،‏ في مقابل تصفية القطاع العام‏،‏ والإتجاه إلي الخصخصة أو التصفية الكاملة تقريبا لشركات الدولة والقطاع العام‏.‏ إلي جانب سحب غالبية إمتيازات الطبقة المتوسطة والفقيرة‏،‏ حتي وجدت هذه الطبقات نفسها في مأزق‏.‏ فهي تعاني للحصول علي مختلف فرص الحياة‏،‏ فرص العمل والدخل والمسكن الملائم والتعليم الجيد‏،‏ والحياة في ظل حياة كريمة‏.‏ حيث غياب عدد السكان تحت خط الفقر إلي‏50%‏ تقريبا حسب بعض التقديرات‏(12).‏ وحيث أطلت علي المجتمع مرة أخري الثقافة والسلوكيات التي كانت سائدة قبل‏1952،‏ الفساد والرشوة والمحسوبية‏،‏ والأنتقاء أحيانا للحصول علي فرص العمل الحساسة علي أساس طبقي متميز‏.‏ وقد أضيف إلي ذلك قاموس مصطلحات جديدة‏،‏ ظهر ليعبر عن واقع جديد إبتداء من‏'‏ القطط السمان‏'‏ إلي‏'‏ الأرنب‏'‏ إلي‏'‏ نواب القروض‏'‏ إلي‏'‏ نواب المخدرات أو الكيف‏'‏ وأخري كثيرة‏.‏ شهدت هذه المرحلة أيضا صعود نجم الطبقة العليا‏،‏ وتداخلا له أثاره السلبية بين الإقتصاد والسياسة في مقابل إنهيار للطبقة الوسطي‏.‏ يضاف إلي ذلك سقوط الإتحاد السوفيتي مع بداية التسعينيات‏-‏ الذي كان يشكل دعما للشعوب الصغيرة‏-‏ وإنطلاق عصر العولمة بترسانتها القهرية المدججة بثورة الإعلام وتكنولوجيا المعلومات‏،‏ وفرض إخضاع الشعوب لطابعها بصورة ناعمة أحيانا‏.‏ فإذا فشلت الآليات الناعمة‏،‏ فالإخضاع الخشن بقوة السلاح‏.‏ عبر قنوات العولمة تدفقت علي ساحة مجتمعاتنا ثقافة الإستهلاك بكل مساحتها‏،‏ كما تدفقت ثقافة الجنس وتوسيع مساحة الغرائز في حياة شبابنا‏(13).‏ حتي نشيد المعارك‏'‏ خللي السلاح صاحي‏'‏ الذي ملأ فضاءنا في المرحلة الإشتراكية لم يسلم من العبث وأصبح شعار إعلان عن‏'‏ الفياجرا‏'‏ لتنشيط الجنس‏،‏ كما تدفقت المخدرات‏.‏ تعاطاها الشباب بمعدلات عالية‏،‏ وطور لها ثقافة‏،‏ تتعلق بالمواد المخدرة‏،‏ وأساليب التعاطي‏،‏ وظروفه‏.‏ ومع ثقافة الإستهلاك والفساد والمخدرات والجنس المتدفق من الإعلام والإعلان تآكلت الأخلاق ومنظومات القيم‏،‏ وأصبحت التفاعلات اليومية عارية من أي توجيه أخلاقي‏. ‏ وقد ساعد علي ذلك إنهيار التنشئة الإجتماعية‏،‏ لإنهيار مؤسساتها المتمثلة في الأسرة‏،‏ التي تهتك نسيجها‏،‏ والتعليم الذي تردي آداؤه والإعلام الذي أصبح غير ملتزم بالفضائل القومية‏(14).‏ لقد أصبح الواقع مأساويا أو ذا طبيعة طوفانية‏.‏

وقد كان من الطبيعي أن يتشكل الرفض الشبابي بذات طبيعة التفاعلات السائدة في هذه المرحلة‏.‏ ومن الطبيعي أن تتخذ إستجابات الشباب تشكلات وتنوعات عديدة‏،‏ تحكمها متغيرات المستوي التعليمي والمستوي الإجتماعي الإقتصادي‏،‏ وعمق التأثر بغياب فرص الحياة‏.‏ وتتمثل الإستجابة الأولي الرافضة في الهروب إلي الدين‏،‏ كرد فعل لثقافة الإستهلاك وثقافة الجنس والغرائز‏.‏ التي إنتشرت في فضاء الطبقة الوسطي‏،‏ التي تشكل دائما أو عادة‏،‏ الإطار أو القاعدة الأخلاقية للمجتمع‏.‏ وإذا كانت الطبقة المتوسطة قد عجزت عن تحقيق الحماية الأخلاقية لشبابها‏،‏ فإنهم قد إندفعوا هاربين إلي الدين إلي حد التطرف‏،‏ به وكذلك إلي حد العنف‏.‏ يهربون إلي الدين حيث الحياة وفق معايير متقشفة‏،‏ تبيح الحد الأدني لإشباع حاجات الإنسان‏،‏ وحيث الهروب من الضخ الإعلامي والإعلاني لتوسيع مساحة الغرائز إلي حيث إعتقاد النقاء والطهارة التي تفرض تقليص هذه المساحة‏(15).‏ يضاف إلي ذلك جماعات اخري من الشباب ذهبت تبحث عن اليقين‏،‏ تارة من خلال إبتكار ديانات عبثيه‏،‏ كعبدة الشيطان‏،‏ وتارة أخري من خلال التجول بين الأديان‏.‏ مسلمون يصبحون مسحيين ومسحيون يصبحون مسلمين‏،‏ إضافة إلي إبراز ديانات متصورة‏'‏ كالبهائيين‏'‏ و‏'‏القرآنيين‏'‏ وغيرهم‏.‏ وإذا كان الإنسان علي يحتوي غريزة وروح أو عقل‏،‏ فإن إتساع مساحة الغرائز تصبح عبئا علي الشباب‏،‏ بدفع بعضهم إلي البحث عن عالم روحي وأخلاقي تخفيفا لضغط الغرائز‏،‏ أو هروبا من ضغط عدم إشباع الحاجات‏.‏

بيد أن هناك إستجابة أخري قد تظهر في السياق الشبابي‏،‏ تتمثل في إندفاع الشباب في الإتجاه المضاد‏،‏ لا يبحث في إطاره عن اليقين أو الطهارة‏،‏ ولكن بإتجاه إشباع الغرائز برغم أنف المجتمع ورغم أنف الآخرين‏.‏ ذلك يفسر سلوكيات عديدة يدخل في نطاقها إنتشار الزواج العرفي بين الشباب‏،‏ كغطاء شرعي لممارسات لا يقرها الدين‏،‏ ولا تباركها الأخلاق‏.‏ التحرش الجنسي في وضح النهار وفي الأماكن العامة وعلي مشهد من كل البشر‏،‏ ولا إعتبار للأخلاق أو للآخر‏،‏ كأنما هو رفض للأخر وللأخلاق الواهية الضعيفة إلي حد الإستهانة بالقانون‏،‏ فالقانون رخو‏،‏ والغرائز صلبة وضاغطة‏.‏ وقد يتطور الأمر إلي حد إختطاف أنثي أو طفل بهدف الأغتصاب‏،‏ وإنتزاع فترة راحة من ضغط الغرائز‏،‏ وحتي يصبح الرفض في هذا الإتجاه قويا وغير مرتعد يتضافر معه ويدعمه رفض إنسحابي آخر يتمثل في تعاطي المخدرات‏.‏ التي تعني الهروب من هذا العالم الذي يفرض المعاناة وعدم الإشباع‏،‏ إلي عالم يتآكل فيه الحرمان ويضعف فيه الأحساس بالمعاناة وعدم الإشباع‏(16).‏ وفي هذا الإطار تطور التجمعات الشبابية سلبية ثقافة فرعية تبرر تعاطي المخدرات‏،‏ وتيرر ثقافة الجنس الحرام وتبرر سلوكيات الخروج علي المجتمع‏.‏

وتذهب الإستجابة الثالثة في الإحتجاج بسبب عدم الحصول الفرص العديدة التي تشكل قاعدة تطور وإنطلاق حياة الشباب وإندفاعها في تدفقها الطبيعي‏.‏ ذلك أن غياب فرصة العمل تعني غياب الدخل‏،‏ الذي يسلم إلي العجز عن الحصول علي مسكن‏،‏ وإلي عدم القدرة علي تشكيل أسرة‏،‏ الأمر الذي يعني توقف متطلبات الحياة بينما العمر يتسرب من بين أصابعة‏،‏ فإذا تضافر ذلك مع ترويج إعلامي لإنتشار ظواهر الفساد والرشوة‏،‏ وإذا تضافر مع ذلك أيضا الأحساس بالتحيز الطبقي والفئوي‏،‏ لشغل الوظائف العامة كمدخل للتوفير مقومات الحياة‏.‏ فإن الإحتجاج يصبح تعبيرا عن رفض هذه الظروف وكل المتغيرات المسببة لها‏.‏ وقد يصبح الرفض عاما كالتظاهر حماية للمستقبل‏،‏ أو عدم ممارسة الحياة بجدية‏،‏ لأن الآخرين الكبار لا يمارسونها بجدية واجبة‏.‏ وقد تتصاعد هذه المشاعر السلبية حتي القطيعة مع المجتمع‏.‏ مؤشر ذلك إبتكار لغة غير تلك التي يتواصل بها الكبار‏،‏ أو عدم الالتزام بقيم المجتمع وعدم مراعاة قواعدة وأعرافه في غالب مساحات التفاعل الإجتماعي‏(17).‏ وقد يتطور الأمر إلي حد المشاركة في سلوكيات الجريمة والإنحراف وكل ما يهز إستقرار المجتمع‏.‏

فإذا عجزت الإستجابات السابقة عن دق الأجراس التي يهز صليلها أذان الكبار وأصحاب القرار‏،‏ فإن القطيعة مع الحياة في المجتمع تصبح واجبة‏.‏ حيث لا أمل ولا طموح‏،‏ ولا حتي مستقبل آمن في هذه الحالة يصبح المجتمع ساحة خراب تدفع إلي القرار‏،‏ أحيانا يكون الهروب من خلال هجرة غير مشروعة ممتطين قوارب الموت إلي الشاطئ الأوربي‏.‏ حيث توقعات بالحياة المريحة والمترفة‏،‏ فإن بلغوا هذا الشاطئ مزقوا أوراق هوياتهم تأكيدا للقطيعة مع الوطن‏،‏ وفرصة للإنتساب إلي وطن آخر‏.‏ وإن لقوا حتفهم أثناء رحلتهم وإبتلعهم اليم‏،‏ وإستراحوا من حرمانهم وأراحوا‏،‏ البعض منهم قد يقدم علي هجرة مكروهة إلي إسرائيل بحثا عن فرصة عمل‏،‏ ولتسقط المثل وقيمة شهداء التاريخ ودماء أطفال بحر البقر تحت السنابك‏.‏ ومن لم يهاجر ومازال هنا فحلم الهجرة يعيش بداخله‏،‏ يكبر وتتسع مساحته‏،‏ فإن تحقق يوما فهذا حظ سعيد‏،‏ وإن لم يتحقق‏،‏ يتقوقع الشباب علي ذاته‏،‏ وينسحب ليحيا بداخله‏،‏ ليصبح مهاجرا‏،‏ وإن كانت قدماه ما تزال علي أرض الوطن‏.‏

في النهاية فإن تأمل تحولات الرفض يكشف أنها قد أصبحت في مرارة العلقم‏،‏ فقد ضاعت نضالات الثلاثينيات والأربعينيات طلبا لاستقلال الوطن أو حفاظا عليه‏.‏ وحل محلها سعي دؤوب للهروب من الوطن إلي داخل الذات أو حتي إلي الموت المجهول‏.‏ ضاعت مشاعر الكبرياء والكرامة وتجسيد المشروع الإجتماعي وتحمل أعباء القضايا الكبيرة‏،‏ وحلت محلها سلوكيات مريضة ومشوهة تدور حول التحرش الجنسي وتعاطي المخدرات والاغتصاب‏،‏ والحياة بلا طموح أو أمل‏.‏ وبعد أن كانت الشريحة الشابة في مرحلة سابقة تناضل من أجل الوطن وتحميه بالبندقية‏،‏ وبعد أن كانت سواعدها في مرحلة تالية تبني المشاريع العملاقة لتوفير فرص الإشباع وتوسع من مساحة الخيال والأمل‏.‏ أصبحت الحياة الآن تتسرب من بين الأنامل‏،‏ تدفع بالشباب إلي شيخوخة ما تزال محرومة وبلا إشباع‏،‏ حتي الرفض المثالي النظيف قد تآكل‏،‏ ليحل محله رفض ردئ‏،‏ حيث التطرف والعنف وتعاطي المخدرات والجنس الحرام والحياة بلا هدف‏.‏

المراجع‏:‏
‏1-Eisenstadt،S.N:FromGenerationtoGeneration،
AgeGroupsandSocialStructure،TheFreePress،NewYork،1926،P..73‏
‏2-‏ علي ليلة‏،‏ الشباب والمجتمع‏،‏ أبعاد الإتصال والإنفصال‏،‏ المكتبة المصرية للنشر والتوزيع‏،‏ الطبعة الثانية‏،2006،‏ ص‏29.‏
‏3-‏ نفس المرجع‏،‏ ص‏29-30.‏
‏4-S.N.Eisenstadt،Op،Cit،P..22‏
‏5-Parsons،T،AgeandSexinTheStructureofTheUnitedStates'in'PeterK.
Manning&MarcelloTruzzi،YouthandSociology'ed'Prentice-Hall،
NewGersey،1972،P..113‏
‏6-‏ هربرت ماركيوز‏،‏ الإنسان ذو البعد الواحد‏،‏ ترجمة جورج طرابيشي‏،‏ منشورات دار الآداب‏،‏ بيروت‏،‏ الطبعة الثالثة‏،1973،‏ ص‏23.‏
‏7-‏ محمد جواد أبو القاسمي‏،‏ نظرية الثقافة‏،'‏ ترجمة‏'‏ حيدر نجف‏،‏ مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي‏،‏ سلسلة الدراسات الحضارية‏،‏ بيروت‏2008.‏
‏8-‏ علي ليلة‏،‏ مرجع سابق‏،‏ ص‏67.‏
‏9-‏ علي ليلة‏،‏ الإستراتيجية الناصرية لتذويب الفوارق بين الطبقات‏'‏ في‏'‏ ثورة يوليو‏1952،‏ دراسات في الحقبة الناصرية‏'‏ تحرير‏'‏ محمد السعيد إدريس‏،‏ مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية‏،‏ وحدة دراسات الثورة المصرية‏،‏ القاهرة‏2003،‏ ص ص‏339-366.‏
‏10-‏ نفس المرجع‏،‏ ص‏345.‏
‏11-‏ علي ليلة‏،‏ الشباب العربي وإرادة التغيير من داخل التراث‏،‏ المكتبة المصرية للنشر والتوزيع‏،‏ الطبعة الثانية‏،‏ الإسكندرية‏،2006،‏ ص‏43.‏
‏12-‏ علي ليلة‏،‏ التحولات الإجتماعية الإقتصادية للمجتمع المصري‏،‏ تحليل بنائي تاريخي‏'‏ في‏'‏ محمود عودة‏،‏ علي ليلة‏،‏ تاريخ مصر الإجتماعي‏،‏ جامعة عين شمس‏،2003،‏ ص ص‏281-322.‏
‏13-‏ نفس المرجع‏،‏ ص‏293.‏
‏14-‏ نفس المرجع‏،‏ ص‏297.‏
‏15-‏ نفس المرجع‏،‏ ص‏320.‏
‏16-‏ علي ليلة‏،‏ التطرف والعنف بين الشباب‏'‏ بحث‏'‏ مقدم‏'‏ لورشة‏'‏ ظواهر التطرف والعنف‏،‏ المنظمة المصرية للإغاثة الإنسانية وإعادة التأهيل‏،‏ فبراير‏2009،‏ ص‏17.‏
‏17-‏ نفس المرجع‏،‏ ص‏19.‏

نشرت بمجلة الديمقراطية العدد 34 ابريل 2009
http://democracy.ahram.org.eg/
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
 
تحولات الرفض الشبابي ‏..‏ تأملات في تفاعل نصف قرن .. دراسة للدكتور على ليلة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفاعل الحضارات بين إمكانيات الالتقاء واحتمالات الصراع
» تأملات(عبد القادر الأسود)
» العدالة الإجتماعية كمدخل لتأكيد الإنتماء الإجتماعي - د‏.‏ علي ليلة
» تحولات الثقافة ومنظومات القيم في مصر
» تحولات مفهوم القومية العربية من المادى إلى المتخيل

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
قضــــايا ومنــاقـشــــات فى كل المجالات
-
انتقل الى: