إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 فريضة التساؤل عن الأسباب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

فريضة التساؤل عن الأسباب Empty
مُساهمةموضوع: فريضة التساؤل عن الأسباب   فريضة التساؤل عن الأسباب Empty5/11/2009, 11:41 am


فريضة التساؤل عن الأسباب
بقلم: الدكتور ‏قدري حفني

‏kadrymh@yahoo.com

الأهرام عدد الخميس 5 نوفمبر 2009
لايؤدي الحرمان تلقائيا إلي الثورة عليه‏,‏ بل تتوقف تلك الثورة في المقام الأول علي عدة شروط متكاملة‏,‏ أولها ان يعي المحروم ان ظلما قد وقع عليه بمعني أنه قد نال أقل مما يستحق‏,‏ وأن يوقن أن بمقدوره رفع هذا الظلم‏,‏ فبدون توافر هذين الشرطين أي الوعي والإمكانية يظل المحروم إما غارقا في سعادة موهومة‏,‏ أو أسيرا لتشاؤم يعجزه عن الحركة‏,‏ وفي الحالتين يبقي الظلم علي ماهو عليه‏,‏ سواء كان حرمانا من العدل أو من الحرية أو من الحق في حياة أفضل‏.‏


وقد يتساءل البعض‏,‏ هل ثمة محروم ولايدري بحرمانه؟ ويكفي أن ننظر حولنا لنكتشف أن من المحرومين من يظنون أنهم مثل غيرهم من البشر أو أن الفروق بينهم وبين غيرهم لاتمس الجوهر‏,‏ ومن المحرومين من ألقي في روعهم أن تلك هي سنة الحياة ومن ثم فإن التمرد علي أوضاعهم لا طائل وراءه سوي الشقاء في الدنيا والعذاب في الآخرة‏,‏ وأنه لاسبيل سوي الاستسلام بل والرضا‏,‏ ولاتبدأ مناهضة الظلم إلا مع اكتشاف المحروم أن ظلما قد وقع عليه‏,‏ وهو لايكتشف ذلك إلا من خلال مقارنة أحواله بأحوال أقرانه من بني البشر‏,‏ آنذاك يبدأ مايطلق عليه الوعي بالحرمان‏.‏ وتقوم نظرية الحرمان النسبي علي أن رضا الفرد عن أوضاعه أو ضيقة بتلك الأوضاع لا يتوقف علي حجم الفجوة بينه وبين الآخرين‏,‏ بل إنه يرجع إلي الفارق بين حجم مايحصل عليه الفرد موضوعيا والمستوي الذي يري أنه يستحقه أو يتوقعه‏.‏ وقد ربط بعض علماء النفس الاجتماعي بين الاضطرابات السياسية والاجتماعية الداخلية‏,‏ وظاهرة الحرمان النسبي أي اتساع الفجوة بين ارتفاع مستوي الطموح المصاحب للتقدم الاجتماعي وانتشار الثقافة والتعليم وبين مؤشرات الواقع الاجتماعي الفعلي كالدخل القومي العام وعدد الصحف وأجهزة الراديو وعدد السعرات الحرارية التي يستهلكها الفرد إلي آخره‏.‏ الأمر يتوقف إذن علي درجة الوعي بالحرمان‏,‏ أي وعي المحرومين بحرمانهم‏.‏

وتلعب مؤسسات التنشئة الاجتماعية من الأسرة إلي دور العبادة إلي أجهزة الإعلام دورا مركبا بالغ التعقيد في هذا المجال‏,‏ فهي من ناحية قد تزيد من وعي المحرومين بحرمانهم‏,‏ ومن ناحية أخري فإنها قد تلعب دورا في تزييف وعي المحرومين وتخديرهم‏,‏ فضلا عن أنها قد تلعب أحيانا دورا في ايجاد نوع من الوعي الزائف بالحرمان النسبي عن طريق تضخيم وهمي لسلبيات الواقع ولإمكانية التغيير‏.‏
وليس من شك في أن مايهدد التقدم الحقيقي للمجتمعات يتمثل في خطرين‏:‏ الخطر الأول هو الاستسلام للواقع الظالم بل والعمل علي تدعيمه باعتباره قدرا لا مهرب منه وأن كل ماسواه أسوأ منه‏,‏ والخطر الثاني هو القفز علي هذا الواقع دون تبين لموازين القوي الموضوعية‏.‏ ولايحتاج الأمر لتخصص عميق في علم النفس السياسي لنتبين أن تحويل الوعي بالحرمان إلي طاقة دافعة للتقدم يكمن فيما نطلق عليه الشفافية فبدون توافر أعلي قدر ممكن من الشفافية داخل المجتمع يتحول من يشعرون بالظلم‏,‏ إما إلي كائنات رخوة عاجزة عن الإنتاج أو إلي قنابل موقوتة تسعي لتفجير المجتمع حلما بالوصول إلي يوتوبيا خيالية‏.‏

ولونظرنا إلي أنفسنا لوجدنا أن أطفالنا يتلقون منذ البداية عددا مهما من الدروس‏,‏ في مقدمتها أن صاحب القرار ليس ملزما بتقديم تفسير لقراراته‏.‏ إنه ليس مطالبا بالإجابة علي السؤال لماذا؟ بل إن مجرد استخدام هذا الأسلوب الاستفهامي قد يعتبر في حد ذاته إهانة لصاحب القرار خاصة إذا ماتعلق الأمر بقرار يبدو ظالما بصورة أو بأخري‏.‏ إننا ندرب الطفل بل والكبير علي أن المطالبة بالشفافية تعد نوعا من الاجتراء علي صاحب القرار الذي ينبغي ألا يسأل عما يفعل‏,‏ وأن له إن شاء وقت أن يشاء أن يتفضل بتفسير ما ينتقيه من أمور غامضة وعلي الجميع أن يعلن قبوله بتفسيراته مهما بلغت سذاجتها‏,‏ وأن مجرد التساؤل عن مبرر للعقاب أو للحرمان أو لعدم المساواة يعد إهانة موجهة لصاحب القرار‏.‏ أما إذا ماجرؤ المرء علي طلب تفسير مايراه تمييزا في المعاملة‏,‏ فانها الطامة الكبري‏.‏ وسرعان ماتتردد العبارة الشهيرة لا أحب أن أسمع كلمة اشمعني‏.‏ حتي أن تلك الكلمة التي تعني مامعني‏,‏ دخلت في قائمة التعبيرات غير المهذبة التي يحظر استخدامها اجتماعيا في حوار المظلوم ـ الظالم‏.‏

لقد أصبحنا نضيق بالشفافية‏,‏ وتقلص استخدامنا لأداة الاستفهام لماذا؟‏,‏ وليس من شك في أن ذلك الضيق وذلك التقلص يدعمان ماتتسم به أفكارنا‏,‏ وماتفيض به برامجنا التعليمية والإعلامية من غلبة للنقل علي العقل‏,‏ وغلبة للحفظ علي الفهم‏,‏ وغلبة للتلقين علي الإبداع‏.‏ ويكفي أن ننظر إلي العالم المتقدم من حولنا لنري أن الغلبة فيه علي نقيض الغلبة لدينا‏.‏
خلاصة القول إنه إذا كان الأخذ بالأسباب هو سر عمار هذا الكون‏.‏ فإن التساؤل عن الأسباب يعد فرض عين علي كل منا‏.‏ صحيح أن الحصول علي الإجابات والتفسيرات الشافية لم يعد ميسورا ولم يعد الطريق إليه ممهدا‏,‏ ولكن لاسبيل سواه للتقدم سواء بالنسبة للأفراد أو للجماعات مهما كان الثمن باهظا‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
 
فريضة التساؤل عن الأسباب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» لأول مرة على النت: العلم فريضة إسلامية
» التوحد ( الأسباب - التشخيص - العلاج )
» عرض كتاب: الأزمة المالية الكبرى: الأسباب والنتائج
» اضطرابات التوحد ( الأسباب - التشخيص - العلاج - دراسات علمية )
» لأول مرة على النت: العشوائية بوصفها ثقافة المظاهر الأسباب الحلول

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
قضــــايا ومنــاقـشــــات فى كل المجالات
-
انتقل الى: