إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 دراستان عن الإمام محمد عبده فى ذكراه

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

دراستان عن الإمام محمد عبده فى ذكراه Empty
مُساهمةموضوع: دراستان عن الإمام محمد عبده فى ذكراه   دراستان عن الإمام محمد عبده فى ذكراه Empty11/7/2009, 2:59 pm

دراستان عن الإمام محمد عبده فى ذكراه Pic44

محمد عبده رائد الإصلاح الديني بالعصر الحديث
بقلم: سمير حلبي - 11/12/2005
يُعدّ "الإمام محمد عبده" واحدًا من أبرز المجددين في الفقه الإسلامي في العصر الحديث، وأحد دعاة الإصلاح وأعلام النهضة العربية الإسلامية الحديثة؛ فقد ساهم بعلمه ووعيه واجتهاده في تحرير العقل العربي من الجمود الذي أصابه لعدة قرون، كما شارك في إيقاظ وعي الأمة نحو التحرر، وبعث الوطنية، وإحياء الاجتهاد الفقهي لمواكبة التطورات السريعة في العلم، ومسايرة حركة المجتمع وتطوره في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية.


في الجامع الأحمدي
وُلد الإمام "محمد عبده" في عام (1266هـ = 1849م) لأب تركماني الأصل، وأم مصرية تنتمي إلى قبيلة "بني عدي" العربية، ونشأ في قرية صغيرة من ريف مصر هي قرية "محلة نصر" بمحافظة البحيرة.
أرسله أبوه- كسائر أبناء قريته- إلى الكُتّاب، حيث تلقى دروسه الأولى على يد شيخ القرية، وعندما شبَّ الابن أرسله أبوه إلى "الجامع الأحمدي"- جامع السيد البدوي- بطنطا، لقربه من بلدته؛ ليجوّد القرآن بعد أن حفظه، ويدرس شيئًا من علوم الفقه واللغة العربية.
وكان محمد عبده في نحو الخامسة عشرة من عمره، وقد استمر يتردد على "الجامع الأحمدي" قريبًا من العام ونصف العام، إلا أنه لم يستطع أن يتجاوب مع المقررات الدراسية أو نظم الدراسة العقيمة التي كانت تعتمد على المتون والشروح التي تخلو من التقنين البسيط للعلوم، وتفتقد الوضوح في العرض، فقرر أن يترك الدراسة ويتجه إلى الزراعة.. ولكن أباه أصر على تعليمه، فلما وجد من أبيه العزم على ما أراد وعدم التحول عما رسمه له، هرب إلى بلدة قريبة فيها بعض أخوال أبيه.

مع الشيخ درويش خضر
وهناك التقى بالشيخ الصوفي "درويش خضر"- خال أبيه- الذي كان له أكبر الأثر في تغيير مجرى حياته.
وكان الشيخ درويش متأثرًا بتعاليم السنوسية التي تتفق مع الوهابية في الدعوة إلى الرجوع إلى الإسلام الخالص في بساطته الأولى، وتنقيته مما شابه من بدع وخرافات.
واستطاع الشيخ "درويش" أن يعيد الثقة إلى محمد عبده، بعد أن شرح له بأسلوب لطيف ما استعصى عليه من تلك المتون المغلقة، فأزال طلاسم وتعقيدات تلك المتون القديمة، وقرّبها إلى عقله بسهولة ويسر.
وعاد محمد عبده إلى الجامع الأحمدي، وقد أصبح أكثر ثقة بنفسه، وأكثر فهمًا للدروس التي يتلقاها هناك، بل لقد صار "محمد عبده" شيخًا ومعلمًا لزملائه يشرح لهم ما غمض عليهم قبل موعد شرح الأستاذ.
وهكذا تهيأ له أن يسير بخطى ثابتة على طريق العلم والمعرفة بعد أن عادت إليه ثقته بنفسه.

في الأزهر
انتقل محمد عبده من الجامع الأحمدي إلى الجامع الأزهر عام (1282 هـ = 1865م)، وقد كان الأزهر غاية كل متعلم وهدف كل دارس، فدرس الفقه والحديث والتفسير واللغة والنحو والبلاغة، وغير ذلك من العلوم الشرعية واللغوية.
وكانت الدراسة في الأزهر- في ذلك الوقت- لا تخرج عن هذه العلوم في شيء، فلا تاريخ ولا جغرافيا ولا طبيعة ولا كيمياء ولا رياضيات وغير ذلك من العلوم التي كانت توصف- آنذاك- بعلوم أهل الدنيا.
ولذلك فَقَدْ شَابَ الدراسة في الأزهر- في ذلك الوقت- كثير من التخلف والجمود، وتوقفت العلوم عند ظواهر الأشياء دون النفاذ إلى الجوهر، ومن ثم كانت الدراسة تنصبّ على المتون والحواشي والشروح بالدرجة الأولى. واستمر "محمد عبده" يدرس في "الأزهر" اثني عشر عامًا، حتى نال شهادة العالمية سنة (1294هـ = 1877م).

رجال تأثر بهم الإمام
تأثر الشيخ "محمد عبده" بعدد من الرجال الذين أثروا حياته وأثّروا فيها، وكان من أولهم الشيخ "درويش خضر" الذي كان يلتقي به في إجازته من كل عام، فيتعهده بالرعاية الروحية والتربية الوجدانية، فيصب في روحه من صوفيته النقية، ويشحذ عزيمته ونفسه بالإرادة الواعية، ويحركه للاتصال بالناس، والتفاعل مع المجتمع، ويدعوه إلى التحدث إلى الناس ونصحهم ووعظهم.
وهو الذي ساعده على تجاوز حدود العلوم التي درسها بالأزهر، ونبهه إلى ضرورة الأخذ من كل العلوم، بما فيها تلك العلوم التي رفضها الأزهر وضرب حولها سياجًا من المنع والتحريم.
ومن ثم فقد اتصل "محمد عبده" بالرجل الثاني الذي كان له أثر كبير في توجيهه إلى العلوم العصرية، وهو الشيخ "حسن الطويل" الذي كانت له معرفة بالرياضيات والفلسفة، وكان له اتصال بالسياسة، وعُرف بالشجاعة في القول بما يعتقد دون رياء أو مواربة. وقد حركت دروس الشيخ "حسن الطويل" كوامن نفس محمد عبده، ودفعته إلى البحث عن المزيد، وقد وجد ضالته أخيرًا عند السيد "جمال الدين الأفغاني".

صداقة ووئام بين الأفغاني والإمام
كان الأفغاني يفيض ذكاء وحيوية ونشاطا، فهو دائم الحركة، دائم التفكير، دائم النقد، دائم العطاء، وكان محركًا للعديد من ثورات الطلاب ومظاهراتهم؛ فقد وهب نفسه لهدف أسمى وغاية نبيلة هي إيقاظ الدولة الإسلامية من ثُباتها، والنهوض بها من كبوتها وضعفها، فعمل على تبصرة الشعوب بحقوقها من خلال تنوير عقول أبنائها. ووجد "الأفغاني" في "محمد عبده" الذكاء وحسن الاستعداد، وعلو الهمة، فضلا عن الحماسة في الدعوة إلى الإصلاح، ورأى "محمد عبده" من خلال "الأفغاني" الدنيا التي حجبتها عنه طبيعة الدراسة في الأزهر.. وتلازم الشيخان، ونشأت بينهما صداقة صافية، وساد بينهما نوع من الوئام والتوافق والانسجام على أساس من الحب المتبادل والاحترام والتقدير.

الإمام معلمًا
بعد أن نال "محمد عبده" شهادة العالمية من الأزهر، انطلق ليبدأ رحلة كفاحه من أجل العلم والتنوير، فلم يكتف بالتدريس في الأزهر، وإنما درّس في "دار العلوم" وفي "مدرسة الألسن"، كما اتصل بالحياة العامة.
وكانت دروسه في الأزهر في المنطق والفلسفة والتوحيد، وكان يُدرّس في دار العلوم مقدمة ابن خلدون، كما ألّف كتابًا في علم الاجتماع والعمران. واتصل بعدد من الجرائد، فكان يكتب في "الأهرام" مقالات في الإصلاح الخلقي والاجتماعي، فكتب مقالا في "الكتابة والقلم"، وآخر في "المدبر الإنساني والمدبر العقلي والروحاني"، وثالثا في "العلوم العقلية والدعوة إلى العلوم العصرية".

المنهج الإصلاحي للإمام
وحينما تولّى الخديوي "توفيق" العرش، تقلد "رياض باشا" رئاسة النظار، فاتجه إلى إصلاح "الوقائع المصرية"، واختار الشيخ محمد عبده ليقوم بهذه المهمة، فضم "محمد عبده" إليه "سعد زغلول"، و"إبراهيم الهلباوي"، والشيخ "محمد خليل"، وغيرهم، وأنشأ في الوقائع قسمًا غير رسمي إلى جانب الأخبار الرسمية، فكانت تحرر فيه مقالات إصلاحية أدبية واجتماعية، وكان الشيخ "محمد عبده" هو محررها الأول. وظل الشيخ "محمد عبده" في هذا العمل نحو سنة ونصف السنة، استطاع خلالها أن يجعل "الوقائع" منبرًا للدعوة إلى الإصلاح. وكان في مصر تياران قويان يتنازعان حركة الإصلاح:
الأول: يمثله فريق المحافظين الذين يرون أن الإصلاح الحقيقي للأمة إنما يكون من خلال نشر التعليم الصحيح بين أفراد الشعب، والتدرج في الحكم النيابي، وكان الإمام "محمد عبده" والزعيم "سعد زغلول" ممن يمثلون هذا التيار.
والثاني: يدعو إلى الحرية الشخصية والسياسية تأسيًا بدول أوروبا، وكانت نواته جماعة من المثقفين الذين تعلموا في أوروبا، وتأثروا بجو الحرية فيها، وأعجبوا بنظمها، ومنهم "أديب إسحاق".
وكان هؤلاء ينظرون إلى محمد عبده ورفاقه على أنهم رجعيون، ولا يوافقونهم فيما ذهبوا إليه من أن الإصلاح ينبغي أن يأتي بالتدريج ليستقر، وليس طفرة فيزول.

الإمام والثورة العرابية
وعندما اشتغلت الثورة العرابية سنة (1299هـ = 1882م) التفّ حولها كثير من الوطنيين، وانضم إليهم الكثير من الأعيان وعلماء الأزهر، واجتمعت حولها جموع الشعب وطوائفه المختلفة، وامتزجت مطالب جنود الجيش بمطالب جموع الشعب والأعيان والعلماء، وانطلقت الصحف تشعل لهيب الثورة، وتثير الجموع، وكان "عبد الله النديم" من أكثر الخطباء تحريضًا على الثورة. وبالرغم من أن "محمد عبده" لم يكن من المتحمسين للتغيير الثوري السريع فإنه انضم إلى المؤيدين للثورة، وأصبح واحدًا من قادتها وزعمائها، فتم القبض عليه، وأودع السجن ثلاثة أشهر، ثم حُكم عليه بالنفي لمدة ثلاث سنوات.

بين بيروت وباريس
انتقل "محمد عبده" إلى "بيروت" سنة (1300هـ = 1883م)؛ حيث أقام بها نحو عام، ثم ما لبث أن دعاه أستاذه الأفغاني للسفر إليه في باريس حيث منفاه، واستجاب "محمد عبده" لدعوة أستاذه حيث اشتركا معًا في إصدار مجلة "العروة الوثقى" التي صدرت من غرفة صغيرة متواضعة فوق سطح أحد منازل باريس؛ حيث كانت تلك الغرفة هي مقر التحرير وملتقى الأتباع والمؤيدين.
لقد أزعجت تلك المجلة الإنجليز، وأثارت مخاوفهم كما أثارت هواجس الفرنسيين، وكان الإمام محمد عبده وأستاذه وعدد قليل من معاونيهم يحملون عبء تحرير المجلة وتمهيد السبل لها للوصول إلى أرجاء العالم الإسلامي، وكانت مقالات الإمام تتسم في هذه الفترة بالقوة، والدعوة إلى مناهضة الاستعمار، والتحرر من الاحتلال الأجنبي بكل صوره وأشكاله. واستطاع الإنجليز إخماد صوت "العروة الوثقى" الذي أضجّ مضاجعهم وأقلق مسامعهم، فاحتجبت بعد أن صدر منها ثمانية عشر عددا في ثمانية أشهر، وعاد الشيخ "محمد عبده" إلى بيروت سنة (1302هـ = 1885م) بعد أن تهاوى كل شيء من حوله، فقد فشلت الثورة العرابية، وأغلقت جريدة "العروة الوثقى"، وابتعد عن أستاذه الذي رحل بدوره إلى "فارس".
وكان على "محمد عبده" أن يشغل وقته بالتأليف والتعليم، فشرح "نهج البلاغة" ومقامات "بديع الزمان الهمذاني"، وأخذ يدرّس تفسير القرآن في بعض مساجد "بيروت"، ثم دُعي للتدريس في "المدرسة السلطانية" ببيروت، فعمل على النهوض بها، وأصلح برامجها، فكان يدرّس التوحيد والمنطق والبلاغة والتاريخ والفقه، كما كتب في جريدة "ثمرات الفنون" عددًا من المقالات تشبه مقالاته في "الوقائع".
وبالرغم من أن مدة نفيه التي حكم عليه بها كانت ثلاث سنوات فإنه ظل في منفاه نحو ست سنين، فلم يكن يستطيع العودة إلى مصر بعد مشاركته في الثورة على الخديوي "توفيق"، واتهامه له بالخيانة والعمالة، ولكن بعد محاولات كثيرة لعدد من الساسة والزعماء، منهم: "سعد زغلول"، والأميرة "نازلي"، و"مختار باشا"، صدر العفو عن "محمد عبده" سنة (1306هـ = 1889م)، وآن له أن يعود إلى أرض الكنانة.

العودة إلى مصر
كان كل شيء قد أصبح في يد الإنجليز، وكان أهم أهداف الشيخ "محمد عبده" إصلاح العقيدة، والعمل على إصلاح المؤسسات الإسلامية كالأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية.. واتخذ "محمد عبده" قراره بمسالمة الخديوي، وذلك حتى يتمكن من تنفيذ برنامجه الإصلاحي الذي يطمح إلى تحقيقه، والاستعانة بالإنجليز أنفسهم إذا اقتضى الأمر، فوضع تقريرًا بعد عودته حول الإصلاحات التي يراها ضرورية للنهوض بالتعليم، ورفعه إلى "اللورد كرومر" نفسه، فحقيقية الأمر التي لا جدال فيها أنه كان القوة الفاعلة والحاكم الحقيقي لمصر.
وكان الشيخ "محمد عبده" يأمل أن يكون ناظرًا لدار العلوم أو أستاذًا فيها بعد عودته إلى مصر، ولكن الخديوي والإنجليز كان لهما رأي آخر؛ ولذلك فقد تم تعيينه قاضيًا أهليًا في محكمة بنها، ثم الزقازيق، ثم عابدين، ثم عين مستشارًا في محكمة الاستئناف سنة (1313هـ = 1895م).
بدأ يتعلم اللغة الفرنسية وهو قاضٍ في "عابدين"- وكانت سنه حينئذ قد شارفت على الأربعين- حتى تمكّن منها، فاطلع على القوانين الفرنسية وشروحها، وترجم كتابًا في التربية من الفرنسية إلى العربية.

الإمام مفتيًا
وعندما تُوفي الخديوي "توفيق" سنة (1310هـ = 1892م)، وتولي الخديوي عباس، الذي كان متحمسًا على مناهضة الاحتلال، سعى الشيخ "محمد عبده" إلى توثيق صلته به، واستطاع إقناعه بخطته الإصلاحية التي تقوم على إصلاح الأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية، وصدر قرار بتشكيل مجلس إدارة الأزهر برئاسة الشيخ "حسونة النواوي"، وكان الشيخ محمد عبده عضوا فيه، وهكذا أتيحت الفرصة للشيخ محمد عبده لتحقيق حلمه بإصلاح الأزهر، وهو الحلم الذي تمناه منذ أن وطئت قدماه ساحته لأول مرة.
وفي عام (1317هـ = 1899م) تم تعيينه مفتيًا للبلاد، ولكن علاقته بالخديوي عباس كان يشوبها شيء من الفتور، الذي ظل يزداد على مر الأيام، خاصة بعدما اعترض على ما أراده الخديوي من استبدال أرض من الأوقاف بأخرى له إلا إذا دفع الخديوي للوقف عشرين ألف فرقًا بين الصفقتين.

الحملة الشرسة ضد الإمام
وتحول الموقف إلى عداء سافر من الخديوي، فبدأت المؤامرات والدسائس تُحاك ضد الإمام الشيخ، وبدأت الصحف تشن هجومًا قاسيًا عليه لتحقيره والنيل منه، ولجأ خصومه إلى العديد من الطرق الرخيصة والأساليب المبتذلة لتجريحه وتشويه صورته أمام العامة؛ حتى اضطر إلى الاستقالة من الأزهر في سنة (1323هـ = 1905م)، وإثر ذلك أحس الشيخ بالمرض، واشتدت عليه وطأة المرض، الذي تبيّن أنه السرطان، وما لبث أن تُوفي بالإسكندرية في (8 من جمادى الأولى 1323 هـ = 11 من يوليو 1905م) عن عمر بلغ ستة وخمسين عامًا.

أهم مصادر البحث:
زعماء الإصلاح في العصر الحديث: أحمد أمين- مكتبة النهضة المصرية-القاهرة (1368هـ = 1948م).
محمد عبده: عباس محمود العقاد- المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر- القاهرة (1962).
مفكرون من مصر: سامي خشبة- الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة (1421هـ = 2000م).
رائد الفكر المصري الإمام محمد عبده: عثمان أمين- مكتبة النهضة المصرية- القاهرة (1955م).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

دراستان عن الإمام محمد عبده فى ذكراه Empty
مُساهمةموضوع: رد: دراستان عن الإمام محمد عبده فى ذكراه   دراستان عن الإمام محمد عبده فى ذكراه Empty11/7/2009, 3:04 pm


قراءة في فكر الشيخ محمد عبدة
مشروع إصلاحي للأرتقاء بوعي الأمة

بقلم: معتصم زكي السنوي

بغداد - 12/02/2006
نشأَتُه الأولى

نشأ في قرية صغيرة (محلة نصر) من أبوين فقيرين فلم يمنعه ذلك من الأرتقاء واستعداده حتى بلغ منصب الأفتاء وأصبح علماً في الشرق وقطباً من اقطاب الدهر سينقش أسمهُ على صفحات الأيام ويبقى ذكره ما بقي الإسلام ... وُلد عام 1258 هـ - 1842 م) وأبوه يتعاطى الفلاحة وقد أدخل فيها أولاده إلاَّ محمداً لأنه توسم فيهِ الذكاء. فأراد أن يجعله من الفقهاء فأدخله كتاب القرية تردد إليه حيناً . ثم أرسله إلى " الجامع الأحمدي " في طنطا أقام فيه ثلاث سنوات ثم نقله إلى " الجامع الأزهر " فقضى فيه عامين لم يستفد فيهما شيئاً. وهو ينسب ذلك بالأكثر إلى فساد طريقة التعليم . ثم أنتبه لنفسهِ ولم يرَ بدّاً من تلقي العلم فأستنبط لنفسه أسلوباً في المطالعة وأعمل فكرة في تفهم ما يقرأه . فأستلذَّ العلم وأستغرق في طلبهِ فأحرز منه جانباً كبيراً على ما يستطاع أدراكه بتلك الطريقة. وأتفق على أن ورد على مصر سنة 1288هـ - 1871م السيد جمال الدين الأفغاني فيلسوف الإسلام وصاحب الترجمة لا يزال في الأزهر وقد أدرك الثلاثين من عمره ، وتولى جمال الدين تعليم المنطق والفلسفة فانضم محمد الى سلك تلامذته مع جماعة من نوابغ المصريين تخرجوا على جمال الدين . فخرجوا لا يشق لهم غبار كأنَّ الرجل نفخ فيهم من روحه ففتحوا أعينهم وإذا هم في ظلمة وقد جاءهم النور . فأقتبسوا منهُ فضلاً على العلم والفلسفة روحاً حية أرتهم حالهم كما هي إذ تمزقت عن عقولهم حجب الأوهام . فنشطوا للعمل في الكتابة فأنشأوا الفصول الأدبية والحكمية والدينية . وكان صاحب الترجمة ألصق الجميع به وأقربهم إلى طبعة وأقدرهم على مباراته ، فلما قضي على جمال الدين بالأبعاد من هذه الديار قال يوم وداعه لبعض خاصته : (قد تركت لكم الشيخ محمد عبده وكفى بهِ لمصر عالماً) .
وتقلب محمد في بعض المناصب العلمية بين تدريس في المدارس الأميرية وتحرير في " الوقائع المصرية " وكتابة في الدوائر الرسمية حتى كانت الحوادث العرابية . فحمله اصحابها على السير معهم وهو ينصح لهم أن لا يفعلوا وينذرهم بسوء العاقبة . ولما أستفحل أمر العرابيين أختلط الحابل بالنابل وسيق الناس بتيار الثورة وهم لا يعلمون مصيرهم . فدخل الأنكليز مصر والشيخ محمد عبده في جملة الذين قُبض عليهم وحوكموا . فحكم عليه بالنفي لأنهُ أفتى بعزل توفيق باشا الخديوي السابق . فأختار الإقامة في سورية فرحب به السوريون وأعجبوا بعلمه وفضله . فأقام هناك ست سنوات فأغتنموا أقامته بينهم وعهدوا إليه بالتدريس في بعض مدارسهم . وأنتقل من سورية إلى باريس فالتقى فيها بأستاذه وصديقه جمال الدين وكانا قد تواعدا على اللقاء هناك . فأنشأوا جريدة " العروة الوثقى " وكتابتها منوطة بالشيخ محمد فكانت لها رنة شديدة في العالم الإسلامي ولكنها لم تعش طويلاً . وتمكن الشيخ في إثناء أقامتهِ بباريس من الأطلاع على أحوال التمدن الحديث وقرأ اللغة الفرنسية على نفسه حتى أصبح قادراً على المطالعة فيها ثم سعى بعضهم في أصدار العفو عنه فعاد إلى مصر . فولاَّه الخديوي السابق القضاء وظهرت مناقبه ومواهبه فعين مستشاراً في محكمة الأستئناف وسمي عضواً في مجلس إدارة الأزهر . وعين أخيراً مفتياً للديار المصرية سنة 1317هـ - 1899م وما زال في هذا المنصب حتى توفاه الله في 11 تموز 1905 ولم يعقب ذكراً يبقى بهِ أسمه ولكنهُ خلف آثاراً يخلد بها ذكره.

مناقبه وأعماله
كان ربع القامة أسمر اللون قوي البنية حاد النظر فصيح اللسان قوي العارضة متوقد الفؤاد بليغ العبارة حاضر الذهن سريع الخاطر قوي الحافظة . وقد ساعده ذلك على أحراز ما أحرزه من العلوم الكثيرة الدينية والعقلية والفلسفية والمنطقية والطبيعية وتلقى اللغة الفرنسية وهو في حدود الكهولة في بضعة أشهر . وكان شديد الغيرة على وطنه حريصاً على رفع شأن ملته وذاع ذلك عنه في العالم الإسلامي . فكاتبه المسلمون من أربعة أقطار المسكونة يستفتونه ويستفيدون من علمه وهو لا يردُّ طالباً ولا يقصر في واجب . ناهيك بما عُهد إليه من المشروعات الوطنية فقد كان القوم لا يقدمون على عمل كبير إلاَّ رأسوه عليه أو استشاروه فيه . فرأس " الجمعية الخيرية الإسلامية " وألف " شركة طبع الكتب العربية " وشارك مجلس شورى القوانين في مباحثه . وآخر ما عهد إليه تنظيم مدرسة يتخرج فيها قضاة الشريعة ومحاموها. فضلاً على ما أشتغل فيه من التأليف والتصنيف وما كان يستشار فيه من الأمور المهمة في القضاء أو الإدارة بالمصالح العامة والخاصة . وبالجملة فقد كان كنز فوائد للقريب والبعيد بين أفتاء ومشورة وإحسان وكتابة ومداولة ووعظ وخطابه ومباحثة ومناظرة وأستنهاض وتحريض وتنشيط وغير ذلك.

إصلاح الإسلام
على أن عظمته الحقيقية لا تتوقف على ما تقدم من أعماله الخيرية أو العملية أو القضائية . وإنما هي تقوم بمشروعه الأصلاحي الذي لا يتصدى لمثله إلا أفراد لا يقوم منهم في الأمة الواحدة مهما طال عمرها إلا بضعة قليلة . وهذا ما أردنا بسطه على الخصوص في هذه العجالة :
(العظمة الحقيقية ) تختلف العظمة شكلاً وأثراً بأختلاف السبيل الذي يسعى صاحبها فيه أو الغرض الذي يرمي إليه. فمنهم العظيم في السياسة أو الحرب أو العلم أو الدين . ومن العظماء من يوفق إلى أتمام عمله ومنهم من يرجع بصفقة الخاسر من نصف الطريق أو ربعه أو عشره . على أن أكثر العظماء إنما يأتون العظائم لمجرد الرغبة في الشهرة الواسعة ويغلب أن يكون ذلك في رجال الحرب . وهؤلاء تنحصر ثمار أعمالهم في أنفسهم أو أهلهم أو أمتهم على أنهم لا يستطيعون نفعاً لإنفسهم إلا بضر الآخرين. عد ذلك في سير كبار الفاتحين كالأسكندر وبونابرت وغيرهما . فكم سفكوا في سبيل عظمتهم من الدماء أو أرتكبوا من المحرمات وكان النفع عائداً على أنفسهم أو أمتهم ولم يطل مكثه فيهم إلا قليلاً. وإما رجال العلم فعظمتهم تقوم بما ينيرون به الأذهان من الاصول العلمية أو يكتشفونهُ من أسباب الأمراض والوقاية منها أو يضعونه من النظامات والقوانين أو غير ذلك . ونفعهم يشمل القريب والبعيد الرفيع والوضيع ولا يسفكون في سبيل نشره دماً ولا يرتكبون محرماً . وهو باقٍ ما بقي الإنسان وينمو بنمو المدنية. وأما رجال الدين ومن جرى مجراهم من واضعي الشرائع والأحكام فتأثيرهم أوسع دائرةً واعمَُ شمولاً لأنهُ يتناول البشر على أختلاف طبقاتهم وأجناسهم رجالاً ونساءً كباراً وصغاراً . وعليهم يتوقف نظام الأجتماع وآدابه وأخلاق الناس وعاداتهم وعلائقهم بعضهم ببعض . وعظماء الدين فئتان : الفئة الأولى واضعوا الشرائع كالأنبياء أو من في معناهم ممن ينسبون أعمالهم إلى ما وراء الطبيعة . والفئة الثانية المصلحون الذين يصلحون الدين بعد فساده - لأنَّ الدين إذا مرَّ عليهِ بضعة قرون فسد وتغير شكله وأنقلب وضعه تبعاً لمطامع الذين يتولون شؤونه فتفسد الأمة وينحط شأنها حتى يقوم من يصلحه ويعيده إلى رونقه . ووضع الأديان عمل شاقٌّ قلَّ من يفوز بهِ والأصلاح الديني لا يقلُّ مشقة عنه . وربما كان أدخال دين جديد أيسر من أصلاح دين قديم. فالديانة المسيحية لم تكلف البشر في قيامها من الدماء أكثر مما كلفتهم في أصلاحها. على أن ما يضيعه رجال الدين في نشره من الدماء يعوضونه بسرعة أنتشاره ، عـــد ذلك فـي الفرق بـــين النصرانية والإسلام في قيامهما . ويقال نحو ذلك في الأصلاح فقد طلبه وسعى فيه غير واحد من رجال النصرانية فلم يتفق منهم إلى أصلاح كبير غير " لوثر " لأن أهل السياسة نصروه . ولابد من أستعداد الأذهان لقبول الأصلاح وتهيئة الأسباب الأخرى . فكم نهض من المصلحين بالسيف فغلبوا على أمورهم وذهب سعيهم عبثاً . وأقربهم عهداً منا صاحب مذهب " الوهابية " في نجد فقد أستفحل أمره في أوائل القرن الماضي وأراد في الإسلام نحو ما أراده لوثر في النصرانية . فلم يوفق إلى غرضه لأن الجنود المصرية غلبته وفلّت عزيمتهُ . أما المصلحون بالموعظة الحسنة والتعليم فعملهم بطيءٌ ولكنه أرسخ في الأذهان واصبر على كوارث الحدثان - والشيخ محمد عبده واحد منهم .

هو وجمال الدين
نشأ الشيخ المفتي نير البصيرة حرَّ الضمير وربي في الإسلام وتعلم علومه فشب غيوراً عليهِ . ثمَّ أطلع على علوم الأمم الراقية من أهل هذا التمدن ودرس تاريخ الأجتماع ونواميس العمران فرأى الإسلام في حاجة إلى نهضة ترفع شأنهُ وتجمع كلمته . وأتفق أجتماعه بالسيد جمال الدين الأفغاني فأخذ عنه الفلسفة والمنطق والحكمة المشرقية . وكان جمال غيوراً على الإسلام راغباً في جمع كلمته ورفع شأنه . فتوافقاً في الغاية ولكنهما أختلفا في الوسيلة . لأن جمال الدين سعى الى ذلك من طريق السياسة فأراد جمع شتات المسلمين في أربعة أقطار العالم تحت ظل دولة إسلامية واحدة . وقد بذل في هذا المسعى جهده وأنقطع عن العالم من أجله فلم يتخذ زوجة ولا ألتمس كسباً . وإنما جعل همهُ السعي إلى تلك الغاية فلم يوفق إلى غرضه لأسباب عمرانية طبيعية لا محل لذكرها. وكان الشيخ محمد عبده رفيقه في كثير من مساعيهِ وأطلع على دخائل أموره وعرف أسباب حبوطه . فعلم أن جمع كلمة المسلمين ورفع شأنهم من طريق السياسة لا يتيسر الوصول إليه فسعى فيه من طريق العلم . فجعل همهُ رفع منار الإسلام وجمع كلمة المسلمين بالتعليم والتهذيب وتقريبهم من أسباب المدينة الحديثة ليستطيعوا مجاراة الأمم الراقية في هذا العصر . ورأى الى ذلك لا يتأتى إلا بتنقية الدين مما أعتوره من الشوائب التي طرأت عليهِ بتوالي العصور وتغالب الدول وأختلاف أغراض أصحابها وأئمتها كما أصاب النصرانية في القرون المتوسطة إذ تمسك الناس بالعرض وتركوا الجوهر وأستغرقوا في الأوهام ونبذوا الحقائق . والسبيل الوحيد لمغالبة الأوهام والخرافات إنما هو العلم الصحيح على ما بلغ إليه في هذا العهد . وعلم صاحب الترجمة أن محورٍ العلوم الإسلامية اليوم مصر ومركز العلم أو في العالم الإسلامي كافة " الجامع الأزهر " فرأى أنه إذا أصلح " الأزهر " فقد أصلح الإسلام ، فسعى جهده في تلك فأعترضه أناسٌ من أهل المراتب يفضلون بقاء القديم على قدمه وأستنصروا العامة عليه وغرسوا في أذهانهم أن المفتى ذاهب بالمسلمين إلى مهاوي الضلال والبدع ، فلم يهمه قولهم لعلمهِ أن ذلك نسيب أمثاله من قديم الزمان. على أنهُ لم ينجح في أصلاح الأزهر ولكنهُ وضع الأساس ولا بدَّ من رجوع الأمة إلى تأييد هذه النهضة ولو بعد حين فيكون الفضل له في تأسيسها. على الجانب الأعظم من عقلاء المسلمين وخاصتهم يرون رأيه في أصلاح الدين ورجاله. وربما سبقهُ كثيرون منهم إلى الشعور بحاجة الإسلام إلى ذلك ولاسيما المتخرجين بالعلوم العصرية من الناشئة المصرية . ولكنهم لم يجسروا على التصريح بأفكارهم في غير المجتمعات الخصوصية لئلا ينسبهم الناس إلى المروق من الدين . فلما جاهر محمد عبده برأيه وأفقوه وصاروا من مريديه ونصروه بألسنتهم وأقلامهم . فحاجة الإسلام إلى الأصلاح ليس هو أول من أنتبه إليها ولكنه أول من جاهر بها . كما أن لوثر المصلح المسيحي ليس من أنتبه لحاجة النصرانية إلى الأصلاح ولكنهُ أول من جاهد في سبيلها وقد فاز بجهاده لقيام السياسة بنصرتهِ . وأما مصلح الإسلام فكانت السياسة ضده وإنما حمله على تلك المجاهرة حرية ضميره وجسارتهُ الأدبية ومنصبه الرفيع في الأفتاء.

الإسلام والمدنية
فلما صرح الشيخ محمد عبده بحاجة الإسلام إلى الإصلاح أنقسم المسلمون إلى فئتين : فئة ترى بقاء القديم على قدمه وهم حزب المحافظين . وفئة ترى حلَّ القيود القديمة وأطلاق حرية الفكر والرجوع إلى الصحيح من قواعد الدين ونبذ ما خالطه من الأعتقادات الدخيلة. وكان زعيم هذه الفئة يناضل عن مبادئها بلسانه وقلمه وبكل جارحة من جوارحه . وكانت مساعيهِ من هذا القبيل ترمي إلى غرضين رئيسيين : الأول تنقية الدين الإسلامي من الشوائب التي طرأت عليه والثاني تقريب المسلمين من أهل التمدن الحديث ليستفيدوا من ثمار مدنيته علمياً وصناعياً وتجارياً وسياسياً . فأهل العصبية الإسلامية يرون هذا التقريب مغايراً لما يرجونه من أستقلال المسلمين بالجامعة السياسية . لأن مجاراة أهل التمدن الحديث بأسباب مدنيتهم وتسهيل الأختلاط بهم يضعف عصبية الإسلام على زعمهم ويبعث على تشتيت عناصره فيستحيل جمعها في ظل دولة واحدة . ولكن الشيخ المفتي كان يرى ذلك الأجتماع السياسي مستحيلاً في هذه الحال فلم يشأ أن يضيع وقتهُ سدى كما أضاعه أستاذه وصديقهُ جمال الدين وأن يخسر فائدة تقرب المسلمين من أسباب هذا التمدن . فسعى في ذلك بما نشره من فتاويه المتعلقة بالربا والموقوذة ولبس القبعة ونحو ذلك مما يقرب المسلمين من الأمم الأخرى ، ويسهل أسباب التجارة.

تنقية الدين
وأما تنقية الدين الإسلامي من الشوائب الطارئة عليه فأساس سعيه فيها أنه أطلق لفكرة الحرية في تفسير القرآن . ولم يتقيد بما قاله القدماء، أو وضعوه من القواعد التي يحرم الأئمة تبديل شيء منها . فرأى أن يحلَّ نفسه من هذه القيود ويفسر القرآن على ما يوافق روح هذا العصر. فيجعل أقواله وآراءه فيهِ موافقة لقواعد العلم الصحيح المبني على المشاهدة والأختبار ولنواميس العمران على ما بلغ إليه هذا إلى الآن مع مطابقته لأحكام العقل وأصول الدين كما فعل النصارى في تفسير الكتاب المقدَّس بعد ثبوت مذاهب العلم الجديد. وهو أوعر مسلكاً في الإسلام لأرتباط الدين بالسياسة فيه . والقرآن أساس الدين والدنيا عندهم فيعلقون على تفسيره أهمية كبرى لأنهُ مرجع الفقه وغيره من الأحكام الشرعية والسياسية . ولذلك رأى أهل السنَّة تقييده بأقوال الأئمة الأربعة وخالفهم الشيعة بأستبقاء باب الأجتهاد مفتوحاً فلا يرون بأساً في العدول عن تفسير إلى آخر بشروط يشترطونها في مفسريهم وهم يُعرفون عندهم بالأئمة المجتهدين .

التفسير
وقد توالت على تفسير القرآن أحوال تختلف بأختلاف العصور من الإسلام إلى الآن ترجع إلى أربعة أعصر .
الأول: العصر الشفاهي : وهو ينحصر في أيام النبي وأصحابه فقد كانوا عند ظهور الدعوة كلما تليت عليهم سورة أو آية فهموها وأدركوا معانيها بمفرداتها وتراكيبها لأنها بلسانهم وعلى أساليب بلاغتهم. ولأن أكثرها قيلت في أحوال كانت القرائن تسهل فهمها وإذا أشكل عليهم شيء منها سألوا النبي فيفسره لهم . وكان التفسير مختصراً بسيطاً لسذاجة الدولة الإسلامية يومئذٍ .
ثانياً: العصر التقليدي : ونريد به عصر التابعين أو حواليه وكانت الدولة الإسلامية قد أخذت في النمو والأرتقاء فأحتاجوا إلى التوسع في التفسير . وكان أكثرهم أميين فإذا أعجزهم تفسير بعض الآيات سألوا عنها من اسلم من أهل الكتاب ولاسيما اليهود المقيمين في اليمن وكانوا قد أسلموا وظلوا على ما كان عندهم من التقاليد المتناقلة شفاهاً أو كتابه مما لا تعلق له بالأحكام الشرعية .
ثالثاً: العصر الفلسفي المنطقي : ونريد به تدوين التفسير وضبطهُ بالقياس الفلسفي والحكم المنطقي بعد أن أختلط المسلمون بأهل العلم القديم في الشام والعراق وفارس وأطلعوا على علوم القدماء وفلسفة اليونان والهند ونقلوا ذلك إلى لسانهم وأستخرجوا منه علم الكلام . وكان العرب وضعوا العلوم اللسانية وضبطوا معاني الألفاظ وأساليب التعبير . فنظروا في التفاسير السابقة نظر الناقد ومحصوها وضبطوها بالقياس العقلي بالأعتماد على قواعد المنطق بما تقتضيهِ الفلسفة اليونانية القــديمة علــى نحو ما فعله لاهـــــوتيُّو النصاري قبل ذلك .
رابعاً: العصر العلمي : الذي نحن فيه وهو عصر الفلسفة الجديدة المبنية على العلم الطبيعي الثابت بالمشاهدة والأختبار . ويمتاز من العصر السابق بأطلاق حرية الفكر من قيود التقليد القديمة التي أغلتّ ألسنة اسلافنا وأقلامهم وأوقفت مجاري التمدن أجيالاً متطاولة . فالشيخ المفتى أراد أن ينقل التفسير إلى روح هذا العصر فيفسر القرآن بما يطابق أحكام العقل ويحل الإسلام من قيود التقليد . فسار في هذا الطريق شوطاً بعيداً فألقى على طلبة " الأزهر " خطباً كثيرة في التفسير نشرت في مجلة " المنار " وطبع بعضها على حدة وكان لها تأثير حسن في نفوس العقلاء. ولو مدَّ الله في أجله لأتم هذا العمل.

ولكنهُ قضى آسفاً خائفاً ولسان حاله يردد هذين البيتين وقد قيل أنهما من قصيدة نظمها في أثناء مرضه :
ولست أُبالي أن يقال محمدٌ
أبلَّ أو أكتظت عليه المآتــمُ
ولكنَّ ديناً قد أَردت صلاحه
أحاذر أن تقضي عليه العمائمُ
على أنَّه خلف جماعة من تلامذته ومريديه أكثرهم من أهل العلم وأرباب الأقلام وفيهم نخبة كتّاب المسلمين وشعراؤهم في هذا العصر . وأكثرهم مجاهرة بنصرته وأذاعة لآرائه كان السيد رشيد رضا صاحب "المنار" الإسلامي . والشيخ محمد عبده زعيم نهضةٍ إصلاحية لا خوف منها على الدماء أو الأرواح وأكثر نهضات الأمم في سبيل إصلاحها لا تخلو من أهراق الدماء . فهو رجل عظيم يجدر بالمسلمين أن يبكوه وأن يقتفوا آثاره في التوفيق بن الإسلام والمدنية الحـاضرة وتنقيته مما ألمَّ به بتوالي الأزمان . وذلك ميسور لمن أطلق فكــره من قيود التقليد وأسترشد بما يهديه إليه العقل الصحيح بالأســناد إلى العلم الصحيح . على أننا نرجو أن لا تعدم هذه النهضة من يخلف الإمام في الأنتصار لها والعمل بها والله على كل شيء قدير.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
 
دراستان عن الإمام محمد عبده فى ذكراه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مؤلفات الإمام الأكبر شيخ الأزهر محمود شلتوت فى ذكراه
» الدكتور على الوردى فى ذكراه
» الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده
» الدكتور عيسى عبده إبراهيم رائد الاقتصاد الإسلامي
» دراستان عن العنف لدى طلبة الجزائر وعن شغب الملاعب

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
ســــير وأعــلام وتراجــم
-
انتقل الى: