إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 إن لم تر الآخر فلن تري نفسك

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

إن لم تر الآخر فلن تري نفسك Empty
مُساهمةموضوع: إن لم تر الآخر فلن تري نفسك   إن لم تر الآخر فلن تري نفسك Empty14/5/2009, 8:08 pm


إن لم تر الآخر فلن تري نفسك
بقلم : د‏.‏قدري حفني
أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس
منذ ما يزيد عن نصف القرن‏,‏ حين كنت وأبناء جيلي نبدأ خطواتنا نحو فهم العالم‏,‏ كان من حسن حظي أن أوائل من ساهموا في تكويني الفكري‏,‏ لم يفرضوا حظرا علي تعرفي بشكل مباشر علي الفكر المخالف‏.‏
كانت إطلالتي المبكرة علي الفكر الاسلامي في مسجد صغير أمام منزلنا عبر شيخ اتسع صدره لتساؤلاتي الجامحة دون أن يحمر وجهه أو يستشيط غضبا‏,‏ وحين التقيت فيما بعد بمن تضيق صدورهم بتساؤلاتي الأقل جموحا انصرفت عنهم‏.‏
ولم أكن قد بلغت السادسة عشرة حين وطأت قدماي الجامعة حيث تلقفتني مدرسة عين شمس في علم النفس‏,‏ ووجدت نفسي في خضم خليط من المدارس الفكرية‏,‏ لم يكن غالبية اساتذتنا آنذاك نقلة للعلم فحسب‏,‏ بل كانوا أقرب للدعاة منهم للمدرسين المحترفين‏,‏ علي عكس ما نشهده اليوم لدي كثرة من الاساتذة الذين قد يكونون علي معرفة بتخصصاتهم الدقيقة ولكنهم يفتقدون أي ملمح يشير إلي انتمائهم الفكري فضلا عن السياسي بطبيعة الحال‏.‏

لم يكن أساتذتنا في مدرسة عين شمس لعلم النفس‏,‏ يعرضون لتيارات ومدارس علم النفس علي سبيل التعريف بها فحسب‏,‏ بل كانوا يؤمنون بما يقولون ويتحمسون له‏:‏ كان زيور مؤسس المدرسة يعلمنا التحليل النفسي معلنا أنه شخصيا محلل نفسي فرويدي أرثوذكسي‏,‏ وكان يوسف مراد يعبر عن قناعته والتزامه بالتيار التكاملي في علم النفس‏,‏ في حين كان عبدالمنعم المليجي يتبني التيار الدينامي السائد في علم نفس الشخصية‏,‏ وكان حديث المعيد أنيس منصور في الفلسفة الوجودية حديث الداعية الذي لا يألو جهدا في تشكيكنا في العديد من مسلماتنا الفكرية‏,‏ وكانت محاضرات علي عيسي وليلي الحمامصي في الأنثربولوجيا وتاريخ الحضارة تكرس الدعوة لتبني منهج للبحث يناقض قواعد القياس النفسي الصارمة التي كان يدعونا لويس كامل للالتزام بها‏,‏ متفقا في تلك الدعوة مع ما يدعو إليه محمد خيري من اعتماد العلم الصحيح علي الكم والرقم والتجريب‏,‏ مما يتناقض تماما مع ما كان يقول به زيور من أن الرقم ليس سوي مجهله فيما يتعلق بفهم الانسان وفي خضم تلك التيارات المتضاربة لم يكن حيال الطالب المثقف إلا أن يتبني منظورا فكريا يرتضيه ويتبناه ويدافع عنه‏.‏

وحين اقتربت من الفكر اليساري الماركسي‏,‏ كان من حسن حظي ايضا‏,‏ أن ذلك الاقتراب قد جري في ظل حركة مراجعة فكرية طالت العديد من ثوابت ذلك الفكر‏,‏ ولم استطع في هذا المناخ أن أقرأ مثلا عن المرتد جارودي دون أن أقرأ ما كتبه ذلك المرتد في كتابه ماركسية القرن العشرين‏,‏ أو أن أقرأ عن المرتد كاوتسكي أو خيانة التيتوية أو انحراف الرفاق الصينيين دون محاولة الاطلاع علي ما كتبه أولئك المرتدون والخونة والمنحرفون‏.‏
وحين التزمت إثر هزيمة يونيو‏1967‏ بضرورة التعرف وفهم إسرائيل‏,‏ اهتممت أكثر ما اهتممت بقراءة العقل الإسرائيلي‏,‏ والواقع الإسرائيلي‏,‏ في المصادر الإسرائيلية التي تحفل بطبيعة الحال بكل ما يتناقض مع تكويني الفكري والوطني‏,‏ دون أن أخشي أن يهتز انتمائي الوطني‏,‏ أو التزامي العلمي علي حد سواء‏,‏ ولم يختلف الأمر كثيرا عندما حاولت إعادة تعميق انتمائي وفهمي للإسلام حيث حرصت علي قراءة أشد ما كتبه المهاجمون للإسلام قسوة وبذاءة وجموحا‏,‏ دون أن أجد في ذلك ما يمس اليقين‏,‏ أو يزعزع العقيدة‏.‏

لم تكن السطور السابقة مجرد نظرة أسي أو حنين إلي الماضي‏,‏ بقدر ما هي تعبير عن قلق من الحاضر‏,‏ وإشفاق من المستقبل‏,‏ إن العديد من شباب النخبة المثقفة النشيطة سياسيا‏,‏ والذين يمثلون قاطرة المجتمع بمختلف تياراته‏,‏ يؤثر كل فريق منهم الانغلاق علي تياره الفكري‏,‏ فلا يقرأ إلا لمن يتفق معه في الرأي‏,‏ بل ويكاد بعضهم أن يفخر بذلك غاية الفخر مرددا إنني لا أطيق قراءة كتابات الآخرين الغثة المليئة بالأكاذيب‏,‏ فإذا ما تساءلت‏:‏ تري وكيف تعرف إذن ما يقوله هؤلاء الآخرون لتدحضه علي الأقل‏,‏ كانت الإجابة إنهم لا يقولون شيئا له قيمة‏,‏ ثم أنني أعرف آراءهم من خلال كتابات رموز التيار الذي أنتمي إليه‏.‏

إن ذلك الاتجاه ينتشر بين العديد من قادة الفكر الديني والماركسي والحكومي وحتي الليبراليين المستقلون‏.‏ كثير منهم يكتفي بفكره‏,‏ مغلقا عليه عقله‏,‏ سعيدا بما لديه‏,‏ ولا أحسبني مبالغا في قلقي إذا ما استشرفت المستقبل‏,‏ فمثل هؤلاء إذا ما اضطروا مكرهين علي تلقي فكر يطعن في أفكارهم ومعتقداتهم بل ومقدساتهم‏,‏ ولم يستطيعوا أن يصموا أذانهم عن الاستماع إليه‏,‏ لن يكون أمامهم إلا طريق من ثلاثة كلها محفوف بالمخاطر‏,‏ إما إن يكفروا بفكرهم القديم منتقلين بنفس الحماس والانغلاق إلي الضفة الفكرية الأخري‏,‏ أو أن يزعزعهم الشك في الجميع فينهار يقينهم في كل فكر‏,‏ أو أن يبلغ بهم الخوف من اهتزاز يقينهم الهش مبلغه فيندفعوا يائسين نحو تدمير ذلك الآخر الذي يهدد سكون أفكارهم‏.‏
خلاصة القول إنك إذا لم تر الآخر فإنك لن تر نفسك‏,‏ ويظل فكرك بل ووجودك علي حرف‏.
نشرت بجريدة الأهرام عدد ١٤/ ٥/ ٢٠٠٩

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
 
إن لم تر الآخر فلن تري نفسك
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» لأول مرة على النت: الآخر كما يدركه المراهق رؤية معالج نفسي
» حضارة العصر ..الوجه الآخر مع مقال كيف نصون الهوية الإسلامية في عصر العولمة ؟

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
قضــــايا ومنــاقـشــــات فى كل المجالات
-
انتقل الى: