إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الهوية الثقافية واللغة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

الهوية الثقافية واللغة Empty
مُساهمةموضوع: الهوية الثقافية واللغة   الهوية الثقافية واللغة Empty6/4/2009, 3:35 pm


الهوية الثقافية واللغة
بقلم : د. جابر عصفور

اللغة مكون من مكونات الهوية الثقافية بالطبع لكنها ليست مكونا حاسما في كل الأحوال‏,‏ فما أكثر من ينتسبون إلي هوية ثقافية عامة‏,‏ تصل ما بين عناصرها بأكثر من رابط‏,‏ ومع ذلك تتعدد لغات المجموعات المنتسبة إلي هذه الهوية ومثال ذلك أن النوبة في مصر تندرج في الفضاء الجغرافي للهوية الثقافية المصرية‏,‏ ولكن أهلها يتحدثون لغة غير العربية‏,‏ هي لغة منطوقة‏,‏ لا تزاحم اللغة العربية في الكتابة‏,‏ ولكنها لغة مغايرة‏,‏ مختلفة‏,‏ ومع ذلك هي إحدي مكونات الهوية الثقافية المصرية في وحدتها القائمة علي التنوع شأن الهوية الثقافية في ذلك شأن هويات ثقافية أخري تقوم وحدتها علي تنوع عرقي ولغوي في الوقت نفسه‏,‏ لكنه لا يفارق الهوية العامة التي تقوم علي روابط أخري أقوي من التعدد اللغوي الذي لا يتناقض‏,‏ جذريا‏,‏ مع الهوية السائدة التي يمكن أن تستوعب لغات ثانوية‏,‏ كالأمازيغية في حالة الهوية الثقافية لدول المغرب‏,‏ أو الكردية وغيرها كما في الهوية الثقافية للعراق وقس علي ذلك غيره من أوضاع الدول التي تنطوي علي طوائف عرقية متغايرة‏,‏ لكن تصل بينها وتحتويها هوية ثقافية واحدة ينتسب إليها الجميع في إطار وحدة التنوع‏,‏ خصوصا حين يزدوج التنوع مع التاريخ المشترك الواحد‏,‏ فضلا عن وحدة الهموم والتحديات والمطامح التي تفرض نفسها علي الفضاء الجغرافي للهوية السائدة‏.‏

وأعتقد أن الثقافة العربية الحديثة طرحت علي نفسها هذا السؤال للمرة الأولي‏,‏ نتيجة الوضع الاستعماري لأقطارها‏,‏ خصوصا حين قام الاستعمار الفرنسي‏,‏ علي سبيل المثال‏,‏ في الجزائر بتحريم تعليم اللغة العربية‏,‏ فظهر كتاب جزائريون يكتبون بالفرنسية التي أجبروا علي تعلمها‏,‏ وأنتجوا أدب مقاومة بكل معني الكلمة ولقد رأي هؤلاء أن استعمالهم للغة الفرنسية أشبه باستخدام الأنغام أو الألوان التي تؤدي ألحانا مختلفة ولوحات متباينة ولذلك قال مولود معمري إن لغتنا فرنسية لكن التعبير جزائري‏,‏ وكان رفاق مولود معمري من أمثال محمد ديب‏(‏ صاحب ثلاثية الحريق‏)‏ وكاتب ياسين‏(‏ صاحب‏:‏ نجمة‏)‏ ومالك حداد وغيرهم يذهبون إلي الرأي نفسه‏,‏ مؤكدين أن أدبهم جزائري الروح والهموم والأهداف‏,‏ وإن كان فرنسي اللغة‏,‏ قاصدين بذلك أنهم‏,‏ عندما استخدموا الفرنسية غسلوها من مصاحباتها الإيديولوجية‏,‏ وأحالوها إلي أداة مقاومة للاستعمار الفرنسي ولغته علي السواء‏.‏

ولقد ناقش النقاد العرب ظاهرة الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية‏,‏ وذهب كثيرون إلي أن الأدب المكتوب بغير اللغة العربية لا ينتسب إلي هويتها الإبداعية‏,‏ وإنما ينتسب إلي هوية اللغة المكتوب بها وكانت هذه النظرة‏,‏ ولا تزال‏,‏ في تقديري‏,‏ تجسيدا لنوع من الفكر القومي الأصولي المنغلق علي نفسه‏,‏ والذي يري في اللغة ما يكمل نقاء الهوية الثقافية التي تصورها هذا الفكر كيانا مصمتا‏,‏ منغلقا علي نفسه بلغته التي هي عنوان صفاء هذا الكيان والحق أننا لو نظرنا إلي الموضوع من منظور مغاير‏,‏ يضع الشرط التاريخي‏(‏ الذي فرض الظاهرة‏)‏ في الاعتبار‏,‏ أعدنا هذا الأدب المقاوم المكتوب بالفرنسية إلي وضعه الذي يستحقه في فضاء الإبداع العربي من ناحية‏,‏ وإلي الهوية الثقافية العربية القائمة علي التنوع من ناحية موازية‏,‏ فأهم من اللغة‏,‏ في هذا السياق‏,‏ الدور الذي أداه هذا الأدب في مقاومة الاستعمار الفرنسي حتي بلغته التي فرضها علي الأقطار التي استعمرها‏,‏ فضلا عن الدور الذي أداه هذا الأدب في توصيل صوت المقاومة ضد الاستعمار إلي خارج الوطن المحتل‏,‏ أضف إلي ذلك نوعية الهموم والمشاعر المحلية التي جعلتنا نتعاطف مع هذا الأدب‏,‏ ونتأثر به منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي ولا أزال أذكر إلي اليوم الأثر الذي تركته ثلاثية محمد ديب في أبناء جيلي عندما قرأناها بترجمة المرحوم سامي الدروبي الذي أعاد النص الفرنسي إلي اللغة العربية‏,‏ بعد أن ظل منفيا عنها بفعل مخايلات خادعة‏,‏ فأدركنا أن هذا الأدب المقاوم أدب عربي‏,‏ ينتسب إلي تيار مقاومة الاستعمار الذي كنا نقاومه في مرحلة التحرر الوطني والمد القومي علي السواء ولذلك احتسبنا هذا الأدب المكتوب بالفرنسية علي الأدب المكتوب بالعربية‏,‏ ما ظل الهدف القومي والتحرري وحلم الخلاص من الاستعمار وكشف وحشيته واحدا في كل الأحوال‏.‏

وعندما أعاود النظر في موضوع علاقة اللغة بالهوية الثقافية‏,‏ وأصلها‏,‏ بخرائط الإبداع‏,‏ أجد نفسي أنفي عن اللغة كونها العامل الحاسم في تحديد الهوية الثقافية‏,‏ وأعطي صفة العامل الحاسم للهموم والتحديات والأحلام والكوابيس التي تنطوي عليها الهوية الثقافية الواحدة‏,‏ لكن بشرط فهم هذه الهوية بوصفها نسقا مفتوحا متغيرا‏,‏ قائما علي وحدة التنوع التي لا تعني التطابق بين مكونات الهوية وعناصرها‏.‏

وقد تأكد ذلك في ذهني عندما أدركت أن العالم يضم فضاءات إبداعية‏,‏ مختلفة ومتباعدة‏,‏ لكن تجمع بينها لغة واحدة لا تنفي التباين والاختلاف والمغايرة ودليل ذلك الدول التي تتحدث وتكتب وتبدع باللغة الإسبانية‏,‏ التي لا يمكن أن نصفها كلها بأنها ذات هوية ثقافية واحدة لمجرد استخدامها اللغة الإسبانية‏,‏ فالهوية الثقافية الإسبانية متحيزة‏,‏ جغرافيا‏,‏ في شبه جزيرة أيبريا لكنها لغة الأدب في المكسيك والأرجنتين وشيلي وأورجواي وكوبا وبنما وفنزويلا وبيرو والأكوادور وبوليفيا وجواتيمالا وكولومبيا وبورتوريكو وكوستاريكا ونيكارجوا والسلفادور والدومينيكان وهندوراس وسانتو دومينجو وغينيا الاستوائية ولا يمكن أن نجعل من آداب هذه الأقطار مجتمعة فروعا وأغصانا من الهوية الثقافية الإسبانية‏,‏ وإنما هي ثقافات لا تقترب والثقافة الإسبانية الخالصة إلا بلغة سادت لفترة من فترات التاريخ الاستعماري ولقد ذهب الاستعمار وبقيت اللغة علامة علي كيانات وهويات ثقافية متعددة‏,‏ مستقلة في كل حالة بهوية ثقافية خاصة‏,‏ ليست اللغة وحدها هي العامل الحاسم في تحديدها‏.‏
نشرت بجريدة الأهرام عدد 3/4/2009
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
 
الهوية الثقافية واللغة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
قضــــايا ومنــاقـشــــات فى كل المجالات
-
انتقل الى: