إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 اساليب عرض الكليات في القران الكريم منقول بهدف الافادة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عمر وعلي
عـضــو




ذكر عدد الرسائل : 47
العمر : 46
التخصص : الشريعة الاسلامية
الدولة : المغرب
تاريخ التسجيل : 24/07/2011

اساليب عرض الكليات  في القران  الكريم   منقول   بهدف  الافادة Empty
مُساهمةموضوع: اساليب عرض الكليات في القران الكريم منقول بهدف الافادة   اساليب عرض الكليات  في القران  الكريم   منقول   بهدف  الافادة Empty2/8/2011, 12:26 am

أساليب عرض الكليات في القرآن

للقرآن أساليبه المتميزة في عرض مضامينه وأداء وظائفه، ذلك أنه يخاطب ويعالج الكيان البشري بكل مكوناته وبكل متطلباته دفعة واحدة، ولذلك تمتزج فيه ـ في الموضع الواحد ـ عناصر متعددة للخطاب، أو عناصر متعددة للمعالجة والعلاج، فتجد أسس العقيدة مع جزئيات التشريع، وتجد القصص مع المواعظ، وتجد الحِجَاج المنطقي مع ذكر الجنة والنار، وتجد مشاهد الطبيعة مع تكاليف العبادة...
والكليات القرآنية التي هي موضوعنا، يعرضها القرآن الكريم ضمن هذه الأساليب المتنوعة المندمجة.
- فكثير من هذه الكليات جاء على لسان الرسل والأنبياء، أو ضمن صفاتهم ومواقفهم، أو جاء حكاية عما في كتبهم وشرائعهم. وجميع هذه الصيغ والأساليب، مرماها ومقتضاها: التعليم والتوجيه والتشريع.
من ذلك ـ مثلا ـ ما جاء على لسان نبي الله صالح عليه السلام خطابا لقومه: {وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} [الشعراء: 151 ـ 152] ومثله ما جاء على لسان موسى عليه السلام خطابا لأخيه هارون:{وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف: 142]. وجاء في وصف الأنبياء عموما {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 73]، {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90].
ومعلوم أننا مأمورون باتباع الأنبياء والاقتداء بأفعالهم وصفاتهم.
ومن الكليات الأساسية التي جاءت محكية عن الرسل والكتب جميعًا، ما في قوله تعالى {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25].
وجاء على لسان ذي القرنين {أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَىيُسْرًا} [الكهف: 87 ـ 88]، وهي قواعد ثابتة دائمة في إقامة العدل والإحسان، وليست خاصة بذي القرنين وقومه وأهل زمانه. فالكليات ليس لها انتماء وطني أو قومي أو زمني.
- وكثير من الكليات القرآنية جاء في صيغ وصفية لأحوال ونماذج من الناس. وهي إما تذكر صفاتهم المحمودة والممدوحة، لأجل الاتباع والاقتداء، أو صفاتهم المذمومة والمستنكرة، لأجل الاجتناب والانتهاء.
من هذا القبيل نقرأ قوله جل وعلا: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد: 19 ـ 25].
ومنه أيضا: {فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقون وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى: 36 ـ 40].
- وقد تأتي الكليات القرآنية بصيغ خبرية تقريرية، على شكل مبادئ وقواعد كما في الآيات:
{لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [الأنعام: 152].
{تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا} [القصص: 83]
وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70].
{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنعام: 145]
- وتأتي الكليات القرآنية أيضا بالصيغ الصريحة للأمر والنهي ( أوامر كلية ونواهٍ كلية)
فمن الأمر:
{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} [الأعراف: 29].
{وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} [الإسراء: 35].
{وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 53].
{وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُواْ} [الأنعام: 152].
{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[فصلت: 34].
ومن النهي:
{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36].
{وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151].
{وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}[الشعراء: 183].
- وقد يأتي تقرير المعاني الكلية وتمريرها، مضمنة في الأدعية المطلوبة والمشروعة، من ذلك:
{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [الفاتحة: 6]، وهو دعاء يقرر ويعلم الطلب الدائم والسعي المستمر لسلوك طريق الهداية والاستقامة.
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة: 201]، وهو دعاء يقرر ويعلم مشروعية التطلع والسعي إلى الحسنات والنعم الدنيوية، إلى جانب نظائرها الأخروية.
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74]، وفيه تحبيب وتوجيه لحفظ النسل وصلاح الذرية، ومشروعية الرغبة والطموح إلى إمامة الناس في التقوى والعمل الصالح.
{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا} [البقرة: 286]، وهي أدعية مستجابة، يُستفاد منها عدد من الكليات المعتمدة في الشريعة الإسلامية، وهي:
1 ـ عدم المؤاخذة بما يقع نسيانًا أو خطأ، بدون قصد ولا عمد ولا تفريط.
2 ـ تخفيف الشريعة الخاتمة من الأحكام والتكاليف المشددة التي فرضت على السابقين.
3 ـ لا تكليف بما لا يطاق.

من الكليات إلى الجزئيات
من خلال ما تقدم من أمثلة وتوضيحات، يمكن القول: إن ما أعنيه بالكليات، أو الكليات الأساسية، هو المعاني والمبادئ والقواعد العامة المجردة، التي تشكل أساسا ومنبعا لما ينبثق عنها وينبني عليها من تشريعات تفصيلية وتكاليف عملية ومن أحكام وضوابط تطبيقية.
فالكليات هنا هي ما يقابل الجزئيات، ولو عبرنا عن الصنفين بالأصول والفروع لكان صحيحا ومطابقا، لكن بالمعنى العام للأصول والفروع، وليس فقط بالمعنى الأصولي الفقهي، الذي يحصر الأصول في أدلة فقهية ( الأدلة الأصولية )، ويحصر الفروع فيما تدل عليه من أحكام فقهية.
الكليات أو الأصول هنا تعني معتقدات وتصورات عقدية، وتعني مبادئ عقلية فطرية، وتعني قيمًا أخلاقية، ومقاصد عامة، وقواعد تشريعية، كما سيأتي بيانه في المبحث الأخير من هذا الفصل.
الكليات هنا هي (المحكمات)، بالمعنى الذي تقدم عن الشيخ ابن عاشور حين قال:
((المحكمات هي أصول الاعتقاد والتشريع والآداب والمواعظ)).
والجزئيات ـ أو المفصَّلات ـ هي كل ما يأتي تفصيلًا وتفريعًا وتطبيقًا للكليات، سواء جاء ذلك منصوصًا، أو جاء اجتهادًا من الفقهاء والمجتهدين، أو تنزيلًا وممارسة من المكلفين.
ولمزيد من التوضيح والتمثيل أعود إلى الآية التي سبقت {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ..}، وأعود معها إلى الإمام عز الدين بن عبد السلام، الذي بنى على هذه الآية كتابه النفيس (شجرة المعارف والأحوال وصالح الأقوال والأعمال)، وأظهر كيف أن شجرة الشريعة عمومًا متفرعة ومنبثقة عن القواعد الكلية المضمنة في هذه الآية... ومما قاله رحمه الله: " كل من أطاع الله، فهو محسن إلى نفسه بطاعته، فإن كان في طاعته نفع لغيره فهو محسن إلى نفسه وإلى غيره، وإحسانه إلى غيره قد يكون عامًا وقد يكون خاصًا، والإحسان عبارة عن جلب مصالح الدارين أو إحداهما ودفع مفاسد الدارين أو إحداهما"( ).
ثم استرسل بغزارة علمه ونصاعة فكره يسرد ويفصل ألوانا من الإحسان المندرج في الآية، إلى أن قال: " فهذه أنواع من جملة الإحسان المذكور في كتب الفقه، ذكرتها ليُستدل بها على ما وراءها من ضروب الإحسان، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (في بُضع أحدكم صدقة)، وأي إحسان أتم من الإعفاف والتسبب إلى حفظ الفروج وإلى غض الأبصار، وولادةِ من يوحِّد الله ويعبده، ويشكره ويحمده، ويباهي به الأنبياء...))( ).
إلى أن قال، وهو يتنقل بين كليات الشريعة وجزئياتها:"فلو طلبتَ قتل النملة والنحلة ( يعني حُكمَه ) لوجدته في قوله تعالى {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 ـ 8]، وفي قوله {وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} [البقرة: 205].
ولو طلبتَ سقي الكلاب لوجدته في قوله تعالى {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}[الزلزلة: 7]، ولو طلبت قتل الحية والعقرب لوجدته في قوله تعالى {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} فإن قتلهما إحسان إلى الناس بما يندفع من شرهما"( ).
وآية الزلزلة هذه التي ذكرها ابن عبد السلام هي أيضا إحدى أعظم الكليات القرآنية، لأن فيها أمرًا وترغيبًا في كل خير، مهما كان مجاله ونوعه ومقداره، وفيها نهي وتحذير من مثل ذلك من الشر. فكل خير وكل شر ـ ولو كان ذرة واحدة ـ فالآية حاكمة عليه، وسيجده صاحبه مكتوبًا له أو عليه، وسيناله جزاؤه {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} [آل عمران: 30].
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة في حديث طويل عن الخيل: فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحُمُر فقال: "ما أنزل الله فيها شيئا إلا هذه الآية الفاذة الجامعة {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}( ).
وقوله صلى الله عليه وسلم "ما أنزل الله فيها شيئا ـ أي في شأن الحُمُر وأحكامها ـ إلا هذه الآية "، دليل على أن الأحكام العامة تعتبر بمثابة نص خاص في كل ما يشمله عمومها وينطبق عليه، كما أن وصفه الآية بأنها "فاذة جامعة" التفات منه وتنبيه على طبيعتها الكلية الاستغراقية. كما أن هذا الاستدلال النبوي هو إيذان وتوجيه للمسلمين لكي يستمدوا الأحكام الجزئية المعينة من عمومات النصوص ودلالاتها الكلية.
فالآيات الكلية الآمرة بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وصلة الأرحام وبالتعاون على البر والتقوى، وبالرحمة والدفع بالتي هي أحسن، وبالإخلاص والاستقامة وتزكية النفوس وتطهيرها، وبالإنفاق والإرفاق، وبفعل الخير والصالحات وبالتواصي بالحق والتواصي بالصبر، والأمر بالمعروف والإصلاح بين الناس، وبالوسطية والاعتدال، وإعطاء كل ذالاختصاص فيها، وبالوفاء بالعهود والعقود، وأداء الأمانات لأهلها، وأداء الشهادات، وبالصبر والرفق والحلم والعفو...
وكذلك الآيات الناهية عن الفحشاء والمنكر والبغي والظلم والرجس، وعن اتباع الظن والهوى، واتباع الشهوات، وعن العلو والفساد في الأرض،وعن التبذير والإسراف، وأكل الأموال وإيتائها بالباطل، وعن الإضرار بالنفس أو بالغير، وعن الغدر والخيانة ونقض العهود، وقطع الصلات والأرحام...
هذه الكليات، وغيرها كثير، يمكن ويجب التحلي بها والاحتكام إليها والاستمداد منها، فيما لا نهاية له من القضايا والحوادث والمشاكل التي تجدُّ وتتكاثر في كل يوم وفي كل مكان، مما ليس له حكم خاص به وصريح فيه.
بل إن هذه الكليات تعطي بمجموعها، أو بمجموعة منها، كليات أكبر وأعم، هي المبادئ العليا والمقاصد الكبرى للتشريع الإسلامي، بل هي معالم الدين وركائزه وأسسه وأركانه، فهي بذلك تكون كليات حاكمة وكليات ناظمة، فوظيفتها لا تقتصر على مرجعيتها وحجيتها فيما لا نص فيه، بل هي الأصول والأمهات لكل ما يندرج تحتها من الفروع والجزئيات، سواء كان منصوصًا أو غير منصوص، ومن هنا يكون تحكيمها أيضا في التفسير والتأويل، والتقييد والتخصيص، لما هو منصوص من الأحكام التفصيلية الجزئية.
ولما كانت الشرائع والرسالات التي أنزلها الله تعالى لعباده في مختلف العصور والأمم، تشترك في أصولها ومقاصدها وقواعدها العامة، فإن هذه الكليات المبثوثة في القرآن الكريم ـ وبعضها وارد في السنة النبوية ـ هي القسم الثابت المشترك بين الكتب والشرائع المنزلة كلها. وهذا ما يوضحه المبحث الموالي.

Arrow
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
اساليب عرض الكليات في القران الكريم منقول بهدف الافادة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
قضــــايا ومنــاقـشــــات فى كل المجالات
-
انتقل الى: