إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الأزمة الاقتصادية العالمية والعالـم العـربي: نهاية النموذج

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

الأزمة الاقتصادية العالمية والعالـم العـربي: نهاية النموذج Empty
مُساهمةموضوع: الأزمة الاقتصادية العالمية والعالـم العـربي: نهاية النموذج   الأزمة الاقتصادية العالمية والعالـم العـربي: نهاية النموذج Empty7/2/2009, 12:43 pm


الأزمة الاقتصادية العالمية والعالـم العـربي: نهاية النموذج
وائـــل جمــال
المحرر الاقتصادي لجريدة الشروق الجديد اليومية

كطبيعة الحال فى كل الأزمات الكبري فى تاريخ الرأسمالية اقترنت الأزمة التى يمر بها النظام الاقتصادى العالمى حالياً بحالة من الإنكار والتهوين من شأن التقلصات التى تشهدها الأسواق، مرحلة بمرحلة، إلي أن يتدهور الوضع لدرجة تجبر الجميع علي الاعتراف به. وفى الأزمة الحالية، التى ظهرت علاماتها الأولي فى منتصف 2007، انتقل التقدير السائد فى أوساط المراقبين والمحللين والأكاديميين علي حدٍ سواء من اعتبارها مجرد فقاعة عقارية مرتبطة بتطورات السوق الأمريكية، إلي النظر إليها كأزمة مالية، ثم أزمة مالية عالمية، وأخيراً بدأ البعض يعتبرها الأزمة الأخطر التى تواجه الرأسمالية كنظام منذ الكساد الكبير فى ثلاثينيات القرن الماضى.

ولم تكن التوقعات والتحليلات الخاصة بالعالم العربى فى علاقته بما يحدث فى الولايات المتحدة، ثم العالم، استثناءً من هذا الوضع. فبالرغم من أن أزمة الرهن العقارى الثانوى أصبحت واقعاً ملموساً علي الساحة بحلول منتصف العام 2007، إلا أن النظرية التى ظلت سائدة من حينها إلي لحظة انهيار بنك « ليمان برازرز » فى سبتمبر الماضى كانت نظريـة « عدم الارتباط Decoupling ».

قامت هذه النظرية علي افتراض أنه، وإن وصل اندماج ما يسمي بالأسواق الناشئة - لتمييزها عن الأسواق المتقدمة فى أوروبا وآسيا والولايات المتحدة - إلي ذروته فى السنوات الأخيرة، إلا أنها ستتبع مساراً مختلفاً بسبب طبيعتها وقلة المخاطر المتعلقة بأزمة العقارات فيها، وأخيراً، وليس الأقل أهمية، بسبب أنها قد تكون قبلة آمنة للمستثمرين الهاربين من مخاطر وتذبذبات الأسواق المتقدمة وعلي رأسها الولايات المتحدة. وفى قلب أزمة الرهن العقارى البازغة، وبناءً علي هذه النظرية، كان بنك الاستثمار « بلتون »، ثانى أكبر بنوك الاستثمار العربية ومركزه مصر، يفتتح فرعاً فى نيويورك لاجتذاب هؤلاء المستثمرين الفارين من جحيم الأزمة فى الولايات المتحدة.

لكن نظرية عدم الارتباط لم تعمل. واتضح ذلك بما لا يدع مجالاً للشك بعد إشهار إفلاس «ليمان برازرز»، والذى تبعه بيع المؤسسات المالية الكبيرة الأخرى. كاشفاً القلق من أن تؤدى أزمة الائتمان إلي خروج المستثمرين من أسواق الأوراق المالية لينتج عن ذلك انهيار كبير علي مستوي العالم. ومع أزمة الائتمان ظهرت مخاوف كثيرة من تباطؤ الاقتصاد العالمى، وهو ما أكده مؤخراً صندوق النقد الدولى عندما خفض توقعاته للنمو الاقتصادى العالمى بنسبة 0.8 فى المائة ليصل إلي 2.2 فى المائة للعام 2009، انخفاض أسعار خام النفط الحاد منذ أن بلغت أقصي ارتفاع لها فى شهر يوليو من العام 2008 وكذلك عمليات البيع المفزعة من جانب المستثمرين، التى امتدت لأسواق دول مجلس التعاون الخليجى، حيث فقدت 373 مليار دولار أمريكى منذ بداية شهر أكتوبر للعام 2008[1]. وأصبح واضحاً أن نظرية عدم الارتباط لا تعمل، وأن الأسواق الناشئة بما فيها مصر والخليج لن تكون بمنجي من الإعصار.

تفسيـر الأزمـة والعالـم العربـي
فى واحدة من أحدث مقالاته فى جريدة النيويورك التايمز الأمريكية يقول الاقتصادى الأمريكى البارز «بول كروجمان » الحائز علي جائزة نوبل فى الاقتصاد هذا العام، إن كثيرين كانوا يرون العاصفة قادمة فى طيات فقاعة العقارات التى شهدها الاقتصاد الأمريكى منذ ما بعد تراجع الأسواق فى 2001، لكن من الصعب دائماً، والجميع فى ذروة نشوة تحقيق الأرباح، أن يسمع الناس لمفسدى الحفل أى لأصحاب التنبؤات السيئة.

ربما يكون هذا، وهو وضع كان مشابهاً لما قبل أزمة الثلاثينيات أيضاً، سبباً فى تبنى التيارات السائدة فى أوساط الأعمال والأكاديميات، بل والأوساط الحكومية، لتفسيرات تقلل من عمق واتساع نطاق الخلل فى أداء النظام الرأسمالى العالمى، وفى حركة أسواقه، وهو ما أدي بطريقة أو بأخرى إلي تضييق فرص الحركة وتأخير السياسات المضادة، وبالتالى المساهمة فى مفاقمة الأضرار.

فى البداية كان التركيز بالأساس فى تفسير الأزمة هو علي تطورات سوق الإقراض العقارى فى الولايات المتحدة. ويقوم هذا التفسير علي مزيج بين عامل محايد يرصد التطورات فى هذا القطاع وكأنها كانت قدرية غير مقصودة، وبين عامل شخصى يفسر هذه التطورات علي أساس أنها نتاج جشع رؤساء المؤسسات المالية الكبري. ولفهم ذلك ربما ينبغى العودة بشكل مختصر لما حدث فى سوق الرهن العقارى واستتباعات ذلك فى أسواق المال.

فعلي مدي العقدين الماضيين شهدت الرأسمالية العالمية تطورات عميقة فيما يتعلق بدور الاقتصاد المالى فيها. ومع سيطرة ما يسمي بسياسات « توافق واشنطن » الداعية للتحرير الكامل للأسواق وانسحاب الدولة من النشاط الاقتصادى، فى العالم برمته، زاد دور الاقتصاد المالى وحجمه من الاستثمارات العالمية[2]. وهكذا كانت البورصة مركزاً للانتعاش الطويل فى عهد الرئيس الأمريكى بيل كلينتون خالقة درجة غير مسبوقة بين الارتباط بين اقتصادات العالم جميعاً بعد أن نزعت الحكومات لإقراض الولايات المتحدة عبر الاستثمار فى أوراقها المالية الحكومية. لكن فى أعقاب انهيار ما يسمي بفقاعة « الدوت كوم » فى 2001، والذى أنهي سنوات من الانتعاش الاقتصادى فى الأسواق وقتل ما كان يسمي بمنظومة الاقتصاد الجديد الخالى من الأزمات الذى كانت تروج له إدارة كلينتون وقتها، تحولت الاستثمارات المالية إلي مجال آخر رأت فيه مصدراً للأرباح. فمع تراجع أسعار الفائدة لتحفيز الاستثمار، شرعت ملايين العائلات الأمريكية فى شراء العقارات، من خلال قروض الرهن العقارى، مما زاد بشكل جنونى من أسعار العقارات فى السوق الأمريكية بنسبة تصل إلي %200 خلال الفترة من 2001 إلي 2006، وهو ما أدي بدوره إلي زيادة جاذبية هذا القطاع للاستثمارات المالية من قبل البنوك. وكان مركز قروض الرهن العقارى، هو البنوك المتخصصة فى هذا المجال، مثل العملاقين الأمريكيين « فريدى ماك » و « فانى ماى »، أكبر شركتين فى هذا المجال علي مستوي العالم.

وبحثاً عن الأرباح وباستخدام ما يسمي بالتوريق وهو عملية يتم من خلالها تحويل الدين إلي أوراق مالية يتم تداولها كالأسهم، تطورت أسواق خاصة لتداول أوراق الرهن العقارى، شملت البنوك والشركات المالية، ليس فى السوق الأمريكية وحدها بل علي مستوي العالم، واكتظت خزائن هذه البنوك والشركات بتلك الأوراق الممثلة للرهون العقارية، وهو ما أدي إلي خلق فقاعة عقارية بعد أن ابتعدت القيمة الورقية للعقارات عن القيمة الحقيقية لتلك العقارات، وقيمة الأوراق الممثلة للرهون العقارية، أخذت أيضاً تتباعد عن القدرة الحقيقية للمقترضين الأصليين علي تسديد الأقساط وفوائدها. وسرعان ما اصطدم « الافتراض » بـ « الواقع »، فتوقف عدد من المقترضين عن سداد الأقساط بعد أن سقطت اللحمة التى كانت تربط هذا كله جميعاً، وهى فكرة أن أسعار العقارات فى الولايات المتحدة لن تتوقف عن الصعود، وبعد ارتفاع أسعار الفائدة مضيفة يوماً بعد يوم المزيد من المتعثرين من فقراء الأمريكيين الذين صاروا غير قادرين علي سداد أقساط منازلهم.

ومن ثم بدأت البنوك العقارية فى الحجز علي العقارات، وطرد سكانها، مما تسبب فى حالة من الذعـر فى القطـاع المالـى بأكمله، فلم يعـد أحـد يعرف بالضبط، ما هى نسبة القروض« السيئة»، التى لن يتم سداد قيمتها، ولا درجة انتشار تلك الأوراق، التى تم تداولها فى القطاع المصرفى بوجه عام.
بدأ الانهيار الحقيقى مع إفلاس بنك « بير ستيرنز » العريق، والذى اتضح أنه كان غارقاً فى تلك الأوراق « السيئة » فى صيف 2007. ومع انتشار حالة الذعر بدأت أسعار العقارات فى انخفاض سريع. وأصبح الكثير من المقترضين مدينين للبنوك بأكثر من قيمة العقارات التى يدفعون أقساطها، مما زاد من تعقيد الأزمة. وبلغت الأزمة ذروتها فى مطلع شهر سبتمبر 2008، حينما أوشك العملاقان« فريدى ماك » و« فانى ماى »، علي الانهيار، وتدخلت الحكومة الأمريكية لتأميم الشركتين علي الفور، رغم « ثلاثين عاماً من الدعاية الأيديولوجية عن حرية السوق »، وضرورة عدم تدخل الدولة فى الاقتصاد.

وفى منتصف سبتمبر أفلس بنك « ليمان برازرز » العريق، الذى يرجع تاريخ تأسيسه إلي النصف الأول من القرن التاسع عشر، لكن الحكومة لم تتدخل لإنقاذ البنك، معبرة عن حالة من التذبذب وعدم وضوح الرؤية، والتى سرعان ما انعكست فى مزيد من الذعر فى الأسواق، وشهدت بورصة نيويورك، وغيرها من البورصات العالمية موجات متتابعة من الانهيار. وانتقلت الأزمة سريعاً من النظام المالى الأمريكى إلي النظام المالى العالمى لتشمل البنوك والشركات التمويلية والبورصات فى أوروبا وآسيا، وكافة المراكز الرأسمالية الكبري. فمن جانب، وبسبب سياسات العولمة وتحرير الأسواق، انتقل الكثير من تلك الأوراق « المسمومة » من البنوك الأمريكية إلي البنوك الأوروبية والآسيوية، وأخذت البنوك، الواحد تلو الآخر، فى إشهار إفلاسها، وتحركت الحكومات بدورها، الواحدة تلو الأخرى، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بتأميم البنوك أو شراء الأسهم، وضخ المليارات فى سوق المال، ولكن ظل الذعر مسيطرًا علي الأسواق، وأصاب الشلل النظام البنكى سواء فى أمريكا، أو فى المراكز المالية الأخرى، ولعل أهم مؤشر علي ذلك هو امتناع البنوك الاستثمارية عن إقراض بعضها البعض، فلا أحد يعرف من سيُفلس قبل الآخر، وما مدي امتلاء خزانة كل منهم بتلك الأوراق الرديئة.

أول وأكثر تفسيرات ما حدث شيوعا ركز علي الجانب التقنى فيما حدث. سواء من زاوية أخطاء البنوك التى تجاوزت استثماراتها فى هذه الأوراق النسب السليمة، أو علي نقص التشريع المنظم للنظام المالى فى ظل جشع قيادات الشركات التى ارتبطت دخولها القياسية بالأرباح السريعة التى تحققت من خلال العملية. لكن كل هذه التفسيرات، خاصة جشع رجال المال، لم تقدم أبداً تفسيراً عقلانياً للسبب وراء هذه الموجة من الأصل[3].
هذا النوع من التفسيرات لا يتحدي المقولات الاقتصادية السائدة، وعادة ما يري حل أزمات كبري فى تعديل إجرائى أو تشريعى بسيط لا يتناقض مع القواعد العامة السائدة قبل وأثناء حدوث الأزمة. وربما لهذا السبب فشلت تلك التفسيرات فى إلهام الحكومات ومشرعى الأسواق بحلول مؤثرة.

الطائفـة الثانية من التفسيرات، والتى بدأ صوتها يعلو مؤخـراً، تبدأ من ممثلى ما سمى بـ « ما بعد توافق واشنطن »، الذى ينتمى إليه أمثال كروجمان وجوزيف ستيجليتز، النائب السابق لرئيس البنك الدولى. وتري هذه الطائفة أن أصل المشكلة أعمق ويقع فى الاقتصاد الحقيقى وأن ما يحدث فى الاقتصاد المالى هو تجل لمعضلات التراكم الرأسمالى الحقيقى فى خطوط الإنتاج الصناعية، وتناقص معدلات الأرباح الذى حاولت الرأسمالية حله عبر الأرباح الورقية فى تجارة الأوراق المالية.
خلاصة هذه التفسيرات هو أن ما يحدث فى الأسواق المالية هو إشارة علي أزمة فى سياسات العولمة القائمة علي توافق واشنطن، أزمة ستتحدى بشكل مباشر النموذج الاقتصادى للسوق الحرة[4]. ومع المؤشرات المتتابعة حول انتقال الأزمة للاقتصاد الحقيقى والعلامات المتتالية علي بوادر انكماش فى الاقتصادات الأوروبية بقيادة ألمانيا وبريطانيا، وفى الولايات المتحدة، صارت الكفة تميل ناحية الطائفة الثانية من التفسيرات.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

الأزمة الاقتصادية العالمية والعالـم العـربي: نهاية النموذج Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأزمة الاقتصادية العالمية والعالـم العـربي: نهاية النموذج   الأزمة الاقتصادية العالمية والعالـم العـربي: نهاية النموذج Empty7/2/2009, 12:44 pm

الآثار الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة
مع نظرية عدم الارتباط، وسيطرة النوع الأول، التقنى، من تفسيرات الأزمة، بدا الاستنتاج القائل بأن العالم العربى محصن وبعيد عن الأزمة منطقياً. لكن مع انتقال التقلص الاقتصادى العالمى من مرحلة لمرحلة، بدأت تتكشف التأثيرات السلبية، واحدة تلو الأخرى، كاشفة هشاشة فكرة عدم الارتباط.
جاءت أولي الإشارات من البورصات. فقد فقدت أسواق الأوراق المالية فى منطقة دول مجلس التعاون الخليجى نسبة بلغت 47.5 فى المائة منذ بداية العام لتنخفض القيمة السوقية بمقدار 538 مليار دولار أمريكى، بينما شهدت انخفاضاً بمقدار 373 مليار دولار أمريكى منذ بداية شهر أكتوبر من العام 2008. وقد شهدت الأسواق الكبيرة فى المنطقة القدر الأكبر من الانخفاض، حيث ألقي تباطؤ النمو الاقتصادى العالمى، وانخفاض أسعار خام النفط والأزمة المالية السائدة بظلاله علي الأسواق. وقد فقد السوق السعودى، وهو أكبر أسواق المنطقة، 254 مليار دولار أمريكى من قيمته السوقية منذ بداية العام، وذلك برغم أن الأجانب غير مصرح لهم بالتداول فيه، بينما فقد سوقا الإمارات والكويت 141 و 101 مليار دولار أمريكى من قيمتهما السوقية منذ بداية العام علي التوالى[5].

وفى دولة كمصر، والتى يعدها محللون إلي جانب دبى السوق الأكثر ارتباطاً بالسوق العالمى بسبب نسب تداول الأجانب فى بورصتها، كانت أوجاع البورصة أكثر إيلاماً. فبعد أن سجل مؤشرها الرئيسى مستوي قياسياً فى الخامس من مايو 2008، سجل تراجعاً تجاوز %70 من قيمته بنهاية نوفمبر، بفعل خروج مكثف للأجانب من السوق.
بعد البورصات، تصاعدت المخاوف بخصوص الاستثمارات المصرفية العربية فى البنوك العالمية. وتقدر احدي الدراسات[6] قيمة هذه الاستثمارات بما بين 8.1 إلي 2 تريليون دولار، ستون فى المائة منها بالدولار الأمريكى. وبالرغم من أن عدداً محدوداً من البنوك العربية، خاصة فى الخليج، أعلنت عن حجم تعرضها للأزمة، ومساحات تضررها، إلا أن الأرقام القليلة المعلنة تكشف حجم المشكلة. إذ قال بنك أبو ظبى التجارى وحده إن حجم خسائر محفظته يتجاوز 272 مليون دولار، وأنه قاضي مؤسسة مورجان ستانلى المالية العالمية بسبب ما وصفه بأنه توصيات استثمارية غير سليمة. وتصل الأرقام المعلنة فى بنوك الخليج فيما يخص خسائر المحافظ المالية المماثلة إلي 7.2 مليار دولار. لكن الرقم الحقيقى قد يكون أكبر من ذلك بكثير بالوضع فى الاعتبار حجم الاستثمارات العربية عموماً فى الخارج، خاصة فى الولايات المتحدة وأوروبا.

أما الأثر المباشر الثانى الأكثر عمقاً فهو ما يتعلق بالصناديق السيادية العربية، وعلي رأسها صندوق هيئة استثمار أبو ظبى أكبر صندوق حكومى فى العالم، والتى قدرت قيمة محافظها الاستثمارية فى نهاية 2007 بـ 52.1 تريليون دولار. ويحسب بنك سامبا السعودى قيمة الخسائر المتوقعة للصناديق السيادية العربية السبعة الأكبر فى عام 2008 بحوالى 190 مليار دولار، يري البنك أنها ستلغى تقريباً الزيادة فى عوائد النفط بفعل ارتفاع أسعاره خلال العام، والمقدرة بـ 198 مليار دولار[7]. وبينما يري البعض أن هذه الصناديق، التى تستثمر %40 من محافظها فى الأسهم، لديها مرونة أكثر من البنوك فى مواجهة الأزمة، بل ويري أن أمامها فرصة لاقتناص فرص استثمارية رخيصة فى الخارج مع تراجع أسعار الأصول، وهو الأمر الذى يراهن عليه الغرب لإنقاذ أسواقه، إلا أن حجم الخسائر يظل كبيراً، ومخاطر المزيد من الدخول فى استثمارات فى الأسواق المتقدمة تظل عالية مهما تراجعت أسعار الأصول لمستويات مغرية.

ويعد النفط وتراجع أسعاره بفعل الكساد العالمى وتناقص الطلب عليه عنصراً أساسياً سلبياً سواء فى القدرة الاستثمارية لهذه الصناديق أو فيما يخص ميزانيات الدول العربية النفطية، خاصة فى ظل مشاريع البنية الأساسية العملاقة التى أطلقت بالفعل والتى صار تمويلها صعباً للغاية بسبب أزمة الاعتماد العالمية وارتفاع تكلفة الاقتراض، وهو ما يهدد بعضها بالتوقف. حيث هبطت أسعار النفط بنسبة 66.1 فى المائة عن أعلي مستوي لها علي الإطلاق والبالغ 140.7 دولاراً للبرميل فى يوليو 2008. وقد خلق ذلك بالتالى تهديدات رئيسية للدول المُصدرة للنفط أى البلدان الأعضاء بمنظمة الأوبك ودول مجلس التعاون الخليجى حيث تعتمد معظم إيراداتها علي صادرات النفط الخام.

ولن يتوقف أثر تراجع فوائض النفط الخليجية علي الخليج بل سيمتد أيضاً للدول غير النفطية كمصر والدول العربية فى الشمال الأفريقى، بسبب أنها كانت تعتمد بشكل كبير علي اجتذاب هذه الفوائض فى صورة استثمارات مباشرة فى اقتصادياتها.
وبناءً علي هذه الصورة، توقعت وحدة الاستخبارات التابعة لمجلة « الإيكونوميست» البريطانية أن يتراجع معدل النمو الاقتصادى فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى 2009- 2010 خاصة فى مصر وشمال أفريقيا[8].
وتقول« الإيكونوميست» إن درجة الارتباط الأعلى لهذه الدول بأوربا سوف تعمق من تضررها فى ظل التراجع المتوقع فى الاستثمارات الأجنبية المباشرة والسياح القادمين من القارة العجوز.
وبينما يستحيل التنبؤ بالاتجاه الذى ستتحرك فيه الأسواق فى المرحلة القادمة، فإن كثيرين يرون أن الأسوأ ربما لم يأت بعد وهو ما قد يعنى تعميق خسائر المنطقة ومفاقمة الأضرار التى ستتعرض لها.

سقــوط نمــوذج
« يبدو أننى كنت مخطئا»، تلخص هذه الجملة التى قالها المحافظ السابق لمجلس الاحتياط الفدرالى الأمريكى « آلان جرينسبان » فى شهادته أمام الكونجرس الأمريكى فى أكتوبر الماضى الموقف برمته. جرينسبان أكد علي صدمته وصدمة زملاء له شاركوه الاعتقاد علي مدي أربعين عاماً بأن الأسواق تصحح نفسها تلقائياً قائلاً إن هناك خللاً فى نظام السوق.
وبالنسبة لمذهب اقتصادى متطرف فى تقديره لديناميكية السوق وضرورة انسحاب الدولة من النشاط الاقتصادى كتوافق واشنطن، فإن التدخل المكثف للدولة، بطول وعرض الكرة الأرضية لدعم الشركات، وتحفيز الاقتصاد، هو ضربة قاتلة دفعت مجلة النيوزويك الأمريكية لإعلان وفاة هذا النموذج علي غلافها.

وفى العالم العربى، بدأت بوادر تدخل الدولة تظهر فى الأسابيع الماضية بتخفيض أسعار الفائدة وحزم الإنقاذ، وخطط الاستثمار فى البنية الأساسية لتحفيز الطلب. لكن وبينما تثير تداعيات سقوط هذا النموذج جدلاً هائلاً فى الولايات المتحدة، وفى أوروبا، حول البدائل وحول تكلفة التحول التى يتحملها أصحاب الوظائف ودافعو الضرائب، صارت صياغة البدائل، فى العالم وفى العالم العربى، مهمة لا يصح ولا ينبغى أن ينفرد بها أحد.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] وفقاً لتقرير الاستثمار العالمى جلوبال، القيمة السوقية لمجلس التعاون الخليجى، الكويت، نوفمبر 2008.
انظر مزيداً من التفاصيل حول تطور الاقتصاد المالى فى اقتصاد توافق واشنطن فى: [2]
David Harey, A brief history of Neoliberalism, London, Oxford University Press, 2005.
[3] Robert Wade, Financial regime change, New Left Review, September October 2008.
Robert Shiller, The Subprime Solution, How today’s global financial crisis happened and what to do about it, New Jersey, Princeton University Press, 2008.
[4] Graham Turner, The Credit Crunch, Housing Bubbles, Globalisation and the Worldwide Economic Crisis, London, Pluto Press, 2008.
[5] الأرقام وفقاً لتقرير جلوبال حول القيمة السوقية لمجلس التعاون الخليجى، مرجع سابق.
[6] Eckart Woertz, Impact of the US Financial Crisis on GCC Countries, Gulf Research Center, October 2008
[7] صحيفة وول ستريت جورنال، 28 نوفمبر 2008.
[8] Economist Intelligence Unit Views Wire, Middle East Economy : EIU November Assumptions, 23 October 2008.
نشرت بمجلة شئون عربية عدد شتاء 2008
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
 
الأزمة الاقتصادية العالمية والعالـم العـربي: نهاية النموذج
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مسئولية الشركات في الأزمة الاقتصادية العالمية
» الأزمة العالمية تهدد أمن مصر الاقتصادي
» الأزمة الرأسمالية العالمية: الزلزال والتوابع
» الرأسمالية المصرية في مواجهة الأزمة العالمية
» القاهرة تستضيف مؤتمرا لبحث تداعيات الأزمة المالية العالمية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
قضــــايا ومنــاقـشــــات فى كل المجالات
-
انتقل الى: