إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى

خطوة على طريق الوعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 مفهوم الآخـــر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. فرغلى هارون
المدير العـام

د. فرغلى هارون


ذكر عدد الرسائل : 3278
تاريخ التسجيل : 07/05/2008

مفهوم الآخـــر Empty
مُساهمةموضوع: مفهوم الآخـــر   مفهوم الآخـــر Empty18/12/2008, 4:24 pm


مفهوم الآخـــر
أ.د.حسين جمعة

ما تزال الأقلام تتناول الحديث عن الآخر دون أن تحدد مفهومه، لذا كان علينا أن نبين هذا المفهوم ليتبين لنا الفارق بين نظرتنا للآخر ونظرة الآخر إلينا. فالآخر هو كل ما يقع في خارج الذات الفردية(الأنا) والذات الجمعية (نحن) في إطار الشخصية الوطنية للجماعة أو الدولة أو الأمة، أي إن الآخر ـ في المبدأ ـ مصطلح محايد، أياً كانت دلالته؛ في الإنسان أو الأشياء. وهذا ما أوردته اللغة العربية وثقافتها، فلفظ الآخر ـ فيهما ـ مفرد ويقع على الجمع ويطلق على الإنسان المقابل للذات أو (الغير) سواء كان موافقاً أم مبايناً في الرأي أوالجنس ... وعليه قول امرئ القيس:

إذا قلت: هذا صاحب قد رضيته
وقرّت به العينان بُدِّلت آخرا


ومن ثم تشكل الآخر في الثقافة العربية الإسلامية الناجزة في جو من الحوار والتسامح، ولم يتعرض للإلغاء والاستئصال إلا مرتين؛ مرة في عهد الفكر الخارجي، ومرة أخرى حين ساد الفكر الاعتزالي وسعى إلى القضاء على الفكر المتمثل بفكر أحمد بن حنبل...
فالآخر المباين، بل المغاير في الفكر العربي لم يستهدف بالاستئصال وإنما نظر إلى صاحبه باعتباره إنساناً مكرماً لقوله تعالى: " ولقد كرمنا بني آدم" (سورة الإسراء 17/70) بل إن النص القرآني رفع من مكانة المغاير المعادي فساواه بالآخر الموافق لقوله تعالى: " إنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين" وها هو ذا الإمام علي يوصي الأشتر وهو ذاهب إلى مصر قائلاً: " الناس صنفان فإما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق"...

هكذا يتشكل مفهوم الآخر لدينا على حين تشكل العولمة ـ مثلاً ـ مفهومها للآخر في إطار تبعيته لمنظومتها السياسية والاقتصادية والثقافية، أي إنها تبتكر نمطاً ثقافياً يسعى إلى السيطرة على ثقافة الآخر أياً كان انتماؤه. ولا يختلف مفهوم العولمة للآخر عن الفلسفة الأوربية، والأدبيات السياسية والثقافية تجاهه. فالآخر كما حدّده (هيغل) في كتابه (فلسفة التاريخ) هو إنسان الشرق، وهو يتحرك في إطار هامشي، ومتخلف حول مركز الحكمة والمعرفة (أوربا) المعاصرة (واليونان القديمة) وهي التي تمثل (الأنا) الغربية. فالآخر عند الغربيين يدل على التخلف والضعف والهمجية، والتوحش، والبعد عن الإبداع والإنتاج، على حين تمثل (الأنا) الغربية الرقي والتفوق والاستعلاء... وهذا الفهم للآخر هو الفهم المنبثق من التوراة والتلمود والتاريخ اليهودي... وعليه فإن مفهوم الآخر في تصور العولمة تابع منقاد للقيم التي تنتجها، ولا سيما حين ألبسها أصحابها ثوباً براقاً قوامه الحرية والديمقراطية، على حين تخفي في باطنها شروط القهر والسيطرة لكل ما يناقض مفاهيمهم لتطبيق الحرية والديمقراطية، فأي آلية لا توافق تصوراتهم هي باطلة فالآخر يجب أن يتبنى ما تنتجه العولمة التي ركزت أدواتها على أساس تسليع الإنسان في السوق الأمريكية.

وحين يسهم كثير من المفكرين العرب في تقبل مفاهيم العولمة فإنهم يؤكدون ضرورة الانفتاح عليها في الوقت الذي يصرون فيه على التمسك بالشخصية الذاتية الوطنية والقومية... فالعولمة في منظارهم ظاهرة تاريخية، ولكل فرد حريته، ولكل أمة هويتها... ومن هنا فهم ينظرون إلى ثقافة العولمة بوصفهاا ثقافة الآخر التي تتطلب استثمارها والإفادة منها، مهما اتسمت بالبُعد الأحادي والمبرمج في دورة سياسية ثقافية اقتصادية مركزها مكان واحد هو واشنطن...
وفي ضوء ما تقدم يمكن أن يكون الآخر من أبناء جلدتنا ونطلق عليه الآخر الموافق وإذا كان مبايناً في آرائه معنا فإنه يرتبط بنا ونندمج معه في مفهوم (نحن) وفق مبدأ الائتلاف والاختلاف، ووفق الحديث الشريف (اختلاف أمتي رحمة) أما المغاير المفارق في الفكر والثقافة والجنس أو المغاير المعادي فإنما هو الآخر الذي يريد استئصال غيره، أو يتوجه إلى السيطرة عليه وعلى ثقافته.

وعليه فإن الآخر في مفهوم ثقافة العولمة وتصور أبنائها لا يتطابق مع ما هو عليه في ظل الثقافة العربية الإسلامية التي تربى على قيمها حتى غدا قادراً على ابتكار المزيج الحضاري الإنساني الراقي أياً كان جنسه وعقيدته ولونه ويؤكد ذلك هذا التصاهر الذي نشأ بين أبناء المجتمع الواحد المكون من أعراق شتى فضلاً عن التسامح بين الطوائف والمذاهب...
ولذلك كله فنحن لا نرى ضيراً في العولمة ما لم تجعل الإنسان والأوطان سلعاً تباع وتشترى في السوق العالمية، ما يعني أن علينا إعادة صياغة ذواتنا فكرياً وعاطفياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وتربوياً وعلمياً في الإطار الذي يجعلنا قادرين على الفعل والتأثير في العالم... علينا أن ندقق في كل ما يجري من إعادة صياغة للذات والوطن والأمة لئلا نسقط في أساليب العولمة القاهرة التي لم تؤدِّ إلا إلى الشك في الهوية والانتماء؛ ونسف القيم الفكرية والاجتماعية والأخلاقية الموروثة،... فضلاً عن أن النقد الذاتي للفكر العربي ـ وعلى كل صعيد ـ أصبح أداة قتل للفكر العربي الذي تكوّن منذ آلاف السنين على أساس التعاون والتآخي والتسامح والحوار، والصدق والإخلاص والتنظيم في العمل... والفكر العربي سيد من آمن بقبول الآخر وفهمه واستوعبه وأقبل عليه وأكرمه وحماه، سواء كان الآخر الموافق المباين أو المغاير المفارق، أو المغاير المعادي، كما تقدمت الإشارة إليه...
فاللغة الجديدة لبعض المؤمنين بالآخر الصهيوني والأمريكي المحتل تعتمد منهج النقد الذاتي لمعايير الواقع المعيش الذي لا نستطيع تبديله، ثم طفق عدد غير قليل من أبناء جلدتنا يرون أن مصالحنا تقتضي ألا نعيش خارج العصر، وإلا خرجنا من التاريخ دفعة واحدة.... فهم يعتقدون أن اتباع عولمة الآخر منهج سليم وضروري يهدف إلى تطوير الثقافة الوطنية والقومية والارتقاء بها، والفكر يقوّم بالفكر، وعلى الإنسان العاقل أن يتمسك بالإيجابيات ويتخلص من السلبيات في كل شأن من شؤونه الذاتية والجماعية...

ولعل ما تقدم كله ينقلنا إلى الآخر المغاير المعادي؛ وهو المفارق في الثقافة والانتماء والذي وقف موقفاً عدائياً من العربي والمسلم ـ غالباً ـ ولم يبادلهما قيم الانفتاح والمحبة والتآخي... إذ كان يريد لكلٍّ منهما أن يصبح تابعاً مسخراً لخدمته وإن دافع عن كرامته وكيانه كان مصيره التعذيب أو القتل، أو هتك العرض، وسرقة الأرض... ولا شيء أدل على هذا مما يظهر من فعل الآخر الصهيوني الذي أفاد من العولمة الأمريكية... فهو ينظر إلى الآخر عربياً أو غيره؛ مسيحياً أو مسلماً بوصفه من الأغيار والغوييم... وقد تأثر بهذه التصورات عدد من أنصار العولمة في الغرب ورأوا أنه لا يحق للعربي أو المسلم أن يقف في وجه مصالحهم، ولو تجرأ وفعلها فهو إرهابي دموي... وعليه فقد أصبح لزاماً على العربي أن يغير زمرة دمه، ثم أصبح من السهل ـ لدى الغرب ـ القبول بأن المجتمع العربي مجتمع دموي إرهابي.

ومن ثم فالآخر الممثل بالعولمة وقف موقفاً عدائياً منا ومن قضايانا فضلاً عن أننا لم نستوعب حركة التطور السريعة وتقبلنا ما قدمته العولمة بعجره وبجره، علماً أن تقويم الذات يجب أن يحدث بصورة مطردة يدفعها إلى الرقي ومواكبة ما يجري في العصر الذي تتفجر فيه المعارف من حولنا شرط أن يكون لنا نصيب يذكر في إنتاجها؛ وأن نفتح الكوى المغلقة على الديمقراطية وحرية التعبير...
جريدة الاسبوع الادبي العدد 1116 تاريخ 23/8/2008
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://social.alafdal.net
 
مفهوم الآخـــر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إنســـانيــات .. نحـو عـلم اجـتماعى نـقدى :: 
منتدى الخدمات العامة لجميع الباحثين
 :: 
قضــــايا ومنــاقـشــــات فى كل المجالات
-
انتقل الى: